في منطقة دير المدينة  بالبر الغربي شمال وادي الملوك بمدينة الأقصر جنوب مصر،  توجد واحدة من أجمل المقابر التي انشأت لغير ملوك مصر القدماء، مقبرة محتفظة بألوانها كأن الفنان القديم انتهى من تزيينها قبل قليل، إنها مقبرة "باشدو"، الخادم في مكان الحق، في فترة حكم الملك "سيتي الأول" و"رمسيس الثاني".

دير المدينة

تعتبر دير المدينة جزءًا من مقابر جبانة مدينة طيبة / الأقصر الجنائزية، تم بناؤها في الفترة من 1570 – 1070 ق.

م، وظل استخدام هذه المنطقة في فترة الأسرات الـ18، 19، 20، وأطلق عليها اسم "ست ماعت" الذي يعني مكان الحق، وكانت مقرًا رئيسيًا لعائلات العمال الحرفيين الذين قاموا بحفر مقابر الملوك بجبانة طيبة وتزيينها.

كانت دير المدينة مكانا لحياة ومعيشة وإقامة عمال المقابر مع أسرهم، وكذلك اختير مكان دفن الموتى من العمال وذويهم بجوار المدينة مباشرة، ولذلك تم العثور على مجموعة كبيرة من المقابر وصلت لنحو 53 مقبرة. وإقامة العمال بقرية بجوار المقابر الملكية التي كانوا يعملون على إنشائها يدل أن المقابر كانت مشروعًا قوميًا، ويؤكد وجود تقدير للعمال في مصر القديمة.

مقابر العمال تم تشييدها بحرفية كبيرة وتضم مجموعة رائعةً من المناظر للمتوفى وحياته في العالم الآخر، يعلوها شكل هرمي، يرجع لأهمية الشكل الهرمي في حياة المصري القديمة أو لسبب هندسي بعمل بناء مجوف فوق المقبرة يخفف من الضغط على الحجرات أسفله.

باشدو

كانت مهمة "باشدو" في البداية بناء المقابر بالحجر من ضمن العمالة المسئولة عن بناء المقابر الملكية في وادي ‏الملوك، وكان عمله يقتصر على بناء الممرات والغرف والمقابر باستخدام الفؤوس اليدوية المصنوعة من حجر ‏الصوان، ومع الوقت أصبح" باشدو" مسئولا عن تزيين المقابر الملكية.‏

رسام آمون

وفي "موسوعة مصر القديمة" لعالم المصريات الدكتور سليم حسن يوضح أن  "باشدو" كان يلقب برسام الإله آمون، ومقبرته في جبانة "دير المدينة"، تتميز بأن صاحبها قد ذكر أنساب أسرته حتى الجيل الثالث، وكانت  وظيفة رسام "آمون" وراثية في أسرته، يتعلمها الابن عن والده.

وصف المقبرة

تبدأ مقبرة "باشدو" بسلم منحدر يؤدى إلى عدة حجرات ودهليز ومنهم قاعة انتظار صغيرة ثم غرفة دفن المومياء بسقف مقبب، وتزين المقبرة بالنقوش والألوان التي تخطف الأنظار، ويغلب عليها الطابع الديني حيث أن معظم الرسومات والنقوش توضح الحياة الدينية التي كان يعيشها "باشدو ".

ومن المناظر البديعة في غرفة الدفن، يظهر "باشدو" راكعًا بجوار شجرة نخيل على ‏حافة بركة، وعلى حائطين طويلين مناظر تمثل باشدو وأقاربه يتعبدون، كما يوجد نقش لـ"باشدو" مع وزوجته وطفلين صغيرين في حالة عبادة الاله "حورس" على شكل صقر.


يوجد بالمقبرة منظر لـ"أنوبيس" إله التحنيط وحارس الجبانة، على شكل" ابن آوي" جالسًا فوق مقصورته  كما يوجد نقشًا لأبنه "باشدو" وزوجته على قارب الحج لمدينة أبيدوس ‏المقدسة الموجودة حاليا بسوهاج في جنوب مصر‎.

وعلى عتب غرفة الدفن يوجد نقش ‏لـ"باشدو" في وضع تعبد للمعبود "بتاح سوكر" إله الموتى والبعث، بالإضافة إلى نقوش بسقف غرفة الدفن لمجموعة من المعبودات المصرية عددهم 8 على اليمين، و8 على ‏اليسار وبينهم 40 عمودا باللغة المصرية القديمة من نصوص كتاب الموتى / مجموعة من الوثائق الدينية والنصوص الجنائزية التي كانت تستخدم في مصر القديمة، لتكون دليلاً للميت في رحلته للعالم الآخر.

باشدو مماثل للملك سيتي

وفي مشهد غير مألوف، وجد على جدران مقبرة "باشدو" لوحة مثل فيها الملك "سيتي الأول" يقدم زهرة "البشنين"، التي ترمز للخلق البعث عند المصري القديم، للإله "أوزير"، وخلف الملك يشاهد "باشدو" واقفا بصورة تقرب من صورة الملك في الارتفاع، واللافت للنظر في هذا المشهد  أن "باشدو" قد مثل بصورة تماثل صورة الملك سيتي الأول في الحجم، وهي من المناظر غير المعتادة في الرسوم التي يظهر فيها الملك، إذ جرت العادة في كل المناظر أن الملك يُرسم بصورة ضخمة بالنسبة لمن حوله الذين يظهرون كالأقزام.

فن الرسم

الرسم من أوائل  الفنون التي أبدع فيها المصري القديم، واستطاع من خلاله أن يعبر عن مشاعره، وأن يُقدم صورة كاملة عن نمط الحياة في مصر القديمة، حيث تزخر المعابد والمقابر بالكثير من الرسوم التي تعبر عن الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية للمصريين القدماء، ويقول الدكتور محمد حامد رسمي أستاذ النحت بكلية التربية الفنية جامعة حلوان إن فن الرسم  من أهم ما خلّفه المصريون القدماء لكشفه عن عقائد المصريين وأفکارهم، حيث عبّر الفنان المصري القديم بالرسم عن آداب وعادات المجتمع کما عبر عن الحياة السياسية والاجتماعية التي کان يحياها، إلى أن جعلها مرجعا لکل ما يحيط بالإنسان في مصر القديمة.

والرسومات في مصر القديمة كان لها جانبان، جنائزي  لمساعدة المتوفي على البعث والخلود في حياة الأبدية، وتجميلي وهو زخرفة کل ما استطاع الإنسان أن يصل إليه ويتعامل معه.

كان فن الرسم في مصر القديمة يمارس وفقا لقوانين وقواعد صارمة ‫تحدد النسب الفنية بين أعضاء الجسم البشري والأوضاع السليمة لإبراز كل ‫جزء من أجزاء الجسم، ‫واستخدم الفنان المصري القديم في الرسم والتصوير أعواد الغاب ذات ‫الأطراف المبرية، والفراجين / الفرش الصغيرة المصنوعة من ليف النخيل، وألواح مزج ‫الألوان المصنوعة من الأصداف البحرية، أو قطع الفخار المكسورة، ويؤكد عالم المصريات الدكتور زاهي حواس أن المصري القديم كان عنده معنى ومغزى لكل لون والذي ارتبط برمزيات دينية، والألوان لديه هي الأبيض، الأحمر، الأصفر الأزرق، الأخضر، البني، الرمادي والأسود، وكانت يصنع من الكربون والجير وأكاسيد الحديد، والفيانس / نوع من الخزف.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مقبرة دير المدينة متحف فی مصر القدیمة المصری القدیم دیر المدینة

إقرأ أيضاً:

التاريخ يشهد على صمود الجينات المغاربية عبر العصور القديمة

شهد العصر الحجري الحديث تحولاً جذريًا في تاريخ البشرية، حيث انتقلت المجتمعات من الصيد وجمع الثمار إلى إنتاج الغذاء، وأشعل هذا العصر موجات هجرة عبر أوروبا، وأعاد تشكيل التركيبة الجينية للقارة بشكل جذري.

وعلى عكس أوروبا، فإن البيانات الجينية المتعلقة بهذا التحول المهم في الشمال الأفريقي محدودة، ولم تتوفر إلا من مواقع في أقصى غرب المغرب العربي.

لكن دراسة جديدة نُشرت مؤخرًا في مجلة "نيتشر" تتحدى الافتراض القائل إن المنطقة كانت مجرد متلقٍ سلبي لتأثيرات العصر الحجري الحديث، وتشهد نتائجها على صمود السكان المحليين في منطقة المغرب العربي.

ويصف عالم الآثار المتخصص بالدراسات الأفريقية جوليو لوكاريني، وهو باحث أول في المجلس الوطني للبحوث ومعهد علوم التراث بإيطاليا، هذه الدراسة بأنها "تتحدى فكرة أن انتشار ممارسات العصر الحجري الحديث في شمال أفريقيا كان مدفوعًا في المقام الأول بهجرات واسعة النطاق أو استبدالات سكانية".

ويضيف الباحث المشارك بالدراسة -في حديثه للجزيرة نت- أن هذا البحث "يبرز تعقيد التنقل والتبادل البشري في عصور ما قبل التاريخ" كاشفًا عن قصة أكثر دقة مما كان يُعتقد سابقًا.

والعصر الحجري الحديث إحدى مراحل ما قبل التاريخ، بدأت تقريبًا بين 9 آلاف و4500 سنة قبل الميلاد. وفي هذا العصر، تغيّرت حياة الإنسان بشكل كبير، حيث بدأ يستقر في القرى، ويتخلى عن حياة التنقل والصيد.

بعض مناطق الدفن التي وجدها العلماء (سيمون مولازاني) تركيبة جينية استثنائية

في دراستهم، يتتبع فريق دولي -من علماء الآثار والوراثة والأنثروبولوجيا الفيزيائية- تحركات السكان الأوائل في منطقة شمال أفريقيا، وكيفية تكيفهم مع بيئاتهم وتفاعلهم مع نظرائهم الأوروبيين، وكيفية انتقالهم من الصيد وجمع الثمار إلى إنتاج الغذاء.

إعلان

وأجرى الباحثون تحليلاً شاملاً لتسلسلات الحمض النووي لـ9 أفراد عاشوا في منطقة شرق المغرب العربي قبل 6 آلاف و15000 عام مضت (من العصر الحجري المتأخر وحتى العصر الحجري الحديث).

يُذكر أن هذه الجينومات القديمة مستخرجة من بقايا هياكل عظمية بشرية محفوظة بمجموعات المتاحف أو المؤسسات التراثية، وجاءت من حفريات في 4 مواقع جميعها شرق المغرب العربي (أفالو بو رمل وجبة ودكانة الخطيفة وهرقلة).

ويقول عالم البيولوجيا الفيزيائية البروفيسور ألفريدو كوبا، الأستاذ بقسم الأحياء البيئية جامعة سابينزا بروما -في حديثه للجزيرة نت- إن هذه هي أولى البيانات الجينومية عن هذه الشعوب القديمة من شرق المغرب العربي "وهي الوحيدة المتاحة حاليًا نظرًا لعدة عوامل، منها محدودية وجود بقايا بشرية محفوظة جيدًا، أو الظروف البيئية الصعبة كارتفاع درجات الحرارة وحموضة بعض أنواع التربة، والتي تُسرّع من تحلل الحمض النووي القديم".

وعلى الرغم من محدودية عدد العينات المتاحة، يقول لوكاريني إن هذا العمل يظهر القوة التحليلية لدراسات الحمض النووي القديم "حتى بعض الجينومات المحفوظة جيدًا يمكن أن تُقدم رؤى قيمة، ويُمثل كل جينوم مُحلل نقطة مرجعية لتتبع الأنساب الجينية وتحديد الروابط بين الأسلاف".

ويضيف "تكمن قوة الدراسة في الاختيار الدقيق للعينات من مواقع وفترات زمنية مختلفة، وطرح الأسئلة الصحيحة ومعرفة كيف يُمكن للبيانات المتاحة أن تُقدم إجابات مُقنعة، مما سمح لنا بتحديد أنماط الاستمرارية والهجرة والتفاعل الثقافي عبر آلاف السنين".

ويكشف تحليل الحمض النووي القديم أن بعض الأفراد الذين أُخذت عينات منهم ينحدرون من أصول مزارعين أوروبيين، حيث ساهم الأوروبيون ببعض الجينات في المنطقة، ولكن بنسبة ضئيلة لم تتجاوز 20% في منطقة شرق المغرب العربي.

إعلان

ويُظهر هذا مستوى منخفضًا من التأثير الوراثي للجماعات الزراعية الوافدة إلى هذه المنطقة مقارنةً بسكان المنطقة، حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن مجتمعات شمال أفريقيا قاومت الزراعة، ربما باستثناء دلتا النيل وغرب المغرب العربي.

وأظهرت أبحاث سابقة أن المزارعين القادمين من أوروبا ساهموا بما يصل إلى 80% من التركيبة الجينية لبعض سكان غرب المغرب القديم بسبب حركة المزارعين عبر مضيق جبل طارق قبل حوالي 7 آلاف عام.

ويشير هذا إلى أن سكان شرق المغرب العربي -على عكس سكان أجزاء أخرى من أوروبا وغرب المغرب العربي- لم يتأثروا إلى حد كبير بالتحولات التي حدثت في مناطق أخرى بالبحر الأبيض المتوسط، حيث حلت المجتمعات الزراعية إلى حد كبير محل جماعات الصيد وجمع الثمار الأصلية.

علماء الآثار في مواقع بتونس والجزائر: أدلة على أن تبني الزراعة لم يصاحبه تدفق جماعي للسكان الجدد (جوليو لوكاريني) استمرارية التقاليد المحلية

يقول كوبا الذي شارك بالدراسة "في هذه المنطقة، لم تحل الزراعة محل التقاليد السابقة تمامًا بل على العكس، أظهرت مجتمعات شرق المغرب العربي مرونة ثقافية وجينية استثنائية في مشهد البحر المتوسط، مما سمح لها بالبقاء دون تغيير كبير على الرغم من التغيرات الجذرية التي حدثت في أماكن أخرى".

وهذا ما تدعمه الاكتشافات التي تشير إلى أن الاعتماد الكامل على الزراعة بهذه المنطقة لم يحدث إلا في حدود الألفية الأولى قبل الميلاد، أي بعد فترة طويلة من المناطق الأخرى، على الرغم من إدخال بعض الأنواع المستأنسة (مثل الأغنام والماعز والأبقار).

واستمرت المجتمعات المحلية شرق المغرب العربي في الاعتماد على إستراتيجية معيشية متنوعة حتى العصر الحجري الحديث، بما في ذلك صيد الطرائد البرية من أجل البقاء وجمع الموارد النباتية، وحتى جمع القواقع الأرضية. وفي وقت لاحق فقط، بدأت أيضًا في رعي الأغنام والماعز والأبقار المستأنسة، التي اُستقدمت من جنوب غرب آسيا، وهو ما يتوافق مع البيانات الجينية التي تشير إلى محدودية تدفق الجينات من المزارعين الأوروبيين.

إعلان

وعلى الرغم من المساهمات الوراثية الخارجية، يتضح من هذه الجينومات أن تأثير المزارعين وصل إلى شمال أفريقيا من جميع أنحاء (منطقة) البحر المتوسط. ومع ذلك، ظل جزء كبير من التركيب الجيني لسكان شرق المغرب العربي متجذرًا في تراثهم الأصلي من جمع الطعام.

ويقول لوكاريني إن هذا يشير إلى أن "الانتقال إلى إنتاج الغذاء شرق المغرب العربي لم يحدث من خلال استبدال واسع النطاق للسكان المحليين بمجموعات زراعية وافدة، بل كان عملية تدريجية شكلتها هجرات متفرقة وتفاعلات ثقافية وتبادل المعرفة، وليس تحولًا ديموغرافيًا مفاجئًا" مضيفًا أن "المجتمعات المحلية استوعبت تأثيرات جديدة مع الحفاظ على هويتها المميزة".

وعلاوةً على ذلك، تشير نتائج الدراسة إلى أن الهجرات البشرية والتبادلات الثقافية كانت أطول وأكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا، إذ شملت مسارات وتأثيرات متنوعة تتجاوز مجرد الهجرات واسعة النطاق.

وتتحدى هذه النتائج الروايات التقليدية حول كيفية انتشار الزراعة والهجرة من وإلى شمال أفريقيا قبل العصر الحجري الحديث وخلاله، فبدلاً من مجرد استقبال ابتكارات العصر الحجري الحديث من أوروبا بشكلٍ سلبي، يبدو أن شرق المغرب قد اتبع مسارًا ثقافيًا أكثر استقلالية ومقاومة.

الباحثون كشفوا أن الأوروبيين ساهموا بقدر أقل من المتوقع في جينات السكان (ديفد ريتش) تفاعل عبر البحر

وأظهر تحليل الحمض النووي لفرد واحد على الأقل من موقع جبة بتونس، يعود تاريخه إلى حوالي 8 آلاف عام، أنه كان يشترك في حوالي 6% من حمضه النووي مع الصيادين وجامعي الثمار الأوروبيين.

ويقول لوكاريني "تمثل هذه النتائج أول دليل وراثي واضح على وجود صلة بين السكان الأوروبيين الأوائل وسكان شمال أفريقيا، مما يشير إلى أن التفاعل بينهم كان قائمًا بالفعل قبل انتشار الزراعة على نطاق واسع، وربما كان أكثر وفي وقت أبكر بكثير مما كنا نعتقد في البداية".

إعلان

ويفترض الباحثون أن هذه التفاعلات البشرية كانت على الأرجح على متن زوارق خشبية طويلة مرت عبر طرق بحرية عبر مضيق صقلية، مما يُمثل أقدم دليل على الملاحة البحرية في البحر المتوسط ​​بين سكان هذه المناطق.

وقبل عدة عقود، اقترح بعض علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية وجود تواصل بين الصيادين وجامعي الثمار من أوروبا وشمال أفريقيا. وفي ذلك الوقت، بدت هذه النظرية مُبالغًا فيها. وبعد 30 عامًا "أثبتت بياناتنا الجينومية الجديدة صحة هذه الفرضيات المبكرة" وفقًا لما ذكره رون بينهاسي الباحث المشارك بالدراسة وعالم الأنثروبولوجيا التطورية، في بيان صحفي رسمي من جامعة فيينا.

وبحسب لوكاريني "تتطابق النتائج الجينية تمامًا مع الأدلة الأثرية المعروفة بالفعل من شرق المغرب العربي" ويقول "يدعم اكتشاف حجر السبج من بانتيليريا -وهي جزيرة بركانية صغيرة في مضيق صقلية- في هرقلة، أحد المواقع التي عُثر فيها على البقايا البشرية التي حللناها في دراستنا، فكرة التفاعلات البحرية المبكرة بين شمال أفريقيا وأوروبا، مما يؤكد الاكتشاف الجيني لأصول الصيادين وجامعي الثمار الأوروبيين بالمنطقة".

ويُعزز هذا الاكتشاف الأدلة على الروابط المبكرة بين سواحل البحر المتوسط ​​الشمالية والجنوبية، ويعد أيضًا دليلاً إضافيًا على أن هذه التفاعلات المبكرة قد سهّلتها الحركة البحرية، مما يشير إلى أن هؤلاء الصيادين ربما توقفوا في عدة جزر خلال رحلتهم عبر البحر.

وعلى الرغم من عدم العثور على بقايا قوارب من هذه الفترة في الشمال الأفريقي، تشير الزوارق المحفورة التي يبلغ عمرها 7 آلاف عام، والتي عُثر عليها عند بحيرة براتشيانو (وسط إيطاليا) إلى أن مهارات الملاحة البحرية كانت راسخة في منطقة الأبيض المتوسط، وتقدم دليلاً على أن الملاحة في عرض البحر كانت ضمن القدرات التكنولوجية في ذلك الوقت.

إعلان

وبحسب لوكاريني "يُعد الجمع بين البحث الجيني والاكتشافات الأثرية ضروريًا لإعادة بناء أحداث ما قبل التاريخ بدقة أكبر" ويضيف "من خلال دمج أدلة متعددة، يمكن للباحثين رسم صورة أكثر شمولاً لكيفية تطور المجتمعات القديمة وتفاعلها وتكيفها مع التغيرات الثقافية والبيئية الجديدة".

ظهور أصول بلاد الشام

من الجوانب المثيرة للاهتمام بالدراسة تحديد بعض أقدم الأصول المرتبطة ببلاد الشام القديمة (جنوب غرب آسيا الحديث) في منطقة شرق المغرب العربي، والتي سبقت وصول المزارعين الأوروبيين بعدة قرون.

ومن المرجح أن يعكس هذا الارتباط الجيني حركة جماعات الرعاة الأوائل الذين انتقلوا غربًا من بلاد الشام، وأدخلوا الحيوانات الأليفة -مثل الأغنام والماعز- إلى شمال أفريقيا.

ويختم كوبا حديثه بقوله "يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة حول تعقيد التحول إلى العصر الحجري الحديث في البحر المتوسط، حيث يُظهر كيف أن التحول إلى إنتاج الغذاء لم يكن عملية موحدة بل كان ظاهرة ديناميكية ومتميزة إقليميًا".

ويرى أن "هذه الدراسة ستكون ذات أهمية أساسية لتطوير البحث الأثري في المغرب الشرقي، لأنها تقدم منظورًا جديدًا حول الاستيطان وتطور الزراعة بالمنطقة".

مقالات مشابهة

  • درميش: على “المركزي” سحب الإصدارات القديمة من فئات 10 دينار و 5 ومادونهما
  • متحف المركبات الملكية ينظم ورش فنية مرتبطة بالتراث المصري
  • متحف كفر الشيخ يحتفل بـ يوم اليتيم
  • برج القوس.. حظك اليوم الأحد 13 أبريل 2025: أفكار جديدة
  • من الملاعب إلى المقابر.. ما هو مرض إبراهيم شيكا؟
  • السودان القديم وطنٌ كان قبل أن يُرسم
  • تضم ألف رفات ومسؤولها علي كيمياوي.. معلومات جديدة عن مقبرة كركوك الجماعية
  • كركوك.. العثور على مقبرة جماعية تضم رفات مواطنيين كورد
  • أمن القليوبية يكشف غموض الشروع في قتل طفلة داخل المقابر بقرية شلقان
  • التاريخ يشهد على صمود الجينات المغاربية عبر العصور القديمة