بيان من مؤسسة كردفان للتنمية (لندن) حول آثار الحرب في كردفان
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
أنشأت مؤسسة كردفان للتنمية في المملكة المتحدة عام 2007 للاسهام جهد مستطاعها كمنظمة في المهجر لها فضاؤها الخاص والعام مع كل الحادبين في كل مكان على تنمية وترقية كردفان العظمي في شتى ضروب وأوجه الحياة كدين مستحق عليها لهذا السودان. في هذه الفترة الصعبة التي يمر بها الوطن العزيز، وعلى وجه خاص بعد نشوب هذه الحرب الكارثية بين قوات الدعم السريع وقيادة الجيش التي أعاقت كل تفاصيل الحياة اليومية وعلى وجه خاص الانسان والعمران والبيئة الطبيعية في كل مرابع واقاليم السودان، وأضحى جلياً للعيان محلياً واقليمياً ودولياً أن حرب الجيش وقوات الدعم السريع قد نقلت السودان الي مقعد الدولة الفاشلة حيث جلس متربعاً في مرحلة اللا دولة منذ انقلاب الجبهة الاسلامية القومية (1989).
تقدم لنا كردفان الان معرضاً حياً لغياب كامل لأجهزة الدولة من شرطة وأمن وسجون وقضاء ومحاكم وخدمة مدنية لتصريف شؤون المواطن في حياته اليومية، لذا تحرص مؤسسة كردفان لانجاح المبادرة المجتمعية بمدينة الابيض والمناطق الأخري لايقاف الحرب. وقد بذلت كل ما في وسعها للتواصل مع كل الاطراف المعنية لدرء الخطر الداهم وأن تتوجه في الوقت نفسه الى أبناء كردفان العظمي في كل مكان وعلى وجه خاص في اوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا لسهولة التواصل مع قوى الضغط والنفوذ على مستوى مؤسسات الدولة وقوى المجتمع المدني، و لبذل جهودهم مع نواب البرلمان والنافذين في وسائط الاعلام والمنظمات الحقوقية والعون الانساني في تلك البلاد لتدارك كردفان قبل فوات الاوان. تطالب مؤسسة كردفان للتنمية أطراف النزاع للوقف الفوري لإطلاق النار، وفتح ممرات آمنة لتقديم العون الطبي والمساعدات الإنسانية للنازحين، وتناشد منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي لحث الأطراف للعودة لمفاوضات جده للوصول لاتفاق شامل لإنهاء الحرب.
هذا الاقليم الذي عرف بالتجانس والتعايش مع جميع قبائل السودان، وقبل ذلك عرف بقوته البشرية الفاعلة حيث سارت الامثال " كردفان الغره أم خيراً بره". أما الآن وعلى وجه الدقة والتحديد وفي هذه اللحظات التي نتوجه فيها لخطابكم تقف كردفان على رأس حافة لزجة يمكن بعدها ان تنزلق مباشرة الى الفوضى العارمة. الجميع يعلم ان السودان بأقاليمه المختلفة قد أحاطت به المآزق وا لمخاطر من كل جانب بعد اندلاع حرب الخامس عشر من ابريل 2023، فان الوقائع تقول ان أقليم كردفان الذي تجاوره ثمانية ولايات هو الاكثر تشخيصا وتجسيدا لواقع مرعب ينبئ بان الدولة السودانية في طريقها للتلاشي، وان المجتمع بكامل قواه يندفع بخطوات منتظمة صوب الفوضى المرعبة. يجسد لنا العدوان الساحق الماحق على مدن ومحليات الولاية الكبرى، والاكثر من كل ذلك بشاعة ذلك التهجير الذي وقع على سكان عدد من القري في اوائل شهر يونيو من هذا العام. للأسف شهدت مدينه الابيض وبعض مناطق كردفان احداث داميه نتيجة هذه الحرب اللعينة و هو نتاج طبيعي للحرب مما يستدعي تضافر اهل المنطقة في كردفان بكل مكوناتهم الاجتماعية، السياسية والادارات الأهلية للإسراع لوقف الحرب والمحافظة علي التماسك الاجتماعي الذي ظل ينعم به انسان كردفان طوال العهود الماضية.
جدير بالذكر ان كردفان تمثل صوره مصغره للسودان، إذ تضم مختلف الاثنيات التي أتت من كل اتجاهات السودان شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً وصارت مكون اساسي من كردفان لها كل الحقوق وعليها كل الواجبات. لذا ومن واجبنا جميعا ان ننأي عن التعالي الاثني والقبلي ونعضد من روح التسامح والتماسك والتعاون ، فلنكن كالبنيان الواحد اذا اشتكي منه عضوٍ تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي. ليس تقليلا من المهالك التي تحاصر السودان أو تمركزا حول الذات الكردفانية ولكنا ندق أجراس الخطر ليسمعها كل السودانيين وعلى وجه الدقة كل القوى التي فجرت ثورة ديسمبر 2018 المجيدة ، لتهب بكل عقلها ووجدانها وحراكها المدني النافذ لوقف هذه الحرب الرعناء التي اشعلتها تلك الشرائح والفئات والتجمعات الجانحة لتعود بالسودان الى ما قبل ثورة ديسمبر 2018 حتى اذا كان ثمن عودتها لتجلس على مقعد قيادة عربة الدولة والثروة في السودان علي حساب الدمار الكامل للإنسان والارض حاضراً ومستقبلاً.
مؤسسة كردفان للتنمية (لندن)، أكتوبر 2023
https://kordofanonline.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الحرب في السودان: مسار السلام، التعقيدات والتحديات
بروفيسور: حسن بشير محمد نور
منذ استقلال السودان في مطلع يناير 1956 يحلم السودانيون بالسلام وقد تمت عدة مبادرات واتفاقيات كان من ضمنها مؤتمر المائدة المستديرة في مارس 1965 بعد ثورة اكتوبر 1964، الا ان ذلك المؤتمر لم يكتب له النجاح. استمرت الحرب الاهلية التي اشتعلت في العام 1955، واستمرت في التصاعد خلال حكم الفريق ابراهيم عبود. بعد سقوط ذلك النظام وفشل مؤتمر المائدة المستديرة استمرت الحرب حتي العام 1972 بعد استيلاء الجيش بقيادة جعفر نميري علي السلطة في السودان في العام 1969م.
توصل نظام نميري لاتفاقية أديس أبابا في عام 1973 مع حركة "أنانيا"، التي حققت هدنة طويلة للحرب استمرت لعشرة سنوات، وهي الفترة الاطول التي يمكن القول بان السودان قد نعم فيها (بالسلام). وباعتبار السودان نموذجًا معقدًا في إدارة السلام بسبب تاريخه الطويل من الصراعات المسلحة وتنوع مكوناته الاجتماعية والسياسية، فقد شهدت مسيرة السلام تعقيدات حولتها من حلم لمعضلة شائكة حتي تحولت لسراب بعد اشتعال حرب ابريل 2023م.
مرت تلك المسيرة بمراحل متعددة كانت اتفاقية اديس ابابا أول محاولة جادة لإنهاء الحرب الأهلية الأولى (1955-1972) بين الشمال والجنوب، وتم التوصل إليها بعد سنوات من الصراع، وبالرغم من تحقيقها بعض النجاحات مثل منح الحكم الذاتي للجنوب، إلا أن نكوص حكومة نميري عن الالتزام بالتنفيذ الكامل للاتفاقية أدى إلى تجدد الصراع في عام 1983 بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة الراحل جون قرنق.
بعد سقوط نظام نميري بانتفاضة شعبية في ابريل 1985 تم انتخاب حكومة مدنية برئاسة السيد الصادق المهدي. خلال تلك الفترة (1986 – 1989) حاولت الحكومه معالجة قضايا الحرب عبر الحوار مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق. لكن هذه الجهود تعثرت بسبب عدم التوافق بين الأحزاب السياسية والقوى المسلحة، خاصة الخلاف حول قوانين 1983 التي سميت بقوانين (الشريعة الاسلامية) وبعض الاتفاقيات العسكرية مع دول الجوار.
بالرغم من تلك الخلافات تمت بعض المحاولات فضلاً عن الضغوط الإقليمية والدولية، فقد تم اعلان كوكادام في العام 1986 بين قوى سياسية سودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، الا ان ذلك الاعلان لم يحقق اختراقا عمليا. جاءت بعد ذلك محاولة جادة من السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي فيما عرف (بمبادرة السلام السودانية). تم الاتفاق في تلك المبادرة علي وحدة السودان، تجميد قوانين سبتمبر 1983 وترتيبات سياسية، الا ان السيد الصادق لم يوافق علي ما تم الاتفاق عليه، الي ان قطع انقلاب الحركة الاسلامية في يونيو 1989، عبر الجيش السوداني بقيادة عمر البشيرالطريق في وجه السلام، بحكم طبيعة الحركات الاسلامية غير القادرة علي العيش والازدهار الا في البيئات القذرة.ٍ.
الحرب الاهلية في عهد حكومة الانقاذ الاسلامية لم تشتد فحسب بل تحولت لحرب دينية مشحونة بشعارات التطرف والكراهية. بعد ان تم حشد المجتمع الدولي لقواه ضد تلك الحرب بشعاراتها مثل (امريكا روسيا قد دنا عذابها)، ضاق الخناق علي نظام الانقاذ سياسيا واقتصاديا مما اضطره لتوقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005 مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. أدت هذه الاتفاقية إلى إنهاء الحرب الأهلية الثانية، لكنها مهدت لانفصال جنوب السودان في العام 2011، بسبب عدم حل جذور الأزمة المتعلقة بالهوية والموارد ونظام الحكم، وبسبب فقدان الحركة الشعبية لزعيمها التاريخي جون قرنق المؤيد للحدة، في تحطم طائرة غامض اثناء عودته من اجتماع محضور دوليا في العاصمة اليوغندية كمبالا. في ذلك الوقت روجت الماكنة الاعلامية للاساميين بان مشكلة الحرب قد انتهت وان السودان اصبح متجانسا بحكم الدين واللغة بعد التخلص من الجنوب (المختلف)، ذلك بالطبع حسب ايدلوجيتهم ومشروعهم الذي اسموه (الحضاري)، مع ان السودان لن يكون متجانسا حتي اذا اصبح سكانه يساوون ما يملأ غرفة واحدة.
بالطبع معضلات السلام لم تنتهي عند ذلك الحد، فقد اشتعلت حربا ليس اقل ضراوة في دارفور في العام 2003 وقد استمرت تلك الحرب الي حين اكتمالها بشكل مأساوي لتعم جميع انحاء السودان في ابريل 2023.
بعد سقوط نظام البشير في العام 2019 بثورة شعبية نادرة من نوعها من ناحية شمولها الجغرافي والاجتماعي والتوافق حولها، قبل ان يتم اجهاضها بعوامل داخلية وخارجية متشابكة. بعد سقوط نظام البشير جاءت الحكومة الانتقالية التي تشكلت بمخاض عسير في اغسطس 2019، بما سمي (باتفاقية جوبا للسلام) مع عدد من الحركات المسلحة المسماة بحركات (الكفاح المسلح). ورغم أنها هدفت لتحقيق سلام شامل، إلا أنها لم تشمل جميع الأطراف الفاعلة في النزاع، مما جعل الاتفاقية عرضة للانهيا، وبسبب الضعف البنيوي والجماهيري لمكوناتها لم تجد حلا غير الانضمام للمكون العسكري المكون من القوات العسكرية والامنية وقوات الدعم السريع في عرقلة مسار التحول الديمقراطي، ومضت ابعد من ذلك بالانحياز لانقلاب 25 اكتوبر 2021 ومن ثم مشاركة اطرافها التي تبقت بعد الانقسامات في الحرب مع الجيش السوداني.
عند حدوث انقلاب 25 أكتوبر 2021 بقيادة الجيش والدعم السريع، والذي كان المقدمة الاساسية لاشتعال الحرب في ابريل 2023، ازداد تعمق الأزمة السياسية، وحدثت انقسامات واسعة بين المكونات المدنية والعسكرية. الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع كشفت عن تعقيدات جديدة، حيث انخرطت فيها أطراف داخلية وخارجية ذات أجندات متعارضة، بما في ذلك مليشيات إسلامية وقبلية وقوات أجنبية.
بعد الحرب اصبحت معضلة السلام اشد تعقيدا لعدة اسباب منها:
- تعدد الأطراف المتصارعة: من طرفي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ومن معهما من المليشيات القبلية والإسلامية، مما يصعب الوصول إلى توافق شامل.
- التدخلات الخارجية: اذ ان هناك جهات دولية واسعة المعلومات تؤكد دعم أطراف إقليمية ودولية لأحد الجانبين، كان اخرهم وزير الخارجية الامريكية بلينكن من منصة مجلس الامن الدولي، يزيد ذلك من تعقيد المشهد.
- تباين العقائد الأيديولوجية والمصالح الاقتصادية بوجود أطراف ذات توجهات متناقضة سواء دينية، سياسية، أو اقتصادية، واخري قبلية تسعى لتحقيق مكاسب من الحرب.
كل ذلك يشكل عقبات عظمى امام تحقيق السلام لاسباب منها:
- غياب الثقة بين الأطراف المتصارعة بحكم التاريخ الطويل من النقض المتبادل للعهود وللاتفاقيات مما يعيق أي حوار جاد للوصول لحل صلب.
- ضعف مؤسسات الدولة يجعلها عاجزة عن تنفيذ الاتفاقيات ومراقبة الالتزام بها.
- تدهور الاوضاع الإنسانية والاقتصادية ودمار البنية التحتية يجعل السلام ضرورة ملحة لكنه صعب التحقيق، بسبب عجز الكثير من المكونات السياسية والاجتماعية من الانخراط بشكل فعال في المشاركة وصنع القرار لاسباب ذاتية وللتضييق الامني من اطراف الحرب، كما ان الوضع الاقتصادي لملايين النازحين واللاجئين يجعلهم في كفاح يومي من اجل البقاء ويحد من أي نشاط مجدي لهم.
يخلق كل ذلك تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة ليس اقلها:
- ان استمرار الصراع يؤدي إلى عزلة دولية وعدم استقرار داخلي ويجعل النظام السياسي هشا وفاقد للثقة.
- هروب الاستثمارات الوطنية والاجنبية وعزوف رؤوس الاموال عن التوظيف في الاقتصاد يؤدي لارتفاع معدلات الفقر والبطالة والبحث عن الهجرة الي الخارج كملاذ مصيري.
- من النواحي الاجتماعياً والديمغرافياً تفاقم الحرب النزوح الداخلي والانقسامات العرقية والقبلية، اضافة لتفشي خطاب الكراهية والاستهداف العرقي والجنساني.
تحقيق السلام يمرعبر طرق شائكة تتطلب حوار شامل تنخرط فيه جميع الأطراف الفاعلة دون استثناء وهذا يبدو امرا صعب التحقيق. كما يتطلب التزام دولي وإقليمي يدعم عملية السلام وضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وهو موضوع مكلف نسبة لتعقيدات الاوضاع في السودان واتساع رقعة النزاع. مع الاخذ في الاعتبار ان تحقيق السلام يحتاج لرتق النسيج الاجتماعي، اعادة الاعمار وإصلاح المؤسسات بما يحقق بناء مؤسسات وطنية قوية قادرة على تحقيق العدالة والتنمية، وهذا شرط وجودي لمستقبل أي سلام في السودان.
اذن معالجة جذورالازمة، الذي يعتبر شرطا وليا لتحقيق السلام، يتطلب التركيز على قضايا مثل الهوية، التنمية، قسمة وتوزيع الموارد، بذلك نجد ان تحقيق سلام مستدام في السودان يمر بطريق طويل يحتاج الكثير من العمل، اضافة لمشروع وطني متوافق عليه وهذا يحتاج بدوره لإرادة سياسية قوية وفاعلة من جميع المكونات السودانية، يعتبر ذلك هو الطريق الممهد للوصول الي ورؤية شاملة لتحقيق السلام ولمستقبل البلاد، تأخذ تلك الرؤية في الاعتبار تعقيدات المشهد الحالي والتحديات التاريخية وتصطحب الوقائع الموضوعية المتشابكة علي المستوى الاقليمي والدولي، بدلا عن التوهان وانعدام الرؤية الحالي وعقلية (دبلوماسية الحرد) التي تتبعها سلطات الامر الواقع.
mnhassanb8@gmail.com