لجريدة عمان:
2025-03-18@10:21:33 GMT

مرفأ قراءة... الترجمة في مشروع طه حسين النهضوي

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

مرفأ قراءة... الترجمة في مشروع طه حسين النهضوي

- 1 -

يظل دائمًا من بين أهم ما تركه طه حسين من إرث فكري وثقافي وتنويري، إسهامه الوافر والضخم في الترجمة إلى العربية، وليس فقط الترجمة كنشاط معرفي وإسهام نهضوي مركزي في مشروعه كله، بل أيضا الانشغال بالتخطيط لها على المدى القريب والبعيد، وسنتعرف في هذه الحلقة من (مرفأ قراءة) على بعض جهود العميد في هذه الدائرة بمناسبة قرب الذكرى الخمسين لرحيله التي تحل في الثامن والعشرين من أكتوبر.

ومن يراجع ترجمات طه حسين يلاحظ أن اختياراته للموضوعات التي قام بترجمتها كان لها جاذبية خاصة وبريق لم يخفت حتى مع مرور عشرات الأعوام منذ رحيله وحتى الآن، ممثلة أحد أهم مصادر الاستنارة الفكرية والثقافية والأدبية، وكم كبير من الترجمات التي بدأها بكتاب «الواجب» لجول سيمون الذي اشترك في ترجمته مع محمد رمضان قبل العودة من بعثته إلى فرنسا.

وبعد عودته من فرنسا في 1919 ترجم طه حسين العديد من الكتب عن اليونانية مباشرة وعن الفرنسية؛ من أشهرها كتاب (نظام الأثينيين) لأرسطو طاليس، و(روح التربية) لجوستاف لوبون في 1921، ثم (قصص تمثيلية) لفرنسوا دي كوريل وآخرين في 1924.

وما بين الثلاثينيات والخمسينيات قدَّم طه حسين في دائرة نشاط الترجمة أيضا مسرحية (أندروماك) لراسين في 1935، ومسرحية (أنتيجون) سوفوكليس في 1938، و(من الأدب التمثيلي اليوناني) في 1939، و(من الأساطير اليونانية) لأندريه جيد في 1946، و(زاديج أو القدر) لفولتير في 1947، و(أوديب) سوفوكليس في 1955.

- 2 -

كل ذلك بموازاة ما كتبه طه حسين عن "ترجمة الآداب الأجنبية"، وضرورة الاتصال بإبداعات الثقافات الأخرى، فقد كتب الكثير من الفصول والمقالات المتفرقة عن الآداب الأجنبية الغربية والشرقية (الفارسية والتركية والأردية)، جمع بعضها في كتب مهمة (راجع كتابه الجميل الممتع «ألوان» الذي جمع فيه مقالاته الافتتاحية لمجلة الكاتب المصري التي استمرت في الصدور خلال الفترة من 1945 وحتى 1948)، كما قدم عددًا من الكتب المترجمة ذات القيمة في المكتبة العربية (راجع مقدمته العميقة لترجمة كتاب «أغاني شيراز» لأمير شعراء فارس حافظ الشيرازي)، بالإضافة إلى ما كتبه في الدوريات المختلفة عن كثيرٍ من الكتب المترجمة إلى اللغة العربية.

وتحدث طه حسين باستفاضة عن أهمية وجود مؤسسة خاصة بالترجمة في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» الذي أصدره سنة 1938 وكان من نتائج انشغاله بالترجمة تأسيس لجنة التأليف والترجمة والنشر التي كان لها إسهامها المهم في الترجمة (سيأتي حفيده جابر عصفور بعد هذا التاريخ بـ 68 سنة ليستصدر قرارا جمهوريا بإنشاء المركز القومي للترجمة في 2006 أصدر حتى الآن ما يقترب من خمسة آلاف كتاب مترجم، ويعد -فيما أظن- أهم مؤسسة للترجمة في عالمنا العربي كله)

وفي مطالع الخمسينيات من القرن الماضي، كان طه حسين صاحب فكرة تأسيس مشروع (الألف كتاب) الذي نجح في إصدار المئات من الكتب المترجمة عن الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية.. وغيرها. وعندما تولى رئاسة الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية، عمل على إصدار الأعمال الكاملة لكبار الأدباء العالميين في تاريخ الآداب الإنسانية عبر العصور، واستهل هذا المشروع الطموح بتشكيل لجنة من المترجمين والخبراء على أعلى مستوى لترجمة مسرحيات سوفوكليس، وأرستوفانيس، وشكسبير، وراسين، وكورني، وغيرهم.

- 3 -

وسوف نتوقف قليلًا عند الكتاب الأول الذي ترجمه طه حسين في حياته العملية، وهو كتاب «الواجب» للفيلسوف الفرنسي جول سيمون (يقع في أربعة أجزاء متصلة)،

وقد كانت ترجمته لهذا الكتاب في مرحلة مبكرة جدًّا من حياته وعقب تعلمه اللغة الفرنسية مباشرة خطوة في مشروع طويل امتد واستمر طيلة حياته، كان جزء من أسبابها في رأيه ينبع من الرغبة في إثبات الذات أمام الكبار من أعلام عصره، لكن الأسباب الأهم والأبقى كانت رغبة عميد الأدب العربي في تأسيس مدرسة جديدة تتبع المناهج العلمية في كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والفلسفية والفكرية، وكان هو في حد ذاته مثالًا بارزًا في تأريخه للأدب العربي، ودراسته انطلاقًا من هذا المنظور، واستمر ذلك منحاه في كل ما كتب أو ترجم حتى وفاته.

لقد كان طه حسين في تلك الفترة "ينهال بمعاول الفكر وإشعاعات النور وفتح النوافذ المغلقة على كل أشكال الجمود والتحجر والركود الفكري والثقافي، مسلحا بمنهجيته المنظمة الرصينة وأفكاره الجديدة الجريئة، يدفعه أحيانا جموح الشباب ونزقه، لكن في الأغلب كان يحرك كثيرا من المياه الراكدة في الفكر العربي"، كما وصفه أحد الباحثين المعاصرين بحق.

- 4 -

ويستحضر المؤرخ القدير والأكاديمي المعروف الدكتور أحمد زكريا الشلق الدافع الوطني والقومي الأكبر الذي حدا بمترجمي الكتاب (طه حسين وصاحبه محمد رمضان الذي لا نعرف عنه شيئا على الإطلاق) إلى الإقدام على ترجمته، فيقول:

"لقد أراد المترجمان -طه حسين ومحمد رمضان- أن يقدما لوطنيهما في هذه المرحلة (الربع الأول من القرن العشرين) التي كان فيها أبناؤه ينهضون بعبء مقاومة الاحتلال البريطاني الرابض على قلب مصر، هذا القبسَ من فكر الاستنارة للمثقفين وعامة القراء مساهمين بذلك في إزاحة الغشاء الذي سيطر على العقول"، رابطًا هذا الدافع الوطني الملح (مقاومة الاحتلال البريطاني) بآليات مقاومته والتصدي له وأساليب معارضته، ضمن سياق فكري وثقافي أشمل، في إطار الحركة الوطنية المصرية، التي كان غايتها تحرير الوطن ونهوض الفكر، قائلًا:

"وفي ظني أن حركة الترجمة في هذه الفترة التي قادها أحمد لطفي السيد، وأحمد فتحي زغلول، وغيرهما -ومدرسة الطهطاوي ومدرسة الألسن من قبل- وكذلك كان تأسيس الجامعة المصرية الحديثة، وتأليف الأحزاب السياسية، كانت كلها أساليب الحركة الوطنية لمقاومة الوجود الاحتلالي.. تستهدف نهوض الفكر السياسي والاجتماعي واستنارته، وتدعم حركة المقاومة الوطنية لتحرير العقل، وتحرير الوطن..

ولذلك اتجهت حركة الترجمة إلى البحث عن سر تطور الأمم وارتقائها، وعوامل نهضتها واستنارتها، إيمانًا بتواصل الثقافة الإنسانية، وضرورة الاستفادة مما عند الآخرين، واستكناه أسرار وأسباب رقيهم وتقدمهم".

وهذا الكتاب «الواجب» يعد اكتشافًا مهما ليس فقط لموضوعه وفكرته، بل لأن مترجمه هو طه حسين وزميله محمد رمضان وقد ترجما هذا الكتاب معا عن اللغة الفرنسية عام 1914، أي قبل أن يسافر طه حسين إلى باريس، ونعرف من سيرته الذاتية في «الأيام» أن طه حسين بدأ يتعلم اللغة الفرنسية في القاهرة عام 1910 بمدرسة مسائية قريبة من حي الأزهر.

الكتاب في الفلسفة، وتحديدا فلسفة الأخلاق، ولعل هذا يفسر رغبة طه حسين حين سافر في بعثة إلى فرنسا في أن يدرس الفلسفة، لكن السلطان حسين كامل ـ سلطان مصر ـ قابل الطلاب المسافرين إلى البعثة، وسأل طه عما يريد أن يدرس هناك فأجاب أنه يريد دراسة الفلسفة، لكن السلطان حبذ له دراسة التاريخ بدلا من الفلسفة، ولم يدرك السلطان أن المسافة ليست بعيدة بين الفلسفة والتاريخ.

- 5 -

المؤلف هو الفيلسوف الفرنسي "جول سيمون" عضو المجمع العالمي الفرنسي، وعاش بين عامي 1814-1896 وكان يكتب الفلسفة ويقدمها للقراء العاديين، وليس إلى المتخصصين في الدراسات الفلسفية، وصدر هذا الكتاب أول مرة في باريس عام 1845 ويلفت هذا الكتاب إلى أن اهتمام طه حسين بالاستنارة وأعمال المنهج العقلي تكوَّن لديه قبل سفره إلى فرنسا، وليس صحيحا ما يشيعه بعض خصومه أنه سافر إلى باريس مقفل العقل تماما، وعاد وتم تجهيزه هناك بأفكار الاستنارة، ويلاحظ أيضًا أن طابع أسلوب ومفردات طه حسين في الكتابة واضحة تمامًا وغالبة على هذا الكتاب، ونلاحظ في مقدمة المعربين أو المترجمين الطبيعة النضالية التي عرف بها طه حسين فيما بعد، جاء في هذه المقدمة "المؤلف وضع كتابه هذا لذوي العقول المستنيرة من قومه، فنحن نهدي ترجمتنا لهذا الكتاب إلى ذوي العقول المستنيرة من قومنا"... (وللحديث بقية)

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الکتاب طه حسین فی من الکتب فی هذه

إقرأ أيضاً:

هل ثواب قراءة القرآن من الهاتف أقل من المصحف الورقي؟.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء سؤالًا من أحد المتابعين جاء نصه: "أقرأ دائمًا من المصحف الموجود في الموبايل وليس الورقي، فهل هذا حرام أم أن ثوابه أقل من المصحف الورقي؟".

وأجاب الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية ومدير إدارة التدريب، مؤكدًا أنه لا حرمة في الأمر، وأن الثواب واحد سواء تمت القراءة من المصحف الورقي أو من الهاتف المحمول.

وأوضح الورداني أن قراءة القرآن من الموبايل ليست حرامًا مطلقًا، لأن المصحف الموجود في الهاتف هو في الحقيقة مجرد تعبير رقمي عن المصحف الورقي، مشيرًا إلى أن "الكلمات هي كلمات المصحف الشريف نفسها، وصحيح أنه بالنسبة لنا يظهر رقميًا، لكنه يؤدي نفس المعنى".

وأضاف أن السؤال في جوهره يتعلق بما إذا كان ثواب التلاوة من الهاتف أقل من القراءة من المصحف الورقي، ليؤكد أن الثواب واحد تمامًا، مستشهدًا بما كان يفعله الصحابة في بداية الإسلام حين كانوا يقرؤون القرآن من رقاع الجلد وجذوع النخل قبل أن يُجمع المصحف بين دفتي كتاب، ومع ذلك كان لهم نفس الثواب، مما يعني أن قراءة القرآن من الموبايل تُعد قراءة صحيحة وكاملة الثواب.

هل قراءة القرآن بسرعة تقلل من الثواب؟

وفي سياق متصل، أوضح الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، حكم قراءة القرآن بسرعة، مؤكدًا أن ذلك جائز بشرط ألا يتجاوز القارئ نطق الحروف بشكل صحيح، وأن يكون واعيًا لما يقرأ وليس مجرد تلاوة عابرة دون تدبر.

وأشار ممدوح إلى أن القراءة بسرعة تُعرف في علم التجويد باسم "الحدر"، وهي إحدى مراتب قراءة القرآن الثلاث، التي تشمل أيضًا "التحقيق" و"التدوير".

هل يجوز قراءة القرآن بدون وضوء من الهاتف المحمول؟

كما تطرّق ممدوح إلى مسألة قراءة القرآن من الهاتف المحمول على غير وضوء، موضحًا أن ذلك جائز، لأن الهاتف لا يُعد مصحفًا حقيقيًا، وبالتالي لا ينطبق عليه الحكم الشرعي الخاص بعدم جواز مس المصحف إلا للمطهّرين.

هل يجوز قراءة القرآن على جنابة؟

وفيما يتعلق بقراءة القرآن على جنابة، أوضحت دار الإفتاء أن من آداب تلاوة القرآن الكريم الحرص على الطهارة والنظافة، والجلوس في مكان طاهر، واستقبال القبلة بخشوع، مع مراعاة أحكام التلاوة والتجويد.

وأشارت إلى أن الفقهاء أجمعوا على جواز قراءة شيء من القرآن الكريم في جميع الأحوال، إذا لم يكن القارئ ينوي بها التلاوة التعبدية، بل لمطلق الذكر والدعاء أو الرقية.

كما فرّق الفقهاء بين حالتين فيما يخص قراءة المحدث للقرآن:

الحالة الأولى: إذا كان الحدث أصغر (أي فقدان الوضوء العادي)، فيجوز له قراءة القرآن باتفاق الفقهاء، استنادًا إلى حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه"، أي أنه كان يذكر الله في جميع أوقاته وأحواله سواء كان على طهارة أو لا، باستثناء الأوقات التي يمتنع فيها الذكر مثل أثناء قضاء الحاجة، وكلمة "يذكر" في الحديث تشمل قراءة القرآن وغيره من الأذكار.

مقالات مشابهة

  • «آبل» تخطط لإضافة ميزة جديدة لـ«إيربودز» تتيح الترجمة الفورية للمحادثات
  • القرآن..البوصلة الحقيقة للأمّة
  • القضاء الليبي يدين وزير التعليم بالسجن بسبب الكتاب المدرسي
  • «أحمد مستجير.. رائد التكنولوجيا الحيوية».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • أحمد مستجير.. رائد التكنولوجيا الحيوية.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • هل تخضع اليمن؟ قراءة في وهم التحالف الصهيوأمريكي
  • بوركيني .. أحدث إصدارات هيئة الكتاب لـ مايا الحاج
  • سيرة الفلسفة الوضعية (12)
  • هل ثواب قراءة القرآن من الهاتف أقل من المصحف الورقي؟.. الإفتاء تجيب
  • مفتي الجمهورية: دراسة الفلسفة ليست حرامًا فهي من ألوان إعمال العقل والاجتهاد