لبنان ٢٤:
2024-12-27@08:06:14 GMT

إعلام الحرب والسلام.. والحق بالقدس

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

إعلام الحرب والسلام.. والحق بالقدس

كتب وزير الشباب والرياضة جورج كلاس مقالاً تحت عنوان: "إعلام الحرب والسلام، والحق بالقدس"، وجاء فيه:    لأن القدس قِبلة المؤمنين و مرتكز اهتمامات الاديان السماوية ، فإن أيَّ فعل جهادي و تحريري لأرض فلسطينية  يعتبر ًخطوة أولى نحو القدس  ذاتها. وتتشكل تحدياتُ إرساءِ  قَواعِدِ  إعلام النصرِ و بناء السلام  في زمن النزاعات  ، بالإستناد الى  حالة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، إحدى  اساسيات إستراتيجيات الإعلام السياسي الحديث ، حول كيفية الإنتقالِ  المرحلي من  إعلامِ الحرب الى إعلامِ الهِدْنَةِ فإعلام النصرِ  و السلام ، بهدفِ الوصول الى حالةٍ سلامية يكون الإعلام أبرزَ أُسُسِها ، من حيثُ هي ضرورة مُجتمعيَّةٌ إنتقالية بين حالتي الاحتلال و المقاومة ، و نموذج إنساني عام يُبنى عليه  لإستشرافِ المراحل المستقبلية بعيداً عن الفُجائِيَّات و محاولات الإستهداف غير المُتَوقَّعة في حروب قتالية  ذات حركية غير  كلاسيكية.

  إنَّ أبرز التحديات التي يواجهها إعلام السلام في مرحلة ما بعد النصر وتحرير الأرض و إستعادة الحَق ، هي ان يبقى على جهوزية قصوى تحرص على تحصين الحالة السلامية ، ببُعْدِها التصالحي المتوازي ، مسؤوليةً وإسهاماً ميدانياً . فضلاً عن الجهوزية الإستعدادية الدائمة ، للتَصَّدي لأي مُحاولةٍ إستفزازيَّة قد تَطرأ  ، إختراقاً لوضعيةِ التوافق على شروط السلام بكل مندرجاتها و تمتين  أصول التوافق بين المتفاوضين  للإنتقال من  السلام المرحلي الى حالة السلام الدائم تأسيساً على نتيجة النصر المُحَقَّق . و يتلازم ذلك مع  الحرص على وضع إستراتيجية صلبة لبناءاتِ إعلام السلام ، مَنْعاً لأيِّ إهتزازاتٍ مُفَاجِئَة ، و تصدياً لمحاولات  إفتعالِ  أحداثٍ على هامش الهدنة السلامية ، لزعزعة الأمن الاعلامي والنيل من نتائج النصر، اضافة الى  التحوُّلُ التدريجي من إعلامِ النِزاعَات  و ما يَسْتَتبعهُ من تبدُّلٍ  مرحلِيٍّ في الاهداف الميدانية لإعلامِ الأزَمات ، إرتقاءً للوصولِ الى حَالات عقلانيةٍ للتعاطي الواعي مع فنيَّةِ الصورة و حِرفيَّةِ الكلمة و رصانة الرأي تحصيناً للسلم العام إنطلاقاً من إعلام السلامِ . و لا يخرج ذلك عن  إتباع خطة اعلامية منهجية للتركيز على الشحن الشعبي و المعنوي و التعريف الدائم  بالحق ، بعيدا عن التضخيم و التضليل ، بالتوازي مع وضع استراتيجية للتصدي لإعلام العدو ، وفق رؤية إستباقية متحركة تتزامن مع مخاطر و تطورات كل مرحلة من مراحل النزاع.   حَفَّزتني حالة التضافر الثقافي والشعور بالإعتزاز  القومي العربي في  إحتفالية صمود غزَّة و  مجابهتها للإحتلال ، لأن  أُعطيَ  تَقويماً خاصّاً للحالة الاعلامية  التي واكبَتْ مراحل ( عملية الطوفان)  و  رافقَتْ ماجريَّاتِ المعركة و نتائجها  و قدَّمَتها للناس  بِحِرَفيَّةٍ إعلامية  راقية و مسؤولة ،  وذلك بالإرتكازِ الى منظورٍ ثلاثيِّ الأبعاد كَوَّنتُه من خلال خبرتي في مجال النقد الاعلامي و تفكيك النصِّ الخبري و تحليل الصورة الفيلمية و مضامينها: أ-البُعدُ القومي ، و تأثيراتِ  عملية المباغتة و تحقيق النصر على المعنويات،
ب- البُعدُ الايماني و القومي و الوطني  ، و ما تعنيه فلسطينُ والقدسُ تحديداً ، للأديان السماوية، ج-البُعدُ الإعلامي ، وكيفية الانتقال من  عملية المقاومة بالإعلام الى إرساء قواعد إعلام النصر ، تمهيداً لتأسيس قواعد إعلام السلام ، الذي يمهد لقواعد جديدة من النضال والحفاظ على الحق وتحصين النصر بثوابتَ إعلامية ذات إستراتيجياتٍ صلبة و واضحة ، تتطلبها مرحلة مابعدَ الصمود و تَقعيدِ أسس النصر المَرحَلِيِّ وتركيز دعائم الإنتصار النهائي.   لقد تفاعلتُ شخصيّاً مع هذه المقاربة الاعلامية  إنطلاقاً من ركيزة مَفهومِيَّةٍ  قاعدتُها ،  أن فلسطين هي أرض الأديان الربَّانيَّة و عاصمة الإيمانيات السماوية ، وليسَ لأحدٍ أنْ يَدَّعي مُلكِيَّتَها و توارثَها و تَوْريثَها أو إحتكارِ بركاتها و محاولة وَضعَ اليَدِ لا عليها و لا على مُستَقبلها. اللَّافتُ في مشهدياتِ الحرب الأخيرة بين غزَّة و اسرائيل أن ميدانياتِ القتال و مجالاتِ التقاصفِ التبادلي، من خلال ما ظهَّرَتْهُ وسائل الاعلام ، أرست قواعد جديدة في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية . بمعنى أن التدامُرَ المُتزامِنَ بين لامُتَكافِئَيْنِ أثبتَ صحة إستراتيجية الإستبسال الإيماني والعناد الوطني بالدفاع عن الأرض و العِرْض ، من منطوق أن مَنْ يخسرُ أرضه يخسر إيمانَه ويكون غيرَ مُستحِقٍّ لا لهُوِيَّتِهِ ولا لتُراثه و لا أن يكون إبنَ إيمانه و غيرَ مُؤَهَّلٍ لأن يكون من أبناء الغدِ و لا من أهل الحرِّيَّة. إن نجاح الاعلام بخَوضِ معركةِ الدفاعِ عن غزَّة ، في ما قدمه من مواكباتٍ لحظويةً للوقائع  و ترويجاً  إندفاعِيَّاً للنصر ، أكَّدَ و بالقُدراتِ  القليلة التي يمتلكها هذا الإعلام  على  قناعَةٍ مُفادُها  إِنَّما النصرُ لِلحَقِّ أبداً ، بعيداً  عن الإدعائيَّةِ و الإعتدادِ بهذا الحَقِّ. و عنصرا الدفاع عن الحقِّ كما  الإنتصارُ بالحَقِّ ، ظهَرا جَلِيَّاً من خلال تركيز إعلام المرحلة على مستويين من الحَقِّ ، في المجال القتالي الميداني و على مدى الفضاء الإعلامي المفتوحِ على تحديَّاتٍ كَثرَتْ فيها التَشَّعباتُ و المُزايداتُ والتدخُلات:   أ- المستوى الأول من الحق  ، هو  الحق الفلسطيني   كقضية محوريَّةٍ سياسيَّةٍ و قَوْمِيَّة ، غير خاضعة للإبتزاز ولا للتنازل ولا للإذعان، ب- المستوى الثاني ، هو  الحَقُ القُدْسِي ، كقضية روحية ايمانية وانسانية تعني كلَّ الكِتابيين وأبناءَ الديانات الإبراهيمية. وهذان الحَقَّان هما انتصاران مُتكاملانِ ، لا يقتلهما زَمَنٌ ولا تغتالهما  مؤتمرات  تقسيمية ولا تقوى عليهما مؤامرات مجزرية و لا نيات  أوْ قرارات ابادية. هذا النصر الجهادي الذي نجح الإعلام بتظهيره بإحترافيةٍ وإلتزامٍ بالقضية ،  هو فعل لٌ  تمجيدي  لإنتصار  إرادة الدَّم على صواريخ التدمير و سلاح الشرِّ ، كَعَتبةٍ لإستكمالِ التحرير و حمايةِ عِرضنا الروحي  و إستعادة المقدَّسات المسيحية والإسلامية. وهذهِ ركيزة أساس  في رسمِ إستراتيجية  تحرُّكٍ روحي إيماني  و إنساني عام يساعد على تظهير النصر الميداني و حُسنِ إستثمارهِ في وسائل الاعلام  ، بما يتوافق وظروف الانتصار و نتائجه و إستشراف ما بعدَ الإنتصار و ضرورة متابعة ما بعدَ الصمود والنصر في المحافلِ والأندية الدولية ، دفاعاً و شرحاً وإستثماراً  للإعلام في السلام. إنَّ   مَقتَلَةَ فلسطين ، هي عندما  يصورها  بعضُ الإعلام  على انها قضية بعضِ العرب أو بعضِ المسلمين ، مع تجاهلٍ قَصدِيٍّ و تجهيلٍ عَمْدِيٍّ لعلاقةِ المسيحية بفلسطين و معنى فلسطين و دلالاتها الروحية لهم ، من حيثُ أنَّها  الأرضُ المقدسة  ، وِلادَةً و مَهْداً و بُشرىً و صَلْباً و آياتٍ و قيامةً و صعوداً و عنصرةً دائمة ، مع تسليمٍ نَوْمِيٍّ أوْ تَغفيلٍ  جَهْلِيٍّ ، من  بعْضِ المسيحيين ، دُوَلاً و مرجعياتٍ و جماعات ، باتوا يعتبرونَ أن أرضَ المسيحية أضحَتْ مَحَجاً سياحياً ، يكتفون بزيارتها  من دون ان تكون  مُرتَكَزَاً إيمانياً أساسيًا لهم.   والخوفُ كلُ الخوف، أَنْ يأتيَ يومٌ تَفْرغُ فيه أرضُ  المسيح من المسيحيين ، إِذَّاكَ لَنْ ندري ماذا سَيَحُلُّ بالمُقَدَّسات و لا كيف يكون إرتباطُ كنائس العالم بأرضهم الإيمانية المسلوبة !؟ و لا بماذا  سيشعر المسيحيون  عندما تصبحُ كنائسُ القدسِ أشبَهَ    بِقنصلياتٍ تمثيليةٍ  لمذاهب مسيحية مُغَرَّبة و مُغْتَرِبَة و مهاجرة أوْ مُهجَّرَة  من أرضها ؟ وهذا ما لَنْ نرتضيهِ ولن نسمحَ به ، قناعةً أننا أبناء الأرض و أهلها. ان مِحوَر إنشغالِ  الوجدان المسيحي المشرقي  و عُمْقِيَّاتِ  تفكير الهَمِّ  الانساني العام و مركزية  تطلُّعاتنا اليوم هو : كيف نُنتجُ  موقفاً إعلامياً مركَّزاً ، يعرفُ كيف يخاطبُ الغربَ المسيحي ، دولاً و شعوباً وجماعات ، من خلال تعريفهم بالمسألة الفلسطينية ، كَحَقٍ قومي و وطني وروحي ، و العمل الستمرِّ  لتحريضهم و دفعهم للتشارك والتفاعل مع القدس والانتصار للحق والدفاع عن الحقوق الانسانية والوطنية لأهل البلاد و أصحاب الإيمان و أهل  الارض وأبنائها.   إن السُبُلَ مُتاحَةٌ أكثرَ اليوم  لتقعيدِ أُسُسِ إعلامٍ النصر  و ترسيخ بناءاتِ إعلام السلام  ، الذي ينطلق من مُقترَحٍ  طوباويٍّ ، هو أن تكون القُدسُ مدينة الله و عاصمة الأديان الربِّيَّة. و لَيسَ هَمُّنا أن نسأل فقط   كيف عليْنا أن نستعيدَ القدس ؟   بل أن نعمل و نسأل كيف نُعيدُ الله الى القدس؟  وهذا محورُِ إنشغالاتِ  إعلام السلامِ الذي يتطلَّعُ الى قابلِ الأيامِ و إنتظاراتها ، من منظورٍ يحملُ رَجاءاتٍ كثيرةً ، و يتذكَّرُ دَوْماً عتيق الأيام بإنكساراتها و خيباتها  و نضالاتها و إنتِظاراتها  ونجاحاتها وإنتصاراتها ، بما يُحَفِّزُ على بِناءِ رؤية مستقبلية  نتَطلَّعُ  معاً الى تحقيق بنودها ، و أن نحلمَ بِرؤيا  إفتراضية نستشرف معها المُستَقبَلَ  ، مُتحَضِّرينَ بجهوزية تامة لِكلِّ مُفاجاءاته بالأَسوَدِ و الأبيض و بكلفة الدم.    

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: إعلام السلام من خلال

إقرأ أيضاً:

السلام على الأرض ومحبة تتجاوز الحدود .. الكنائس تحتفل بذكرى ميلاد السيد المسيح.. صلوات وقداسات في فلسطين وسوريا لوقف نزيف الحرب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في ظل ما تمر به منطقة الشرق الأوسط من نزاعات وحروب مدمرة، تأتي ذكرى ميلاد السيد المسيح هذا العام كرمزٍ للأمل والسلام وسط الظلام الذي يكتنف العديد من البلدان.. فبينما تعيش المنطقة تحديات جسيمة من حرب وصراع، تظل رسالة الميلاد التي حملها المسيح، منذ أكثر من ألفي عام، دعوة للتسامح والمحبة والإيمان بقوة النور في أحلك الظروف.

تحتفل الكنائس في مختلف دول الشرق الأوسط، من فلسطين إلى سوريا، لبنان، العراق، واليمن وغيرها من المناطق التي تمزقها النزاعات، بميلاد المسيح في الوقت الذي يعاني فيه العديد من أبناء هذه البلدان من الألم والدمار. ورغم كل ما يحيط بالمنطقة من مآس، تظل رسالة الميلاد ماثلة في قلوب المؤمنين: "السلام على الأرض" و"المحبة التي تتجاوز الحدود".

تأخذ هذه الذكرى طابعًا خاصًا في هذا السياق، حيث تجد الكنائس نفسها في دورٍ عميقٍ من التأثير الروحي، من خلال دعوتها للسلام، وترسيخ الأمل في النفوس، وتأكيد أن الميلاد ليس فقط حدثًا تاريخيًا، بل هو تذكير دائم بأن المحبة والرحمة هما السلاح الأقوى في مواجهة التحديات.

قال البطريرك يوحنا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسيّة، "الشعوب اكتتبوا بأمر قيصر وأما نحن المؤمنين فقد كُتبنا باسم لاهوتك"، بهذه الكلمات وبلسان ناظمة التسابيح كاسياني تدعونا الكنيسة المقدسة إلى تأمل ميلاد المسيح. تدعونا للتأمل في تلك الأيام التي جرى فيها اكتتاب أو إحصاء المسكونة. تضع ذلك أمام أعيننا وتدعونا أن نكتتب قلباً وقالباً لاسم المسيح. تدعونا أن نكون له وحده، شهوداً لمحبته، شهوداً لعظم تنازله، شهوداً لإنجيله، و التي ما أنفت أن تتنازل لتخاطب جبلةً أحبت وبشريةً تهاوت في كبريائها فهوت من مجدها فوافاها مخلصاً يعيدها إلى المجد الأول.

وتابع البطريرك يوحنا العاشر: في بيت لحم الهاجعة على أنغام الرعاة جاءنا الساهر على الدنى من علياء مجده. جاءنا من أمٍّ عذراء التحفت الخفر والوداعة. جاءنا وديعاً يناجي الإنسانية الهاجعة في مغاور قلوبها والمتطلعة إلى نور قيامة وفيض رجاء.

واستطرد “العاشر”، من مغارةٍ في باطن الأرض أطل على البشرية الملتحفة بضعفها دثاراً وبكبريائها برقعاً. جاءها طفلاً يناجي أطفالها. جاءها متوسداً في حشا العذراء حشا كل ذهن بشري. أراد أن يلاقيها ببشارة الخلاص وهي التائهة في براري العتو والصلف. جاءها متواضعاً وهي التي شمخت بزيف كبريائها. دخلها مقتدراً كاسراً الأسوار وهي التي تدرعت بأسوار تجبرها وزيف قدرتها.

وفي كل عام تتذكر البشرية ميلاد ذاك الطفل وسط قعقعة حروبها ووسط حروبها التي لا تنتهي. وهي تذكره اليوم وهي تغلي بالحروب ونار الصراعات. تذكره اليوم وفي الذكرى مناجاة لرب السلام. تذكره بعيون كل طفل يتوق إلى سلامه. تذكره في الأرض التي ولد فيها ومن الشرق الذي حضن تلاميذه وأطلق إنجيله إلى كل العالم. تذكره وهي تفتقد حضوره في نشيد الملائكة مجداً لله في علاه وسلاماً على الأرض ومسرةً لبني الأنام. تذكره اليوم وفي الذكرى تلتمع تلك الحروب الآثمة التي تحصد الأرواح وتخطف بهجة الناس. تذكره وهي تتخبط في أوحال السياسة وفي وهاد المصالح التي تدوس كرامة الإنسان وتسلّعها في سوق كبار هذا الدهر.

ورغم كل هذا يبقى لنا الرجاء النابع من عيون ذاك الطفل الإلهي، من عيون طفل المغارة الذي نسأله اليوم الرأفة بعالمه كما ونسأله أيضاً من أجل هذه البشرية التي تترنح من مرارة حروبها وتتوق إلى رحيق سلامه. نسأله أن يطفئ نار الحروب بعذوبة سلامه وأن يضع في النفوس شيئاً من رويّته.

كن معنا يا يسوع ولامس قلبنا بعذوبة قلبك. كن معنا، كما أنت دوماً، وأنعم على بلادنا بروح سلامك. تعهد هذا الشرق الذي ولدت فيه واحفظه بفيض رأفتك. كن، كما أنت دوماً، مع إنسانك المعذب الذي يقاسي ويلات الحرب قتلاً وترهيباً وجوعاً ودماراً وتهجيراً وخطفاً. سكن يا رب هياج هذا العالم وأخمده بجبروت صمتك. أرح نفوس من سبقونا إلى لقيا وجهك القدوس.

البطريرك يوحنا العاشر

أما المطران الدكتور سني إبراهيم عازر؛ مطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة قال: المولود هنا في بيت لحم، فلسطين، ليجلب النور لجميع البشر لاسيما في عالم تسوده النزاعات والاضطرابات.

ويأتي علينا عيد الميلاد المجيد مرة أخرى ونحن في حالة حداد وحزن على أهلنا في قطاع غزة الذين يواجهون الحرب والقتل والدمار حيث قُتل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، وسجن آلاف آخرين ظلمًا، إضافة إلى الأعداد التي لا حصر لها من الجرحى والمفقودين تحت الأنقاض أو في أماكن مجهولة، وملايين المشردين والنازحين الذين يتعرضون للمجاعة والأوبئة والامراض، ويعانون برد شتاء قارس آخر بينما لا تلقى النداءات لوقف إطلاق النار أي استجابة، ولا نعلم كم من الأرواح ستُزهق قبل أن تنتهي هذا الحرب.

والحال في الضفة الغربية والقدس الشرقية ليس بالأفضل.. فنحن نعاني من فرض قيود مشددة على حرية الحركة، والعديد من عائلاتنا وأصدقائنا وجيراننا يعانون من الوضع الاقتصادي المتردي نتيجة تدهور القطاع السياحي حيث لا تزال العديد من الفنادق والمطاعم مغلقة ويبقى شعبنا محروم من فرص العمل والتعليم، ومحروم من حقهم في الوصول لأماكنهم المقدسة في القدس. ومع زيادة وتيرة وحدة المداهمات وهجمات المستوطنين، لا أحد منا يعلم ما ستؤول له الأمور.

وهنا في بيت لحم، سنحتفل مرة أخرى بميلاد مخلّصنا بدون الاحتفالات التقليدية، بدون إضاءة الأشجار، وبدون بهجة الاستعراضات الكشفية، وبدون الحجاج الذين يأتون بحثًا عن طفل المذود. ورغم أننا نحتفل بمجيء النور إلى عالمنا المتجسد بميلاد المسيح، إلا أننا نمر بأيام عصيبة ومظلمة. ولكننا نستمد الأمل في كلمات بولس الرسول في الرسالة إلى العبرانيين، الإصحاح 13 والآية 8:

"يسوع المسيح هو أمسًا واليوم وإلى الأبد."

وهنا تكمن رسالة كنيستنا منذ أكثر من 170 عامًا. وكجزء متأصل من مكونات المجتمع الفلسطيني، واجهت الكنيسة على مر العقود تحديات جمة مثلها مثل باقي اطياف الشعب الفلسطيني الذي عانى من الحروب والنزوح واللجوء وغياب الحريات الأساسية. من خلال كل هذا، نتمسك برسالة أن يسوع يبقى كما هو في كل الأوقات والمصاعب. لا يمكن لمصائب هذا العالم أن تغير محبة المسيح لنا، والأمل الذي يجلبه إلى العالم. هذا هو ما يجعلنا ثابتين وراسخين في أرضنا وفي إيماننا. ومن خلال خدمتنا الكنسية وبرامجنا المجتمعية، نسعى إلى نشر هذه الرسالة في مجتمعنا. شكل ميلاد يسوع المسيح ثورة. فقد غيّر العالم جاء يسوع إلى العالم في وقت كان شعبه في أمس الحاجة إليه. وهو يأتي إلينا في وقت حاجتنا وعوزنا أيضًا. على مدار خدمته، سواء عندما كان يدعو التلاميذ، أو يصنع المعجزات، أو يعلّم الجموع، لم ينتظر يسوع الناس ليأتوا إليه. بل ذهب إليهم.

مهمتنا ورسالتنا في هذه الأرض هي الاستمرار في هذا العمل الثوري، والذهاب إلى الناس حيثما تواجدوا. كل يوم نحاول أن نعيش ونختبر هذه الرسالة، على الرغم من العقبات الجمة التي تواجهنا. فمن خلال مدارسنا ورسالتنا التربوية، نجلب أمل التعليم لأطفالنا ونخلق جيلا متنورا ومثقفا، ومن خلال كنائسنا، نشارك وعد الإنجيل مع بعضنا البعض ومحبة الله لنا، ومن خلال مركز التعليم البيئي، نعزز صلتنا بأرضنا وبخليقة الله ونسعى لحماية البيئة التي أوكلها الله لنا، من خلال مركز الخدمة الاجتماعية، نقدم الطعام والمأوى والرعاية الطبية والدعم النفسي لمجتمعاتنا. ومن خلال مكتب العدالة بين الجنسين، نعمل معًا من أجل مستقبل أكثر عدالة ومساواة للجميع. لا نسعى من خلال خدمتنا الكنسية أن نكون يدَي المسيح وقدميه في عالمنا فحسب، بل نرى صورة المسيح في أولئك الذين نخدمهم ونتبارك بخدمتهم.

وطالما نحن باقون على هذه الأرض، يبقى يسوع معنا أيضًا. وُلد قبل 2000 عام في بيت لحم، ويولد من جديد في حياتنا اليوم وسيبقى معنا إلى الأبد. ورغم أننا نعرف جيدًا اليوم حقيقة قصة الميلاد: قصة نزوح وخوف والعيش تحت سطوة الإمبراطورية، فإننا نعلم أيضًا أنه اختار أن يأتي إلى العالم من خلال هذه  القصة وبما أنه اختار أن يُولد في مغارة متواضعة لشعب يرضخ تحت سلطة الإمبراطورية فإننا على يقين بأنه لن يتركنا. هو الذي أرسل الأخبار السارة للرعاة يرسل الأخبار السارة لنا اليوم ويظهر لنا أنه حتى في أحلك الليالي، هناك نجمة تضيء طريقنا إلى المذود.

متّكلين على هذه الرسالة والأمل الذي تجلبه، نرفع قلوبنا إلى يسوع المسيح الذي هو أمسًا واليوم وإلى الأبد. نصلي أن يغير ميلاده العالم مرة أخرى ويجلب عدله المقدس وسلامه الدائم لشعبنا الفلسطيني ولشعوب الأرض كافة.

المطران الدكتور سني إبراهيم عازر 

وقال الأنبا إبراهيم إسحق؛ يتميّز عيد الميلاد بمظاهر وعلامات خارجيّة عديدة، مثل المغارة وشجرة الميلاد وغيرها. هي لطيفة طالما أنّها لا تشتّت انتباهنا، بل تساعدنا على أن نعيش المعنى الحقيقيّ والمقدّس لعيد ميلاد يسوع، بحيث لا يكون فرحنا سطحيّا بل عميقًا. 

عيد الميلاد

يأتي عيد ميلاد رب المجد يسوع المسيح، ليجـدّد الـيقين بـأنّ الله حـقّا حـاضـر لنا، يأتي كي يلتقي بنا: «ولد لكم اليوم مخلّص». لـم يـكتف ِ الخالق بـأن يُظهـر لنا آيـات رائـعة أو أن يكلّمنا ليـرشـدنا، بل شـاركـنا حدود إنـسانـيّتنا ووهـبنا آفاق محبته الإلـهيّة.

« أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له » كما نردّد في مدائح شهر كيهك. هذا هو سرّ التجسد الذي میّز وما زال يميّز تاريخ الإنسان «لأَنه هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.. .(يو ٣: ١٦-١٧)

اختار عمانوئيل (الله معنا) أن يحضر في تاريخنا البشريّ بحدوده ومآسيه، في عالم يعاني من شر الانقسامات والحروب، ليعلن، بطريقة لا مثيل لها، عن قلب رحيم ومحبٍ للبشر.

 

الميلاد هو لقاء

الميلاد قبل كلّ شيء هو لقاء. اللقاء بشخص عمانوئيل، الله معنا، مع كلّ واحد منّا. هو النور الحقيقيّ الذي يهزم الظلمة التي تحاول غمر حياتنا وحياة الإنسانيّة كلّها. «النور أضاء في الظلمة والظلمة لم تدركه» (يو ١، ٥).

من هنا تأتي هدية الميلاد متى قبلنا مولود بيت لحم بقلبنا وحياتنا وسمحنا له أن يدخل ويبارك حياتنا.  فبالميلاد الثاني الفوقاني تعود الحياة ويتعافى الـقلب ويتجـدّد الـرجـاء. ويصير عيد المـيلاد فرصة للاحـتفال بـالـثقة التي تغلب اليأس، والرجاء الذي يهب المعنى، فالله معنا ومازال يثق بنا.

وفي الميلاد، نلتقي حنان ومحبّة الله الذي ينحني فوق محدوديّتنا وضعفنا وخطايانا.

 

الميلاد دعوة ورجاء

وقف الله مرّةً وإلى الأبد إلى جانب الإنسان ليخلّصه وينفض عنه غبار بؤسه  ويمحو خطاياه.

ليلة الميلاد يولد رجاء للإنسانيّة بشكل عام وللكنسية بشكل خاصّ. فميلاد الرب يسوع هو مبادرة تجدّد فينا قدرة  التغلّب عــلى القلق الــذي راح يــسيطر عــلى نفوس الكثيرين.  

فإننا نشعر أن جزءاً منّا، وهو الأكرم، مهدور. وبالرغم من تعدّد وتقدّم تقنيات التواصل، صار كثيرون يميلون الي الـبقاء فـي عـزلـة أضعفت قدرتهم عـلى الـتواصـل! فظهرت معاناة فقدان التوازن واختلال الهوية.

في ليلة الميلاد تبيت البشرية، العطشى الي الله، خارج مغارة بيت لحم - مثل الـرعـاة البسطاء- الذين سيقودهـم الـروح الـقدس إلـى مـغارة بـيت لحم، ليلتقوا بمريم ويوسف والطفل تمامًا كما قيل لهم.وبـــعد أن رأى الـــرعـــاة "الله الظاهر في الجسد" أخـــبروا عـــنه بـــما قـــيل لـــهم

فـــصاروا شـــهودًا ومـــعلنين للبشـــرى الـسارّة.

"أَنتُمُ الَّذينَ اختارَهمُ اللهُ فقَدَّسَهم وأَحبَّهم، اِلبَسوا عَواطِفَ الحَنانِ واللُّطْفِ والتَّواضُع والوَداعةِ والصَّبْر". (كول 3: 12)

لنبتهج فـي الـرب يـا أحـبائـي، ولـنفتح قـلوبـنا عـلى احـتياجـات مـن يـنقصهم الـفرح. "فقد أَرادَ الله أَن يُظهِرَ لِلأَجْيالِ الآِتيَة نِعمَتَه الفائِقةَ السَّعة بِلُطفِه لَنا في المسيحِ يسوع" ( اف 2: 7).

لـتساعـدنـا نـعمة مـيلاد رب المجد على الانفتاح والخروج مـن ذواتـنا، لـنكون شـهودًا عـلى مـثال الـرعـاة، الذين لــم يحتفظوا لأنفسهم بفرحه اللقاء بالمخلّص، بل شاركوا آخرين بما اختبروا.

لـيــكن احــتفالــنا وتــبادلــنا الــتهانــي فــي هــذا الــيوم تــعبيرًا عــن فرحة إيماننا أنّ الله مــعنا ويريد أن يرافقنا طريق حياتنا.

 

محبة واتحاد 

نرفع صلاتنا متّحدين مع قداسة البابا فرنسيس وأصحاب الغبطة بطاركة الشرق.

نــصلّي مــعا مــن أجــل الــبلاد التي تــعانــي ويــلات الحــرب والــدمــار والأزمــات خاصةً: ســوريــا، والسودان وأوكرانيا وفلسطين.

نـــصلّي مـــن أجـــل وطـــننا الـــغالـــي مـــصر، ومـــن أجـــل ســـيادة رئـــيس الجـــمهوريّـــة عـــبد الـــفتاح الـسيسي وكـل ّ معاونيه، سائلين الرب ان يلـهمهم الـحكمة والتدبير الحسن لمواجهة التحديات المحلية والأزمات الدوليّة.

يا ربنا محب البشر، هبنا أن نتعلم ألا نغلق قلوبنا، لنرى في كل شخص صورة لك

وأن نبني جسور المحبة والتفاهم بين جميع الناس

هبنا أن نرحّب بهدية سلامك  ونشاركةُ القريبين

الأنبا إبراهيم اسحق 

مقالات مشابهة

  • مع اقتراب 2025.. أمنيات السلام ووقف الحرب في السودان تراود المبدعين والرياضيين 
  • إعلام فلسطيني: استشهاد 5 صحفيين في قصف الاحتلال مركبة بث فضائي
  • السلام على الأرض ومحبة تتجاوز الحدود .. الكنائس تحتفل بذكرى ميلاد السيد المسيح.. صلوات وقداسات في فلسطين وسوريا لوقف نزيف الحرب
  • محمد أنور السادات.. 106 أعوام على ميلاد رجل الحرب والسلام
  • كودي يهنئ السودانيين بأعياد الميلاد ويدعو للوحدة والسلام
  • مئات المسيحيين يتظاهرون فى دمشق.. رفض للطائفية ودعوة للوحدة الوطنية
  • العجري: تهديدات المرتزقة جعجعة بلا طحين والسلام خيارنا حتى النهاية
  • مطران القدس: جهود مصر لوقف الحرب لم تتوقف.. ورسالة «الميلاد» هذا العام «انتصار المحبة»
  • الاحتلال يهدم منزلين ومطعما فلسطينيا بالقدس
  • الاحتلال يرتكب 3 مجازر وارتفاع فى ضحايا العدوان الإسرائيلي منذ بداية الحرب