تعتبر معركة المنصورة الجوية أكبر معركة جوية حدثت خلال حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، كما تعتبر من أكبر المعارك الجوية على الإطلاق فى الحروب الجوية الحديثة بعد معارك الحرب العالمية الثانية لطول زمنها في عرف المعارك الجوية، فالمعركة الجوية بين الطائرات النفاثة الأسرع من الصوت تدوم لدقائق معدودة فقط، لكن معركة المنصورة دامت ٥٣ دقيقة متواصلة من المواجهة الدموية، كما كانت كبيرة لأنه حدث فيها مواجهة تصادميه طاحنه بين عدد كبير من الطائرات المقاتلة من الجانبين المصري و الصهيوني، تلك الطائرات الحربية التي انتشرت وتوزعت للمواجهة والقتال الجوي العنيف على مساحة كبيره في محيط شمال وشمال شرق دلتا نهر النيل.

فقد اشتركت في المعركة ١٨٠ مقاتلة منقسمة إلى ١٢٠ مقاتلة إسرئيلية مابين F-4 فانتوم و سكاي هوك و ٦٠ مقاتلة مصرية من طراز ميج 21 إم إف، ودارت في نطاق عمل و بجوار و فوق قاعدة شهيرة للقوات الجوية المصرية تقع في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، وتسمى قاعدة المنصورة الجوية أو مطار (شاوه) نسبة لقرية شاوه التي تقع بجوار المطار، في منطقة دلتا النيل حيث تنتشر الأراضي الزراعية حول المطار، كان يتواجد اللواء الجوي رقم ١٠٤ مقاتلات بقيادة أحمد نصر، وكان يوجد في القاعدة وقتها سربين من المقاتلات الضاربة طراز (ميج-21) تابعين لقيادة اللواء الجوي رقم ١٠٤ هما السربين (44 و 46)، كان طيارو السربين من أشجع و أشرس وأقوى طياري القوات الجوية المصرية، حيث تلقوا تدريبات على أعلى مستوى فى فنون القتال الجوي بقيادة اللواء محمد حسنى مبارك، ولديهم خبرات قتالية متراكمة مكتسبة من معارك حرب الاستنزاف، و كانت مهمة السربين الرئيسية من أول يوم للحرب هي الدفاع الجوي فى نطاق عمل قاعدة المنصورة المحدد من القيادة، ولم يكن يتواجد بمطار المنصوره وقت المعركة الجوية يوم ١٤ اكتوبر سوى هذين السربين فقط، ومهمتهما الرئيسية منذ بداية الحرب هي الدفاع الجوي عن سماء الجمهورية والتصدي للطائرات الاسرائيلية المعادية المغيرة ليلا ونهارا.

معركة الـ٥٣ دقيقة التى قضت على أمال وطموحات الصهاينة

شنت القوات الجوية الإسرائيلية هجوماً جويًا كبيراً حاشدًا يوم ١٤ أكتوبر، على عدة قواعد جوية رئيسية في شمال الجمهورية، أهمها قواعد المنصورة و طنطا وأبوحماد( مطار الشيخ جبيل) في محاولة من اسرائيل لتدمير الأسراب المقاتلة المتمركزة في تلك القواعد الجوية، و إيقاف عمل تلك القواعد الجوية المصرية الهامة، و التي لاحظ الصهاينة نشاطها الجوي الكبير من أول يوم للقتال، و كانت إسرائيل تحلم باستعادة الأفضلية والسيطرة الجوية فوق الجبهة المصرية، كما فعلت فوق جبهة الجولان في أول أيام القتال.

تم رصد تشكيلات من الطائرات الإسرائيلية المقاتلة التي تقترب من اتجاه البحر المتوسط وذلك عن طريق رادارات قوات الدفاع الجوي اليقظة والانذار المبكر، و نقاط المراقبة بالنظر المنتشرة بطول السواحل شمالاً، هذه الطائرات تقترب قادمة من البحر المتوسط و تطير على ارتفاع منخفض جدا فوق سطح البحر، في محاولة للهروب و التخفي عن الرادارات المصرية النشيطة، انطلقت المقاتلات المصرية (الميج-21) فوراً مدعومة بتعزيزات من القواعد الجوية الأخرى في الدلتا مثل قاعدة طنطا، و التي كان يتمركز بها السرب رقم (٤٢) التابع لنفس اللواء الجوي رقم ١٠٤، استمرت المعركة الجوية وقت طويل في عرف القتال الجوي و هو قرابة ٥٣ دقيقة، أسقطت ١٧ طائرة مقاتلة إسرائيلية عن طريق ٧ طائرات ميج، أسقطت ٣ طائرات مقاتلة مصرية بالإضافة إلى فقدان طائرتين بسبب نفاذ وقودهما و عدم قدرة طياريها من العودة إلى القاعدة الجوية، كما تحطمت طائرة ثالثة أثناء مرورها عبر حطام طائرة فانتوم متناثرة في الجو كانت قد أسقطت بواسطة تلك الطائرة، وانسحب ما تبقى من طائرات العدو دون تحقيق أي هدف عسكري محدد من أهدافها، انسحبوا وهم يجرون أذيال الخيبة والخزى والعار والهزيمة.

معركة المنصورة الجوية أعظم وأطول معركة جوية في تاريخ الحروب الحديثة المعاصرة

يقول لواء طيار أحمد نصر قائد قاعدة المنصورة الجوية، دامت هذه المعركة الجوية حوالى ٥٣ دقيقة، وهى المعركة الأطول فى تاريخ المقاتلات النفاثة، وما المعركة الجوية إلا دقائق، ففى الدقيقة الواحدة إما أن تحقق نصراً أو هزيمة، ومقاتلاتنا من طراز ميج 21، التى تهبط لتتزود بالوقود، وتتم إعادة تسليحها، ثم تقلع مرة أخرى فى حوالى سبع دقائق والإقلاع نفسه يتم فى حوالى ثلاث دقائق، ولكن الطيارين المصريين كانوا يطيرون فى دقيقة ونصف الدقيقة فقط، وهذا دليل على التدريب الجيد، ومهارة الطيارين المصريين، وأثناء المعركة طارت طائراتنا، التى فاقت عدداً من الطائرات الإسرائيلية بنسبة كبيرة، وحققنا بطولات كبيرة فى تلك المعركة".

ولا ننسي أبطال القوات المسلحة، اللواء طيار محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية آنذاك واللواء طيار أحمد عبد الرحمن نصر قائد معركة المنصورة الجوية، وقائد اللواء الجوي 104، بقاعدة المنصورة الجوية فى حرب أكتوبر، والضابط نصر موسى وأبطال َومعركة المنصورة من الطيارين، ولهذا أصبح هذا اليوم العيد السنوى للقوات الجوية المصرية.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: حرب أكتوبر عيد القوات الجوية الجویة المصریة اللواء الجوی

إقرأ أيضاً:

محكمة الطبيب حسام أبو صفية! (قصة قصيرة من رعب المعركة)

كان الطبيب حسام أبو صفية في قفص الاتهام بعد أن تم إحضاره من سجن "سيدي تومان" يتحسّس مواقع كدماتهم البدنية والنفسية، زرعوا في جسده أثناء الطريق إلى المحكمة المزيد من الألم بكلّ قسوة وضراوة، لم تكتف شرطة البوسطة بحاله الذي يُنبئ بحجم الألم الذي يتعرض له في ذاك السجن اللعين، وهم يعلمون تماما ماذا يعني وجود إنسان في هذا السجن، تناولوه طيلة الطريق ببساطيرهم حيث وضع بينها في أرضيّة الجيب العسكري الخلفيّة، بقي ينزف آلامه بصمت عزيز، هنا في المحكمة فرصة ليتنفّس قليلا وليستذكر حاله في هذا العام من الحرب ونيّف.

كيف تحدّى كلّ ويلات حرب لم تكن في يوم من الأيام تمرّ أوصافها في خلد إنس ولا جانّ، وكان مستشفى كمال عدوان الذي يديره طبيبنا في قلب الملحمة، تأتيه ويلات الحرب ظاهرة للعيان مرسومة على أجساد الجرحى بكلّ ألوانها بالدم والحرق وبتر الأعضاء وتهتّك اللحم والعظم كأنّها نشّرت بمناشر من حديد.

تحدّى كلّ ويلات حرب لم تكن في يوم من الأيام تمرّ أوصافها في خلد إنس ولا جانّ، وكان مستشفى كمال عدوان الذي يديره طبيبنا في قلب الملحمة، تأتيه ويلات الحرب ظاهرة للعيان مرسومة على أجساد الجرحى بكلّ ألوانها بالدم والحرق وبتر الأعضاء وتهتّك اللحم والعظم كأنّها نشّرت بمناشر من حديد
ثم يحاصرون المستشفى بكل أسلحة النار والدمار، صواريخ المسيّرات وقذائف الدبّابات، تضرب مولّدات الكهرباء وخزانات المياه وكلّ مقوّمات الحياة، حوّلوا المستشفى إلى جسد بلا روح وضربوا كلّ ما يساعده على الوقوف والاستمرار في تقديم خدماته لمرضاه ولو بحدّها الأدنى، ومع هذا بقي طبيبنا يدير بقايا مستشفى متهالك ومنزوع القدرات، ثم ضيّقوا عليه الخناق بعد أسبوعين من الإحاطة به من كلّ جانب، ثم انقضّوا عليه انقضاض ضبع على فريسته، أخرجوا من بقي فيه حيّا من مرضى وطواقم صحيّة، وكان من نصيب طبيبنا الاعتقال. أدخلوه جوف دبّابة وكأنّهم ألقوا القبض على زعيم الإرهاب في العالم كلّه، يا لها من بطولة وإنجاز أن يُلقوا القبض على هذا المستشفى ومديره حسام أبو صفيّة.

(المحكمة عبارة عن منصة أُعدّت ليجلس خلفها قاض عتيد من متقاعدي جيشهم العظيم! وخلفه على جدار شاحب يرتسم ميزان مائل حيث تميل العدالة عندهم، وأمام المنصّة طاولة ذات اليمين للنيابة العسكرية وطاولة ذات الشمال لمحامي الدفاع، وطبعا قفص للمتّهمين وكراسي أمامهم لجمهور المحكمة رغم أنّها أضحت بلا جمهور).

نعق غرابهم بعد دخول القاضي القاعة التي تأخذ شكل المحكمة ظلما وزورا: محكمة.

ثم وقف قصير بدين رفيع الصوت يُدعى ممثّل النيابة العسكرية، انتحى جانبا وراح يتلوا ما خُطّ في لائحة الاتهام، والمترجم المباشر يترجم أوّلا بأوّل وكأنّهم في محكمة حقيقيّة:

- أعطيناه عدّة فرص وأرسلنا له رسائل عمليّة علّه ينسحب من ذاك الموقع العسكري الذي كان يتخندق به ويطلق علينا القذائف دون توقّف. وكانت الرسالة الأولى عندما قتلنا له ولده، لم يفهم وبقي مصرّا على عناده، ثمّ أصبناه إصابة في ساقه ولم يرتدع عاد لخندقه يطلق نيرانه بكل ما أوتي من عنف وضراوة.

هذا الذي يسمّى مستشفى كمال عدوان ما هو إلا قاعدة عسكريّة للإرهابيين عندهم وهذا الذي يدّعي أنه طبيب هو مخرّب محترف هو مقاتل غير شرعي في غابة الحيوانات البشرية.

ثم انبرى محامي الدفاع الذي عيّنته المحكمة ليقوم بدوره الجميل:

- سيدي القاضي، موكّلي هو طبيب كان يقوم بمهمّته الإنسانيّة، يعالج الجرحى والمرضى في مستشفى اسمه مستشفى كمال عدوان ولم يكن في جبهة قتال كما يقول النائب العام.

ردّ النائب العام بعنجهية وصوت نافر كنعيق الغراب:

- ألا تعلم أن جيش الدفاع هو الأكثر أخلاقية في العالم، ألا تعلم أنه من المستحيل أن يهاجم المستشفيات، هو فقط يهاجم بؤر الإرهاب؟

- أعلم ذلك، ولكنّ الملف الذي بين يديّ هو ملف طبيب لا عهد له في المعارك والقتال.

- ولكنّا ألقينا القبض عليه متلبسا بالجريمة ومن موقع عسكري قاوم جيش الدفاع طويلا هناك. وهل تعتقد أن المقاتل غير الشرعي غير قادر على أن يلبس لباس طبيب؟ وزد على ذلك أنّه كان يحرجنا في الإعلام وهو يكذب ويدّعي أنّ ذاك الموقع العسكري هو مستشفى وأن المحاربين هم مرضى، وكان أمام الإعلام يلبس لباس حَمَل ويخفي صورة الذئب التي بداخله، إنّه شخص يجيد التمثيل.

- هذا كلام غير صحيح، لدينا صور كثيرة تثبت عكس ما تقول.

ردّ المدّعي العام بحنكة ودهاء:

- أكيد هذه الصور مرّت على الفوتوشوب.

- والفيديوهات؟

- أكيد صُنعت بالذكاء الصناعي.

لم يحتمل الدكتور هذا الهراء، خرج عن صمته صارخا:

- هذا كذب وافتراء، وهذا ليس غريبا عنكم، احتللتم أرضنا سنة 48، وأقمتم كذبتكم الكبرى التي سمّيتموها "إسرائيل"، ومن يومها وأنتم تكذبون حتى صار المستشفى الذي يعرفه الجميع عندكم موقعا عسكريا، استهبلتم العالم كلّه وأنت تقصفون هذا المستشفى لما يزيد عن أسبوعين، دمّرتموه وأحرقتموه وجعلتم سافله عاليه وكانّه موقع عسكريّ، أنتم تحاربون الإنسانيّة جمعاء وتقتلون فيها كل ما فيها من حياة وحق وعدل وكل أشكال القيم الإنسانيّة.

هتف القاضي بهدوء مصطنع، حاول أن يخفي حقده ويخرج شيئا من مكره ودهائه:

- أنا أقرأ كثيرا في صحيفة "هآرتس "عن معاناتكم في غزة، صحيح ما نسمعه أن هناك أطفالا يموتون؟

- أطفال؟! ما يزيد عن ثمانية عشر ألفا عدا عن وعشرات الآلاف المصابين من الأطفال الذين قطّعت أطرافهم، والنساء مثلهم والمسنّون والمدنيون.

- وهل صحيح أن الجيش الإسرائيلي يقصف مستشفيات؟

- أغلب مستشفيات غزة دمّرها جيشكم.

- وأين تعالجون مرضاكم وجرحاكم؟

- ينقلهم جيشكم بالمروحيّات إلى المستشفيات الإسرائيلية!

- لم أسمع بهذا، أنت تهزأ بنا؟

- يُنقلون إلى المدافن بعد أن لا يجدون مسعفا فينزفون حتى الموت، وجيشكم الأكثر أخلاقا في العالم ينظر إليهم ويمنع المسعفين من الاقتراب منهم. والسّعيد حقّا من يجد من يدفنه وإلا تُرك للكلاب الضالّة تنهش جسده وتأكله.

نعق النائب العسكري:

- سيّدي القاضي هذا كذب وافتراء.

ردّ القاضي، غامزا بعينه:

- أعلم ذلك لكن دعنا نستمع.
إلى حيث جحيم السجن: "سيدي تيمان". هناك لا يوجد طبّ ولا دواء ولا غرفة عمليات، هناك عذابات بكلّ الاشكال والألوان
هتف الدكتور:

- تريد أن تتسلّى بعذاباتنا! أنت لا تعلم أنّ التاريخ دول، وأن دائرته تدور، اليوم لك وغدا عليك، لدينا آية في القرآن تقول..

قاطعه النائب العسكري بحدّة:

- إنّه يهدّدنا سيادة القاضي، أرأيت، إنّه إرهابي، ذئب في صورة حمل وديع.

ضرب القاضي بمطرقته وصرخ:

- كفى.. كفى.

توجّه للمحامي وسأل:

-  ألديك ما تضيفه؟

- لا سيدي القاضي.

هتف القاضي بالقرار بكل هدوء ووقار:

- يتم تحويله للاعتقال الإداري لمدة ستة شهور قابلة للتجديد.

خرج القاضي من الباب الخلفي، وتناول الزبانيةُ المتهمَ وتدافعوه أمامهم ليعيدوه عبر البوسطة السوداء إلى حيث جحيم السجن: "سيدي تيمان". هناك لا يوجد طبّ ولا دواء ولا غرفة عمليات، هناك عذابات بكلّ الاشكال والألوان. ماركة مسجلة لأفظع ما أنتج الإنسان.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء: الهيئة القضائية المصرية لها تاريخ عميق تأصلت فيه العدالة
  • مدبولي: الهيئة القضائية المصرية لها تاريخ عميق تأصلت فيه العدالة
  • الكلية العسكرية التكنولوجية توقع عقد إتفاق مع الشركة القابضة للأكاديمية المصرية لعلوم الطيران وشركة سافز لخدمات الطيران وتطوير التعليم.. صور
  • الجيش السوداني يكمل صفقة تمليك طائرات مقاتلة “السيادة الجوية”
  • وزارة الدفاع تكمل عقد صفقة خاصة بتمليك طائرات مقاتلة باسم “السيادة الجوية”
  • محكمة الطبيب حسام أبو صفية! (قصة قصيرة من رعب المعركة)
  • الأكاديمية المصرية تحتفل بتخرج دفعة جديدة من ضباط المراقبة الجوية..صور
  • هل ينقل حزب الله المعركة إلى الداخل اللبناني؟
  • ارتفاع حصيلة حرب الإبادة الصهيونية على غزة إلى 48,291 شهيدًا و111,722 مصاباً
  • اكتشاف ثدييات مفترسة جديدة في سجل الحفريات المصرية