الشاعر العماني محمد قراطاس يكتب: الأقصى وصلاح الدين والشعراء
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
أثير- الشاعر العماني محمد قراطاس
في هذه الأيام التي يقاتل فيه شرفاء فلسطين دفاعا عن بلادهم والأقصى -نصرهم الله- لابد من استذكار تلك الأيام الخالدات لرجال يقودهم ملك عظيم سعوا إلى تحرير القدس دون كلل أو يأس حتى تم لهم ذلك.
الملك صلاح الدين الأيوبي الشخصية التي طالما أثارت جدلا واسعا في نقاشات المؤرخين، إنما يتفق الجميع على أنه كان محاربا عظيما وحوله محاربون عظماء حققوا ما لم يستطع من أتى بعدهم من تحقيقه إلى هذه الساعة.
قال فيه شاعر مشرقي عندما استقر له ملك مصر -كما روى ابن خلكان-:
قل للملوكِ تنحوّا عن ممالكم
فقد أتى آخذُ الدنيا ومعطيها
وكان للشعر والشعراء تأثير واضح على صلاح الدين، حيث كان أحد أهم مستشاريه الحربيين الأمير أسامة بن منقذ وهو شاعر حماسي له ديوان معروف، وله كتاب مهم بعنوان الاعتبار سجل فيه ابن منقذ مذكراته، ويعد مرجعا مهما لتلك الحقبة حتى بالنسبة للتاريخ الأوروبي.
ويعرف عن صلاح الدين محبته للشعر والشعراء، حتى أنه كان يضمن الشعر في رسائله. وأجد أنا شخصيا من خلال قراءتي للأشعار والشعراء الذين عاصروا صلاح الدين أن الآلة الإعلامية الضخمة التي تمثلت في الشعراء كانت مناصرة وموازية لمسيرة صلاح الدين المذهلة، فقد كان لهذه القصائد الأثر الكبير في شحذ الهمم وتأليب القلوب لنصرة صلاح الدين.
وكان الشعراء يتوسمون به نصرة الإسلام والمسلمين منذ البدايات الأولى، فبعد أن استقرّ له حكم مصر في 564 هـ كانت فكرة تحرير السواحل وضم الشام إلى ملكه تستحوذ على تحركاته؛ فقد بدأ فقط بعد سنتين بالتحرك إلى الشام، واستقرت له دمشق في سنة 570 هـ.
كانت الأحداث متتابعة حتى تحرير بيت المقدس، وكان الشعراء متابعين لهذه الأحداث فيسجلونها ويضمنون هذا التسجيل دعوة للملك صلاح الدين للمضي قدما لتحرير باقي المدن من أيدي الصليبين.
وبعد أن استقر له الحكم في دمشق أتى إليه الشعراء مادحين، ونذكر هذه الأبيات للشاعر سعادة بن عبدالله يستحثّه على ضم حلب بعد دمشق:
هل بعد جلّق إلا أن ترى حلبا
وقد تحلّل منها مشكلٌ عقدُ
وقد أتتك كما تختار طائعةّ
وقد عنا لك منها الحصن والبلدُ
ويتضحُ من القصيدة أن الشاعر يعلمُ طموح صلاح الدين وأن ما يكتبه يوافق نيته في توسيع ملكه. وفي إحدى القصائد وما يزال صلاح الدين في الشام كتب الشاعر عماد الدين الكاتب قصيدة يمدحه فيها لكنّه يضع بيتا مهما للغاية في تحفيز صلاح الدين على فتح القدس. وهذا استهلالها:
بفتوح عصرك يفخر الإسلامُ
وبنور نصرك تشرقُ الأيامُ
ثم يقول:
فتملَّ فتحكَ، واقصد الفتحَ الذي
بحصوله لفتوحك الإتمامُ
وهنا يقصد الشاعر أن يهنأ ويستمتع بهذا الفتح ثم يقصد بيت المقدس ليتمّ فتوحه.
واستمر الشعراء بمتابعة حركة الفتوحات والانتصارات في مسيرة صلاح الدين، ولكل انتصار يقوم الشعراء بتذكيره ببيت المقدس، فهذا الشاعر عمارة اليمني يقول في قصيدة يمدح فيها صلاح الدين:
أضفت إلى أجر الجهاد زيارة
الخليل فأبشر أنت غازٍي موفّقُ
وهيّجت للبيت المقدسّ لوعة
يطول بها منه إليك التشوّقُ
وهذا عماد الدين الكاتب مرة أخرى يحثّه على تحرير القدس فيقول:
فسر وافتح القدس واسفك به
دماءً متى تُجْرها ينظفُ
أي إنك إذا فتحت القدس فلا سبيل لنظافتها إلا سفك دماء المحتلين وجريانها بين أزقتها. ويتضح من البيت مدى الغضب الذي يتملك الشعراء والمسلمين بسبب مذابح الصليبين للمسلمين ببيت المقدس وتدنيسهم لمقدساتها.
وهكذا تتابعت انتصارات صلاح الدين من مدينة لأخرى ومن حصن لآخر وكذلك الحركة الشعرية والإعلامية الداعمة له. وأخيرا تأتي معركة حطين الفاصلة التي كتب فيها الشعراء مادحين بأفضل ما لديهم من القرائح ودون طلب لمال أو عطية لكن فرحا بهذا النصر الكبير والفتح الجليل والتحرير العظيم لبيت المقدس. ومن أجمل ما قالوا في ذلك قصيدة الشاعر فتيان الشاغوري فقد كتب ملحمةً من عيون الشعر العربي:
تُبنى الممالك بالوشيج الأسمر
والبيض تلمعُ في العجاج الأكدرِ
كفعال مولانا صلاح الدين ذي
المجد الغدامس والعطاء الكوثر
واستنقذ البيت المقدّس عنوة
من كل ذي نجس بكلّ مطهّرِ
ورددت دين الله بعد قطوبه
بالمسجد الأقصى بوجه مُسفرِ
والقصيدة تتخطى المئة بيت، ويقول في نهايتها:
مضت الملوك ولم تنل عشر الذي
أوتيتهُ من منجح أومفخرِ
لا زال ظلكم الظليل ولا خلت
من ذكركم في الدهر ذروة منبرِ
ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل طالبه الشعراء بعد القدس بصور وبعكا وبغيرها من المدن الإسلامية. وبسبب انتصاراته المتتالية كان أمل الشعراء كبيرا فيه لدرجة أن بعضهم طالبه بالتوجه الى ما هو أبعد من ذلك كما يظهر من طلب الشاعرعماد الدين الكاتب في قصيدته بعد فتح القدس:
وأن بلاد الشرق مظلمةٌ فخذ
خراسان والنهرين والترك والفرسا
لكن القدر لم يحقق للشعر والشعراء طموحاتهم، فقد مرض صلاح الدين وتوفي سنة 589 هـ ولم يتجاوز السابعة والخمسين من العمر.
نسأل الله أن ينصر أهل الحق ويعيد الأقصى وديار المسلمين إلى أهلها ويحفظهم بحوله وقوته.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: صلاح الدین
إقرأ أيضاً:
عضو السيادي صلاح الدين آدم يشهد تأبين عمدة سواكن محمود الأمين أرتقا
قدم عضو مجلس السيادة الانتقالي صلاح الدين آدم تور واجب العزاء فى فقيد البلاد والإدارة الأهلية بشرق السودان وعموم قبائل الأرتيقة عمدة مدينة سواكن العمدة/محمود الأمين أرتقا.وأشار سيادته خلال مخاطبته العزاء بمدينة سواكن إلى مأثر الفقيد واصفاً اياه بأنه شمعه من الحكمة والدراية وموسوعة من العلم والمعرفة ، منوهاً إلى علاقاته الوطيدة و الواسعة في أفريقيا ومختلف بلدان العالم.وأضاف أن الفقيد العمدة محمود ارتقا كان رجلاً توافقياً يسعى إلى وحدة السودان وتعزيز ترابط أهله لمواجهة تحديات الحرب حتى تنعم البلاد بالأمن والسلام ، داعياً قبائل شرق السودان المحافظة على نهج الفقيد في جمع الصف الوطني وتوحيد الجهود لدعم القضايا الوطنية وتعزيز النسيج الاجتماعي.ونقل عضو السيادي تعازي السيد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان ونائبه وأعضاء المجلس إلى أسرة الفقيد سائلين الله له الرحمة والمغفرة بقدر ماقدم لأهله والسودان.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب