أثير- الشاعر العماني محمد قراطاس

في هذه الأيام التي يقاتل فيه شرفاء فلسطين دفاعا عن بلادهم والأقصى -نصرهم الله- لابد من استذكار تلك الأيام الخالدات لرجال يقودهم ملك عظيم سعوا إلى تحرير القدس دون كلل أو يأس حتى تم لهم ذلك.

الملك صلاح الدين الأيوبي الشخصية التي طالما أثارت جدلا واسعا في نقاشات المؤرخين، إنما يتفق الجميع على أنه كان محاربا عظيما وحوله محاربون عظماء حققوا ما لم يستطع من أتى بعدهم من تحقيقه إلى هذه الساعة.

قال فيه شاعر مشرقي عندما استقر له ملك مصر -كما روى ابن خلكان-:
قل للملوكِ تنحوّا عن ممالكم
فقد أتى آخذُ الدنيا ومعطيها

وكان للشعر والشعراء تأثير واضح على صلاح الدين، حيث كان أحد أهم مستشاريه الحربيين الأمير أسامة بن منقذ وهو شاعر حماسي له ديوان معروف، وله كتاب مهم بعنوان الاعتبار سجل فيه ابن منقذ مذكراته، ويعد مرجعا مهما لتلك الحقبة حتى بالنسبة للتاريخ الأوروبي.

ويعرف عن صلاح الدين محبته للشعر والشعراء، حتى أنه كان يضمن الشعر في رسائله. وأجد أنا شخصيا من خلال قراءتي للأشعار والشعراء الذين عاصروا صلاح الدين أن الآلة الإعلامية الضخمة التي تمثلت في الشعراء كانت مناصرة وموازية لمسيرة صلاح الدين المذهلة، فقد كان لهذه القصائد الأثر الكبير في شحذ الهمم وتأليب القلوب لنصرة صلاح الدين.

وكان الشعراء يتوسمون به نصرة الإسلام والمسلمين منذ البدايات الأولى، فبعد أن استقرّ له حكم مصر في 564 هـ كانت فكرة تحرير السواحل وضم الشام إلى ملكه تستحوذ على تحركاته؛ فقد بدأ فقط بعد سنتين بالتحرك إلى الشام، واستقرت له دمشق في سنة 570 هـ.

كانت الأحداث متتابعة حتى تحرير بيت المقدس، وكان الشعراء متابعين لهذه الأحداث فيسجلونها ويضمنون هذا التسجيل دعوة للملك صلاح الدين للمضي قدما لتحرير باقي المدن من أيدي الصليبين.

وبعد أن استقر له الحكم في دمشق أتى إليه الشعراء مادحين، ونذكر هذه الأبيات للشاعر سعادة بن عبدالله يستحثّه على ضم حلب بعد دمشق:
هل بعد جلّق إلا أن ترى حلبا
وقد تحلّل منها مشكلٌ عقدُ
وقد أتتك كما تختار طائعةّ
وقد عنا لك منها الحصن والبلدُ

ويتضحُ من القصيدة أن الشاعر يعلمُ طموح صلاح الدين وأن ما يكتبه يوافق نيته في توسيع ملكه. وفي إحدى القصائد وما يزال صلاح الدين في الشام كتب الشاعر عماد الدين الكاتب قصيدة يمدحه فيها لكنّه يضع بيتا مهما للغاية في تحفيز صلاح الدين على فتح القدس. وهذا استهلالها:
بفتوح عصرك يفخر الإسلامُ
وبنور نصرك تشرقُ الأيامُ
ثم يقول:
فتملَّ فتحكَ، واقصد الفتحَ الذي
بحصوله لفتوحك الإتمامُ

وهنا يقصد الشاعر أن يهنأ ويستمتع بهذا الفتح ثم يقصد بيت المقدس ليتمّ فتوحه.

واستمر الشعراء بمتابعة حركة الفتوحات والانتصارات في مسيرة صلاح الدين، ولكل انتصار يقوم الشعراء بتذكيره ببيت المقدس، فهذا الشاعر عمارة اليمني يقول في قصيدة يمدح فيها صلاح الدين:
أضفت إلى أجر الجهاد زيارة
الخليل فأبشر أنت غازٍي موفّقُ
وهيّجت للبيت المقدسّ لوعة
يطول بها منه إليك التشوّقُ

وهذا عماد الدين الكاتب مرة أخرى يحثّه على تحرير القدس فيقول:
فسر وافتح القدس واسفك به
دماءً متى تُجْرها ينظفُ
أي إنك إذا فتحت القدس فلا سبيل لنظافتها إلا سفك دماء المحتلين وجريانها بين أزقتها. ويتضح من البيت مدى الغضب الذي يتملك الشعراء والمسلمين بسبب مذابح الصليبين للمسلمين ببيت المقدس وتدنيسهم لمقدساتها.

وهكذا تتابعت انتصارات صلاح الدين من مدينة لأخرى ومن حصن لآخر وكذلك الحركة الشعرية والإعلامية الداعمة له. وأخيرا تأتي معركة حطين الفاصلة التي كتب فيها الشعراء مادحين بأفضل ما لديهم من القرائح ودون طلب لمال أو عطية لكن فرحا بهذا النصر الكبير والفتح الجليل والتحرير العظيم لبيت المقدس. ومن أجمل ما قالوا في ذلك قصيدة الشاعر فتيان الشاغوري فقد كتب ملحمةً من عيون الشعر العربي:
تُبنى الممالك بالوشيج الأسمر
والبيض تلمعُ في العجاج الأكدرِ
كفعال مولانا صلاح الدين ذي
المجد الغدامس والعطاء الكوثر
واستنقذ البيت المقدّس عنوة
من كل ذي نجس بكلّ مطهّرِ
ورددت دين الله بعد قطوبه
بالمسجد الأقصى بوجه مُسفرِ

والقصيدة تتخطى المئة بيت، ويقول في نهايتها:
مضت الملوك ولم تنل عشر الذي
أوتيتهُ من منجح أومفخرِ
لا زال ظلكم الظليل ولا خلت
من ذكركم في الدهر ذروة منبرِ

ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل طالبه الشعراء بعد القدس بصور وبعكا وبغيرها من المدن الإسلامية. وبسبب انتصاراته المتتالية كان أمل الشعراء كبيرا فيه لدرجة أن بعضهم طالبه بالتوجه الى ما هو أبعد من ذلك كما يظهر من طلب الشاعرعماد الدين الكاتب في قصيدته بعد فتح القدس:
وأن بلاد الشرق مظلمةٌ فخذ
خراسان والنهرين والترك والفرسا
لكن القدر لم يحقق للشعر والشعراء طموحاتهم، فقد مرض صلاح الدين وتوفي سنة 589 هـ ولم يتجاوز السابعة والخمسين من العمر.

نسأل الله أن ينصر أهل الحق ويعيد الأقصى وديار المسلمين إلى أهلها ويحفظهم بحوله وقوته.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: صلاح الدین

إقرأ أيضاً:

تفاصيل افتتاح وبرنامج المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته السادسة والثلاثين


تنطلق في الخامسة مساء الأحد المقبل، بجامعة المنيا، فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته السادسة والثلاثين، "دورة الكاتب الكبير جمال الغيطاني"، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، واللواء عماد كدواني، محافظ المنيا.

 

أدب الانتصار والأمن الثقافي.. خمسون عاما من العبور

 

المؤتمر تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، تحت عنوان "أدب الانتصار والأمن الثقافي.. خمسون عاما من العبور"، ويعقد برئاسة الفنان الدكتور أحمد نوار، والأمين العام للمؤتمر الشاعر ياسر خليل.

تفاصيل الافتتاح والتكريمات

يتضمن حفل الافتتاح عرضا فنيا بعنوان "منيا الخصيب.. عروس النيل"، وفيلم وثائقي عن المؤتمر العام لأدباء مصر، ثم الكلمات البروتوكولية للدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، اللواء عماد كدواني محافظ المنيا، د. عصام فرحات رئيس جامعة المنيا، الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، د. أحمد نوار، رئيس المؤتمر، الشاعر ياسر خليل أمين عام المؤتمر.

يعقب ذلك تكريم محافظ المنيا، رئيس جامعة المنيا، اسم الكاتب الكبير جمال الغيطاني.. شخصية المؤتمر، رئيس المؤتمر، أمين عام المؤتمر، رحاب توفيق مدير فرع ثقافة المنيا، وتكريم أعضاء الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر وهم: الكاتب حسين عبد الرحيم مكرم عن الوجه البحري، المترجم الحسين خضيري مكرم عن الوجه القبلي، الناقدة هدى عطية مكرمة عن النقاد، الشاعرة علية طلحة مكرمة عن الأديبات الإعلامي سعد قليعي مكرم عن الإعلاميين، الشاعر عصام سنوسي مكرم عن محافظة المنيا، اسم المترجم شوقي جلال، اسم الشاعر طارق الصاوي، إلى جانب تكريم الروائي محمد إبراهيم محروس، كما يتم تكريم أسماء الراحلين من الشعراء والكتاب وهم الشاعر محمد المخزنجي، الشاعر مكي قاسم، الكاتب حمدى أبو جليل، الكاتب محمود قرني، الشاعر أحمد الخطيب، الناقد د. محمد زكريا عناني، الشاعر سامي الغباشي. الكاتب محمد سيد عمر، الكاتب عبد الغني داود، الشاعر محمد محمد خميس، الشاعر إسماعيل حلمي، الشاعر عبد القادر عياد.

كما يشهد الحفل عرضا فنيا لفرقة ملوي للفنون الشعبية، وتقدمه الكاتبة د. صفاء النجار، ويخرجه أسامة عبد الرؤوف، كما يشهد مسرح جامعة المنيا في التاسعة مساء انتخابات الأمانة العامة الجديدة للمؤتمر.

المحاور والجلسات

اليوم الثاني

ويشهد اليوم الثاني للمؤتمر، الاثنين 25 نوفمبر، في العاشرة صباحا عقد الجلسة البحثية الأولى بعنوان "الأمن الثقافي ومكتسبات أكتوبر"، ويناقش أبحاث: "الأمن الثقافي بين الوطنية والوطنية الافتراضية" د.دعاء شديد، "الفكاهة الشعبية السياسية خلال فترة حرب أكتوبر وعلاقتها بالأمن الثقافي" د. أسماء عبد الهادي، "أثر الثقافة في هوية الحدود وأمنها.. قراءة في ضوء السيميائيات الثقافية" فاطمة الزهراني، "الأمن الثقافي ومكتسبات حرب أكتوبر 1973" محمد سيد ريان..

كما تقام بالتوازي المائدة المستديرة الأولى بعنوان "طه حسين.. العبور بالبصيرة" يديرها د. مصطفى بيومي، يشارك بها د. أحمد يوسف، د. هدى عطية، د. زينب فرغلي.

وفي الثانية عشرة والنصف مساء تقام الجلسة البحثية الثانية بعنوان  "أكتوبر في الأدب العربي المعاصر (السرد، الشعر بنوعيه، المسرح) يديرها د. عادل درغام ويناقش أبحاث: "صوت المعركة في القصيدة الحديثة.. قراءة في الشعر المحارب والشعراء المقاتلين فى حرب أكتوبر 1973م" رأفت السنوسي، "سردية الحرب.. البنية والدلالة.. قراءة في أربع روايات مختارة" د. شريف صالح، "رواية الحرب بين "الإرث المقدس"، و"الظلال القاتمة".. سرابيوم نموذجًا" محمد عطية محمود، "الحرب طريق السلام" د. محمد حسن نصار.

وتعقد بالتوازى المائدة المستديرة الثانية بعنوان "شخصية المؤتمر.. الكاتب الكبير جمال الغيطاني" يديرها الكاتب مختار عيسى، يشارك بها إيهاب الحضري، محمد السيد عيد، د. محمد السيد إسماعيل. 

وفي السادسة مساء تعقد الجلسة البحثية الثالثة بعنوان "أكتوبر في الثقافة الشعبية"، يديرها د. أحمد الليثي، ويناقش أبحاث: "العزاء الأخير.. أكتوبر والموروث الشعبي" أسماء خليل محمد، "دلالات المقاومة اللاعنفية في الأمثال الشعبية.. مقاربة نقدية من منظور سيكوسوسيولوجي" رشا محمد محمود الفوال، "فن النـَّميـم وانتصـارات أكتوبـر" فيصل الموصلي.

فيما تقام بالتوازي المائدة المستديرة الثالثة بعنوان "حديث الأبطال.. شهادات المحاربين القدامى"، يديرها عمارة إبراهيم، يشارك بها أحمد محمد عبده، أحمد سويلم، عبد الباسط الغربلي

وتشهد قاعة الجونة بمدينة أبو قرقاص الأمسية الشعرية الأولى يديرها الشاعر  أسامة أبو النجا، يشارك بها مجموعة من الشعراء.

وفي الساعة الثامنة والنصف مساء تشهد القاعة الصغرى بجامعة المنيا الأمسية الشعرية الثانية يديرها الشاعر  محمد عبد القوي حسن، كما تعقد الأمسية القصصية الأولى بالتوازى يديرها الأديب ناصر عاشور.

اليوم الثالث

وفي اليوم الثالث الثلاثاء 26 نوفمبر تشهد جامعة دراية الجلسة البحثية الرابعة بعنوان "كتابات من واقع الحرب" (الرسائل، السير الذاتية، الشهادات) يديرها د. الضوى محمد الضوى، ويناقش أبحاث: "كتابات من واقع حرب 1973.. البحث عن القيم في خطاب المعركة" د. أحمد إبراهيم الشريف، "نساء في قلب المعركة" أحمد محمد عبده، "أطياف من الكتابة الأخرى حول أكتوبر 73" السيد نجم، "أدب الانتصار.. خمسون عاما من الانتصار المجيد" شعبان يوسف.

وتقام بالتوازى المائدة المستديرة الرابعة بعنوان "شهادات المكرمين" يديرها د. محمد سمير عبد السلام، يشارك بها الكاتب حسين عبد الرحيم، المترجم الحسين خضيري، الناقدة هدى عطية، الشاعرة علية طلحة، الإعلامي سعد قليعي، الشاعر عصام سنوسي .فيما تشهد مدينة سمالوط  الأمسية الشعرية الثالثة يديرها الشاعر رجب لقى.

وفي الثامنة مساء تشهد جامعة دراية الجلسة البحثية الخامسة بعنوان "دراسات وقراءات فى إبداع أدباء المنيا" يديرها أحمد أبو خنيجر، وتناقش أبحاث: "المشهد الشعري في محافظة المنيا… شعراء الفصحى نموذجا" أسماء عطا، "قراءات في المشهد السردي بالمنيا" سفيان صلاح، "استراتيجيات لفت الانتباه وتقنياته فى الشعر المعاصر شعراء المنيا نموذجا " د. محمد سليم شوشة، "الاتصال والانفصال بين الغنائية والموسيقى والبنية الدرامية في قصيدة العامية.. قراءة في ستة دواوين عامية من محافظة المنيا"، محمد على عزب.  وتقام أمسية شعرية وقصصية يديرها أيمن رجب.

الختام

ويشهد مسرح جامعة المنيا ختام الفعاليات يوم الأربعاء 27 نوفمبر في التاسعة والنصف صباحا، وتتضمن الجلسة الختامية للمؤتمر، وإعلان التوصيات.

هذا ويُصدر المؤتمر عددا من المطبوعات المتعلقة بموضوعه، هي: كتاب أبحاث المؤتمر، كتاب عن "المكرَّمين"، كتاب بحثي عن المحافظة المضيفة، كتاب إبداعات المحافظة المضيفة،كتاب ذاكرة النشر الإقليمي، الجريدة اليومية للمؤتمر.

يقام المؤتمر بإشراف الإدارة المركزية للشئون الثقافية، برئاسة الشاعر د. مسعود شومان، وينفذ من خلال الإدارة العامة للثقافة العامة، برئاسة الشاعر عبده الزراع، وإدارة المؤتمرات وأندية الأدب برئاسة الشاعر وليد فؤاد. بالتعاون مع إقليم وسط الصعيد الثقافي، برئاسة ضياء مكاوي، وفرع ثقافة المنيا.

والمؤتمر العام لأدباء مصر هو التجمع الأدبي السنوي الذي يمثل أدباء مصر ويعبر عنهم، ويهدف إلى دعم الحركة الأدبية فى مصر وتنشيطها من خلال تهيئة المُناخ المناسب للتواصل بين أدباء مصر ورموز الحركة الثقافية من جميع الأجيال، وتسليط الضوء على الإبداع الأدبي فى مصر من خلال المتابعات النقدية والإعلامية المصاحبة للمؤتمر، وتكريم رواد الحركة الأدبية والمبدعين المجيدين وكذلك الإعلاميين الذين يدعمون الحركة الأدبية في مصر، وطرح القضايا المتعلقة بالحركة الأدبية في المحافظات ودراستها.

مقالات مشابهة

  • الشاعر تامر حسين: تصريح الدفن سبب تأجيل صلاة جنازة محمد رحيم
  • بهاء الدين محمد ينعى محمد رحيم بكلمات غامضة: "تمن الضغط على الإحساس.. الموت"
  • 40 ألف مصلٍ يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى اليوم
  • عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعراء في زمن السيولة التواصلية؟
  • ناشط: : نشر صور الهيكل المزعوم ترجمة لمساعي الاحتلال بإحداث تغيير في الأقصى
  • تفاصيل افتتاح وبرنامج المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته السادسة والثلاثين
  • صلاح الدين تنجز 98% من التعداد السكاني وتنبيه بشأن أفراد العائلة
  • الموت يغيب الشاعر السوداني محمد مريخة صاحب «طبيق العسل»
  • لجنة التعداد السكاني في صلاح الدين تعلن نجاح اليوم الأول وتشيد بتعاون المواطنين
  • د. محمد بشاري يكتب: أسطورة الخيال.. بوابة التغيير والإبداع