ناظم ناصر القريشي

كل قصيدة هي حياة، والحياة طريق، والطريق يتجرد من معانيه ويتحول إلى ارتدادات على هامش القصيدة، تتألف مع مجازات موندريان التجريدية عبر مجال اللون والموسيقى، التي ستبدأ بكونشرتو البيانو والكمان، فتتدفق الصور وتتكاثف في حضورها المكتظ بسعته، في قصيدة «الحطابون» التي يقـدمها الشاعـر أحمد الفلاحي، عبر تكوينها التشكيلي المبتكر من الكلمات، فعبر الانفعال الحركي المتواتر، الذي يكفي لإثارة وجوده وبإيجازه الإيحائي البليغ، أن يدون فعل التمرد المنبثق من أشياء كثيرة، وتحقيق أثر على المتلقي، ففي افتتاحيته التصويرية وبإيقاعات بصرية، سنجد فعل الحركة يتملك الحطابين وفؤوسهم المصنوعة من الأشجار، أو مصنوعة من الأفكار، أو أشجار مصنوعة من الأفكار، مما يجعل هذه البناءات الشعرية وهي تتحقق بالكلمات بصيغه سينمائية، وقدرتها على تفعيل قيم التلقي، في مضارع حضورها :

جماعات جماعات

يهجرون القيعان،

ويذهبون إلى أعالي الجبال

الجبال التي لا تترك حصة الريح وحيدة

وإذا تخيلنا توزيعها الأوركسترالي، الذي يتبعه تصاعد شعوري صوتي وإيقاعي، يبدأ بالعنوان كعتبة أولى مكتظة بحضورها كأنها تحرس القصيدة، وتعطي ذلك الزخم بحماس، بهذا الإيقاع الحركي للموسيقى، الذي يستمد إيقاعها من حركة الحطابين وهم يهجرون القيعان جماعات، جماعات ويذهبون في حركة صعود الى أعالي الجبال، ومن ثم حركة الفؤوس على اعتبارها نوته فرعية للنوته الأصلية، من ثم الجبال لا تترك حصة الريح وحيدة، وهذا يجعلنا نتساءل أين تنمو الريح؟ وكيف تتماوج على شاشة القصيدة؟ وإلى أين تمضي مع الموسيقى وهي ترتل الهجر والصعود علوا وارتفاعا؟ وهل يكتفي الشاعر بأثر الريح وما توحي إليه؟ لكن الريح المتمردة والقلقة لا تقنع بكونشيرتو البيانو مع الكمان، بل تبحث عن العواصف وعنفوان الآلات الهوائية في أوركسترا الموسيقى، حتى تجسد حضورها كمرئيات مكثفة، وهناك نرى توجه الفعل الشعري إلى فكرة التجريد التي توحي بالتكعيب تأويلا، فاللغة الشعريه التكوينية متحوله ذاتيا، وهي كابتكار قصيدة بنسيج حيوي في لوحة تكعيبية، تتعاكس الخطوط فيها والنوايا، هذه الكلمات التي سنسمع من خلالها ديناميكية الحياة ودفقها وفيض الإبداع، وقوته الإيحائية، في وقت معلق بين الحركة والفكرة:

تسندها إلى معلم رياضيات

نسي معادلته التكاملية.

كيف لا ينساها

وهو الوحيد

من يشتغل على النهايات المتصلة؟

في التعليم الثانوي

لست بحاجة إلا للتفاضل

وزجاجة عطر ومبراة.

يقدم الشاعر الفلاحي مفهوما جديدا، لإدراك المعنى والتأويل، ففي المقطع التالي من القصيدة، سنجد أن فعل الشعر يتحرك روحياً، وفيزيائياً وكيميائياً بين دأب الحطاب الذي يبحث عن شجرة ويصافح فأسا، وكلمة يصافح هنا كأن الحطاب لم يلتق الفأس سابقا، لكن الرغبة هي التي منحته هذا التمني، وبين دأب الشجرة التي تحب أوراقها في الخريف، ونحن نعلم إن الأوراق تسقط في الخريف، فهذا الحب يقابله الوداع القاسي، في هذا التيه الشعري الذي يشبه إيقاعاً تراجيدياً، تتقاطع فيه الأفكار والرغبات مع الأماني، ولو تأملنا الفكرة في الكلمات ورسمناها، سنجد الخطوط التي لا تلتقي، والظلال التي ستنمو وتتكاثر عبر هذه الخطوط ، والأوراق المتساقطة، التي ستتقاطع في سقوطها مع كل هذا، بينما الحطاب الذي لم تكتمل فكرته في التفاضل والتكامل يلامس أمانيه وهو يصافح الفأس التي هي حلمه الأثير:

هكذا دأب الحطاب

يبحث عن شجرة

ويصافح فأسا

وهكذا دأب الشجرة

تحب ورقها

في الخريف.

ثم في دهشة الشعر تتسع القصيدة، وكثيراً من الحب يحيط بها مع مسحة حزن عميق، لتشمل الريح، ومدرس الرياضيات بخطوطه الشبحية ومنطقه الشعري، وأفكاره وهي تحاول أن تتكامل، لتستقر على أحلام كلود مونيه الزرقاء، ونحن نتتبع الريح وهي تأوي الى تشرين ونستمع الى الموسيقى الذهبية لسقوط الورقة، ويد القلب البيضاء المتوهجة في امتداداتها الروحية وهي ترفعها، ونحن نرقب الخاتمة في قلب عميق..

الحطابون

جماعات جماعات

يهجرون القيعان،

ويذهبون إلى أعالي الجبال

الجبال التي لا تترك حصة الريح وحيدة

تسندها إلى معلم رياضيات

نسي معادلته التكاملية.

كيف لا ينساها

وهو الوحيد

من يشتغل على النهايات المتصلة؟

في التعليم الثانوي

لست بحاجة إلا للتفاضل

وزجاجة عطر ومبراة.

هكذا دأب الحطاب

يبحث عن شجرة

ويصافح فأسا

وهكذا دأب الشجرة

تحب ورقها

في الخريف.

كلما آوت الريح الى تشرين

تقاذفت هي نحو قصب السبق

الورقة التي أسقطتها الشجرة

ترفعها يد القلب

أصحيح أن القلب أعمى؟

وهكذا طبعي

نهرت ذاكرتي

وأحببت الورقة

ووطني العرجون وأعانق الخريف

 

كاتب عراقي

المصدر: القدس العربي

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: القصيدة فی الخریف

إقرأ أيضاً:

عثمان: نعمل على مساعدة الأهالي الذين تضررت منازلهم وأراضيهم ومساعدتهم للعودة إلى ديارهم وسنكون سنداً للمتضررين فهم أهلنا والأرض أرضنا

2025-07-08hadeilسابق محافظ اللاذقية محمد عثمان خلال مؤتمر صحفي مع وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح: الجهود التي بذلت خلال الأيام الماضية مشكورة وجبارة، وأطلقنا حملة “بأيدينا نحييها” لإعادة جبالنا خضراء وترميم الجبال التي تعرضت للحرائق انظر ايضاًمحافظ اللاذقية محمد عثمان خلال مؤتمر صحفي مع وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح: الجهود التي بذلت خلال الأيام الماضية مشكورة وجبارة، وأطلقنا حملة “بأيدينا نحييها” لإعادة جبالنا خضراء وترميم الجبال التي تعرضت للحرائق

آخر الأخبار 2025-07-08عثمان: نعمل على مساعدة الأهالي الذين تضررت منازلهم وأراضيهم ومساعدتهم للعودة إلى ديارهم وسنكون سنداً للمتضررين فهم أهلنا والأرض أرضنا 2025-07-08محافظ اللاذقية محمد عثمان خلال مؤتمر صحفي مع وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح: الجهود التي بذلت خلال الأيام الماضية مشكورة وجبارة، وأطلقنا حملة “بأيدينا نحييها” لإعادة جبالنا خضراء وترميم الجبال التي تعرضت للحرائق 2025-07-08الهيئة الناظمة للاتصالات تمنح تراخيص ستارلينك للحالات الطارئة بسوريا 2025-07-08دوجاريك: فرق الأمم المتحدة موجودة في سوريا لدعم جهود الاستجابة الإنسانية جراء الحرائق في اللاذقية 2025-07-08شركة UCC الدولية تتسلم موقع إقامة محطتين كهروضوئية وحرارية في دير الزور 2025-07-08معرض “رسم غير هندسي” في كلية الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة حلب 2025-07-08سوريا وقطر تبحثان التعاون الأمني المشترك بين البلدين 2025-07-08مباحثات سورية أردنية لتعزيز سبل التعاون في مجالات الرعاية الاجتماعية 2025-07-08مصدر في وزارة الإعلام: لا صحة لما يتم تداوله بشأن انعقاد أي جلسات أو اجتماعات بين السيد الرئيس أحمد الشرع ومسؤولين إسرائيليين 2025-07-08إطلاق الدورة الخامسة لمسابقة النصوص المسرحية للشباب في سوريا

صور من سورية منوعات علماء أمريكيون يستخدمون الأقمار الصناعية لتقييم تعافي الغابات بعد الحرائق 2025-07-08 اكتشاف فسيفساء عمرها 1500 عام في تركيا 2025-07-08
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • إطلاق حملة لترميم الجبال التي احترقت باللاذقية ووزير الطوارئ يشكر الدول المشاركة في إخماد الحرائق
  • وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح: إطلاق حملة “بأيدينا نحييها” دليل على أن الشعب السوري قادر على بناء بلده لصنع سوريا الجديدة وإعادة بناء المنطقة التي تضررت
  • عثمان: نعمل على مساعدة الأهالي الذين تضررت منازلهم وأراضيهم ومساعدتهم للعودة إلى ديارهم وسنكون سنداً للمتضررين فهم أهلنا والأرض أرضنا
  • محافظ اللاذقية محمد عثمان خلال مؤتمر صحفي مع وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح: الجهود التي بذلت خلال الأيام الماضية مشكورة وجبارة، وأطلقنا حملة “بأيدينا نحييها” لإعادة جبالنا خضراء وترميم الجبال التي تعرضت للحرائق
  • رسائل من خيمة تهزّها الريح: كيف تعلّمتُ أن أتنفّس تحت الحرب؟
  • بين العطش والإفلاس الفلاحي.. البواري يترك فلاحي سطات يواجهون مصيرهم
  • تنصيب اللجان الولائية المكلفة بمتابعة تنفيذ عملية تطهير العقار الفلاحي
  • سويسرا توجه اتهامات لرجلين بنشر فكر تنظيم الدولة الإسلامية ودعم جماعات متطرفة على أراضيها
  • حسن مهدي: إعادة ترميم للمناطق التي تضررت بسبب الحمولات الزائدة لسيارات النقل الثقيل على الطريق الإقليمي
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الموارد المائية في مهب الريح