#دموع_الغرب
د. #حفظي_اشتية
هذه المقالة تنضاف إلى آلاف المجلدات المسوّدة بسطور الشكوى من ظلم هذا العالم، ولن يكون فيها جديد، فقد حكم المعرّيّ على كلامنا المُعاد منذ عهد بعيد، لكن قد يكون فيها صدى لأنّة مقهور، أو نفثة مصدور، فالشجى دوما يبعث الشجى.
توافد ضيوف الغرب سِرعا إلى بلادنا: أحمرهم وأشقرهم وأبيضهم وأسودهم، تباينت ألوانهم لكن توحدت مواقفهم وعواطفهم.
صبر شعبنا المقهور المظلوم قرنا من الزمان وفوقه ربع قرن، سُرقت منه أرضه، شُرّد من وطنه، ولاحقته الويلات إثر الويلات، وتفاذفته المحن والنكبات، يتعثّر وينهض، يكبو ويقوم…. وما زال على هذه الحال صابرا على همه متشبثا بحقه مترقبا أملا طال انتظاره وعزّ مناله.
وتراوحت أساليبه في سبيل الوصول إلى حقه، وتعدّدت اجتهاداته بين خطأ وصواب، وكان آخرها ما حصل هذا منذ أسبوع. ولسنا بصدد محاكمة ذلك الفعل: إن كان كلُّه صوابا أو خطأ، أم أنه اجتهد لكنه خلط عملا صالحا وآخر سيئاً. نترك الآن التلاوم فليس هذا وقته، وليس هو كذلك وقت الحكمة بأثر رجعيّ لنحكم عليه بعد انكشاف ردّة الفعل واستبانة النتائج.
لقد حصل ما حصل، والوجه الإيجابي البطولي المشرق المشرّف فيه لن يطمسه إلّا جاحد، ولن ينكره إلّا متجنٍّ حاقد.
لكن ما يعنينا هنا هو موقف العالم الغربي الذي اصطفّ أقطابه فورا مع العدو، بشكل مدوٍّ مجاهر، وإعلان عداء غامر سافر، اتصالاتهم بالعدو دائمة، والهواتف ساخنة، والتصريحات صارخة صادمة، والمساعدات والمعونات سريعة فاعلة، والجيوش صائلة جائلة، والأجواء تردّد أصداء قول عمرو بن كلثوم:
ملأنا البرّ حتى ضاق عنا وماءُ البحر نملؤُه سفينا.
كل هذا يحتشد بمواجهة شعب مخنوق محاصر في حاكورة ضيقة بين الصحراء والبحر، ومقاتلين يؤمنون بقداسة قضيتهم، بأسلحة متواضعة تقوّيها وتفعّلها عزائمهم وقوة حقهم وصلابة إرادتهم.
يتوافد هؤلاء الضيوف، وتتوالى تصريحاتهم الإعلامية، يجاهرون بيهوديتهم، يبكون أو يتباكون وهم يتظاهرون بأنهم يتجرعون آلاماً لا تحتمل بسبب هذا الظلم الفظيع الذي لحق بهذا الحمل الوديع، وتتأجّج عواطفهم، وتشتعل مواهبهم فينسجون قصصاً يصبغونها بالتراجيدية عن طفل نأت عنه عنه أمه، أو والد قُتل ابنه، أو صديق فارقته صديقته التي كانت تراقصه على أرض مسلوبة، وتتهدّج أصواتهم تغلبهم عبراتهم وهم يقصون الحكاية، ويستحضرون من غياهب التاريخ العذابات العتيقة التي ألمّت بهذا الشعب المسكين!!! وكأننا نحن المسؤولون عن هذا الماضي السحيق، وأننا كنا حلفاء البابليين والرومان والنازيين!!!
يحصل كل هذا، ولا أحد من هؤلاء الضيوف يجتزئ من وقته لحظة، ويقتسم من عواطفه قطعة لخمسمائة طفل جائع مزّقتهم أربعة أطنان من المتفجرات، يفرّون مع أهاليهم من هول إلى أهوال كالمستجير من الرمضاء بالنار، مسربلين بالفزع والهلع قد قُطع عنهم الغذاء والكهرباء والماء ولُوّث الهواء….
وبعد، ماذا نعمل ونحن عاجزون في عالم ظالم عاتٍ؟
أحياناً نقول: علينا أن نوظّف طاقاتنا، ونكثّف جهودنا في الإعلام لنشرح لهم عدالة قضيتنا، لكننا سرعان ما نرتدّ حيارى وصائح يصيح بنا: إنهم يعلمون الحقيقة، ويدركون كلّ شيء، بل هم الذين صنعوا مصابنا ووضعوا الدبّ في كرمنا. لن يصدقونا لأنهم لا يريدون، إنهم يبحثون عن مصالحهم الانتخابية للحفاظ على مناصبهم ومكاسبهم، أو هم مرتهنون لأفكارهم التاريخية السقيمة المتوارثة، وهرطقات بعض معتقداتهم وخرافاتهم.
حالنا معهم تصفها مسرحية ” شوقي ” الحكيمة عن شريعة الغاب، فقد انقطع المطر وأصاب الدنيا قحط شديد، فاجتمعت الحيوانات لتدارس الأمر، وشكلوا مجلس قضاء يضم علية القوم من أشرسهم، فاقترحوا أن يعرض كلٌّ من الحيوانات ذنبه لمعرفة سبب غضب الرب وانقطاع المطر.
استعرض زعماؤهم: الأسد والنمر والفهد والذئب…. خطاياهم، وكان المجلس يلتمس لكلّ منهم عذراً، فهذا سطا وفتك وسلب بسبب الجوع، وذاك اعتدى وقتل للدفاع عن النفس المشروع…..
ولم يبقَ إلّا الحمار يرتعش خوفاً في الزاوية، صاحوا به أن يتقدّم للاعتراف بذنبه، فأيقن أنها النهاية. قال: مررت يوماً بالدير، وهنا( ارتفعت الهمهمات من جميع الحيوانات لأنه مسَّ المقدّس)، وأكمل قائلاً: كنت جائعاً جداً، ” فخمشتُ ” قبضة من العشب كانت على بابه، ولا أذكر لي ذنبا غير ذلك، فصاح الجمع الفاجر: بل هذا هو الذنب الأعظم، فدقّوا عنقه تحقيقاً للعدالة وتقرّباً للربّ.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
لعنة ميونخ تعود من جديد
"ميونخ" هو الاتفاق الذي أبرمته بريطانيا وفرنسا مع هتلر في ميونخ، بعد استيلائه على تشيكوسلوفاكيا، سنة 1938 أقرتا فيه بالأمر الواقع، تجنبًا للحرب.
ظل ما يسمى بروح ميونخ، لعنة في وجدان الغربيين، يحيل إلى الانهزامية التي لم تُفد في شيء؛ لأنها لم تعصم من المواجهة.
فهل تكون مغازلة ترامب لبوتين ميونخ جديدة؟ أي التضحية بأوكرانيا، من أجل تجنب حرب عالمية ثالثة.
لوّح الرئيس ترامب في تقريعه للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اللقاء الشهير بالبيت الأبيض، بخطر حرب عالمية ثالثة، وحمّله مسؤولية ذلك، إن هو تمادى في رفض "عرض السِّلم".
التاريخ لا يتكرر، ولكن من الواضح، أن العالم عاش تحولًا إستراتيجيًا، غير مسبوق في غضون أسبوعين، بعد اللقاء الخائب في البيت الأبيض ما بين الرئيس الأميركي ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي (28 فبراير/ شباط 2025)، ثم خطاب الاتحاد للرئيس الأميركي أمام الكونغرس (4 مارس/ آذار)، فاجتماع رؤساء الدول الأوروبية في بروكسل (6 مارس/ آذار) من أجل وضع لبنة دفاع مشترك خارج المظلة الأميركية.
وقبل هذا وذاك، الاجتماع الدوري الذي انعقد في شهر فبراير/ شباط حول قضايا الأمن بميونخ، واعتبار نائب الرئيس الأميركي فانس في خطابه، أن ما يتهدد أوروبا ليس الصين ولا روسيا، وإنما الخطر الداخلي، بضربها عرضَ الحائط بالقيم الغربية، ومنها الديمقراطية وحرية التعبير.
إعلاننحن الآن في بداية مسار يهيئ لتحولات جذرية، هي أكثر من تحالفات ظرفية، أو تموقع تكتيكي، لانزياح إستراتيجي، يهم القوى الكبرى الفاعلة؛ الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وأوروبا، مما سينعكس على العالم بالتبعية.
هناك قوى ترقُب ما يعتمل، بتوجس، بل بهلع، كما كوريا الجنوبية، واليابان، وتايوان، التي تخشى تخلّي الولايات المتحدة عنها، وأخرى ترصد التطورات السارية، لتعيد تموقعها.
أول التغييرات، هو ما يرتبط بالغرب نفسه، أو تحديده على الأصح. كان الغرب يبدو وحدة متراصة، في التقاء مرجعية قيمية وفضاء جغرافي يتكون من الولايات المتحدة، وأوروبا، فضلًا عن أستراليا، ونيوزيلندا واليابان وإسرائيل.
يُعرِّف بعض الإستراتيجيين الغرب بالقوة العسكرية ممثلة في الناتو، والقوة الاقتصادية والمالية ممثلة في السبعة الكبار، والقوة الاستخباراتية، أو ما يسمي بخمس عيون: (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، أستراليا، نيوزيلندا)، وكلها في ركاب الولايات المتحدة.
تُنهي التحولات الجارية هذه التعريفات عن الغرب، مما يجعل من العسير صمود مصطلح ائتلاف الغرب الذي كانت تستعمله روسيا، في شيء من الزراية.
يقوم تمايز بداخل الغرب، بين غرب تقليدي، محافظ، تحمله الشعبوية اليمينية، ينبني في اختزال شديد على محددين: إنسان أبيض ومسيحي، من جهة، وغرب ليبرالي، من جهة أخرى.
تلتقي الأحزاب الشعبوية اليمينية حول قيم مشتركة، على المستوى الداخلي، محورها ما يسمى اللاليبرالية الديمقراطية، أي أنها تستمد شرعيتها من الشعب، وترى أنها من يعبر عن الديمقراطية، وترفض هيمنة النخب، وبنيات "الدولة العميقة"، وترفض الليبراليةَ سواء أكانت اقتصادية، أم ثقافية، أو اجتماعية، ويتغلغل هذا التوجه في كل من الولايات المتحدة، وأوروبا، في شكل أممية شعبوية تنبني على توجهات موحدة على مستوى السياسة الخارجية.
إعلانإلى ذلك، لا تتعارض الشعبوية اليمينية الغربية مع الشعبوية اليمينية غير الغربية، كما في روسيا، أو الهند.
التحول الجيو-سياسي الدراماتيكي الأكبر هو الذي يهم الولايات المتحدة، وقد رسم ملامحه الرئيس الأميركي، في خطاب التتويج (21 يناير/ كانون الثاني)، وخطاب الأمة الموجّه إلى الكونغرس (4 مارس/ آذار).
وهو يضرب صفحًا عن القواعد المتعارف بها في العلاقات الدولية، كما التعاون، واحترام القانون الدولي، والدبلوماسية متعددة الأطراف، والقيم، ليغدو محددَّ السياسة الخارجية الأميركية أمنُها القومي، ورسم مناطق نفوذ، وإجراءات حمائية، اقتصاديًا ولو أدى الأمر إلى حروب تجارية، واجتماعيًا، مع الحد من الهجرة، بل وضع اليد على مناطق من العالم باسم الأمن القومي، كما غرينلاند، وقناة بنما.
لا يعدم ترامب مؤيدين داخل الولايات المتحدة وخارجها. كل الاتجاهات الشعبوية اليمينية، تمشي في ركابه، من جورجيا ميلوني في إيطاليا، وفيكتور أوربان في هنغاريا، ممن هم في المسؤولية، واتجاهات يمينية مؤثرة، كما التجمع الوطني في فرنسا، أو البديل من أجل ألمانيا في ألمانيا، أو فوكس في إسبانيا. تتطابق رؤى هذه الاتجاهات مع تعاطي ترامب للملف الأوكراني.
التحول الإستراتيجي الثاني يهم روسيا، التي كان رهانها أن تصبح جزءًا من الغرب الكبير، مثلما عبّرت مادلين أولبرايت، عن انطباعها حول أول لقاء لها ببوتين، بصفتها وزيرة، وإسراره لها برغبته في أن تكون روسيا جزءًا من الغرب الكبير.
تلتقي توجهات ترامب وبوتين، فيما يخص دور الدين، والأسرة، والتقاليد. وبتعبير آخر، فالتناقض الأساسي، بالنسبة لترامب، هو مع أوروبا الغربية، وليس مع روسيا.
أما الصين فلم تتوانَ في الرد على خطاب الرئيس الأميركي للأمة، من أنها مستعدة للحرب، أيًا كان شكلها. تدرك أن التموقعات التي يجريها الرئيس الأميركي، سواء من خلال التقارب مع روسيا، أو وضع اليد على قناة بنما، هي من أجل احتواء الصين، فضلًا عن الحرب التجارية التي يشنها عليها.
إعلانالتقارب الأميركي الروسي، يُحوّل التحدي إلى الساحة الأوروبية التي راهنت على المظلة الأميركية، وتتبين أنها لا تستطيع أن تستمر في ذلك.
بيد أن اللعبة بالنسبة لأوروبا تبدو معقدة، لأنها تلعب على زمنين: المدى القصير، وهو تعويض وقف دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا من حيث الإمدادات العسكرية، والمعلومات المخابراتية، وهو ما يبدو عسيرًا بل شبه مستحيل.
والمدى الطويل، الذي تتوخى فيه أوروبا إرساء منظومة أمنية أوروبية موحدة خارج المظلة الأميركية، من خلال سياسات عسكرية جديدة، عبر رفع الإنفاق العسكري، وتطوير الصناعة الحربية، والردع، وتعبئة المواطنين، وإعادة الخدمة العسكرية، والتنسيق بين قيادة الجيوش، وحتى في صنع السلاح واستعماله.
وليس مؤكدًا أن تتوحد كلمة أوروبا في وضع سياسة دفاعية موحدة. إذ لا تنظر إيطاليا بارتياح إلى قيادة عسكرية أو سياسية تتزعمها فرنسا، وتنظر بدلًا من ذلك في اتجاه الولايات المتحدة.
ومن البديهي أن التغييرات الدراماتيكية الكبرى سوف تنعكس على العالم، أو بتعبير أدق، ترصد الأطراف الأخرى، ومنها ما يسمى بالجنوب الكبير، التحولات الكبرى، لترسم توجهاتها.
وماذا عن محور الصين روسيا، أو الصداقة الدائمة بينهما؟ أليست غاية تحركات ترامب فلّ حلف موسكو بكين؟ هل يستطيع ترامب، إعادة ما قام به نيكسون، بفل الوحدة الأيديولوجية ما بين الصين والاتحاد السوفياتي؟ أليس هذا هو الرهان الأكبر لكل هذه التحولات؟
ما يجري هو تتمة لفصل جرى في الشرق الأوسط، وفي الحرب على غزة ولبنان. هل كان للاختراقات التي حققتها إسرائيل على حزب الله، في سوريا، ولبنان، أن تحدث لولا دعم روسيا؟ ألم يكن ذلك دفعًا مسبقًا من قِبل روسيا، لجني مكاسب في ملف أوكرانيا؟
لا ينبغي النظر إلى التوجهات الخارجية التي أسفرت عنها الولايات المتحدة، بحسبانها قرارات مزاجية، بل رؤى راسخة لدى توجهات عميقة وبنيات مؤثرة، يرفعها الرئيس الأميركي ويعبر عنها، بأسلوبه الخاص.
إعلانومن غير المحتمل أن يقع تراجع في التوجهات التي أسفرت عنها الإدارة الأميركية الحالية. قواعد اللعبة تغيرت، ولن تعود عقارب التاريخ إلى الوراء. وكل تحوُّل يُفرز رابحين، وخاسرين، ومن يحسنون انتهاز الفرص.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline