السودان – أدت أعمال العنف الخطيرة في السودان إلى تدهور الأوضاع الصحية والاقتصادية بصورة بالغة التعقيد، خاصة مع انتشار الأوبئة ونقص إمدادات مياه الشرب إثر خروج بعض محطات المياه عن الخدمة، فضلا عن توقف العديد من المنشآت الغذائية والدوائية.

وسبق أن حذرت منظمة الصحة العالمية من تفش واسع النطاق لعدد من الأمراض الوبائية في السودان بسبب تدهور النظام الصحي نتيجة الصراع، وعدم قدرة المنظمة ومنظمات أممية وحكومية أخرى على الوصول إلى المناطق المتضررة.

وأعلنت المنظمة العالمية الثلاثاء الماضي في بيان، الإبلاغ عن تفشي الكوليرا وحمى الضنك شرق السودان، حيث يحتمي آلاف الأشخاص مع احتدام القتال الدامي بين جيش البلاد وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى.

ومع انتشار الأوبئة، يتخوف التجار من توقف صادرات الماشية إلى الدول الخارجية وارتفاع نسب البطالة والتضخم مع توقف وسائل النقل الجوي، وتراجع الاستهلاك.

ويمتلك السودان أزيد من 107 ملايين رأس من الماشية، وفق تقارير رسمية، ما جعل البلاد تعتمد عليها كأحد الموارد الرئيسية للنقد الأجنبي الشحيح أصلا.

وتعتبر الثروة الحيوانية في السودان أحد أهم مصادر النقد الأجنبي، بسبب الصادرات الكبيرة للمواشي والأبقار إلى الخارج، بمتوسط عائدات سنوية تصل مليار دولار، وفق إحصاءات حكومية.

وبعد انفصال الجنوب في 2011، فقد السودان 80 بالمائة من إيرادات النقد الأجنبي، على خلفية فقدانه ثلاثة أرباع آباره النفطية لدولة الجنوب، بما يقدر بـ 50 بالمئة من إيراداته العامة.

وتوقع البنك الدولي أن ينكمش اقتصاد السودان بنسبة 12 في المئة في العام الحالي وذلك بسبب التداعيات الكبيرة الناجمة عن الحرب.

ومنذ اندلاع الحرب توقفت عجلة الإنتاج في العاصمة الخرطوم التي تعتبر مركز الثقل الاقتصادي في البلاد؛ إضافة إلى ولايات السودان الأخرى.

ويقول الخبير الاقتصادي أحمد مدني، إن نحو 400 منشأة تعمل في مجال الصناعات الغذائية والدوائية في الخرطوم خرجت عن الخدمة.

وأوضح مدني في حديثه للأناضول، أن المشروعات الإنتاجية والزراعية تأثرت بشكل كامل في كافة انحاء البلاد بسبب نقص التمويل وحالة عدم الاستقرار الإداري.

وأشار إلى تعرض حوالي 100 فرع من المصارف العاملة بالبلاد للنهب والحرق والتدمير الكامل بما فيها أجزاء كبيرة من بنك السودان المركزي الذي تشير تقارير معاناته حاليا من شح كبير في النقد.

في سبتمبر/ أيلول الماضي أعلنت َوزارة الصحة السودانية، تسجيل 274 إصابة بالكوليرا، بينها 19 حالة وفاة بولاية القضارف شرق البلاد، وتسجيل ألف إصابة بوباء حُمى الضنك خلال العام الجاري، بينها 11 وفاة.

وحول المساعي التي تبذلها البلاد في مواجهة الأزمة الصحية، قال مسؤول بوزارة الصحة الاتحادية، إن الوزارة وجهت بانتظام عمليات الرش ومكافحة الناقل، بالإضافة إلى حملات التوعية للمواطنين، والتأكد على كلورة المياه لكل مصادرها الأساسية التي تتبع لهيئة المياه بالإضافة إلى توفير الكلور بكل أنواعه.

وأضاف المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته – كونه غير مخول له الحديث لأجهزة الإعلام – إن الوزارة اتخذت إجراءات عملية لمجابهة الوضع الصحي بالبلاد والحد من انتشار الإسهال المائي (الكوليرا) وحمى الضنك بإطلاق حملة للإصحاح البيئي والنظافة ومكافحة الذباب والبعوض وتعقيم مياه الشرب للحد من انتشار نواقل الامراض و ذلك وفقا للإرشادات المطلوبة.

 

الأناضول

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

إقرأ أيضاً:

هل فشلت مغامرة تحالف نيروبي؟

مع خسارة قوات الدعم السريع ما تبقّى من العاصمة الخرطوم لصالح الجيش، وهي خسارة بدت واضحةً منذ أسابيع، تستمرّ القيادات السياسية التي تحالفت مع هذه القوات في إطلاق تصريحات النصر. قال اللواء معاش فضل الله برمة ناصر، قبل أسبوع، “الموقف العسكري للدعم السريع متقدم”. رئيس حزب الأمّة المكلّف، الذي لم يستطع ضمان تأييد حزبه ومؤسّساته عندما قرّر الانضمام إلى التحالف مع “الدعم السريع” في اتفاق نيروبي، وهو عسكري سابق، يرى هزائم “الدعم السريع” ويعتبرها انتصارات، بل يصرّح “نحن نقف مع الطرف الذي ينادي بايقاف الحرب. وسنحارب كلّ مُصّرٍ على الحرب”. وهي جملة لا تختلف في غرائبيّتها عمّا قاله رئيس حركة تحرير السودان، فصيل تمبور، الموالي للجيش: “من يقولون لا للحرب عملاء ضدّ وطنهم ومتعاونون مع مخطّط تقسيم البلاد”.

استمرّت سيطرة “الدعم السريع” على العاصمة الخرطوم، وأغلب مساحة البلاد، فترة تقارب العام، وهي نصف مدّة الحرب تقريباً. لكنّها عجزت عن تشكيل أيّ جسم حكومي فاعل لإدارة حياة الناس. ربّما لأن الناس كانت تفرّ من انتهاكات المليشيا، فلم تحكم إلا عاصمة شبه خالية، ومدنيين أقرب إلى رهائن منهم إلى مواطنين. وبينما يرى اللواء معاش ناصر أن “الدعم السريع” دائماً ما كانت مع السلام (وصف يصعب إطلاقه عليها أوعلى الجيش)، فإن سكّان قرى ولاية الجزيرة يعرفون كيف هو هذا السلام. فحتى القرى التي عقدت اتفاقيات، وقدّمت الجبايات، لم تسلم من انتهاكات “الدعم السريع”.

لم تأتِ هجرة القوى السياسية والحركات المسلّحة للتحالف مع “الدعم السريع” في نيروبي إلا بعدما بدأت الموازين تتغيّر في الأرض. وكانت قوات الدعم السريع تفقد مساحات سيطرتها بالسرعة نفسها تقريباً التي استولت عليها بها. في هذا الوضع العسكري المتراجع، والعاصمة المحطّمة والمهجورة، التي كان الجيش يوشك على تحريرها من يد “الدعم السريع”، كان قادة الحركات المتحالفة في نيروبي يصرّحون بأن إعلان حكومتهم (حكومة السلام كما سمّوها)، ستُعلَن من الخرطوم، وهو ما عاد وأكّده الفريق الغائب محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في تسجيل مصوّر، وأن قواته لن تغادر الخرطوم ولا القصر الرئاسي. كان يقول ذلك بينما تواصل قواته الانسحاب، والجيش يطبق الحصار على ما تبقّى منهم داخل القصر.

لم يعد حالياً أمام “الدعم السريع” وحلفائها إلا التحصّن غرباً، لتبقى الحرب في الإقليم السوداني المشتعل منذ عقود. لكن حتى إقليم دارفور ليس بكامله تحت سيطرة “الدعم السريع”، وقد عجزت عن احتلال مدينة الفاشر، ما جنّب البلاد مذبحةً كانت واقعةً إن دخلت هذه القوات عاصمة الحركات المسلّحة في دارفور، فالمدينة التي وقفت تدافع عن نفسها شهوراً تضمّ عشرات آلاف من النازحين الذين احتموا بها من مذابح “الدعم السريع” في مناطقهم.
لذلك، تبدو حكومة تحالف “الدعم السريع” مثيرة للأسئلة، فهي لا تجد لها عاصمة، فالخرطوم لم تعد تحت سلطتهم، وكاودا، المرشّحة الثانية تتململ رفضاً، والفاشر ما زالت صامدةً، والضعين لا تأمن ضربات الجيش، ولا الحكومة تجد قبولاً دولياً، فقبل إعلانها، حذّرت عدّة جهات دولية من أنها لن تعترف بها، وأنها خطوة في طريق تقسيم السودان. ورغم ذلك، يدّعي حلف “الدعم السريع” أنه تلقّى وعوداً إيجابية بالاعتراف من “عدّة جهات”.

قادة الحركات المسلّحة والسياسيون، الذين عطّلوا عمل تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (المتعثّر سلفاً)، بالمزايدات الجهوية، فكّكوا التنسيقية، وذهبوا لإنقاذ “الدعم السريع” في أكثر لحظات احتضار مشروعها للسيطرة على السودان.

وقف محمد حمدان دقلو في إبريل/ نيسان 2023 أمام بوابات القصر الرئاسي، واتصل بالإعلام ليطلب من قائد الجيش الاستسلام لمحاكمته وإعدامه (!). بعد عامين من الحرب، وملايين النازحين، وعشرات ألوف الضحايا، وتدمير العاصمة، يتوعّد الطرفان بعضهما بعضاً بالمزيد.

تهدّد “الدعم السريع” المهزومة في الوسط مناطق سيطرة الجيش بالمسيّرات. ويتوعّد الجيش المتقدّم مناطق سيطرة “الدعم السريع” بالطيران. وبينهما يسقط المدنيون. يُعلن تحالف نيروبي، قبل تكوين حكومته التي تبحث عن عاصمة، مزيداً من القتال، مثلما يعد الطرف الآخر. قد لا تكون مغامرة التحالف قد فشلت تماماً، وما زالت تهدّد بتقسيم البلاد، لكنّها بالتأكيد لم تسر كما أراد لها أطرافها.

ويبدو (للأسف!) أن المنتظر منها فقط توفير غطاء لإمداد “الدعم السريع” والمليشيات المتحالفة معها بمزيد من السلاح، في بلد امتلأ بالمليشيات المسلّحة، وانخرط في حربٍ أهليةٍ يرفض أن يسمّيها كذلك، ويقف على مفترق طرق كلّها مليئة بالدم.

حمّور زيادة

العربي الجديد – 29 مارس 2025

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الخرطوم حرة
  • هل فشلت مغامرة تحالف نيروبي؟
  • حميدتي: الحرب في السودان لم تنته وسنعود إلى الخرطوم أشد قوة
  • انتشار وباء الكوليرا في أنغولا
  • خبراء "الفاو" يحلون بتونس لتقييم مدى انتشار الجراد الصحراوي جنوب البلاد
  • بسبب ترامب..إذاعة آسيا الحرة توقف البث في أبريل
  • سفارة السودان بالقاهرة تنوه إلى خطورة انتشار الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة باستبدال العملة السودانية
  • الأمم المتحدة تحذر من تدخل قوات خارجية في حرب جنوب السودان
  • البريكي يحذر من كارثة وشيكة بسبب انتشار أسراب الجراد في الجنوب الليبي
  • صندوق النقد الدولي يتوقع تسجيل النمو العالمي 3.3% في 2025