الرواية الإسرائيلية الكاذبة والأبواق الأمريكية المتواطئة
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “5”
#الرواية_الإسرائيلية_الكاذبة والأبواق الأمريكية المتواطئة
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
ما إن انطلقت عملية طوفان الأقصى المباركة، وعاد المقاومون الفلسطينيون بغنائمهم إلى ثكناتهم، مخلفين وراءهم مئات القتلى الإسرائيليين، ومصطحبين معهم عشرات الأسرى من كبار الضباط والجنود والرتب العسكرية العالية، حتى بدأت الاتصالات الأمريكية تنهال على كبار المسؤولين الإسرائيليين المذهولين المصدومين، الذين هالهم ما حدث، وأربكهم ما وقع، وأدخلهم في دائرةٍ مؤلمة من الحيرة والقلق والاضطراب، وفاقم الأمر سوءً الصورُ المتناقلة بين المستوطنين، التي أظهرت حجم الهجوم وآثار العملية، وكشفت عن أعداد القتلى والمصابين وحجم الخسائر التي تكبدتها قواتهم ومستوطناتهم في غلاف غزة.
صدمة انهيار القوات الإسرائيلية أذابت جليد القطيعة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأنهت حالة البرود والفتور التي سادت بينهما، إذ أسرع الرئيس الأمريكي بالاتصال بنتنياهو مستفسراً عما حدث، ومتسائلاً عما جرى، ورغم أنه لم يكن قد استفاق من هول الصدمة، ولم يتمكن بعد من جمع خيوط العملية وفهم ما جرى، إلا أنه عرض على الرئيس الأمريكي روايته الكاذبة وسرديته المختلقة، وتباكى أمامه واشتكى، واستذكر المحرقة وخشى، وقص عليه قصصاً وحكاياتٍ لا أصل لها إلا في سجل جيشه الإجرامي ضد الشعب الفلسطيني.
قلب نتنياهو الحقائق، وزور الوقائع، وكذب في روايته، واستحضر مشاهد قتل الفلسطينيين، وصور اعتداء جيشه على النساء والأطفال، وقدمها للرئيس الأمريكي على أنها جرائم الفلسطينيين وفظائعهم ضد الإسرائيليين، ووصفهم بنبرةٍ حزينةٍ وصوتٍ باكٍ أنهم “داعش”، وأن مقاتليهم هم “جيش الدولة الإسلامية”، وأعاد إلى الأذهان جرائمهم ومجازرهم، والصور القاسية التي نقلت عنهم، متهماً حركة حماس بأنها فعلت فعلهم وقتلت مثلهم، وذبحت وقطعت الرؤوس ومثلت في الأجساد وقتلت الأطفال والرضع واغتصبت النساء، وأنه ينبغي على العالم كله أن يقف مع “دولة إسرائيل” ضدهم، وأن يتحالف لقتالهم، ويعمل على استئصالهم والقضاء عليهم.
صدق بايدن رواية نتنياهو ونقلها، وكذب إذ قال أنه رأى الصور وتألم للمشاهد، وسمع العالم كله تصريحاته المنحازة لإسرائيل، والقائمة على الكذب والافتراء، وتبناها الكثير من كبار المسؤولين والمشاهير والكتاب والإعلاميين وغيرهم، قبل أن يتراجع كبير الناطقين باسم البيت الأبيض عن الرواية، ويعترف بأن الرئيس الأمريكي لم يشاهدها، وإنما سمع عنها من نتنياهو، الذي هاتفه أربع مراتٍ متتاليةٍ خلال ثلاثة أيامٍ فقط، وهو الذي رفض تحديد موعدٍ له لزيارة واشنطن، وامتنع عن الاتصال به واستقباله منذ تشكيله حكومته قبل أقل من عامٍ، وأكثر من توجيه النقد له ولساسته ولبعض أعضاء حكومته.
رغم نفي البيت الأبيض لصحة رواية نتنياهو وتراجع الرئيس الأمريكي عنها، إلا أن الأخير عاد وكررها، وكأنه قد عز عليه ألا يصدق “الكاذب” نتنياهو، وعمد مساعدوه إلى تكرار الرواية وتبنيها، إذ استعظم وزير الخارجية أنتوني بلينكن “الجرائم”، ووصفها بأنها قاسية ومؤلمة، وأنه لا يستطيع أن يشاهدها لفظاعتها، وبدأ يسرد في مؤتمراته الصحفية بعض القصص التي رويت له، ويتحدث بألمٍ عن معاناة العائلات والأسر الإسرائيلية التي فقدت أبناءها، ولحق بها الضرر نتيجة “هجوم” حماس عليها، وحذا حذوهم وصدق مثلهم وروى عنهم وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وأصغى إلى وزير حرب العدو يؤاف غالانت، الذي وصف الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”.
أمام هذه الحملة المنظمة لتشويه المقاومة والإساءة إليها، وتبرير الاعتداء عليها وإعلان الحرب ضدها، وهي المقاومة الوطنية الشريفة، التي تلتزم القوانين الدولية وأعراف الحرب، وتلتزم التعاليم الإسلامية ولا ترتكب جائم منافية لها، وقد شهد العالم كله كيف أن مقاتلي القسام قد امتنعوا عن إيذاء المستوطنات وأطفالهن، وأنهم أعادوا امرأةً إسرائيلية وطفليها، وأمنوا لها الطريق، واطمأنوا إلى انتقالها إلى الجانب الآخر، يجب على كل قادرٍ وفي كل مكانٍ وبكل اللغات، ولدينا كل الأدوات والشواهد من الصور والوثائق، أن يساهم في تفنيد الرواية الإسرائيلية ودحضها، وإماطة اللثام عن جرائمهم النكراء وفضحها، والتأكيد على الرواية الفلسطينية ونشرها، وتوثيقها بالصوت والصورة وتعميمها.
بيروت في 14/10/2023
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى الرئیس الأمریکی
إقرأ أيضاً:
شواطئ.. الرواية الرسائلية والرسالة الروائية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهدت الرواية منذ فجر ميلادها حتى وقتنا الراهن تطورًا عبر مراحها المختلفة، وتنوعًا فى آليات الإبداع، وازدهارًا فى أنماط التناول، مما ساعد على وجود دراسات نقدية متعددة وفتح شهية النقاد لتناول بعض الظواهر الروائية التى لم تسبق دراستها، فقد حوت الرواية العديد من مظاهر الإبداع وتداخل الأجناس الأدبية بها، وكانت الرسالة من تقنيات السرد فى الإبداع الروائي، قديما وحديثا، فى الشرق كان أم فى الغرب. من هنا تأتى أهمية كتاب الباحث عزوز على إسماعيل بعنوان "الرواية الرسائلية والرسالة الروائية.. دراسة تحليلية" والصادر مؤخرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
على سبيل المثال، رسائل دوستويفسكى من الأعمال الروائية الوثائقية، التى عدت من أعظم الأعمال فى الآداب العالمية؛ فقد مثلت حياة فيودر دوستويفسكى، من الميلاد حتى الممات، فمنذ أن كأن طفلا كان يكتب الرسائل، تلك الرسائل التى شكلت قدرته على السرد والحكى والتي، بلا شك، جعلت منه مبدعا كبيرا مع المكونات الثقافية الأخرى. وهذه الرسائل مرت فى حياته بأكثر من مرحلة، وكل مرحلة ولها سماتها التى تميزها عن المرحلة الأخرى.
والمرحلة المبكرة فى حياته عندما كان طفلا، وكان وقتها يتعلم الكتابة السائلية، والتى شكلت ملامح كتاباته من خلال عنصر الإسهاب وكانت الرسائل الأكثر إلى أسرته والتى بدأها برسالة إلى أمه، وامتازت تلك الرسائل بذكر العشرات من رموز الأدب الروسى فى عصره الذهبى وأيضا الآداب الأخرى، وكذلك أهل الفن وكل من كانت له علاقة به خاصة تلك المجلات التى كانت تنشر له أعماله مثل مجلة "البشير الروسى". وكان دوستويفسكى البطل الرئيس لهذه الرسائل، والتى تشابكت مع أفراد أسرته: أخيه ميخائيل، فضلا عن زوجته الأولى (ماريا عيسافيا)، وزوجته الثانية (أناغريغوريتنا). وكانت رسائل دوستويفسكى قد اتسمت بعدد من السمات أولها: أنها تعتبر من آداب الاعتراف بمعنى أنها تمثل سيره ذاتية حقيقية للكتاب.
وهنا نرى تعريفات عديدة لرواية السيرة الذاتية، ويتمحور مفهوم السيرة عند بعض الغربيين حول التجربة الذاتية فى الحياة كما قال باسكال: "هى تلك الرواية التى تتمركز حول التجارب التى تشكل الشخصيات وتبلورها وليست مجرد رواية تتخلق حول تجربة حقيقية متفردة بارزة". وهو ما رأيناه فى تلك الرسائل التى تعتبر رواية وثائقية بديعة حوت تجارب شكلت شخصية دوستويفسكى. ثانيها: أن تلك الرسائل تعليمية تثقيفية. فى المقام الأول، فهى تحوى العديد من نقاط لا غنى عن معرفتها فى السياق الثقافى الروسى آنذاك. ثالثها: أن هذا العمل رواية مكتملة الأركان ببطلها دوستويفسكى وشخصياتها التى تمثلت فى أسرته ورموز الأدب فى روسيا. فضلا عن الأحداث المختلفة هنا وهناك، والزمان والمكان، والتى جميعها كونت عملًا أدبيا رفيعا، يخضع لأدب الاعتراف أو أدب السيرة الذاتية. رابعها: أكدت تلك الرسائل المعاناة التى كانت يعانيها الكاتب مثله فى ذلك مثل الأدباء الآخرين الذين يموتون ولم يجدوا ثمنا للدواء.
وعلى الرغم من أن الكاتب كان دائما يعلن أنه لا يجيد كتابه الرسائل إلا أن هذه الرسائل قد شكلت حياة الكاتب من أولها إلى آخرها بل أن كل رسالة من الرسائل الموجودة فى هذين المجلدين تعتبر قصة بمفردها حيث تكتمل فيها عناصر القص فى الحبكة والإشكالية والشخوص والزمان والمكان. نعم إنه الأديب والكاتب دوستويفسكى الذى عانى – كما قلت – كثيرا فى حياته خاصة فى أخرياتها. فقد بعث برسالته الأخيرة التى خطها لصحيفة "البشير الروسى" يطلب ما تبقى لديهم من أموال لتلبية احتياجاته الحياتية وهو الأمر الذى ظل عالقًا طويلا فى ذاكرة زوجته التى قالت له حين طلب ذلك، وهى تعلم أنه فى الأيام الأخيرة من حياته قالت مازحة لتخفيف آلامه بعد أن أصيب فى رئتيه وأصبح غير قادر على التنفس الطبيعي: "ستكتب (كارامازوف) أخرى وستطلب منهم مقدما مبالغ أخرى" وهنا نرى الزوجة ومدى تعاطفها مع زوجها المبدع، وهى تعلم أنه ينازع الموت.
حياة الأدباء فى شقاء دائم وهو نوع من الألم، والذى قد يكون سببًا فى الإبداع، خاصة عند أولئك الكتاب أصحاب المواهب الحقيقية، وما رأيناه عند دوستويفسكى خير دليل على ذلك، فهو رجل عاش مبدعا وكاتبا ولاقت أعماله إعجاب ملايين حول العالم سواء الذين قرأوها باللغة الروسية أو ترجمتها إلى عدد كبير من اللغات الأخرى، وكانت رسائل دوستويفسكى دليلًا على إبداعه، فهى عبرت عن تلك الحياة التى عاشها من خلال الألم والآمال.
وكما حملت رواية "زهرة العمر" (لتوفيق الحكيم) العديد من الرسائل بين الشرق والغرب، وحق لها أن تكون رسائل محبة وسلام وفكر، فتوفيق الحكيم كان قد ذكر صديقة (أندريه جيد) فى روايته "عصفور من الشرق"، حين كان يشاهد تمثال الشاعر الفرنسى (دى موسيه). وفى رسالة أخرى يتحاور فيها الحكيم مع صديقة أندريه جيد ويؤكد له أن صداقته لجرمين زوجته لا تستمد قوتها من صداقته له، بل لأنها إنسانة مثقفة من الفرنسيات المستنيرات، وهى تكن كل التقدير للشرقى مثل (الحكيم) والاعتزاز نابع من تقارب وجهات النظر بين الشرق والغرب وتقدير الشرقى للمرأة واحترامه لها. ويقول "فأنا لا أحب لجيرمين أن تفهم أنى موفد من قبلك لأخرجها للنزهة بين آن وآن، ولأنى أتكلف هذا قضاء لواجب من الواجبات على أنى قد ضحكت كثيرا وأنت تخبرنى فى خطابك أنها لن تنسى التفانى منى فى خدمتها وأنها لا تشكو إلا أمرًا واحدًا: وهو أنى لم أحاول قط مغازلتها! يا لظرف الباريسيات! أو كانت تظن أنى وأنا الشرقى أجرؤ على ذلك فى غيبتك".
وحين يأتى ذكر كلمة الشرقي، فهو يؤكد على قيم الشرق الأخلاقية ويحاول تبيانها للغرب وبالتالى أصبح الحكيم رسول الشرق فى هذا التوقيت ويؤكد الحكيم إلى صديقة مدى الربح المعنوى العظيم من تلك العلاقات بقوله: إن الجلوس معها يفيده فكريا، وكذلك مع أيفان والشاعر البرناسى الهرم، ويؤكد أيضا ذلك فى الرسالة نفسها "لا تسخر ولا تتهمنى بالإسراف فى الخيال. كلا يا أندريه. غدا تزول الحاجات المادية ولن يبقى لنا غير ذلك الربح المعنوى الذى أكتسبه أحد بمعرفته الآخر".
تعد رواية "رسالة فى الصبابة والوجد" للكاتب جمال الغيطانى من أدب الرسائل، ولكنه ارتقى كثيرا فيها عما كان فى السابق من ناحية الشكل والمضمون، والشكل كما رأيناه عند عزالدين شكرى فشير، وكمال العيادي وغيرهما والارتقاء يكمن فى الأسلوب وتشرب فكرة التراث وتبيان جمال العربية فى امتشاقه لقلم حاد رصين بتعبيرات فيها الشفاء لعشاق اللغة العربية. لقد حملت رسالة الغطيانى وصية كبرى لأدباء وكتاب فى أن يتناولوا العلاقات بين الشعوب بشيء من الحذر وفى الوقت نفسه تبيان الإيجابى منها حتى يكون هناك تقارب وأن تكون هناك محاولات لترميم تلك الأفكار القديمة بشكل عصري، وكيف أن اللقاء والتقارب والتعايش بين الأمم هو الشيء الباقي، وإذا كان الغيطانى قد رصد فى رسالة البصائر فى المصائر الضمير الإنسانى وآلام الناس فى فترة السبعينيات وما حدث للمجتمع من تغيير وانفتاح وما أعقبة من تغيير فى الاقتصاد الاجتماعي.
ويشير الباحث عزوز على إسماعيل بقوله: معظم حياة الأدباء فى شقاء دائم وكانت الرسالة المعبرة عن ذلك، فنجد أن محمد حسين هيكل رغم ثراء والده كان قد تألم وجاءت الرسالة فى روايته معبرة عن ذلك الألم. فبعد أن فشل البطل حامد فى حياته ولم يستطع أن يرتبط بزينب لأنها فقيرة، ولا حتى ابنة عمه الثرية ترك البلد وعاد إلى القاهرة وأرسل رسالة دامية إلى والدة أبكته وأبكت أسرته. وهنا يجب أن نعيد النظر ونقارن بين رسالة حامد إلى والدة ورسالة (فرانز كافكا) إلى والده فقد كان الاثنان فى رسالتيهما قد أكدا على فشلهما فى الحياة بسبب الوالد، وإذا كانت الرسالة عند كافكا اشد ألما فإن ذلك يعود إلى تلك التربية القاسية التى عاشها، حيث ذكر كثيرا من الآلام التى عاشها مع والدة. ويبدو أن الفارق بين الروايتين أن والد حامد قد قرأ الرسالة بينما والد فرانز كافكا لم يقرأ الرسالة الدامية.
عبرت الرسائل عن الألم والوجع الإنسانى من خلال أدب الحرب والسجون فرواية (بريد الليل) لهدى بركات أحيت عهد البوسطجى من جديد، ولكن كان هناك انهزام وانكسار لأنثى، فرسالتها لم تصل أخيها المسجون، وأيضا عبرت الرسالة عن الوجع الإنسانى المتمثل فى الحروب التى دارت فى أرضنا العربية والفتنة الكبرى فى لبنان وما عرف بالحرب الأهلية والتى دامت لأكثر من خمسة عشر عامًا، وكيف أن الرسالة بينت أن ما حدث تفصيلا أى أن الرسالة فى الرواية كانت طريقة من طرق الكتابة للتعبير ذلك الألم والوجع الإنسانى.