سودانايل:
2024-06-27@08:35:29 GMT

نكهة (الاكلموي) على شاطيء نصف القمر

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

اذا ارتاح الطغاة الى الهوان
فذكرهم بأن الموت دان
وان راهنت ان الثأر ينسى
فانك سوف تخسر في الرهان
تحاصر من أخ أو من عدو
سنغلب وحدنا وسسيندمان
نموت فيكثر الأشراف فينا
وتختلط التعازي بالتهاني

تميم البرغوثي

تأسرني البحار أينما رأيتها بهدوئها وصخبها وغموضها وهي تتحطم مرهقة على الشواطيء أو تشتعل أمواجها في الأفق البعيد .

. تأملت سحرها وذبت في جمالها في محطات متناثرة في حياتي منها لسان البحر الذي يتمدد شرق حي المشيل في سواكن..رمال شاطيء مرأيف (جنوب أشجار المانجروف في هيمول وأمانة (جنوب بورتسودان) .. شاطيء ميامي في الإسكندرية .. محطات تجرعت ذكرياتها قبل أيام وأنا أحتسي مع الرفاق فناجين قهوة (الأكلموى) على شاطيء نصف القمر 30 كيلومترا جنوب الدمام السعودية ولكن ما صدمني حقا هو ما أستقر في العين من على متن الباخرة (أمان) في ميناء سواكن من مشاهد رمادية حزينة على غير العادة .. مباني الجزيرة ..قلاع كتشنر..محلج البربري..سور الأنصاري وقد بدأت كلها رحلة الانكفاء على الأرض ربما تماهيا مع حال البلد .
(2)
بصدور قرار مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بفتح تحقيق في الوضع الإنساني في البلاد يدخل السودان نفقا مظلما مماثلا للنفق الليبي والسوري واليمني بل ربما اكثر حلكة وسوادا من الانفاق الثلاثة لكونه أكثر تعبيرا لتمدد الكارثة وتطاولها اذ ان الفرقاء اختلفوا حتى على القرار (أيدته 19 دولة وعارضته 16 وامتنعت 12 عن التصويت ) فالجيش رفضه جملة تفصيلا بينما وافق به الدعم السريع دون شروط. وقد نقل على لسان ميشيل تايلور الممثلة الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمن (لا يمكن للمجتمع الدولي وضع ثقة عمياء في حسن نية جنرالين أظهرا لا مبالاة تامة بحياة المدنيين ) ..
(3)
هذا صحيح اذ لابد من البرهان أن يعض بنان الندم حيث لا يجدي الندم على دوره في رعاية حميدتي والنفخ فيه حتى أصبح غولا فوق السيطرة ولا أدري أي دور مرجو من خصمه والسؤال موجه لحميدتي وللذين يتعاطفون معه ..كيف يستقيم عقلا انتزاع شقاء عمر مدنيين عزل ثم اغتصاب بناتهم وزوجاتهم أمامهم بزعم تحقيق الديموقراطية .. هل هذا هو الطريق الى الحكم الرشيد ؟ ..
(4)
هذه جرائم موثقة أبطالها مليشيات عنصرية رعوية مدعومة بمرتزقة يضربون ضربتهم وينقلون غنائمهم من المال المسروق الى النيجر ومالي وبوركينا فاسو يستخدمها حميدتي الآن في الحرب فيما تغاضى البرهان عن القنبلة الموقوتة أيام شهر العسل ..لا شيء أكثر تعبيرا عن غباء العسكر الذين نكبوا السودان وأوصلوه الى مرحلة اللاعودة والفناء مما شهد به المؤلف الايرلندي جورج بيرناندشو حينما قال soldierlty is a sign of stupidity (الجندية رمز الغباء) .
(5)
لكن رغم ان العلاقة بين الجنرالين هي علاقة شحم ونار فان الذي يجمع بينهما هو الهرولة نحو العدو الإسرائيلي فالبرهان هو أول من دشن هذا الطريق بالطيران الى عنتيبي (يوغندا) للقاء نتينياهو لتأسيس شراكة استراتيجية تدعم موقفه وتحسن صورته أمام أمريكا (بوليس العالم) .. أما حميدتي فآخر ما تسرب من معسكره أنه استنكر بشدة تصدي حماس للمجازر الإسرائيلية باعثا برسائل تعزية لبني صهيون .
(6)
يقول ناصر الدين النشاشيبي وهو صحفي ومؤرخ فلسطيني تحدث يصف أحد مشاهد نكسة حزيران 67 فقال انه لم يشاهد في حياته مشهدا صادما للبصر والبصيرة سوى مشهد لرجل كان يركض عاريا كما ولدته امه هروبا من فرقة من الجيش الإسرائيلي كانت تطارده في احد شوارع القدس وقال ان اللوحة تستحق أن يكتب عليها (الهزيمة) أما أنا فقد رأيتها في الهزيع الأخير من الليل مجسدة في نساء أمهات وارامل افترشن الأرض والتحفن بالسماء حول مبنى السفارة في حي المطار في (بورتسودان) بأمل الحصول صباحا على تأشيرة هروب من البلد الغريق ..بل عشتها أنا ومعي آللآلاف من النساء والرجال بعضهم تجاوز عمر السبعين وأطفال في عمر الرابعة والخامسة نركض حاملين امتعتنا على رؤوسنا في ماراثون (يأكل فيه القوى الضعيف) للدخول الى الباخرة المغادرة الى جدة من ميناء الأمير عثمان دقنة بسواكن .
(7)
تتساقط تحت أقدامنا العبر والدروس ونحن لا نقرأها واذا قرأناها لا نفهمها وكأننا ننحدر من ملوك البوربون في أسبانيا ..ففي جنوب أفريقيا تأملت الأسطورة نيلسون مانديلا وهو ممسك بيد خصمه اللدود دي كليرك الذي أذاق شعبه أشد العذاب ثم أهانه وأذله في سجن انفرادي في جزيرة روبن داخل غرفة لا تتجاوز مساحتها 12 مترا على مدار 17 عاما وقال له متساميا على مراراته في لقاء متلفز على الهواء مباشرة
I Don't have any option than to put my hand into your hand
ليس لدي خيار آخر سوى أن أضع يدى في يدك .
(8)
في اثيوبيا الشقيقة على فركة كعب منا كان المشهد أكثر روعة فالتاريخ يقول ان الرئيس السابق للرئيس الحالي لأبي احمد وهو هايلي مريام ديسالين استعان بسلاح الطيران لدك القوات الاريترية لحسم نزاع قانوني في منطقة بادمي الحدودية رغم ان محكمة العدل الدولية أقرت بتبعية المنطقة لأريتريا ..حينما جاء أبي أحمد الى سدة الحكم توصل الى قناعة بأن الحرب دمار وان (الرابح فيها هو الخاسر) فأعاد الأرض الى أهلها فنال جائزة نوبل قبل أن يحصل من جارته أريتريا منفذا بحريا في ميناء مصوع .
(9)
الخلاصة النهائية أن أسمرة أيضا خرجت من الصفقة كاسبة فقد تحررت من شرنقة العزلة التي كانت تخنقها بفتح أديس أبابا حدودها لها لتطل على العالم الخارجي على قاعدة الكل رابح Win Win)) ولكن المشهد الأكثر جمالا ووعيا حينما انتصب أبي أحمد بقامته المديدة في قاعة أوسلو خلال مراسم تقديم جائزة نوبل للسلام وقال في خطاب مثير :
I told my friend ASSIAS AFORQI ( the problem between you and me is not a piece of land.. it's illiteracy ,poverty ,disease)
قلت لصديقي أسياس أفورقي (المشكلة بينك وبينك ليست قطعة ارض ..المشكلة هي الفقر والجهل والمرض )..فضجت القاعة بالتصفيق والذين صفقوا ليسوا غوغاء ورجرجة وأنصاف متعلمين مثلنا بل كانوا زبدة علماء العالم ومعظمهم حملة جائزة نوبل .
(10)
تقول ميشيل تايلور الممثلة الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمن في تعليق لها على الوضع في السودان (لا يمكن للمجتمع الدولي وضع ثقة عمياء في حسن نية جنرالين أظهرا لا مبالاة تامة بحياة المدنيين ) . الذي تبقى هو ما قاله الشاعر أمل دنقل
لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل قيصر يموت
قيصر جديد
وخلف كل ثائر يموت
أحزان بلا جدوى ودمعة سدى


alrakoba@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

قبل الإطاري ما كان عندي مشكلة مع البرهان

ولو أن صديقنا الصحفي المتمرد على مهنة الصحافة وأخلاقياتها المعروفة حلل هذا النص بأدوات التحليل الخطابي المعروف ( discourse analysis ) وتتبع دوافعه، لوجد أن حميدتي نفسه لم يكن يملك مشكلة مع دولة ٥٦ التي يحاربها ، ولو أن صديقنا الغارق في أوحال جرائم الميليشيا نظر لسياقات نشوء الدعم السريع وتأسيسه لعلم أن الدعم السريع هو واحد من منتجاتها المنبوذة وأسوأ ما أخرجته تلك الدولة .

بدأت مشكلة حميدتي مع الدولة التي يحاربها بعد فشل مسعاه في الهيمنة عليها ، فلو أنه تمرد على وضعية الدولة في عزها ومجدها وتبنى شعارات مطلبية تدعو للمساواة والعدالة من داخل مؤسساتها ، لقلنا أن الرجل كان يملك مشروعاً إصلاحياً وفهماً عميقاً لمشكلات السودان دعته ليخطو طريقاً جديداً يرفض فيه نهج الدولة وممارساتها ،ولكن حميدتي نفسه ابن الدولة المدلل وأحد عوراتها المخفية .

حميدتي لا يستطيع الانفكاك عنها أو لعنها أو حتى نقد ممارساتها ، ففي نقده لها سبة عليه كونه أحد أدواتها الباطشة ، ولو أراد مستشاروه وكل صحفيّ الدعم السريع وكتابه وأكلي أموال جرائمه وكل من أستقطبهم لخدمة مشروعه الفاشي أن يجملوا أفعاله ، لما نجحوا في وضع نقطة بيضاء في تاريخة المظلم ، ولو كانت دولة ٥٦ جيدة فإن نقدها يأتي من ثغرة الدعم السريع الذي هو أحد الفصول القاتمة في تاريخها ، ولو كانت سيئة يكفي فقط ذكر أسم حميدتي لتأكيد سوءها وإنحراف نهجها ..

يحاول صديقنا المقارنة بين حميدتي وقادة الحركات المسلحة كونهم جميعاً رفعوا مطالب عادلة ، وهذه مقارنة غريبة ، فهؤلاء عارضو الدولة في أوج قوتها واستقرارها ، وقاتلوها رافعين عليها مطالبهم ، فمثلاً الشهيد خليل إبراهيم كان داخل السلطة وزيراً فيها ولما رأى اعوجاجها تمرد عليها وهو الوزير المحنك والطبيب المتعلم ولو أراد البقاء فيها لظل في أعلى مناصبها ، لم تلفظه الدولة ولم يرغب في الهيمنة عليها ، وكذلك مناوي الذي عارضها وأتفق معها وخرج عليها لما رأى أن وجوده لا يحقق مارفعه من مطالب ، وغيرهم كثر ممن كانوا في أنظمتها وخرجوا عليها ..

إن الطريق نحو بناء دولة العدالة والقانون على أسس “عادلة ” يتطلب إزاحة حالة النشاز التي صاحبت الدولة من مظاهر الفوضى المتمثلة في الميليشيات الأسرية المرتهنة لإرادات خارجية ، وإن محاولات صحفي ” الدعم ” لتجميل قبح الميليشيا وأفعالها لهو الإنحطاط بعينه ،

فممارسات الميليشيا ليست عابرة او جرائم جانبية حتى يضعوا لها مساحيق تخفي عوراتها، بل هي أصل في بنيتها وتكوينها الفوضوي ، سنعيد ما ذكرناه سابقاً بأن هذه الميليشيا لا يمكن تعريفها إلا من خلال كونها مجموعة من المرتزقة والمجرمين لا غير ..

حسبو البيلي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ما الفرق بين ميناء طنجة وميناء حيفا؟
  • البرهان وحميدتي
  • البستاني: أعدنا التقييم للخلوة في دير القمر عن الاتصالات والنافعة وشركات التأمين
  • الأكل و”أمر آخر”.. هكذا سيصبح سكان جنوب أوروبا الأطول عمراً في العالم
  • المسبار الصيني يعود بعيّنات من تربة القمر البعيد.. إنجاز غير مسبوق
  • ناسا تكشف عن صورة مذهلة لقمر المريخ بطاطس الفضاء
  • "إنجاز عظيم" .. المهمة الصينية "تشانغ آه-6" تجلب أول عينات في العالم من الجانب البعيد من القمر
  • د.حماد عبدالله يكتب: ما أحوجنا لإحترام أنفسنا!!
  • الأكل وأمر آخر.. هكذا سيصبح سكان جنوب أوروبا الأطول عمراً في العالم
  • قبل الإطاري ما كان عندي مشكلة مع البرهان