في تنافس محموم يتسابق قادة إسرائيل في التحريض على سكان غزة، وكأن شحنة الغضب المعبر عنها ستخفف حجم ما وصفه كثير منهم بالفشل العسكري والأمني الهائل الذي قاد حتى الآن إلى الموت اللاهب أكثر من 1300 إسرائيلي وما زالت اللائحة في ازدياد.

ومن بين ركاب الغضب والمفاجأة بدأت إسرائيل تنسج رؤيتها للطرف الآخر.

لم يكن الفلسطينيون بشرا من وجهة نظر بعض قادة الصهيونية ومؤطريها منذ نكبة 1948 إلى اليوم، لكن المصرح به كان محدودا في نطاق عدد من المتطرفين وأتباعهم.

لكن إسرائيل تتحدث اليوم لغة واحدة هي لغة السحق والمحق لسكان غزة الذين أطلق عليهم وزير دفاعها وصف الحيوانات.

ورغم أن الحيوانات تحظى في الغرب عموما بتقدير ورعاية قد تفوق رعاية الإنسان فإن "الحيوانات" التي تنتقم منها إسرائيل الآن تواجه أشرس عقاب جماعي في تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على الأرض المقدسة وما حولها.


"حيوانات" في غزة

يفتخر وزير الدفاع الإسرائيلي بأن جيشه فرض حصارا شاملا على غزة تضمّن قطع الماء والكهرباء ومنع الإمداد بالوقود والطعام، معلنا العزم على إبادة سكان القطاع لأنهم "حيوانات على شكل بشر".

ورغم أنه لا جديد في العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة سوى حجم الانتقام فإن إسرائيل مصرة على أن تمنح العالم سردية جديدة تنقلها من مقام الدفاع عن النفس إلى "مقام إبادة الحيوانات".

ورغم الإسناد العالمي للرواية الإسرائيلية فإنها قوبلت برفض حقوقي دولي شديد، حيث اعتبرت منظمة العفو الدولية هيومن رايتس ووتش تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي أمرا مقززا ودعوة صريحة لارتكاب مجازر حرب، داعية منظمة الصحة العالمية إلى فتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين.

لكن لهب العدوان كان أسرع، فقد أزاح الغضب الإسرائيلي حتى الآن أحياء غزاوية كاملة من الخريطة، وتركها يبابا بعد أن كانت عامرة بأبراج وعمارات ومساجد وأسواق المقاومين الصابرين.

عبوات ناسفة للقانون الدولي

تملك إسرائيل قدرة فائقة على التحطيم، ويتناثر في تاريخها ركام المدن والقرى وأشلاء البشر، وفي سجلها أيضا تاريخ طويل من تحطيم القانون الدولي ورفسه.

وينص القانون الدولي -الذي يؤطر عمل الأمم المتحدة- على حق المدنيين في الحماية في الحروب ومنع استهدافهم، كما يحظر أيضا القيام بكل ما من شأنه تجويع المدنيين أو احتجازهم، ولكن إسرائيل تحتجز منذ أزيد من عقد من الزمن أكثر من مليوني إنسان في رقعة بسيطة اسمها غزة، لا هي أطعمتهم ولا هي فتحت لهم السبل يخرجون إلى فضاء الله الواسع.

ولأن القانون الدولي نظري جدا وبعيد عن الواقع في فلسطين فإن كل محظورات القانون الدولي باتت منتهكة وبشكل مضاعف منذ أن أفاقت إسرائيل من صدمة السبت اللاهب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

لا شيء في غزة غير محترق من الأرض والحجارة وحتى الصغار المصنفين في القاموس الإسرائيلي القديم الجديد ضمن "الحيوانات البشرية".

ولأن هذه السردية الجديدة محتاجة إلى دعم إعلامي فقد اختلقت الآلة الإعلامية الإسرائيلية شائعة قطع حماس رؤوس الأطفال التي تحدث عنها الرئيس الأميركي جو بايدن، قبل أن تكذبه شواهد الواقع وحجم ما تدفق من مقاطع تثبت التعامل الإنساني مع النساء والأطفال، بل والإفراج عن بعضهن ومنحهن الطريق الآمن للعودة إلى بيوتهن.


قاموس الإبادة الوحشية

لا يحفل القاموس الدولي للحروب بكثير من "العبارات القذرة"، كانت الأفعال دائما أكثر وحشية في التعبير، أما في المضمون القيمي فقد كانت كل الشعوب حريصة على إقامة "كتيبة من الأخلاق اللفظية" تجاه الخصوم باستثناء التاريخ الإسرائيلي الذي يملك ظهيرا فكريا عميقا في الوحشية اللغوية تجاه الآخرين.

وفي ما يشبه التنافس يتسابق الساسة ورجال الدين في إسرائيل على التحريض على الفلسطينيين، حيث تكرر إطلاق وصف "الحيوانات" على الآخر وباتت جزءا أساسيا من الخطاب السياسي لهؤلاء، فخلال الأيام الماضية دعا رئيس حزب شاس المتطرف إيلي يشاي إلى حرب شاملة على قطاع غزة، قائلا "يمكن تدمير غزة كي يفهموا أنه لا يجب إغاظتنا (…)، يجب تسويتهم بالأرض، ولتهدم آلاف المنازل، الأنفاق والصناعات".

وفي سباق التحريض تدعو النائبة عن الليكود ريفيتال "تالي" جوتليف قوات الجيش لتستخدم كل ما في جعبتها "حان الوقت لصاروخ يوم القيامة، إطلاق صواريخ قوية بلا حدود، لا تسوّي حيا واحدا بالأرض، بل تسحق غزة كلها وتسويها بالأرض بلا رحمة، بلا رحمة".

وبالنسبة لسكان غزة وفلسطين فإن الرحمة كانت دائما خارج قاموس العدوان الإسرائيلي، مما يعني أن تكرار ذكرها في تغريدة النائبة جوتليف لم يكن أكثر من كلمة خارج السياق.

ولأن التنويع في أساليب القتل والاغتيال بات يشكل حالة تنافس بين المسؤولين الإسرائيليين فقد حرص وزير الصحة موشيه أربيل على أن يدلي بدلوه، حيث وجه بمنع علاج جرحى الفصائل الفلسطينية في المستشفيات الحكومية الإسرائيلية.

ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست عن أربيل قوله "في هذه الأوقات الصعبة يجب على نظام الرعاية الصحية التركيز بشكل كامل على علاج جنود جيش الدفاع الإسرائيلي".

ورغم أن حالة من الهستيريا باتت تسيطر على مواقف وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين منذ هجوم حماس الأخير فإن الأمر ليس بالجديد، ففي العام 2015 وفي كلمة له خلال مؤتمر دولي بالقدس الغربية قال رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو -وفقا لما تناقلته وسائل إعلام- "توجد حيوانات متوحشة من المسلمين في مدننا، وعندما تفهم القوى الحضارية خطورة المشكلة لن يتبقى أمامها إلا التوحد بشكل واضح وهزم هذه الحيوانات، ويوجد اسم لهذه الحيوانات وهو الإسلام المتشدد".

الصراصير الرواندية

ويبدو أن تجريد الخصوم من صفة الإنسانية يمثل أسلوبا أساسيا في الحروب العنصرية، في رواندا وبوروندي، فقد كانت عبارة " تخلص من الصراصير" الجملة الأكثر ترددا في الإذاعة التابعة لقومية الهوتو خلال حرب الإبادة التي شنوها على قومية التوتسي.

وقد ساهمت تلك العبارة وما رافقها من تحريض في إبادة أكثر من مليون شخص واغتصاب مئات الآلاف من النساء، وكان الهوتو يرون أن خصومهم يجب أن يقتلوا بالسكاكين لأنهم يستحقون القتل بالرصاص، وأن السحق كما يفعل بالصراصير هو الأسلوب الأكثر تناسبا معهم.

وبعد 15 عاما من تلك المجازر كانت إحدى سيدات التحريض تقف أمام العدالة لتعترف بأنها جيشت غضب العنصريين الهوتو لإبادة التوتسي، ولأن ذاكرة الجريمة كانت أكبر من النسيان فقد حُكم على الصحفية فاليري بيميريكي بالسجن مدى الحياة بسبب جملتها الشهيرة التي ظلت تتردد في إذاعة ميل كولين "لا تقتلوا هذه الصراصير (التوتسي) بالعيارات النارية، بل قطّعوهم إربا بالسيوف والمناجل".

وفي سردية سابقة كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب صاحب سبق هو الآخر في إطلاق وصف الحيوانات على المهاجرين الأفارقة إلى بلاده، كما وصفهم بعد ذلك بأنهم أشخاص قذرون، متسائلا "لماذا ينطلق هؤلاء إلى بلاده؟".

تستوطن سرديات العنف وصياغة الوجدان العام في إسرائيل، فتتداخل فيها موارد الدين والثقافة والفن ليضغط الجميع على الزناد الذي تكتوي بنيرانه غزة اليوم، يقتلع الأرض ويحرق الناس.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القانون الدولی أکثر من

إقرأ أيضاً:

منظمة دولية تتهم إسرائيل بممارسة جرائم حرب في اليمن وتوجه دعوة للمجتمع الدولي

  

دعت منظمة هيومن رايتس ووتش إسرائيل وجماعة الحوثي إلى إنهاؤ هجماتهما غير القانونية التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية.

   

وقالت نيكو جعفرنيا ممثلة المنظمة في الشرق الأوسط -في بيان- على السلطات الإسرائيلية والحوثية أن تنهي فورا جميع هجماتها غير القانونية، بما فيها تلك التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية المدنية.

   

ودعت المجتمع الدولي إلى إدانت جميع الغارات غير القانونية، والضغط على أطراف النزاع للتقيّد بقوانين النزاعات المسلحة ومبادئ حماية المدنيين.

   

وقالت "في 10 يناير/كانون الثاني، قصف الجيش الإسرائيلي محطة لتوليد الكهرباء وميناءَيْن في اليمن، وأُفيد عن مقتل شخص وجرح تسعة آخرين. تقول السلطات الإسرائيلية إن الغارات أتت ردا على هجمات الحوثيين المتكررة ضد إسرائيل".

   

وأكدت أن غارات الجيش الإسرائيلي استهدفت ميناءَيْ رأس عيسى والحُدَيْدة، بالإضافة إلى محطة توليد كهرباء حزيز في صنعاء، وكلها تقع في مناطق سيطرة الحوثيين. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن "ميناء الحديدة أصبح مشلولا، وميناء رأس عيسى مشتعلا – لن يكون هناك حصانة لأحد".

   

وتابعت "أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف أهدافا عسكرية. إلا أن ميناءَيْ الحديدة ورأس عيسى ضروريين لنقل الغذاء وغيره من احتياجات اليمنيين الذين يعتمدون على الاستيراد. نحو 70% من الواردات التجارية و80% من المساعدات الإنسانية تمر بموانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، التي يقول أوكي لوتسما، الممثل المقيم لـ "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، إنها "بالغة الأهمية للأنشطة التجارية والإنسانية". تصف روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، هذه الموانئ بـ "خط الحياة لملايين البشر"، وأنها يجب أن تبقى "مفتوحة وتعمل".

   

وذكرت أن محطة توليد كهرباء حزيز هي المحطة المركزية في صنعاء، وتؤمن الكهرباء لسكان المدينة.

   

ونقلت المنظمة عن ثلاثة أشخاص قولهم إن الكهرباء انقطعت في جميع أنحاء المدينة لمدة يوم إلى يومين بعد الغارة، وهي تنقطع باستمرار منذ ذلك الوقت.

   

وأردفت "هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل بنى تحتية مهمة في اليمن. فمنذ يوليو/تموز 2024، هاجم الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، ومحطات توليد الكهرباء في البلاد".

   

وأشارت إلى مقُتل ستة مدنيين على الأقل وأُصيب 80 آخرون جراء الهجوم 20 يوليو/تموز على ميناء الحديدة وحده.

   

واعتبرت "هيومن رايتس ووتش" أن هذا الهجوم يرقى على الأرجح إلى مستوى جريمة حرب.

   

في ديسمبر/كانون الأول، أفادت وزارة الصحة في حكومة الحوثيين أن الجيش الإسرائيلي استهدف مطار صنعاء، فقتل أربعة أشخاص على الأقل وجرح 18 آخرين، منهم أحد أفراد طاقم طائرة تابعة للأمم المتحدة.

   

وأكدت أنه إذا كانت هجمات الحوثيين بالمسيّرات والصواريخ على إسرائيل تستهدف مدنيين أو أعيانا مدنية بشكل متعمد أو عشوائي، فقد ترقى هي أيضا إلى مستوى جرائم حرب.

   

مقالات مشابهة

  • الزعاق يرد على متابع انتقد حديثه مع الحيوانات .. فيديو
  • حماة الوطن يدعو المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل بقرار وقف إطلاق النار
  • منظمة دولية تتهم إسرائيل بممارسة جرائم حرب في اليمن وتوجه دعوة للمجتمع الدولي
  • العربية لحقوق الإنسان: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو الاستحقاق الذي يفرضه القانون
  • 5 نقاط مهمة باتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحماس مع انتظار إن كانت حكومة إسرائيل ستصادق عليه
  • وزير المالية الإسرائيلي: الصفقة سيئة وخطيرة على أمن إسرائيل
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يوسع عملياته العسكرية في الضفة الغربية
  • أسوأ وجبة في العالم.. زلابية دم الحيوانات ودقيق الشعير
  • ماذا حققت دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية؟
  • منظمة الصحة: فيروس ماربورغ يقتل 8 في تنزانيا