إعلام الحرب والسلام.. والحق بالقدس
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
كتب وزير الشباب والرياضة جورج كلاس مقالاً تحت عنوان: "إعلام الحرب والسلام، والحق بالقدس"، وجاء فيه: لأن القدس قِبلة المؤمنين و مرتكز اهتمامات الاديان السماوية ، فإن أيَّ فعل جهادي و تحريري لأرض فلسطينية يعتبر ًخطوة أولى نحو القدس ذاتها. وتتشكل تحدياتُ إرساءِ قَواعِدِ إعلام النصرِ و بناء السلام في زمن النزاعات ، بالإستناد الى حالة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، إحدى اساسيات إستراتيجيات الإعلام السياسي الحديث ، حول كيفية الإنتقالِ المرحلي من إعلامِ الحرب الى إعلامِ الهِدْنَةِ فإعلام النصرِ و السلام ، بهدفِ الوصول الى حالةٍ سلامية يكون الإعلام أبرزَ أُسُسِها ، من حيثُ هي ضرورة مُجتمعيَّةٌ إنتقالية بين حالتي الاحتلال و المقاومة ، و نموذج إنساني عام يُبنى عليه لإستشرافِ المراحل المستقبلية بعيداً عن الفُجائِيَّات و محاولات الإستهداف غير المُتَوقَّعة في حروب قتالية ذات حركية غير كلاسيكية.
ب- البُعدُ الايماني و القومي و الوطني ، و ما تعنيه فلسطينُ والقدسُ تحديداً ، للأديان السماوية، ج-البُعدُ الإعلامي ، وكيفية الانتقال من عملية المقاومة بالإعلام الى إرساء قواعد إعلام النصر ، تمهيداً لتأسيس قواعد إعلام السلام ، الذي يمهد لقواعد جديدة من النضال والحفاظ على الحق وتحصين النصر بثوابتَ إعلامية ذات إستراتيجياتٍ صلبة و واضحة ، تتطلبها مرحلة مابعدَ الصمود و تَقعيدِ أسس النصر المَرحَلِيِّ وتركيز دعائم الإنتصار النهائي. لقد تفاعلتُ شخصيّاً مع هذه المقاربة الاعلامية إنطلاقاً من ركيزة مَفهومِيَّةٍ قاعدتُها ، أن فلسطين هي أرض الأديان الربَّانيَّة و عاصمة الإيمانيات السماوية ، وليسَ لأحدٍ أنْ يَدَّعي مُلكِيَّتَها و توارثَها و تَوْريثَها أو إحتكارِ بركاتها و محاولة وَضعَ اليَدِ لا عليها و لا على مُستَقبلها. اللَّافتُ في مشهدياتِ الحرب الأخيرة بين غزَّة و اسرائيل أن ميدانياتِ القتال و مجالاتِ التقاصفِ التبادلي، من خلال ما ظهَّرَتْهُ وسائل الاعلام ، أرست قواعد جديدة في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية . بمعنى أن التدامُرَ المُتزامِنَ بين لامُتَكافِئَيْنِ أثبتَ صحة إستراتيجية الإستبسال الإيماني والعناد الوطني بالدفاع عن الأرض و العِرْض ، من منطوق أن مَنْ يخسرُ أرضه يخسر إيمانَه ويكون غيرَ مُستحِقٍّ لا لهُوِيَّتِهِ ولا لتُراثه و لا أن يكون إبنَ إيمانه و غيرَ مُؤَهَّلٍ لأن يكون من أبناء الغدِ و لا من أهل الحرِّيَّة. إن نجاح الاعلام بخَوضِ معركةِ الدفاعِ عن غزَّة ، في ما قدمه من مواكباتٍ لحظويةً للوقائع و ترويجاً إندفاعِيَّاً للنصر ، أكَّدَ و بالقُدراتِ القليلة التي يمتلكها هذا الإعلام على قناعَةٍ مُفادُها إِنَّما النصرُ لِلحَقِّ أبداً ، بعيداً عن الإدعائيَّةِ و الإعتدادِ بهذا الحَقِّ. و عنصرا الدفاع عن الحقِّ كما الإنتصارُ بالحَقِّ ، ظهَرا جَلِيَّاً من خلال تركيز إعلام المرحلة على مستويين من الحَقِّ ، في المجال القتالي الميداني و على مدى الفضاء الإعلامي المفتوحِ على تحديَّاتٍ كَثرَتْ فيها التَشَّعباتُ و المُزايداتُ والتدخُلات: أ- المستوى الأول من الحق ، هو الحق الفلسطيني كقضية محوريَّةٍ سياسيَّةٍ و قَوْمِيَّة ، غير خاضعة للإبتزاز ولا للتنازل ولا للإذعان، ب- المستوى الثاني ، هو الحَقُ القُدْسِي ، كقضية روحية ايمانية وانسانية تعني كلَّ الكِتابيين وأبناءَ الديانات الإبراهيمية. وهذان الحَقَّان هما انتصاران مُتكاملانِ ، لا يقتلهما زَمَنٌ ولا تغتالهما مؤتمرات تقسيمية ولا تقوى عليهما مؤامرات مجزرية و لا نيات أوْ قرارات ابادية. هذا النصر الجهادي الذي نجح الإعلام بتظهيره بإحترافيةٍ وإلتزامٍ بالقضية ، هو فعل لٌ تمجيدي لإنتصار إرادة الدَّم على صواريخ التدمير و سلاح الشرِّ ، كَعَتبةٍ لإستكمالِ التحرير و حمايةِ عِرضنا الروحي و إستعادة المقدَّسات المسيحية والإسلامية. وهذهِ ركيزة أساس في رسمِ إستراتيجية تحرُّكٍ روحي إيماني و إنساني عام يساعد على تظهير النصر الميداني و حُسنِ إستثمارهِ في وسائل الاعلام ، بما يتوافق وظروف الانتصار و نتائجه و إستشراف ما بعدَ الإنتصار و ضرورة متابعة ما بعدَ الصمود والنصر في المحافلِ والأندية الدولية ، دفاعاً و شرحاً وإستثماراً للإعلام في السلام. إنَّ مَقتَلَةَ فلسطين ، هي عندما يصورها بعضُ الإعلام على انها قضية بعضِ العرب أو بعضِ المسلمين ، مع تجاهلٍ قَصدِيٍّ و تجهيلٍ عَمْدِيٍّ لعلاقةِ المسيحية بفلسطين و معنى فلسطين و دلالاتها الروحية لهم ، من حيثُ أنَّها الأرضُ المقدسة ، وِلادَةً و مَهْداً و بُشرىً و صَلْباً و آياتٍ و قيامةً و صعوداً و عنصرةً دائمة ، مع تسليمٍ نَوْمِيٍّ أوْ تَغفيلٍ جَهْلِيٍّ ، من بعْضِ المسيحيين ، دُوَلاً و مرجعياتٍ و جماعات ، باتوا يعتبرونَ أن أرضَ المسيحية أضحَتْ مَحَجاً سياحياً ، يكتفون بزيارتها من دون ان تكون مُرتَكَزَاً إيمانياً أساسيًا لهم. والخوفُ كلُ الخوف، أَنْ يأتيَ يومٌ تَفْرغُ فيه أرضُ المسيح من المسيحيين ، إِذَّاكَ لَنْ ندري ماذا سَيَحُلُّ بالمُقَدَّسات و لا كيف يكون إرتباطُ كنائس العالم بأرضهم الإيمانية المسلوبة !؟ و لا بماذا سيشعر المسيحيون عندما تصبحُ كنائسُ القدسِ أشبَهَ بِقنصلياتٍ تمثيليةٍ لمذاهب مسيحية مُغَرَّبة و مُغْتَرِبَة و مهاجرة أوْ مُهجَّرَة من أرضها ؟ وهذا ما لَنْ نرتضيهِ ولن نسمحَ به ، قناعةً أننا أبناء الأرض و أهلها. ان مِحوَر إنشغالِ الوجدان المسيحي المشرقي و عُمْقِيَّاتِ تفكير الهَمِّ الانساني العام و مركزية تطلُّعاتنا اليوم هو : كيف نُنتجُ موقفاً إعلامياً مركَّزاً ، يعرفُ كيف يخاطبُ الغربَ المسيحي ، دولاً و شعوباً وجماعات ، من خلال تعريفهم بالمسألة الفلسطينية ، كَحَقٍ قومي و وطني وروحي ، و العمل الستمرِّ لتحريضهم و دفعهم للتشارك والتفاعل مع القدس والانتصار للحق والدفاع عن الحقوق الانسانية والوطنية لأهل البلاد و أصحاب الإيمان و أهل الارض وأبنائها. إن السُبُلَ مُتاحَةٌ أكثرَ اليوم لتقعيدِ أُسُسِ إعلامٍ النصر و ترسيخ بناءاتِ إعلام السلام ، الذي ينطلق من مُقترَحٍ طوباويٍّ ، هو أن تكون القُدسُ مدينة الله و عاصمة الأديان الربِّيَّة. و لَيسَ هَمُّنا أن نسأل فقط كيف عليْنا أن نستعيدَ القدس ؟ بل أن نعمل و نسأل كيف نُعيدُ الله الى القدس؟ وهذا محورُِ إنشغالاتِ إعلام السلامِ الذي يتطلَّعُ الى قابلِ الأيامِ و إنتظاراتها ، من منظورٍ يحملُ رَجاءاتٍ كثيرةً ، و يتذكَّرُ دَوْماً عتيق الأيام بإنكساراتها و خيباتها و نضالاتها و إنتِظاراتها ونجاحاتها وإنتصاراتها ، بما يُحَفِّزُ على بِناءِ رؤية مستقبلية نتَطلَّعُ معاً الى تحقيق بنودها ، و أن نحلمَ بِرؤيا إفتراضية نستشرف معها المُستَقبَلَ ، مُتحَضِّرينَ بجهوزية تامة لِكلِّ مُفاجاءاته بالأَسوَدِ و الأبيض و بكلفة الدم.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: إعلام السلام من خلال
إقرأ أيضاً:
كيف كافحت لاجئة سودانية على أمل انتهاء الحرب في بلادها وعودة السلام؟
منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة
إعداد وتحرير: صحيفة التغيير
تقرير: فتح الرحمن حمودة
كمبالا 25 نوفمبر 2024 – في صباح الخامس عشر من أبريل 2023، استيقظ السودانيون على أصوات لم يعهدوها في مدينة أمدرمان، وكانت “مرام” وأسرتها بين جدران منزلهم يشاهدون بداية قصة لم يتوقعوا أن تسيطر على حياتهم، وتغرقهم في فصول من الخوف والترقب.
ومع دوي الأسلحة الثقيلة وأصوات الطائرات الحربية دخلت الفتاة وأسرتها في حالة من الذعر مثل آلاف العائلات في المنطقة التي وجدت نفسها فجأة وسط حرب غير متوقعة.
ومنذ اندلاع الحرب شهدت العاصمة الخرطوم بمناطقها الثلاث معارك عسكرية دامية أودت بحياة مئات المدنيين، وخلفت العديد من الجرحى إلى جانب آلاف الأسر التي اضطرت للنزوح هربا من الأوضاع المأساوية كما أسفرت هذه العمليات عن تدمير واسع في البنية التحتية.
قصة “مرام” التي ولدت وترعرعت في أمدرمان، وتخرجت في كلية الآداب بجامعة النيلين مثل قصص آلاف الأسر الناجين من الموت.
تحدثت إلى “التغيير” عن تجربتها قائلة إن حياتها بدأت تتغير مع اشتداد المواجهات العسكرية وتفاقم الأوضاع الإنسانية ومع توسع النزاع في أنحاء السودان، إذ وجدت نفسها تواجه واقعا جديدا لم يخطر ببالها.
وتقول إنها في الساعات الأولى من الحرب كانت نائمة، واستيقظت فزعة على أصوات الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية، وكانت تلك الأصوات بداية لكابوس طويل لم تكن تتوقع استمراره.
ومع تصاعد القتال قضت أسابيع في المنزل مع والدتها وأخواتها. وبعد مرور شهر على الحرب اتخذت قرارا صعبا بالرحيل بعدما أصبح البحث عن مكان آمن ضرورة لحماية أسرتها.
غادرت مرام مدينتها إلى ولاية النيل الأبيض، وروت لـ”التغيير” كيف عاشت أياما كانت تتأرجح فيها بين ألم الغربة والحزن على وطنها، ثم بعد معاناة طويلة بدأت تفكر في خطوة جلبت لها الأمان، إذ قررت الهجرة إلى بلد آخر رغم الصعوبات الكبيرة.
وتقول بعد مشاورات عائلية حصلت على دعم من منظمة إنسانية تساعد المدافعين عن حقوق الإنسان، وبدأت رحلتها عبر طرق وعرة وصول إلى منطقة “جودا” الحدودية، ومنها إلى “الرنك” ثم إلى منطقة “السلك” حيث قضت أياما طويلة وسط الخوف مشدودة بين الخوف من المجهول والأمل في الوصول بسلام.
وتواصل “مرام” روايتها مشيرة إلى لحظة مغادرتها إلى “المبان” حيث اضطرت للبقاء هناك فترة بسبب مشاكل الطيران، حتى تمكنت من الوصول إلى “جوبا” في جنوب السودان بمساعدة إحدى صديقاتها، ولكن جوبا لم تكن كما توقعت، فقد كانت الحياة باهظة التكاليف؛ مما دفعها لاتخاذ قرار بالسفر إلى أوغندا.
محطات شاقةوتحت وطأة الحرب المستعرة اختار العديد من الفارين من ويلات النزاع دولتي جنوب السودان وأوغندا كوجهتين رئيسيتين للنجاة، إلا أن الرحلة إلى هاتين الوجهتين لم تكن سهلة، فقد مر الفارون بمحطات شاقة مليئة بالتحديات والصعوبات حتى وصولهم إلى بر الأمان حيث واجهوا عقبات جسيمة على طول الطريق قبل بلوغهم الملاذ الأخير.
ووصفت “مرام” رحلة دخول أوغندا بالمغامرة حيث عبرت الحدود دون أي أوراق رسمية تاركة كل ما تملك خلفها في أمدرمان، إلا أنها اصطدمت بواقع صعب وجدت فيه تحديات جديدة، لكنها أصرت على مواجهة هذه الصعوبات على أمل توفير حياة أفضل لعائلتها.
في منطقة ديالى قالت إنها بدأت في تنفيذ فكرة مشروع صغير يجمعها بأبناء بلدها. فتحت مقهى متواضعا ومع مرور الوقت أصبح مكانا للقاء السودانيين اللاجئين، حيث يتبادلون الأحاديث، ويعبرون عن أحزانهم وآمالهم كما أصبح هذا المكان مساحة للفرح البسيط وملاذا نفسيا وملتقى للذكريات.
وتمضي في حديثها بأنه لم يكن نجاح المشروع سهلا بالنسبة لها، فقد واجهت تحديات عديدة أهمها صعوبة التواصل مع أهل البلد، لكنها واجهت كل خطوة بإصرار أكبر، وشعرت بألفة وسط اللاجئين السودانيين الذين احتضنوها.
وبالرغم من ضيق الحال كان المقهى يوفر لها ولأسرتها دخلا بسيطا، إلا أن الشعور الدائم بالأسى لم يفارقها وكأنها تخوض معركة جديدة كل يوم، وتصف كيف تستيقظ كل صباح محملة بالهموم تفكر في مستقبل غامض وقلق دائم على عائلتها في السودان.
وأحيانا – تقول “مرام” – تجد نفسها تحلم بالعودة إلى السودان، رغم معرفتها بأن العودة تعني مزيدا من المخاطر، لكنها تستمر في الأمل، وتتساءل في كل يوم: هل سيأتي يوم نعود فيه؟ هل سنعيش مرة أخرى تلك الحياة التي افتقدناها؟
وتسترجع “مرام” بذاكرتها الأيام الأولى للحرب، وكيف كانت تبكي عند سماع أخبار الفقدان، حتى تبلد الحزن بداخلها، وتختتم قصتها بأنها اليوم تعيش على أمل انتهاء الحرب وشيوع السلام، متمنية أن ترجع يوما إلى شوارع أمدرمان، وتستعيد ذكرياتها العزيزة، إذ أصبحت حياتها في المنفى رمزا للصمود واستعدادا ليوم العودة.
في منطقة بيالي يعيش الآلاف من اللاجئين السودانيين في ظروف إنسانية بالغة السوء نتيجة لضعف الخدمات داخل المعسكرات؛ مما دفعهم إلى تأسيس مشاريع صغيرة في محاولة لتسيير حياتهم وتلبية احتياجات أسرهم الأساسية.
منتدى الإعلام السودانيينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
الوسوماللاجئات السودانيات حرب الجيش والدعم السريع حرب السودان