ظل جماعة من الناس تلقي عليّ أسئلة ثقيلة عن جاهزيتي للترشيح لرئاسة الجمهورية. فأنا بلا مال ولا حزب ولا إثنية خرجت تنصرني في المشاهد من نصرة "القبيلة" لأبنائها. ولم استنكر هذه الأسئلة لأنها في لب الانتخابات كوجه من وجوه التدافع بين الناس تخضع نتائجها أيضاً لفروق المال والجاه. ولم أخرج للانتخابات جاهلاً بهذه الاعتبارات.

وفي الواقع خرجت لتحجيمها حتى لا تكون دولة من الأغنياء منا، أو ليسود فينا الملأ القبلي. فقد استخرت الله وخرجت لنزع السياسة من أيد الطغم المسلحة (أياً كانت) التي استثمرت السلطان للإثراء المباغت الضرير. أردت بترشيحي أن يشق غمار الناس والمعلمين الله بالسياسة طريقهم لبلوغ مجتمع العدالة الاجتماعية. وطالما كان الكلام في الانتخابات على العدد أيضاً فغمار الناس كثرة والكثرة غزرت الجراد كما يقول عربنا.
أنا من قوم بسطاء. لا أذكر أن هناك من أهلي من ترشح لانتخابات كبرى أو صغرى. وإذا فعل فلربما لم يفز. ولا أعرف من جرؤ على الترشيح من عترة أبي سوى عمنا المرحوم على محمد خير دلال مدينة الأبيض المشهور على أيامه. وهو رجل طرفة. واستعيد هنا طرفة ترشيحه لمجلس بلدي الأبيض في انتخابات 1963 التي ارتبطت بتكوين المجلس المركزي لنظام الفريق عبود. وهو مجلس أرادت به حكومته إلهاء الناس عن مطلبهم بالعودة إلى الحياة البرلمانية. فقيل أنهم سألوا عمي علي عن برنامجه الانتخابي. فقال: "والله بس نثبت كشكنا ده". وكان للعم كشك بالمدينة. وأزعجته السلطات بتحريكه من موضع إلى آخر. فعلت ذلك مرات. وساء ذلك الفعل العم. وانتهز سانحة الانتخابات ل "يتجيه" بها، ويكون في السلطة حيث تطبخ قرارات تنقلات الأكشاك ليثبت كشكه إلى حين. وودت لو كان لي مثل كشكه من لحم ودم أثبته متى صرت رئيساً. ولكن الأكشاك مذاهب. وكشكي أنا هو تمكين الكادحين من الدولة. وليس منا إلا من أزعج هذا الكشك عن موضعه خلال الاستقلال. فحتى أولئك الذين خرجوا لنصرة هذا الكشك اضطربوا وفشلوا. وبلغوا من الضعف والهزال حداً سلمنا به بأن السياسة هي لأهل الجاه والعصبية، أو حملة الدكتوراة (وبالذات كوزراء).
ما ساءني هو تبرع بعضهم بحقيقة خلوي من المال والجاه لتثبيطي. فهم يروني قد علوت على الحاجب وخرجت لأمر هو حكر للملأ السوداني. وكنت في نظرهم العنز الغريبة النطَّاحة. قال أحدهم (وساء ما قال) إنني ربما غرتني دراهم جمعتها بالولايات المتحدة سرعان ما ستتبخر في حملتي الانتخابية الكاذبة. وأردف متنطع أخر (وساء ما قال) بأنني سأفلس وأعود حانفاً وجهي لهم. ويقصد إلى حيث هم في الولايات المتحدة. يا ولد يا أمريكاني يا تفتيحة! وصدق السوداني الذي قال لجماعة من زملائه رآهم يتحلقون كالبنيان يشد بعضه بعضاً ليغيروا إطار سيارة زميل لهم. قال السوداني الحويط: "هوي خربتو السودان ما تخربو أمريكا".
يزعم هؤلاء المثبطون أنني سأخسر الانتخابات فلم المحاولة اصلاً. يعني جردوني حتى من أجر المحاولة. ولكن هناك من لم يبخل على بأجر "المناولة". فقال مفتر منهم إنني ترشحت لأسحب أصوات المعارضين فيخلو الجو للمشير عمر البشير. وتعودت بالطبع على هذا الخيال المهيض من أعداء الإنقاذ الأشاوس. يا للبوار. ونعود لأجر المحاولة المحرم عليّ. فالانتخابات أصلاً محاولة يفوز باللذات منها واحد ويرجع بالقماح منافسوه. ونقول لهم أحسنتم المحاولة.
عن أجر المحاولة أحكي قصة أخرى عن عمي علي محمد خير. فلربما لم أكن من أهل الجاه ولكن من أهل الحكاوي. ولعلي من نسل ذلك الرجل الذي جاءته ليلة القدر فطلب منها أن يكون "الغناء" فيه وفي ذريته حتى قيام الساعة. وكان يقصد "الغنى" فأخطأ. وصار الغناء كاراً في ذريته. وكان الغناء قديماً لزيماً للفقر. مش زي هسع يعني. طرفة عمي علي عن كسب المحاولة تقول أنه جاء من الأبيض بكمية من الصحف القديمة ليبحث لها عن سعر أفضل في الخرطوم. عرضها على صاحب كشك بمدينة بحري قريباً من نزله فقيمها بعشرين قرشاً. ويفتح الله يستر الله. رفض عم علي السعر. وأخذ ابنه معه ليعرض بضاعته في أم درمان. وقَبِل أن يبيعها لصاحب دكان بثلاثين قرشاً. وفي طريق العودة من أم درمان إلى بحري استنكر الابن هذه الرحلة الهباء فقال:
-يابا هسع جية أم درمان دي لزومه شنو؟ بعنا بتلاتين وركبنا مواصلات بعشرة قروش. طيب ما كنا نبيعها في بحري بعشرين ولا أم درمان ولا يحزنون.
وقال عم علي بهدوئه المعهود:
-يا ولدي اتفسحنا.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أم درمان

إقرأ أيضاً:

[ لا رجل شجاع ك {{ حسن نصرالله }} ]

بقلم : حسن المياح – البصرة ..

على جميع الحكام العرب والدول الإسلامية قاطبة وبلا إستثاء أبدٱ قطعٱ جزمٱ ، أن تحلق شواربهم { شنبهم } نساؤهم ، بأرذل ٱلة حلاقة قريبة مستساغة مهينة عتيقة ، وعليهم أن يرتدوا لباس النساء ( أستغفر الله لأنه حاشا النساء أن يتشبهوهن مثل هكذا ذكران عضو تناسلي ذكري يملكون ، لأنهن ذوات غيرة ، وضمير ، وشمم كينونة ، وستر وجود إنساني كريم في أحسن تقويم ، خلقة الله سبحانه وتعالى رب خالق مصور رحيم ) ، نعم أن يحلقوا الشارب ذلة ومهانة ، وسقوطٱ وجبنٱ ، وخناثة وتعاسة ……. لما كيان لقيط لمم لفيف متجمع يهجر وينزح الناس الشعوب العرب والمسلمين من ديارهم خوفٱ على حياتهم ودرءٱ للمخاطر والعذاب والأسر والقتل ، لأن قادتهم وزعماءهم العرب العملاء الجبناء لا قدرة لهم على رد كيد العدو الإسرائيلي اللقيط …. بما هم عليه من إنبطاح عار متموضع حيث السوءة فيهم مكشوفة حاضرة جاهزة للجماع والسفاح …… ؟؟؟ !!!

الشعارات البراقة الصارخة الفارغة المحتوى المحقق ، والتظاهرات الجبانة الحاشدة مظاهر جبن وعجز ولؤم وسفاهة وعهر ، لا قيمة لها في حساب الرجولة والشجاعة والبسالة والتصحية والمجد والتحرر والسيادة والوجود الإنساني الكريم ، لما تكون كل مظاهرة هي عبارة عن تجمع وتكدس بشر من الناس يمشي على الأرجل ، ويطوف في الشوارع والطرقات ، يردد شعارات بائدة هلكانة قديمة قدم سدوم ونائلة وخوفو وخفرع ، لا تحرك ضميرٱ ، ولا تبعث ، أو تحيي إرادة …. لأنها مظاهر خنوث وخناثو وجبن وعهر ، سخيفة تستدر العطف ، وتستجدي الصدقة ، من بخيل فاسد مجرم كافر منتقم ، أجوف الضمير ، وفارغ الإحساس ….

كفى هزءٱ وضحكٱ على الذقون يا قادة خردة عملاء جبناء ، ويا زعماء فاشوش مخانيث تصنيع تايوان وسوق مريدي ….

أين أنتم وحسن نصرالله الرجل البطل الأسد الضرغام الشجاع المؤمن الرسالي الجاد المستقيم القويم …. بطولة … !! ، وبسالة … !! ، وتضحية … !! ، وإقدام حسور عزوم … !! ، مزلزل مرهب مخيف ….. !!!

حسن المياح

مقالات مشابهة

  • الإعصار هيلين يعيق التصويت المبكر في نورث كارولاينا
  • مفاجآت في قائمة أبوريدة بانتخابات اتحاد الكرة
  • حدود الجوع والفقر في تركيا ترتفع بشدة خلال سبتمبر.. ما انعكاسات ذلك؟
  • بهدف نظيف .. «السكة الحديد 2010 » يفوز على مصر للتأمين في بطولة الجمهورية
  • مرشحان يتقدمان لرئاسة شعبة «محرري الاتصالات» في انتخابات «الصحفيين»
  • في الانتخابات القادمة..«لطفي» و«حسن» يترشحان لرئاسة «محرري الاتصالات» بنقابة الصحفيين
  • أردوغان يعلق على دعوات إجراء انتخابات مبكرة
  • غريزمان يكمل مباراته الـ500
  • [ لا رجل شجاع ك {{ حسن نصرالله }} ]
  • منال عوض: رئيس الجمهورية مهتم بقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر