لمحنا خلف نوافذ السيّارة طبقة ضباب علي حافة طريق سريعة،  فخشينا أن تسده أو تبتلعنا بلا رحمة، قال السائق مرتبكاً: "في تلك الحالة سأقود سيّارتي في السماء إلي الأبد"، تشهّدتْ امرأة منتقبة، وبكي طفلٌ في العاشرة، قائلاً لأمه إنه لن يذهب إلي المدرسة مع زملائه، ستتلاشي بيوتهم إلي الأبد، ولن يستند إلي جذع شجرته المُحبّبة ويحلم.


لوّحتْ طبقة الضباب للسائق فتوقّف أمامها، أطلّ منها ذراعان ورجلان فقط، باليد اليمني عصا غليظة تنتهي بشريحة معدنية تصدر إيقاعاً منتظماً علي الأسفلت. 
تبينّا هيئته بصعوبة، خلال طبقة الضباب، في جلبابٍ مُتربٍ عندما جلس أمامي صامتاً علي كرسي قلاّب، ارتجفنا من الخوف وارتفع بكاء طفل بجوار إحدي النوافذ. امتلأتْ السيارة بضبابٍ تسرّبَ بعضه إلي الخارج، فتلاشتْ معالم الطريق تماماً؛ ليتساءل الجميع عن أماكنهم التي سيهبطون فيها، وهل فاتتهم أم لا!؟. 
ضحك الرجل وحرّك عصاه، فانكشف الطريق عن سيّاراتٍ، بشر، بلدات، مدن، ومساحاتٍ شاسعة من الأرض ليس بها أحد، تنفس الجميع الصعداء وتوقف بكاء الطفل بجوار النافذة.
رجوتُ "رجل الضباب" أن يتركَ الكرسيّ القلاّب لراكبٍ آخر، ويجلس بجواري في الكنبة الأخيرة ليكتمل العدد؛ لكنه رفض بهزّة من رأسه. صعد رجلٌ ممتلئ مرّ بصعوبةٍ من بين كرسيّ الرجل والكنبة المجاورة له، والتي جلستْ عليها بنتٌ عشرينية بجوار أمها، سبّ الممتلئ "رجل الضباب" لأنه لم يتحرّك من مكانه متجاهلاً رجائي. 
ازدادتْ برودة السيارة، التي فتحنا نوافذها ليتسرّب هواءٌ دافئٌ من الخارج، فتصاعد بكاء طفل من العطش رفضتْ أمه أن تملأ له زجاجة فارغة عند أقرب كولدير. لم نستطع اختراق طبقة الجليد وإخراج الرجل منها، لكنه كسر قطعة صغيرة أخرج لسانه منها في وجهي؛ فتخيّلتُ أن وجهه كثمرة طماطم ضُرِبَتْ لتوّها في الخلاّط.
توقّف الطفل عن البكاء وأراح رأسه إلي كتف أمه؛ لكنه استيقظ بعد دقائق وتصاعد بكاؤه من العطش.
أخرجتْ البنت العشرينية الهاتف من حقيبتها، ونظرتْ في شاشته كمرآة لتضبط مكياجها، فانتبه الرجل لحركتها وأحدثَ فتحتين في طبقة الجليد، واحدة لوجهه، والأخري مدّ منها يده بورقةٍ التقطتها البنت بتوتر، وطلبتْ الرقم المدوّن بها:
"جرس يا حاج".
يضع الهاتف علي أذنه:
"أيوه يا ابني، ادّيني رقم محمد، سيّد ما عملش حاجة".
نضحك عن آخرنا، وتزداد سرعة السيارة فلا يسمع الرجل شيئاً علي الطرف الآخر، يعطي الهاتف للبنت التي تعاود الاتصال:
"جرس يا حاج".
يكسر قطعة جليد ويضع الهاتف علي أذنه: "أيوه يا ابني، ادّيني رقم محمد، سيّد ما عملش حاجة".
يردد الجملة الممتلئ الجالس بجواري علي إيقاع أصابعه التي طرق بها حافة الكنبة التي تجلس عليها البنت العشرينية، يميل عليها الرجل بجنبه الأيسر الثلجيّ كانهيارِ برجٍ عندما استغرقه النوم، فنمد أيدينا ضاحكين لإيقافه لنبتلّ بالماء الذي سال ببطء علي أرضية السيارة، استيقظ قائلاً بصوتٍ واهن: "معلش يا بنتي، أنا عايز رقم محمد، سيّد ما عملش حاجة".
كسر ما تبقّي من طبقة الجليد إلي قطعٍ صغيرةٍ جداً ووضعها بحرص في الزجاجة الفارغة، أعطاها للأم لتروي عطش ابنها، ثم تكوّر كالجنين لاصقاً جبهته بزجاج النافذة.
طلبتْ البنت الرقم بهدوءٍ حذر.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: إبداعات البوابة البوابة

إقرأ أيضاً:

السيارة انقلبت.. ننشر أسماء ضحايا لقمة العيش بمطروح

حصل ،صدى البلد، على أسماء ضحايا الحادث الذى وقع اليوم الاربعاء والذى أسفر  عن الحادث مصرع  3 أشخاص و إصابة  19 آخرين إثر  انقلاب سيارة نقل محملة بالعمال   على طريق اسكندريه مطروح.

واستقبلت مستشفى الحمام المركزي 3  جثث وهم   راشد ع.ع و محمود ص.ج وجثة مجهولة الهوية كما  أصيب في الحادث كل من  ابراهيم س.ر و عمر م.ع و يوسف ف.ع  و حسام ع.ف و اسلام ح.ر و احمد س.ر و احمد ش.ر و  عبدالرحمن ي.ع و صلاح م.ع  و معاذ ر.س و محمود م.ع و احمد ا.م  ورزق ش.ر و عبدالرحمن ف.ي و حسین ر.م و احمد ح.ر و محمود م.ع و  محمد خ.ش يعانون من كدمات و سحاجات متفرقة بالجسم.

كان 3 أشخاص قد لقوا  مصرعهم وأصيب 19  آخرون، اليوم الاربعاء ، في حادث   انقلاب سيارة نقل محملة بالعمال   على طريق إسكندرية - مطروح الساحلي، وتم نقل الجثث والمصابين إلى مستشفى الحمام .  


وتلقت غرفه عمليات طوارئ مديريه الصحه بمطروح اخطارا بتعرض سياره نقل محمله بالعمال الانقلاب بالكيلو 60 طريق مطروح اسكندريه الساحلى وعلى الفور انتقلت سيارات الاسعاف الى موقع الحادث

واستقبلت  مستشفى الحمام 3 جثث و19 مصاب وتم تحرير المحضر اللازم وتقديم الاسعافات للمصابين. 
 

مقالات مشابهة

  • «نور وسلام».. معروضات تضيء على إبداعات الفنون والتاريخ
  • نصائح لقيادة السيارة على الطرق الوعرة
  • جريمة غرضها السرقة.. تحقيقات موسعة مع المتهم بقتل مسنة خنقًا ببولاق
  • أول تعليق لبايدن عن هجوم نيو أورليانز وانفجار السيارة أمام فندق ترامب
  • «جثة مطعونة وشقة مبعثرة».. القبض على لص بولاق الدكرور قاتل السيدة العجوز
  • السيارة انقلبت.. ننشر أسماء ضحايا لقمة العيش بمطروح
  • اليوم الذكرى الحادية عشر لرحيل السينارست ممدوح الليثي رئيس قطاع الإنتاج وجهاز السينما
  • قصور الثقافة تصدر «جلابيب على الموضة» لعماد حمدي البحيري
  • جرائم على الهاتف تنتهى بالسجن.. كيف. تحمى نفسك منها؟.. تفاصيل
  • عن سلسلة إبداعات.. صدور المجموعة القصصية جلابيب على الموضة