بقلم: لواء دكتور/ شوقي محمد صلاح 

القاهرة (زمان التركية)- إلحاقا لمقالنا السابق المحرر في اليوم الأول للعملية العسكرية للمقاومة الفلسطينية بغزة، ويحمل عنوانه: رؤية أمنية تحليلية لعملية “طوفان الأقصى”، والذي تم نشره على هذه المنصة المحترمة في اليوم الثاني مباشرة للعملية، وقد أشرنا من خلاله إلى نقاط أساسية أهمها: – أن عملية “طوفان الأقصى” كانت ضربة استباقية للمقاومة تحسبًا لعمليات توعدت بها حكومة إسرائيل، الأكثر تطرفا في التاريخ الإسرائيلي؛ – أكدت العملية فشلا استخباراتيًا وعسكريًا تاريخيًا لإسرائيل؛ – كما تحدثنا عن خطورة توسع دائرة الصراع.

. – وأكدنا على أن المسئولية السياسية عن هذا الإخفاق تقع على عاتق الحكومة الصهيونية، وبصفة خاصة نتنياهو؛ – وأشرنا لجود بصمات روسية على مسرح الأحداث؛ – كما أن هناك مؤامرة تستهدف سيناء، وعلى مصر إعلان “سيناء خط أحمر“.

* هل ستستدرج إسرائيل حزب الله وإيران لدخول الصراع ؟

– بداية أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنه؛ لا مؤشرات عن تورط إيران لدفع المقاومة الفلسطينية للقيام بهذه العملية.

– الرئيس الإيراني أكد في تصريح علني أن إيران “لا ناقة لها ولا جمل” في عملية طوفان الأقصى.

– صرح مسئولون بالإدارة الأمريكية أن المخابرات الأمريكية لم يكن لديها معلومات عن العملية!

– أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كانت خارج الخدمة، وهو أمر يثير الريبة والشكوك..!

* ووفقا للمعطيات السابقة، يأخذنا التحليل المبدئي إلى أن: أمريكا وأوروبا لديهما قناعة كاملة بأهمية “تحييد إيران بأي ثمن” حيث لا استغناء عن بترولها وغازها خلال الفترة القادمة، كما أن اشتراكها فيه مخاطر عالية على أمن القوات الغربية وإسرائيل.. وتحسبا لخطورة مشاركة إيران فقد تم إرسال حاملات طائرات وسفن هجومية أمريكية وبريطانية، بجانب الدعم اللوجيستي العسكري واسع النطاق لتل أبيب.

-وجدير بالذكر في هذا الصدد، ووفقا لسوابق تاريخية عديدة، فالمرجح ألا تسعى إيران للاشتراك في الصراع، كما أنها ستؤكد على حزب الله عدم اتخاذ إجراءات انفعالية للرد على الاستفزازات الإسرائيلية.. بينما سيجدها نتنياهو فرصة تاريخية للاصطدام بإيران في ظل معطيات الموقف الراهن، لإجهاض مشروعها النووي، وقد ناضل مع إدارات أمريكية متعاقبة سابقة لتحقيق هذا الحلم وفشل، وربما تعد هذه فرصته الأخيرة.. لذا سيسعى بكل السبل إلى توريط الولايات المتحدة والغرب لمواجهة إيران.

– هذا، ونتساءل: هل غاب عن نتنياهو أن توسيع دائرة الصراع ليشمل إيران سيترتب عليه حتمًا، هجرة أكثر من مليون إسرائيلي على الأقل، خاصة وأن قدرات إيران العسكرية بعد دعمها المؤثر جدًا لروسيا في حربها لمواجهة الناتو بأوكرانيا قد اختلفت.. فمن المؤكد أن إسرائيل أصبحت لا طاقة لها ولا لداعميها تحييد الصواريخ الإيرانية.. وإن كانت للولايات المتحدة القدرة العسكرية على إجهاض مشروعها النووي، إلا أن صواريخ الأخيرة – الفرط صوتية بعيدة المدى- ستنجح غالبًا في استهداف مفاعلات إسرائيل النووية، ناهيك عن استهداف حاملات الطائرات النووية الأمريكية والبريطانية، إن أرادت.. .

– هذا، وإن كانت الولايات المتحدة خلال العامين السابقين قدمت مساعدات مادية وعسكرية طائلة لكييف.. إلا أنه، وبعد أيام من عملية “طوفان الأقصى” تتحرك أمريكا عسكريا تمهيدا لدخولها الحرب دفاعًا عن إسرائيل.. وبهذا تدفع أمريكا فاتورة أخطاء نتنياهو بدماء الأمريكيين قبل أموالهم.. فهل المصالح الانتخابية ستطغى على أداء بايدن السياسي في هذا المواجهة ؟

ما أؤكده، أن كل نقطة دم أمريكية ستسقط.. سيحاسب عليها بايدن سياسيا أمام شعبه، وما زال لديً بعض الأمل في مواقف أمريكية تتسم بالحكمة، خاصة مع وجود وليام بيرنز رئيسا للمخابرات الأمريكية، وجاك سوليفان مستشارًا للأمن القومي بالبيت الأبيض.

– والآن، آن لبوتين أن ينام قرير العين فرحًا بانتصاره على الناتو في أوكرانيا.. ولسان حاله يقول للولايات المتحدة “انتهى الدرس يا …” – أقصد نتنياهو بالطبع، وليذهب زيلينسكي ليحارب مع إسرائيل، باعتباره يهوديا قبل أن يكون أوكرانيا.

* معضلة سكان غزة المدنيين إلى أين ؟؟؟

– ظهر منذ يومين المتحدث العسكري باسم جيش الاحتلال الصهيوني، يأمر سكان وادي غزة وعددهم يفوق المليون، بإخلاء المنطقة.. رغم أن هذا يمثل انتهاكًا صارخ للقانون الدولي الإنساني، فتهجير المدنيين قسرا جريمة دولية.. لذا لا يجب أن ينفذ السكان هذا الأمر، ومع كل الألم والخزي لدول الغرب التي تؤيد هذه الانتهاكات، بينما رفض رئيس وزراء فلسطين، وكذا قادة من حماس هذا التهجير القسري وأدانوه.. .

– وحذرت مصر من تداعيات الحرب الدائرة الآن، وأنها لن تسمح بتهجير المدنيين من غزة لسيناء، حتى لا يتم تصفية قضيتهم، فما حدث سابقًا من تهجير سواء للدولة المصرية أم للأردن وغيرهما، أعتقد أنه لن يتكرر. ونشير في هذا السياق، إلى أن جوزيب بوريل المنسق العام للسياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي عارض بقوة فرض حصار على ٢.٥ مليون فلسطيني بغزة، وهكذا صرحت منظمة الأمم المتحدة.

– وتتطور الأوضاع الآن في الضفة الغربية، فهناك حركات جهادية بدأت تُشعل هذه الجبهة، وتعلن عن تحركات عسكرية وجماهيرية موجهة للداخل الإسرائيلي.. فهل يمكن أن تتحرك جماهير الضفة الغربية وغزة، خاصة الأطفال والنساء، في عمليات نزوح جماعي للمستوطنات وللداخل الإسرائيلي، وهو ما نطلق عليه “الهروب للأمام” ؟ كما قد يكون خيار اللاجئين المدنيين الفلسطينيين الهروب إلى أوروبا.. وهذا حقهم. ولتعلم إسرائيل أنه حتى البلطجة على المستوى الدولي لها أصول.. وإذا أردتم فرض أمر واقع لدفع أهالي غزة للنزوح لسيناء، فأرى من منطلق رأي شخصي، أن مصر ستطبق نظرية “الخسارة للجميع” وبكل اليقين أؤكد؛ أن إسرائيل ستكون أكبر الخاسرين، والأمر لا يحتاج لمزيد من الشرح.. .

* استشراف واقع ومستقبل المنطقة في ضوء حرب عملية “طوفان الأقصى”

– إن مشهد استدعاء إسرائيل لأعوانها من الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وآخرين، بكل قدراتهم العسكرية التقليدية والنووية.. لحماية إسرائيل “قاعدتكم العسكرية” في الشرق الأوسط، فإنني أزعم – من منطلق رأي شخصي- أن كثيرًا من الدول العربية قد تجد نفسها مضطرة لعقد اتفاقيات للدفاع المشترك مع روسيا أو الصين بعد هذه الحرب.. فوفقًا لتجربة حرب أوكرانيا؛ التزمت مصر بعدم تصدير أي أسلحة أو ذخائر لأي من طرفي الصراع، رغم مطالبات من روسيا وأخرى من الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أن التحالفات العسكرية التي نجحت فيها إسرائيل الآن ستكون نموذجًا يمكن أن تسترشد به بعض دول المنطقة، فالأوضاع العسكرية في منطقتنا ستفرض بلا شك سياسات جديدة في المستقبل القريب.

– وجدير بالذكر أن سياسة التحالفات ستفرضها – من جانب آخر- استهداف إسرائيل لبعض المشروعات القومية التي تتطلع إليها دول المنطقة من أجل التنمية.. بينما يراها الكيان الصهيوني تهدد أمنه القومي.. ومصر لا تحتاج من تلك التحالفات أن يدافع عنها أحد كما هو الحال الآن بالنسبة لإسرائيل، كل ما في الأمر أن نحصل على تكنولوجيا ردع عسكري أكثر تطورًا، ونقدم في مقابلها بعضًا من الامتيازات للطرف الآخر.. فمصر بكل تاريخها النضالي وعزيمة وتضحيات أبناءها ترفض أن يدافع عنها أحد…

 

كلمة ختامية:

– من المؤكد أن الدول العربية التي طبعت مع المحتل الإسرائيلي سوف تراجع موقفها من هذا التطبيع، خاصة حال استمرار الجيش الصهيوني في اعتداءاته على المدنيين من أبناء غزة.

– ترددت مؤخرًا أنباء استخباراتية عن سحب مرتزقة من أوكرانيا للمشاركة مع إسرائيل في الاجتياح البري لغزة، وذلك للحد من خسائر الجنود الإسرائيليين في هذه العمليات، وبهذا فإن التحالف الصهيوني يعلنها صراحة “إسرائيل أولى وكمان أولاً” – مع الاعتذار للفنانة أنغام- لذا فلا تستغرب، بل “وأؤكد لسادتك..” – مع اعتذار آخر للفنانة الراحلة زينات صدقي- أن رد الفعل المرتقب لتجنيدكم للمرتزقة سيتمثل في؛ تكليف مرتزقة آخرين للقيام بأعمال إرهابية ضد المصالح الإسرائيلية حول العالم، وهنا سيكون لحرب المعلومات دور رئيسي في المستهدفات، واختيار الأهداف والأماكن، وأسلوب التنفيذ.. .

– اللهم اهدي قادتنا وقادة المجتمع الدولي لما فيه خير الإنسانية.

 

*لواء دكتور/ شوقي محمد صلاح- خبير مكافحة الإرهاب وأستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية

Tags: أعلام فلسطينتهجير سكان غزةغزةفلسطين

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: أعلام فلسطين تهجير سكان غزة غزة فلسطين الولایات المتحدة طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

إيران الأمريكية بعد الحرب

ما الذي يخيف الولايات المتحدة من إيران أم أن التخادم بين الطرفين هو تجسيد لعلاقة قديمة، لم تقطع الأزمات خيوطها بالرغم من أن إيران الخمينية فعلت ما في وسعها لإقلاق المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟

بعد وصول الخميني إلى طهران عام 1979 إثر سقوط دولة الشاه محمد رضا بهلوي انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين. كان ذلك قراراً إيرانياً نُفّذ على أيدي طلاب من أتباع خط الإمام، وكان أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الأسبق واحداً منهم. احتل أولئك الطلاب مبنى السفارة الأمريكية واعتبروا جميع موظفيها رهائن.
فشلت محاولة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر لإطلاق سراح أولئك الرهائن. أما حين تم إطلاق سراحهم بعد 444 يوماً فإن العلاقات بين الطرفين وصلت إلى الصفر الذي لا رجعة عنه بعد أن صار "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" هو شعار المستقبل الشعبوي.
ولكن تلك الصورة بكل سوداويتها لم تكن تمثل الحقيقة كلها. كانت الولايات المتحدة حريصة على ألاّ تخسر إيران حربها ضد العراق في ثمانينات القرن الماضي بالرغم من أن العراق كان قد استثمر الكثير من أجل تحسين علاقته بها. كانت فضيحة "إيران غيت" قد وضعت أوراق ذلك التعاون على الطاولة. وهو تعاون، خططت الولايات المتحدة من خلاله لتدمير العراق بعد ربع قرن من الفضيحة.
وإذا قلت إن السياسة الأمريكية تضع إيران في مستوى من الرعاية يقترب من المستوى الذي تحظى به إسرائيل قد يتهمني البعض بالمبالغة إذا كان محايداً، أما إذا كان منحازاً لإيران فإن ذلك البعض سيعتبرني مغرضاً ومن مروّجي الشائعات التي تهدف إلى تشويه صورة إيران المقاومة. وفي الحالين فإن هناك نوعاً من الاستهانة بحقائق الصراع الذي يدور من حولنا وصارت منطقتنا حقل تجارب له.
عبر أكثر من أربعين سنة وضعت إيران الخمينية القضية الفلسطينية في مقدمة لائحة اهتماماتها. كان ياسر عرفات أول المخدوعين بتلك الغزوة الشعبوية. ولكن القضية نفسها لم تشهد أيّ تطور إيجابي بسبب الحماسة الإيرانية. ما رأيناه يمكن أن نجد خلاصته في التعاون الإيراني الذي يسّر للولايات المتحدة احتلال العراق الذي كان مقدمة لتسهيلات أمريكية قُدمت لإيران من أجل ترسيخ مشروعها التوسعي الذي بدأ في لبنان ووجد له أرضاً ممهدة في العراق ومن ثم انتقل إلى سوريا واليمن.
لم تقع إسرائيل على خريطة التوسع الإيراني. ماتت دول عربية ولم تمت إسرائيل. كان ذلك مصدر اطمئنان على المستوى الأمريكي الذي كان يعرف سلفاً أن المحتوى العقائدي لثورة الخميني لا ينظر بارتياب إلى إسرائيل بالقدر الذي ينظر من خلاله إلى الدول العربية. كانت الإستراتيجية الأمريكية واضحة في تبني المشروع الإيراني أو على الأقل غض النظر عنه.
ولو تُركت الأمور للعقل السياسي الأمريكي لاستمرت إيران في تثبيت احتلالها لأربع دول عربية. بل لتُركت تعبث بأمن دول الخليج العربي واستقرارها غير أن دخول إسرائيل على الخط من حيث كونها جهة متضررة صنع معادلة جديدة، صارت الولايات المتحدة مضطرة بسببها للتخلي عن بعض ثوابتها الممعنة في الحرص على المصالح الإيرانية.
لقد حدث شرخ في العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية يوم أصرت إدارة الرئيس باراك أوباما على توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، غير أن حرب غزة كانت مناسبة لإعادة الأمور إلى نصابها بعد أن شعرت الولايات المتحدة أن سياستها المحابية لإيران قد أدت إلى خروج الأوضاع في الشرق الأوسط عن السيطرة. فليست هناك حدود واضحة للأطماع الإيرانية.
من خلال إشعال جبهتي غزة والجنوب اللبناني سعت إيران إلى سرقة الوقت أولاً وتأكيد قدرتها على التحكم بالأوضاع في المنطقة من خلال تهديد أمن إسرائيل ثانياً. كل ذلك من أجل فرض الشراكة الإستراتيجية على إسرائيل برضا أمريكي. غير أن ذلك الهدف باء بالفشل بعد أن أدارت إسرائيل الحرب لصالحها وهو ما جعل الولايات المتحدة، والدول التي تدور في فلكها، تعتبر أن حرب إسرائيل هي حربها.
والآن بعد أن منيت إيران بالهزيمة فإن الولايات المتحدة ستبذل قصارى جهدها من أجل أن تقلل من حجم الخسائر الإيرانية لكن ليس على حساب إسرائيل. سيصطدم ذلك المسعى بالتأكيد برفض إسرائيلي. لذلك يمكن القول إن إيران نجحت في سرقة الوقت من أجل استمرار مشروعها النووي حين منعت الولايات المتحدة إسرائيل من توجيه ضربة مباشرة له، غير أن هيمنتها على المنطقة صارت محل شك بعد أقرت الولايات المتحدة أن ذلك يشكل خطراً على إسرائيل.

مقالات مشابهة

  • إيران الأمريكية بعد الحرب
  • إسرائيل تعلن إحباط عملية دبرتها إيران لاغتيال قائد قاعدة "نيفاتيم" العسكرية
  • الرئاسة الفلسطينية: على العالم اتخاذ خطوات ملموسة على أرض الواقع ضد “إسرائيل”
  • إيران تتوعد “إسرائيل” برد ساحق
  • واشنطن ترسل قوات إضافية للمنطقة “دفاعاً عن إسرائيل”
  • “واشنطن بوست” عن مصادر: إيران تستعد لشن هجوم على إسرائيل في الأيام المقبلة
  • موقع أمريكي يكشف عن رسالة “غير عادية” وجهتها واشنطن لطهران تمس إسرائيل
  • انقسام الاقليم: أزمة “حسابي” تفتح الباب أمام تشكيل حكومتين منفصلتين
  • أميركا تحذر إيران: لن نستطيع كبح جماح إسرائيل
  • أميركا تحذر إيران: لن نستطيع "كبح جماح" إسرائيل