رويترز: العرب يخشون من نزوح دائم جديد للفلسطينيين
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
أثارت الدعوات لإنشاء ممر إنساني أو طريق فرار للفلسطينيين من غزة، مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ردود فعل حادة من الدول العربية المجاورة.
وحذرت مصر، الدولة العربية الوحيدة التي لها حدود مشتركة مع غزة، والأردن، المتاخمة للضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، من إجبار الفلسطينيين على ترك أراضيهم.
ووفقا لتقرير بثته وكالة رويترز، يعكس هذا المخاوف العربية من أن الحرب الدائرة في غزة قد تؤدي إلى موجة جديدة من النزوح الدائم من الأراضي التي يريد الفلسطينيون بناء دولتهم المستقبلية عليها.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الخميس "هذه قضية القضايا وقضية العرب كلها"، وأضاف "من المهم أن يبقى الشعب الفلسطيني صامدا وحاضرا على أرضه".
وبالنسبة للفلسطينيين فإن فكرة الرحيل أو إجبارهم على الخروج من الأرض التي يريدون إقامة دولتهم عليها تحمل أصداء "النكبة" عندما طرد الكثير من الفلسطينيين من منازلهم خلال حرب عام 1948 التي صاحبت قيام إسرائيل.
وفرّ نحو 700 ألف فلسطيني، أي نصف السكان العرب في فلسطين التي كانت تحت الحكم البريطاني، أو طردوا من منازلهم، ونزح الكثير منهم إلى الدول العربية المجاورة حيث يقيمون هم أو العديد من أحفادهم، ولا يزال العديد منهم يعيشون في مخيمات اللاجئين، وما زالت إسرائيل ترفض الاعتراف بحقيقة أنها طردت الفلسطينيين، مشيرة إلى أنها تعرضت لهجوم من قبل 5 دول عربية في اليوم التالي لإنشائها.
70 فلسطينيا استشهدوا وأصيب أكثر من 200 آخرين خلال نزوح سكان شمال غزة إلى جنوبها (وكالة الأناضول) رفض التهجيردعا جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس الجمعة، سكان مدينة غزة -الذين يزيد عددهم على مليون نسمة- إلى إخلاء منازلهم، والتوجه جنوبا لحمايتهم، والبقاء في المنطقة الواقعة جنوب وادي غزة، في المقابل، لكن هذا الجيش قام باستهداف قوافل النازحين الفارين جنوبا وأدى ذلك لاستشهاد 70 فلسطينيا، بينهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 200 آخرين.
وردا على ذلك، حذّر ملك الأردن عبد الله الثاني من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية، أو التسبب في نزوحهم، وأكد ضرورة عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار، و"مفاقمة قضية اللاجئين".
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، اليوم السبت، إن تهجير الفلسطينيين من وطنهم سيدفع المنطقة كلها نحو هاوية تعمق التصعيد وتوسع الصراع، وطالب الصفدي المجتمع الدولي بإدانة قتل المدنيين الفلسطينيين كما أدان قتل الإسرائيليين، وفق تعبيره.
وأكد أن "فشل المجتمع الدولي في وقف الحرب يعني الفشل في حماية المدنيين الذين لا يجدون المأوى".
وناشد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة على نحو عاجل، إدانة هذه المحاولة الإسرائيلية غير العقلانية لنقل السكان، وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة "المدنيون بحاجة إلى الحماية. لا نريد أن نرى نزوحا جماعيا لسكان غزة".
وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان إنه يرفض الترحيل والتهجير القسري للسكان من الجزء الشمالي من قطاع غزة بأمر من إسرائيل، وأضاف أنه "يشعر بالصدمة والرعب من قتل إسرائيل المدنيين وتدمير أحياء بأكملها"، داعيا لوقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار ووضع حد للعقاب الجماعي لسكان قطاع غزة.
فيما قالت الولايات المتحدة هذا الأسبوع إنها تجري محادثات مع إسرائيل ومصر بخصوص فكرة الممر الآمن للمدنيين من غزة.
ويشكل مصير اللاجئين الفلسطينيين إحدى القضايا الشائكة في عملية السلام المتداعية، ويقول الفلسطينيون والدول العربية إن الاتفاق يجب أن يشمل حق هؤلاء اللاجئين وأحفادهم في العودة، وهو أمر ترفضه إسرائيل دائما.
وأثارت بعض التصريحات الإسرائيلية مخاوف عربية، حيث قال متحدث عسكري إسرائيلي يوم الثلاثاء إنه سينصح الفلسطينيين "بالخروج" عبر معبر رفح على الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، وأصدر الجيش الإسرائيلي توضيحا يفيد بأن المعبر كان مغلقا في ذلك الوقت.
ويعتبر معبر رفح البوابة الرئيسية بين سكان غزة والعالم الخارجي، بينما تؤدي جميع المعابر الأخرى إلى إسرائيل.
منع امتداد الأزمة
ويضيف تقرير رويترز قائلا إنه منذ أن سيطرت حركة حماس على غزة في عام 2007، أسهمت مصر في حصار القطاع، وأغلقت حدودها إلى حد كبير وفرضت ضوابط مشددة على مرور البضائع والأشخاص عبر رفح.
وواجهت مصر تمردا في شمال سيناء بلغ ذروته بعد عام 2013 قبل أن تستعيد قوات الأمن سيطرتها، وتقول مصادر أمنية ومحللون إنها تريد منع تسلل مسلحين من حماس، التي تشترك في أيديولوجيتها مع جماعة الإخوان المسلمين، وهي "جماعة محظورة" في مصر.
وتقول مصر إن معبر رفح مفتوح وإنها تحاول تأمين توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة، على الرغم من أن القصف الإسرائيلي بالقرب من الحدود يعرقل ذلك، كما أشارت القاهرة إلى أن حل القضية من خلال أي نزوح جماعي للفلسطينيين أمر غير مقبول.
وتضرب معارضة التهجير الجديد للفلسطينيين بجذورها العميقة في مصر، إذ تضمنت معاهدة السلام مع إسرائيل قبل أكثر من 4 عقود انسحابا إسرائيليا من شبه جزيرة سيناء، لكنها لم تؤد أبدا إلى المصالحة على المستوى الشعبي.
كما أثار الصراع حول غزة مخاوف طويلة الأمد في الأردن، حيث موطن عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم، من أن اندلاع صراع أوسع نطاقا من شأنه أن يمنح الإسرائيليين الفرصة لتنفيذ سياسة نقل لطرد الفلسطينيين بشكل جماعي من الضفة الغربية.
وبعد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية، يوم الأربعاء، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن جميع الدول العربية اتفقت على مواجهة أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من وطنهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الفلسطینیین من الدول العربیة
إقرأ أيضاً:
لماذا تدافع واشنطن عن وجود إسرائيل وتتسامح مع اضطهادها للفلسطينيين؟
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مقال رأي لأستاذ الصحافة بجامعة سيتي في نيويوروك والمعلق في صفحة الرأي بالصحيفة، بيتر بينارت، مقالا ناقش فيه فكرة وجود الشعوب والدول.
وتساءل الكاتب في مقال ترجمته "عربي21"، وجاء تحت عنوان "الدول ليس لها حق بالوجود أما الشعوب فلها". عن الطريقة التي تعامل فيها واشنطن سواء من الحزب الجمهوري والديمقراطي إسرائيل عبر مقولة "إسرائيل لها حق في الوجود".
وهذه مقولة يتوافق فيها رئيس مجلس النواب مايك جونسون وزعيم الأقلية الديمقراطية حكيم جيفرزي، وكذا إدارة بايدن ووزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن ووزير الخارجية الجديد، ماركو روبيو ووزير دفاع ترامب الجديد بيت هيغسيث وكذا زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك تشومر. وفي عام 2023، أكد مجلس الشيوخ على حق إسرائيل بالوجود في تصويت من 412-1 صوتا.
ويعلق قائلا إن هذا ليس هو الأسلوب الذي يتحدث به الساسة في واشنطن عادة عن الدول الأخرى. فهم عادة ما يبدأون بحقوق الأفراد، ثم يسألون عن مدى نجاح دولة معينة في تمثيل الناس الخاضعين لسيطرتها. وإذا كان زعماء أمريكا يضعون حياة كل من يعيش بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط في المقام الأول، فسيكون واضحا أن السؤال عما إذا كانت إسرائيل تتمتع بحق الوجود هو السؤال الخطأ.
والطريقة لطرح هذا السؤال: هل تحمي إسرائيل، كدولة يهودية، حقوق كل الأفراد الخاضعين لسيطرتها على النحو اللائق؟ والإجابة هي لا.
ودعا بينارت للتأمل بهذا السيناريو: إذا انفصلت اسكتلندا قانونيا أو ألغى البريطانيون النظام الملكي، فلن تعود المملكة المتحدة موحدة ولا مملكة. وستتوقف بريطانيا كما نعرفها عن الوجود، وستحل محلها دولة مختلفة.
وسوف يقبل روبيو شومر وزملاؤهم هذا التحول باعتباره شرعيا لأنهم يعتقدون أن الدول يجب أن تستند إلى موافقة المحكومين.
ويقول بينارت إن قادة أمريكا يؤكدون على هذه النقطة بشكل قاطع عندما يناقشون أعداء أمريكا. فهم غالبا ما يدعون إلى استبدال الأنظمة القمعية بدول تلبي بشكل أفضل المعايير الديمقراطية الليبرالية. وفي عام 2017، زعم جون بولتون، الذي أصبح فيما بعد مستشارا للأمن القومي في إدارة ترامب الأولى قائلا إن: "السياسة المعلنة للولايات المتحدة يجب أن تكون الإطاحة بنظام الملالي في طهران". وفي عام 2020، وصف وزير الخارجية في حينه مايك بومبيو جمهورية الصين الشعبية بأنها "نظام ماركسي لينيني" مع "أيديولوجية شمولية مفلسة".
وبحسب المقال، لم يكن هؤلاء المسؤولون الأمريكيون يحثون هذه البلدان على استبدال زعيم معين فحسب، بل على تغيير نظامها السياسي، وبالتالي، في جوهره، إعادة تشكيل الدولة. وفي حالة جمهورية الصين الشعبية، التي تدل على هيمنة الحزب الشيوعي أو جمهورية إيران الإسلامية، التي تدل على حكم رجال الدين، فإن هذا يستدعي على الأرجح تغيير الاسم الرسمي للبلاد.
وفي عام 2020 أعلن بومبيو في خطاب له أن الآباء المؤسسين لأمريكا اعتقدوا أن "الحكومة لا توجد لتقليص أو إلغاء حقوق الأفراد وفقا لنزوات أصحاب السلطة، بل لضمانها".
ومن هنا فالسؤال: هل يحق للدول التي تحرم الأفراد من حقوقهم الحق في الوجود وبشكلها الحالي؟ وحسب كلام بومبيو، فلا يحق لها.
لكن، ماذا لو تحدثنا بهذه الطريقة عن إسرائيل؟ فنصف السكان الخاضعين لإسرائيل هم فلسطينيون، معظمهم من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، ومعظمهم لا يستطيعون الحصول على المواطنة في دولة إسرائيل التي تمارس سلطة الحياة والموت عليهم. ومارست إسرائيل هذه السلطة، حتى قبل هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبخاصة أنها كانت تسيطر على المجال الجوي والمجال البحري وتسجيل السكان والمعابر البرية، مما حول غزة حسب وصف منظمة "هيومان رايتس ووتش" إلى "سجن مفتوح". وحتى الأقلية من الفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية والذين يحملون الجنسية الإسرائيلية والذين يطلق عليهم أحيانا "العرب الإسرائيليون"، تفتقر إلى المساواة القانونية.
وفي الشهر الماضي، وعد بلينكن بأن الولايات المتحدة سوف تساعد السوريين في بناء دولة "شاملة وغير طائفية"، ومن الواضح أن إسرائيل الحالية ستتفشل في اجتياز هذا الاختبار. ومع ذلك ففكرة دولة غير طائفية وشاملة على هذه الأرض تظل أمرا لا يمكن أن يتصوره قادة اليهود الأمريكيون. والواقع أن اليهود يشعرون بالغضب الشديد عندما يدعو الزعماء الإيرانيون إلى محو إسرائيل من على الخريطة. ولكن هناك فرق جوهري بين دولة تتوقف عن الوجود بسبب غزو جيرانها لها ودولة تتوقف عن الوجود لأنها تتبنى شكلا أكثر تمثيلاً للحكم، وفقا للمقال.
ولا يصر قادة اليهود الأمريكيين على حق إسرائيل في الوجود، بل ويصرون على حقها بالوجود كدولة يهودية. وهم يتمسكون بفكرة أنها دولة يهودية وديمقراطية في نفس الوقت، رغم التناقض بين التفوق القانوني لجماعة إثنية دينية واحدة والمبادئ الديمقراطية التي تدعو لمساواة الجميع بناء على القانون.
ويرى بينارت أن الاعتقاد بفكرة الدولة اليهودية وأنها تحمل قيمة غير مشروطة، بصرف النظر عن تأثيرها على الناس الذين يعيشون داخلها، لا يتعارض فقط مع الطريقة التي يتحدث بها زعماء أمريكا عن البلدان الأخرى. بل ويتعارض أيضا مع التقاليد اليهودية. فهذه لا تنظر إلى الدول باعتبارها تمتلك حقوقا، بل تنظر إليها بريبة عميقة.
ففي الكتاب المقدس، يطلب أعيان بني إسرائيل من النبي صموئيل تعيين ملك يحكمهم. ويأمر الله صموئيل بأن يحقق رغبة الأعيان، ولكنه يحذره أيضا من أن حاكمهم سوف يرتكب انتهاكات فظيعة. فيقول لهم صموئيل: "سيأتي اليوم الذي تصرخون فيه بسبب الملك الذي اخترتموه بأنفسكم". والمعنى واضح، فالممالك أو الدول في المصطلح الحديث ـ ليست مقدسة. فهي مجرد أدوات، يمكنها إما أن تحمي الحياة أو تدمرها.
وأشار الكاتب إلى أنه في عام 1975 كتب الناقد الاجتماعي الإسرائيلي الأرثوذكسي يشعياهو ليبوفيتز: "إنني أنكر بشدة أن تكون للدولة أي قيمة جوهرية على الإطلاق". ولم يكن ليبوفيتز فوضويا، ولكن برغم أنه اعتبر نفسه صهيونيا، فقد أصر على أن الدول، بما في ذلك الدولة اليهودية، يجب أن تحكم على أساس معاملتها للبشر الخاضعين لسيطرتها.
فالدول ليس لها الحق في الوجود. أما البشر فهم من لهم الحق في الوجود. ويشير الكاتب إلى أن أهم رموز الكتاب المقدس مثل موسى ومردخاي، خاطروا بحياتهم عندما رفضوا معاملة الحكام المستبدين كشخصيات مقدسة. وبرفضهم عبادة سلطة الدولة، رفضوا عبادة الأصنام، وهو الحظر الذي يشكل جوهر اليهودية إلى الحد الذي جعل الحاخام يوحنان يصفه في التلمود بأنه التعريف الحقيقي لليهودية.
واليوم، يبدو هذا الشكل من عبادة الدولة، حاضر في الحياة اليهودية الأمريكية السائدة. ومن الخطورة بمكان أن نبجل أي كيان سياسي، بل الخطورة بشكل خاص هي أن نبجل كيانا يصنف الناس باعتبارهم متفوقين أو أدنى مرتبة على أساس قبيلتهم.
وعندما تصر الجماعات اليهودية الأكثر نفوذا في أمريكا، مثل الزعماء الأمريكيين، مرارا وتكرارا على أن إسرائيل لها الحق في الوجود، فإنهم يقولون في واقع الأمر إن إسرائيل لا تستطيع أن تفعل شيئا، مهما بلغ الضرر الذي قد تلحقه بالناس الذين يعيشون تحت هيمنتها، بدون الحاجة لإعادة النظر في شخصية الدولة.
وفعلوا هذا رغم انتهاكات إسرائيل الصارخة لحقوق الإنسان. ومنذ ما يقرب من 16 عاما، أي منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في عام 2009، حكم إسرائيل قادة يتفاخرون بمنع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من إنشاء دولتهم الخاصة بهم، وبالتالي إجبارهم على العيش كمواطنين طارئين، بدون حقوق أساسية تحت الحكم الإسرائيلي.
وفي عام 2021، اتهمت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بيتسيلم"، إسرائيل بممارسة الفصل العنصري. وسجل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية زيادة في الهجمات التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية في عام 2024 مقارنة بأي عام منذ أن بدأت تسجل الحوادث قبل ما يقرب من 20 عاما.
ومع ذلك يصر قادة اليهود الأمريكيين والساسة الأمريكيون على التعامل مع فكرة مساءلة مشروعة الدولة اليهودية بأنها أمر غير مشروع، بل ومعاد للسامية "لقد جعلنا إسرائيل مذبحنا" يقول بينارت، وقد تحققت مخاوف ليبوفيتز: "عندما يتم تقديم الأمة والبلد والدولة باعتبارها قيما مطلقة، فإن كل شيء جائز".
وقال الكاتب إن كثيرا ما يقول زعماء اليهود الأمريكيين إن الدولة اليهودية ضرورية لحماية الأرواح اليهودية. ولا يمكن لليهود أن يكونوا آمنين ما لم يحكمهم اليهود. و"أنا أفهم لماذا يستثني العديد من اليهود الأمريكيين، الذين يعتقدون كقاعدة عامة أن الدول لا ينبغي لها أن تميز على أساس الدين أو العرق أو العرق، إسرائيل. وهذا رد على تاريخنا المؤلم كشعب.
ولكن على الرغم من معاداة السامية العالمية، فإن يهود الشتات، الذين يراهنون على سلامتنا على مبدأ المساواة القانونية ، أكثر أماناً بكثير من اليهود في إسرائيل". ويقول بينارت إن هذه ليست مصادفة، فالبلدان التي يمارس الجميع حق التصويت للحكومة وتسمع أصواتهم، الحكومة، عادة ما تكون أكثرأمانا للجميع.
وبحسب المقال، فقد ووجدت دراسة أجريت عام 2010 على 146 حالة من الصراع العرقي في مختلف أنحاء العالم منذ الحرب العالمية الثانية أن الجماعات العرقية التي تم استبعادها من سلطة الدولة كانت أكثر عرضة لحمل السلاح بثلاث مرات من تلك التي تمتعت بالتمثيل في الحكومة. ويمكن مشاهدة هذه الدينامية في إسرائيل، ففي كل يوم، يخضع اليهود الإسرائيليون أنفسهم تحت رحمة الفلسطينيين عندما يكونوا في أضعف حالاتهم: على طاولة العمليات. ويشكل المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل حوالي 20% من أطبائها، و30% من ممرضيها وممرضاتها، و60% من صيادلتها.
ولكن لماذا يجد اليهود الإسرائيليون المواطنين الفلسطينيين أقل تهديدا من الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة؟ يجيب بينارت بالقول إن هذا يرجع هذا إلى حد كبير لقدرة المواطنين الفلسطينيين على التصويت في الانتخابات الإسرائيلية. فبرغم تعرضهم للتمييز الشديد فإنهم على الأقل يملكون بعض الأساليب السلمية والقانونية لإسماع أصواتهم.
قارن هذا بالفلسطينيين في غزة أو الضفة الغربية الذين لا يملكون أي وسيلة قانونية للتأثير على الدولة التي تقصفهم وتسجنهم. وعندما تحرم الناس من حقوقهم الأساسية فإنك تعرضهم لعنف هائل. وعاجلا أم آجلا فإن هذا العنف يعرض الجميع للخطر. ففي عام 1956، رأى طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات يدعى زياد النخالة جنودا إسرائيليين يقتلون والده في مدينة خان يونس في غزة. وبعد ما يقرب من سبعين عاما، أصبح هو زعيم حركة الجهاد الإسلامي المنافسة الأصغر حجما لحماس ولكنها لا تقل عنها تشددا.
وردا على الهجوم الذي نفذته حركة حماس والجهاد الإسلامي في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وقتل فيه 1.200 إسرائيليا وأسر 250 آخرين، دكت إسرائيل القطاع. وقدرت المجلة الطبية البريطانية "لانسيت" أن عدد شهداء الحرب تجاوز 60,000 فلسطينيا، وتدمير معظم مستشفيات القطاع ومدارسه وزراعته.
ويشكل تدمير غزة مثالاً مروعا على فشل إسرائيل في حماية أرواح وكرامة كل الناس الذين يقعون تحت سلطتها. إن الفشل في حماية أرواح الفلسطينيين في غزة يعرض اليهود للخطر في نهاية المطاف. ففي هذه الحرب، قتلت إسرائيل بالفعل أكثر من مائة ضعف عدد الفلسطينيين في غزة مقارنة بما فعلته في المذبحة التي أودت بحياة والد النخالة. فكم من الأطفال في سن الثالثة سيظلون يسعون إلى الانتقام بعد سبعة عقود من الآن؟
لكن في إسرائيل، لا يوجد أي دليل على أن إسرائيل لن تتسامح مع هذه الحرب. فكما حذر عامي أيالون، رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق (شين بيت)، حتى قبل الحرب الحالية في غزة: "إذا واصلنا نشر الإذلال واليأس، فسوف تنمو شعبية حماس. وإذا تمكنا من إبعاد حماس عن السلطة، فسوف نواجه تنظيم القاعدة. وبعد القاعدة، وتنظيم الدولة وبعده، لا أحد يعلم إلا الله".
ولكن باسم سلامة اليهود، يبدو أن المنظمات اليهودية الأمريكية تتسامح مع أي شيء تفعله إسرائيل بالفلسطينيين تقريبا، حتى الحرب التي تعتبرها منظمة العفو الدولية والباحث البارز في الهولوكوست المولود في إسرائيل عومير بارتوف الآن إبادة جماعية. ولكن ما لا يستطيع الزعماء اليهود والساسة الأمريكيون أن يتسامحوا معه هو المساواة بين الفلسطينيين واليهود، لأن هذا من شأنه أن ينتهك حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، وفقا للمقال.