في الصباح الباكر من يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول)، أصدر الجيش الإسرائيلي تحذيراً إلى 1.2 مليون فلسطيني في شمال غزة: يجب عليهم الإخلاء في غضون 24 ساعة، قبل غزو بري محتمل، لكن تقارير تتحدث عن أن مثل هذا الهجوم الإسرائيلي سيكون له آثار كارثية على تل أبيب.
وبحسب تقرير لمجلة "فورين أفيرز" فقد بدت الحملة البرية الإسرائيلية حتمية منذ اللحظة التي اخترقت فيها حركة حماس المحيط الأمني بقطاع غزة.
ولكن هذا هو بالضبط الوقت الذي يجب أن تكون فيه واشنطن أكثر برودة وأن تنقذ إسرائيل من نفسها، إذ كما يقول التقرير، فإن الغزو الوشيك لغزة سيكون كارثة إنسانية وأخلاقية واستراتيجية. وسوف يضر بشدة ليس فقط بأمن إسرائيل على المدى الطويل ويلحق تكاليف بشرية لا يمكن فهمها بالفلسطينيين، ولكنه يهدد أيضاً المصالح الأمريكية الأساسية في الشرق الأوسط، وفي أوكرانيا، وفي منافسة واشنطن مع الصين على نظام المحيطين الهندي والهادئ.
وتقول المجلة إن إدارة بايدن فقط هي التي تستطيع منع إسرائيل من ارتكاب خطأ كارثي. والآن بعد أن أبدت تعاطفها مع إسرائيل، يجب على واشنطن أن تركز على مطالبة حليفتها بالامتثال الكامل لقوانين الحرب. ويجب أن تصر على أن تجد إسرائيل سبلا لنقل المعركة إلى حماس لا تنطوي على القتل الجماعي وتشريد المدنيين الفلسطينيين الأبرياء.
أدى هجوم حماس إلى قلب مجموعة الافتراضات التي حددت الوضع الراهن بين إسرائيل وغزة منذ ما يقرب من عقدين. ففي عام 2005، انسحبت إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة، لكنها لم تنه احتلالها الفعلي. احتفظت بالسيطرة الكاملة على حدود غزة ومجالها الجوي، وواصلت ممارسة رقابة مشددة من خارج المحيط الأمني على حركة سكان غزة وبضائعها وكهرباءها وأموالها.
حكم حماسوتولت حماس السلطة في القطاع في عام 2006 بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، وعززت قبضتها في عام 2007، بعد فشل الولايات المتحدة دعم الجهود الرامية إلى استبدال المجموعة بالسلطة الفلسطينية.
ومنذ عام 2007، حافظت إسرائيل وحماس على وضع غير مستقر، إذ تواصل إسرائيل فرض حصار خانق على غزة، مما يقيد بشدة اقتصاد القطاع ويفرض تكاليف بشرية كبيرة، مع تمكين حماس أيضاً من خلال تحويل جميع الأنشطة الاقتصادية إلى الأنفاق والأسواق السوداء التي تسيطر عليها.
وخلال اندلاع الصراع العرضي في 2008 و2014، ومرة أخرى في 2021 قصفت إسرائيل على نطاق واسع المراكز الحضرية المكتظة بالسكان في غزة، ودمرت البنية التحتية، وقتلت الآلاف من المدنيين بينما حطمت القدرات العسكرية لحماس وحددت الثمن الذي يجب دفعه مقابل الاستفزازات. كل هذا لم يلحق ضرراً ملحوظاً بقبضة حماس على السلطة.
Palestinians flee northern Gaza before expected Israeli ground invasion https://t.co/wL9LCeL8zD
— The Guardian (@guardian) October 14, 2023 استفزازات إسرائيليةويضيف التقرير أن القادة الإسرائيليون توصلوا إلى الاعتقاد بأن هذا التوازن يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى. كانوا يعتقدون أن حماس قد تعلمت دروس المغامرات السابقة من خلال ردود إسرائيل العسكرية على نطاق واسع، وأن حماس أصبحت الآن راضية عن الحفاظ على حكمها في غزة، حتى لو كان ذلك يعني السيطرة على استفزازات الفصائل المتشددة الأصغر، مثل الجهاد الإسلامي الفلسطيني.
ويقول التقرير إن الصعوبات التي واجهها الجيش الإسرائيلي في هجوم بري قصير في عام 2014 خففت من طموحاته في محاولة المزيد. ولوح المسؤولون الإسرائيليون بشكاوى دائمة بشأن الآثار الإنسانية للحصار. وبدلا من ذلك، كانت البلاد راضية عن إبقاء غزة في مأزق مع تسريع تحركاتها الاستفزازية المتزايدة لتوسيع مستوطناتها وسيطرتها على الضفة الغربية.
وعلى الرغم من أن العديد من المحللين قد عزا استراتيجية حماس المتغيرة إلى النفوذ الإيراني، إلا أن الحركة لديها أسبابها الخاصة لتغيير سلوكها ومهاجمة إسرائيل. وانتهت مناورتها في عام 2018 لتحدي الحصار من خلال التعبئة الجماعية غير العنيفة المعروفة باسم "مسيرة العودة الكبرى" بإراقة دماء واسعة النطاق حيث فتح الجنود الإسرائيليون النار على المتظاهرين.
مكاسب سياسيةوفي عام 2021، على النقيض من ذلك، اعتقد قادة حماس أنهم حققوا مكاسب سياسية كبيرة مع الجمهور الفلسطيني الأوسع من خلال إطلاق الصواريخ على إسرائيل خلال اشتباكات مكثفة في القدس بسبب مصادرة إسرائيل لمنازل الفلسطينيين، واستفزازات القادة الإسرائيليين في الأقصى أحد أقدس المواقع الإسلامية، والذي يريد بعض المتطرفين الإسرائيليين هدمه لبناء معبد يهودي.
ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى دفعت إيران توقيت أو طبيعة الهجوم المفاجئ. بالتأكيد، زادت إيران دعمها لحماس في السنوات الأخيرة، وسعت إلى تنسيق الأنشطة عبر "محور المقاومة" للميليشيات الشيعية والجهات الفاعلة الأخرى المعارضة للنظام الإقليمي المدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن سيكون من الخطأ الفادح تجاهل السياق السياسي المحلي الأوسع الذي قامت فيه حماس بخطوتها، كما تقول المجلة.
نقطة تحولردت إسرائيل في البداية على هجوم حماس بحملة قصف أكثر كثافة من المعتاد، إلى جانب حصار أكثر كثافة، حيث قطعت الغذاء والماء والطاقة، وحشدت احتياطياتها العسكرية، وجلبت حوالي 300000 جندي إلى الحدود والاستعداد لحملة برية وشيكة. ودعت إسرائيل المدنيين في غزة إلى مغادرة الشمال في غضون 24 ساعة. هذا مطلب مستحيل. سكان غزة ليس لديهم مكان يذهبون إليه.
كما يتم تدمير الطرق السريعة، والبنية التحتية تحت الأنقاض، وهناك القليل من الكهرباء أو الطاقة المتبقية، وعدد قليل من المستشفيات ومرافق الإغاثة كلها في المنطقة المستهدفة الشمالية. حتى لو أراد سكان غزة مغادرة القطاع، فقد تم قصف معبر رفح إلى مصر.
تهجير ممنهجسكان غزة على علم بهذه الحقائق. إنهم لا يرون الدعوة إلى الإخلاء كبادرة إنسانية. وهم يعتقدون أن نية إسرائيل هي القيام بنكبة أخرى، وهو التهجير القسري للفلسطينيين من إسرائيل خلال حرب 1948. إنهم لا يعتقدون ولا ينبغي لهم أن يصدقوا أنه سيسمح لهم بالعودة إلى غزة بعد القتال. هذا هو السبب في دفع إدارة بايدن من أجل ممر إنساني للسماح للمدنيين في غزة بالفرار من القتال وهو فكرة سيئة بشكل فريد، بحسب المجلة.
وبقدر ما يحقق الممر الإنساني أي شيء، فإنه سيكون بمثابة عملية لتسريع هجرة السكان من غزة وخلق موجة جديدة من اللاجئين الدائمين. ومن الواضح أيضاً أنه سيقدم للمتطرفين اليمينيين في حكومة نتانياهو خارطة طريق واضحة لفعل الشيء نفسه في القدس والضفة الغربية.
لذا تقول المجلة إن غزو غزة نفسه سيكون مليئاً بالشكوك. فمن شبه المؤكد أن حماس توقعت مثل هذا الرد الإسرائيلي وهي مستعدة جيداً لمحاربة تمرد حضري طويل الأمد ضد تقدم القوات الإسرائيلية. ويأمل على الأرجح في إلحاق خسائر كبيرة بجيش لم يشارك في مثل هذه المعارك منذ سنوات عديدة.
أزمة سكان غزةوحتى لو نجحت إسرائيل في الإطاحة بحماس، فإنها ستواجه بعد ذلك تحدي حكم الأراضي التي تركتها في عام 2005 ثم حاصرتها وقصفتها في السنوات الفاصلة. لن يرحب الشباب في غزة بالجيش الإسرائيلي كمحرر لهم.
Military briefing: the shape of a Gaza invasion https://t.co/GLhDrAVMNf
— Financial Times (@FT) October 13, 2023وفي سيناريو أسوأ، لن يبقى الصراع محصورا في غزة. ولسوء الحظ، من المحتمل حدوث مثل هذا التوسع. إن الغزو المطول لغزة سيولد ضغوطاً هائلة في الضفة الغربية، والتي لن يكون لدى السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس سوى القليل من القدرة لاحتوائها.
ولقد أوضحت إدارة بايدن أنها تدعم إسرائيل في ردها على هجوم حماس. ولكن الآن هو الوقت المناسب لها لاستخدام قوة تلك العلاقة لمنع إسرائيل من خلق كارثة ملحوظة، إذ يشجع نهج واشنطن الحالي إسرائيل على شن حرب خاطئة إلى حد كبير، ووعد بالحماية من عواقبها من خلال ردع الآخرين عن دخول المعركة وعرقلة أي جهود لفرض المساءلة من خلال القانون الدولي. لكن الولايات المتحدة تفعل ذلك على حساب مكانتها العالمية ومصالحها الإقليمية. وإذا اتخذ الغزو الإسرائيلي لغزة مساره الأكثر ترجيحاً، مع كل المذابح والتصعيد، فإن إدارة بايدن ستندم على خياراتها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: غزة وإسرائيل التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل إدارة بایدن إسرائیل من سکان غزة من خلال فی عام فی غزة
إقرأ أيضاً:
الجيش الإسرائيلي يقرّ بـ«فشل استخباراتي كارثي» في 7 أكتوبر 2023
نشر الجيش الإسرائيلي، الخميس، نتائج التحقيق في أحداث السابع من أكتوبر 2023، وأبرزَ فيها إخفاقات استراتيجية واستخبارية كبيرة أتاحت لحركة “حماس” شنّ أكبر هجوم على الدولة العبرية في تاريخها.
وأكد الجيش الإسرائيلي، في ملخص عن التقرير لوسائل الإعلام، أن قواته “أخفقت في حماية المواطنين الإسرائيليين. جرى التفوّق على فرقة غزة (الإسرائيلية)، في الساعات الأولى من الحرب، مع سيطرة الإرهابيين (على الأرض)، وارتكابهم مجازر في المجتمعات وعلى الطرق في المنطقة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
وقال مسؤول عسكري، للصحافيين: “السابع من أكتوبر كان عبارة عن إخفاق تام”، والجيش “أخفق في تنفيذ مهمة حماية المدنيين الإسرائيليين”، مضيفاً: “كثير من المدنيين قُتلوا في ذلك اليوم، وهم يسألون أنفسهم وبصوت مرتفع: أين كان الجيش الإسرائيلي؟”.
وقال المسؤول أيضاً: “لم نتصوّر حتى أن سيناريو كهذا كان ممكناً”، مشيراً إلى أن عناصر فصائل فلسطينية تتقدمها حركة “حماس”، باغتوا إسرائيل؛ ليس فحسب من حيث حجم الهجوم، بل أيضاً بـ”وحشيته”.
وخلص التحقيق إلى أن الحركة شنّت هجوم السابع من أكتوبر 2023 على ثلاث دفعات، وأن أكثر من خمسة آلاف شخص عبَروا إلى جنوب الدولة العبرية من قطاع غزة.
وأفاد ملخص التقرير بأن “الدفعة الأولى… ضمّت أكثر من ألف من إرهابيي (وحدة) النخبة (في حماس) الذين تسلّلوا تحت ستار من النيران الكثيفة”، مشيراً إلى أن الدفعة الثانية ضمّت ألفيْ مسلّح، في حين تخلّل الثالثة دخول مئات المسلَّحين يرافقهم آلاف المدنيين”. وأضاف: “في المجموع، تسلّل قرابة خمسة آلاف إرهابي إلى الأراضي الإسرائيلية خلال الهجوم”.
وأشار التقرير كذلك إلى البطء الشديد والفوضى التي سادت في التعامل مع الهجوم، الذي قال إنه بدأ صباحاً، لكنّ التصدي له بدأ في ساعات الظهيرة، معتبراً أنه “فشل في صد الهجوم عند بدايته”.
وأقرّ مسؤول عسكري إسرائيلي بأن الجيش كان يتمتع بثقة مفرطة، وأساء تقدير قدرات “حماس”، قبل أن تشنّ هجومها. وأكد المسؤول أنه لم يكن في حوزة الجيش “فهم شامل لقدرات العدو العسكرية”، وأنه كان يُبدي ثقة مفرطة حيال معلوماته عن الحركة.
وخلص التقرير إلى ضرورة زيادة عدد القوات والموارد والعتاد بسبب الحاجة لزيادة الانتشار العسكري على الحدود.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن التقرير قوله “إن إسرائيل لا يمكن أن تسمح بظهور تهديدات قرب حدودها، مشدداً على أولوية إزالة هذه التهديدات”.
وأكد التقرير الحاجة لزيادة القوات البرية والجوية وعمليات جمع المعلومات الاستخبارية، موضحاً أن تحقيق الجيش وضَع الأسس لمفهوم أمني معدل يجري تنفيذه بالفعل في سوريا ولبنان؛ حيث تمركزت قوات إسرائيلية على طول الحدود.
وأشار إلى أن الجيش كانت لديه معلومات عن مخطط “حماس” لشن هجوم واسع النطاق منذ عام 2018، وأن يحيى السنوار فكر، أول مرة في 2016، في تنفيذ عملية على غرار هجوم السابع من أكتوبر.
وذكر التقرير أن التحقيق، الذي أجراه الجيش الإسرائيلي، قال إنه رصد مؤشرات على شن هجوم محتمل، لكنها لم تكن قوية بما يكفي لتغيير اعتقاد الجيش بأن “حماس” لن تشن هجوماً واسعاً.
وتجنَّب التقرير انتقاد القيادة المدنية في إسرائيل؛ ومنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وركز فقط على الجيش.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن تحقيقات الجيش كشفت أن نتنياهو أصدر تعليماته، قبل 3 أشهر من الهجوم، بالتركيز على إيران و”حزب الله” والضفة الغربية، مع تهدئة التوتر بشأن قطاع غزة.
وقال موقع “واي نت” الإخباري إن وزير الدفاع يسرائيل كاتس أمر الجيش بإرسال تحقيقاته في هجوم 7 أكتوبر “على الفور” إلى رئيس الوزراء.