أسدود المحتلة.. مدينة فلسطينية صمدت أمام جميع الإمبراطوريات
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
أسدود مدينة فلسطينية لها امتداد حضاري يرجع إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد، وقد احتلتها إسرائيل عام 1948 وهجرت العرب منها، وأصبحت مستوطنة إسرائيلية، وتقع تحت نيران الصواريخ الفلسطينية كلما نشبت حرب مع إسرائيل، وكانت أحد أبرز الأهداف التي قصفتها المقاومة في عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تقع مدينة أسدود في الشمال الشرقي لمدينة غزة على منتصف المسافة بين يافا وقطاع غزة، وتبعد عن القدس 53 كيلومترا، ومن تل أبيب 32 كيلومترا، ومن عسقلان 20 كيلومترا، وهي مبنية على ربوة ترتفع 42 مترا فوق سطح البحر، وتبلغ مساحتها 60 كيلومترا مربعا.
تطل أسدود على البحر الأبيض المتوسط، كما تبعد 6 كيلومترات من نهر صقرير الذي يمر بشمالها، ويتغير مناخها حسب فصول العام، ففي الصيف ترتفع درجة الحرارة جدا، وفي الربيع والخريف يكون الجو معتدلا، أما في الشتاء فيكون باردا وممطرا.
التاريخأثبتت الحفريات والاكتشافات الحديثة أن تاريخ المدينة يعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد، وفي القرن الـ12 ق.م نزل الفلسطينيون بالساحل الفلسطيني وجعلوا أسدود إحدى مدنهم الرئيسية.
وفي 1050 ق.م تقريبا وقعت معركة "رأس العين"، إذ شن اليهود غارات على المدينة، لكن الفلسطينيين استطاعوا صدّهم وانتصروا عليهم.
وفي الفترة الممتدة بين 668 و625 قبل الميلاد، حاصر فرعون مصر "بسامتيك الأول" المدينة 29 عاما حتى تمكّن من أخذها.
وعبر تاريخها الطويل، شهدت أسدود الكثير من الصراعات والحروب، وكانت كلّما سقطت في يد محتل، يسترجعها الفلسطينيون عبر حروب وحملات عسكرية منظمة.
وفي القرن السابع الميلادي، دخلها المسلمون العرب وأصبحت مدينة إسلامية بها رباط للمجاهدين، وأصبحت محصنة من الغزاة، وتحظى بمكانة خاصة لمحوريتها وموقعها الجغرافي الذي يجعل منها حلقة وصل بين عدد من المدن الكبيرة.
مشهد من مدينة أسدود في ستينيات القرن العشرين (غيتي) السكانتعتبر القبائل الكنعانية أول من سكن مدينة أسدود في العصور القديمة، حيث استوطنت الساحل الفلسطيني حقبا متتالية من الزمن.
وفي القرن الثاني عشر ق.م نزل الفلسطينيون في الساحل، وجعلوا مدينة أسدود إحدى المدن الرئيسية لهم، وبنوا فيها ميناء، وأصبحت مركزا تجاريا مهما في المنطقة.
وأثبتت دراسات أثرية وتاريخية، أنجزها في منتصف القرن الماضي باحثون أميركيون، أن أسدود كانت على قدر كبير من الازدهار الحضاري والتطور المادي، مما جعلها هدفا عسكريا للإمبراطوريات القديمة من آشوريين ومصريين ورومانيين.
في القرن السادس ق.م كانت عاصمة لفلسطين، وشهدت تطورا وازدهارا حتى أطلق عليها اسم "سوريا الكبرى". وفي عام 63 ق.م دخلها الرومان واستوطنوها وضموها لولاية سوريا، وشيّدوا فيها عمرانا كثيرا وأعادوا لها رونقها. وصلتها طلائع الفتح الإسلامي في العام العاشر من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق سريتي أسامة بن زيد إلى فلسطين والأردن. بعد الفتح الإسلامي، في القرن السابع الميلادي تحديدا، استوطنها العرب المسلمون، وأضحت مدينة عربية وإسلامية تحظى بمكانة مهمة. بعد الحرب العالمية الأولى، كان المسلمون يشكلون الغالبية العظمى من سكانها، كما كانت تشهد حراكا ثقافيا وإقبالا على التمدرس والتعليم. في عام 1922 أقيمت بها مدرسة للبنين، بلغ مرتادوها 371 تلميذا، كما تم تدشين مدرسة للبنات عام 1942 بلغت المنتسبات لها 74 تلميذة، وكانت تضم مساجد ودور تحفيظ للقرآن الكريم، وكان لها مجلس بلدي يدير الشؤون المحلية. وحسب تعداد السكان في إسرائيل للعام 2019، يقيم بها حاليا قرابة 229 ألف مستوطن يهودي من مختلف أنحاء الدول، وفيها أكبر جالية يهودية من المغرب، كما تصنّف موطنا لأكبر جالية جورجية يهودية في العالم.
الاقتصاد
عبر التاريخ، كانت أسدود من المدن الزراعية الهامة التي تنمو فيها الحمضيات والكثير من أنواع الفواكه كالأعناب والتين والرمان، كما كانت مركزا مهما لزراعة القمح في المنطقة.
وتتميز بمينائها البحري الذي أتاح لها حركة تجارية من خلال الإيراد والتصدير. ويعتبر موقعها الجغرافي الذي جعلها بين قطاع غزة ويافا، ووقوعها في الطريق الذي يربطها بعدد من المدن، عاملا مهما يساعد في انتعاش الأسواق التجارية فيها.
ويتخذ منها الاحتلال الإسرائيلي في الوقت الراهن مقرا للعديد من المصانع، كمصنع شركة التاء لإنتاج الطائرات وتطوير الرادارات وأنظمة الحرب الإلكترونية، كما توجد بها واحدة من منشأتين لتكرير النفط في إسرائيل.
الاحتلال الإسرائيليفي 15 مايو/أيار 1948 دخلت القوات المصرية فلسطين، وتمركزت الكتيبة التاسعة للجيش المصري في أسدود. وأصبحت المدينة في الخطوط الأمامية للمواجهة بين القوات المصرية والإسرائيلية.
وفي يومي الثاني والثالث من يونيو/حزيران 1948، شنّت إسرائيل غارات مكثّفة على المدينة بهدف تهجير أهالي الأحياء السكنية. وبعد انتهاء الهدنة الثانية بين القوات المصرية والإسرائيلية، شنت هذه الأخيرة حملات مكثّفة على قضاء غزة يومي 22 و23 أكتوبر/تشرين الأول 1948 وسقطت عدد من القرى والبلدات المحاذية للمدينة.
وفي خضم المعركة، فرّ الجنود المصريون وانسحبوا من أسدود باتجاه الطريق الساحلي نحو الجنوب، وبقي المدنيون وحدهم يواجهون القصف الإسرائيلي.
وفي 28 أكتوبر/تشرين الأول 1948 دخل جيش الاحتلال المدينة، وأصدر بلاغا عسكريا قال فيه إن القوات الإسرائيلية دخلت المدينة بناء على طلب من السكان العرب المحليين، وفور توغل إسرائيل في البلدة رحل المواطنون نحو الجنوب.
ومنذ العام 1949 بدأت إسرائيل في بناء المستوطنات في المدينة، وأبرزها "سدي عزياهو" و"شتولم" و"بني دروم".
حفل أقيم عام 2019 في النصب التذكاري للجيش المصري بمدينة أسدود (الجزيرة) أهم المعالمتصنف مدينة أسدود بأنها واحدة من المدن التاريخية للشعب الفلسطيني، وأكد باحثون أجانب أن المنطقة كانت تشهد ازدهارا حضاريا كبيرا يعود لما قبل الميلاد بقرون عديدة، وذلك إثر حفريات قاموا بها في خمسينيات القرن الماضي.
تضم المدينة حاليا الكثير من المعالم التي تشهد على تاريخ العرب والمسلمين، وأهمها:
مزار الصحابي الجليل سلمان الفارسي: وهو مسجد تم بناؤه في عهد الظاهر بيبرس في 667 للهجرة، لكن إسرائيل دمرته بالكامل.
مقام أحمد أبو الإقبال: وهو أحد الأولياء الصالحين الذين قدموا للمدينة من مصر.
مقام نبي الله يونس (عليه الصلاة والسلام): ويقع عند تلة صخرية قرب نهر صقرير.
وتضم المدينة حاليا بعض المعالم التي شيدها الاحتلال الإسرائيلي مثل:
ميناء أسدود: وهو ميناء شحن كبير، يعدّ ثاني ميناء شحن في إسرائيل، ويشهد حركة كبيرة للسفن التجارية، وتمر من خلاله بعض المساعدات الإنسانية نحو قطاع غزة بإشراف قوات الاحتلال.
محطة أشكول: وهي واحدة من المحطات المهمة التي تعتمد عليها إسرائيل في الطاقة والكهرباء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القرن السابع قبل المیلاد من المدن فی القرن
إقرأ أيضاً:
أونروا: تطبيق الحظر على الوكالة سيشكل تحديا خطيرا أمام اتفاق غزة
أفادت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بأن تطبيق الحظر على الوكالة خلال الأيام المقبلة سيشكل تحديا خطيرا أمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإيصال المساعدات المنقذة للحياة.
وقال داني دانون، مندوب دولة الاحتلال الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء، أنها ستقطع كلّ علاقاتها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وأيّ هيئة تنوب عنها، وتطالبها "بوقف نشاطها وإخلاء جميع منشآتها في القدس خلال 48 ساعة".
وبحسب وكالة الانباء الفلسطينية" وفا"، جاءت تصريحات دانون، قبل اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن اعتماد حكومة الاحتلال قانونا صادقت عليه "الكنيست" مؤخرا، "ينهي الوجود القانوني للأونروا في إسرائيل" ويدخل حيّز التنفيذ في 30 يناير الجاري.
وقال دانون إن "القانون يمنع الأونروا من العمل ضمن حدود الإقليم السيادي لدولة إسرائيل، كما يحظر أيّ تواصل بين مسؤولين إسرائيليين والأونروا"، مضيفا أن "إسرائيل ستنهي كلّ اتصالات التعاون والتواصل مع الأونروا أو أيّ جهة تنوب عنها".
وتؤدي الأونروا دورا حيويا في توفير الرعاية الصحية والتعليم للاجئين الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، كما أنها أمّنت 60% من المواد الغذائية التي أدخلت إلى غزة منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر 2023.
وفي إحاطته أمام مجلس الأمن، قال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني إن التطبيق الكامل لتشريع "الكنيست" الإسرائيلية بشأن الوكالة سيكون "كارثيا"، محذّرا من أن تقليص عمليات الأونروا خارج عملية سياسية، وفي وقت أصبحت فيه الثقة في المجتمع الدولي منخفضة للغاية، من شأنه أن يقوّض وقف إطلاق النار في غزة.
وأكد لازاريني أن "الوكالة ضرورية لدعم السكان المحطمين ووقف إطلاق النار. ومع ذلك، في غضون يومين، ستتعطل عملياتنا في الأرض الفلسطينية المحتلة، مع دخول التشريع الذي أقرته الكنيست الإسرائيلية حيز التنفيذ".
ونبه إلى أن مصير ملايين الفلسطينيين ووقف إطلاق النار وآفاق الحل السياسي الذي يجلب السلام والأمن الدائمين على المحك.
وأوضح أن "تقويض عمليات الأونروا في غزة من شأنه أن يعرض الاستجابة الإنسانية الدولية للخطر. كما من شأنه أن يؤدي إلى تدهور قدرة الأمم المتحدة في الوقت الذي يتعين فيه زيادة المساعدات الإنسانية بشكل كبير. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الظروف المعيشية الكارثية بالفعل لملايين الفلسطينيين".
وقال المفوض العام للأونروا إن إنهاء عمليات الوكالة في الضفة الغربية المحتلة، "من شأنه أن يحرم اللاجئين الفلسطينيين من التعليم والرعاية الصحية".
وأضاف أنه في القدس الشرقية المحتلة، أمرت الحكومة الإسرائيلية الأونروا بإخلاء مبانيها ووقف عملياتها بحلول يوم الخميس، "وهذا من شأنه أن يؤثر على ما يقرب من 70 ألف مريض وأكثر من ألف طالب".
وأشار إلى أن التشريع الذي أقرته الكنيست يتحدى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ويتجاهل أحكام مـحكمة العدل الدولية، ويتجاهل أن الأونروا هي الآلية التي أنشأتها الجمعية العامة لتقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين، في انتظار إجابة سياسية على قضية فلسطين.
وقال لازاريني: "إن تنفيذ هذا التشريع يسخر من القانون الدولي ويفرض قيودا هائلة على عمليات الأونروا". وأكد أنهم عازمون على البقاء وتقديم الخدمات حتى يصبح من المستحيل القيام بذلك، وهذا دون تعريض الزملاء الفلسطينيين للخطر، والذين يواجهون بيئة عمل معادية بشكل استثنائي تعززها جزئيا حملة تضليل شرسة.