قال الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن حماية التراث الإنساني واجب ديني واجتماعي، وقد دلت عليه أحكام الشرع، وتوجيهات النبي محمد- صلى الله عليه وسلم-.

وأوضح أن الإسلام يحث على الاحتفاظ بالموروث الثقافي والتاريخي، حيث إن الشريعة الإسلامية تعاملت مع السياحة تعاملًا راقيًا؛ لأنها من قبيل السير في الأرض وتبادل المعارف والرؤى المختلفة، حتى إن القرآن الكريم في كثير من آياته قد لفت نظر الناس إلى السير في الأرض ودراسة آثار الأمم السابقة والاعتبار والانتفاع بتلك الآثار.

جاء ذلك ردًّا على سؤال لأحد المشاهدين عن "حكم السياحة وحكم معاملة السائح وعن موقف الشرع الشريف من قيام البعض بمعاقبة بعض السائحين"، وذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد.

وأضاف فضيلته أن العهد والأمان ثابتان للسائح وهو تصرف سلطاني أو تصرف دولي، فمن يدخل مصر وَفق تصريح وإجراءات معينة لا ينبغي أن يُهان بل يحرم باتفاق العلماء الاعتداء عليه في شخصه وماله، ويعتبر كمصري تمامًا ويحرم الاعتداء عليه بأي صورة، وإذا أخطأ فالذي يحاسبه بإجماع العلماء هو القانون ولا ينبغي لأي فرد أن يعاقبه بشكل فردي حتى من عُهد إليه بالتأمين، وإذا حدث ذلك فيكون خللًا في الفهم والتطبيق وخيانة للعهد الذي أخذه هذا الإنسان من أي دولة، وعدم الوفاء بالعهد والأمان معه لا يقتصر على التأثير بالسلب على سمعة ودخل السياحة، بل يؤدي إلى خلل مجتمعي كبير.


وعن حكم من مات غدرًا وفي مشقة وأثناء قيامه بعمل نبيل كمن مات في عمله بالسياحة أو غيرها، أكد المفتي أن هناك أنواعًا كثيرة من الشهادة جاء التنبيه عليها في عدد من الأحاديث النبوية، منها: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ". وما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ليس على سبيل الحصر، ولكن على سبيل المثال؛ فمفهوم الشهادة واسع فتنطبق الشهادة على من ماتوا في شدة أو محنة.


وعن حكم الاحتكار قال فضيلته: لا خلاف بين الفقهاء في أن الاحتكار حرامٌ في الأقوات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» وغيره من الأدلة، فالمحتكر منعدم الضمير وآثم إذا قصد حجب السلع عن أيدي الناس إضرارًا بهم حتى يصعب الحصول عليها وترتفع قيمتها؛ فضلًا عن أن المال المكتسب من الاحتكار بلا شك هو مال مكتسب من حرام وجريمة؛ لأن الاحتكار جريمة وأكل لأموال الناس بالباطل. وينبغي أن يعلم هذا المحتكر أنه قبل توبته عليه رد أموال الناس التي أخذها منهم بطرق غير مشروعة.


وعن حكم إخراج الزكاة قبل موعدها؛ قال فضيلة المفتي: يجوز تعجيل زكاة المال ولو لمدة عام أو عامين مقبليْن، والفتوى مستقرة في الدار على ذلك بسبب هذه الظروف الاقتصادية الاستثنائية، بل يستحب توجيه الأموال لمواساة الفقراء وأصحاب الحاجات ومساعدة المرضى ووجوه البر المتنوعة، وذلك أولى في ظل الأزمة الراهنة، فهناك نصوص كثيرة تحث على التراحم والتكافل، وهي من الكثرة بحيث يصعب حصرها.

واختتم فضيلة مفتي الجمهورية حواره بالرد على سؤال عن أفضل صيغة للدعاء، وخاصة في هذه العسرة الاقتصادية التي يواجهها كثير من الناس في أغلب بلدان العالم قائلًا: الدعاء أفضله بالمأثور أو ما جاء بالقرآن والسنة، ولكن إذا تعذر ذلك فيمكن للمرء الدعاء بما شاء أو بما يحفظ ما لم يكن في دعائه مخالفة شرعية، فيمكن للإنسان الدعاء لنفسه ولأبويه ولأبنائه بل لغيرهم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

الإفتاء تكشف عن سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

أوضحت دار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور نظير عياد مفتي الديار، سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، موضحاً أنها أعطرَ سيرة عرفَتْها البشريةُ في تعاليم التسامح والنُّبْل والعفو؛ فقد منحه الله سبحانه وتعالى مِن كمالات القِيَم ومحاسن الشِّيَم ما لم يمنحه غيره من العالمين قبله ولا بعده، وجعله مثالًا للكمال البشري؛ في التعايش، والتسامح، والرحمة، واللين، واللطف، والعطف.

سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم في "المستدرك".

ولم يكن خطابُه صلى الله عليه وآله وسلم موجهًا للمسلمين فقط، وإنَّما شَمِل كلَّ النَّاس في المدينة مسلمين وغير مسلمين، أهل الكتاب وغيرهم؛ بدليل أن راوي هذا الحديث هو سيدنا عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان وقتَها كبيرَ أحبارِ اليهود وعالمَهم الأول.

وعلى السماحة والتعايش واحترام الآخر تأسَّس المجتمعُ الإسلامي الأول؛ حيثُ أمر الشرع بإظهار البر والرحمة والعدل والإحسان في التعامل مع أهل الكتاب المخالفين في العقيدة؛ فقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، فعاش اليهود في كنف الإسلام، يحترم المسلمون عاداتهم وأعرافهم.

واحترمت الشريعة الإسلامية الكتب السماوية السابقة، رغم ما نَعَتْه على أتباعها من تحريف الكلم عن مواضعه، وتكذيبهم للنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فبعد غزوة خيبر كان في أثناء الغنائم صحائف متعدِّدة من التوراة، فجاءت يهود تطلبها، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بدفعها إليهم، كما ذكره الإمام الدياربكري في "تاريخ الخميس في أحوال أنْفَسِ نَفِيس صلى الله عليه وآله وسلم" (2/ 55، ط. دار صادر)، والشيخ نور الدين الحلبي في السيرة الحلبية "إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون" (3/ 62، ط. دار الكتب العلمية).

وأضافت الإفتاء قائلة: وهذه غاية ما تكون الإنسانية في احترام الشعور الديني للمخالف رغم عداوة يهود خيبر ونقضهم للعهود وخيانتهم للدولة؛ حيث كانوا قد حزبوا الأحزاب، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، واتصلوا بالمنافقين وغطفان وأعراب البادية، ووصلت بهم الخيانة العظمى إلى محاولتهم الآثمة لاغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وتابعت: وبلغ من تسامح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نهى المسلمين عن سب الأموات من المشركين بعد وفاتهم إكرامًا لأولادهم وجبرًا لخواطرهم؛ فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "لَمَّا كان يوم فتح مكة هرب عكرمة بن أبي جهل وكانت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأةً عاقلةً أسلمت، ثم سألَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمانَ لزوجها فأمرها بردِّه، فخرجت في طلبه وقالت له: جئتُك مِن عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس، وقد استأمنتُ لك فأمَّنَك، فرجع معها، فلما دنا من مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: «يَأْتِيَكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا، فَلَا تَسُبُّوا أَبَاهُ؛ فَإِنَّ سَبَّ الْمَيِّتِ يُؤْذِي الْحَيَّ وَلَا يَبْلُغُ الْمَيِّتَ» فلما بلغ باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استبشر ووثب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائمًا على رجليه فرحًا بقدومه" أخرجه الواقدي في "المغازي"، ومن طريقه الحاكم في "المستدرك".

مقالات مشابهة

  • المفتي: الأخلاق غير المستندة إلى الدين تكون عرضة للتغيير والتلاعب
  • المفتي: الفتوى يجب أن تستند إلى معايير أخلاقية راسخة
  • المفتي: الخوف من الله يحرك قلبي نحو البحث عن حكم شرعي متوازن
  • المفتي: الأخلاق بلا دين لا يمكن أن تكون بديلاً حقيقيا
  • الشيباني: ينبغي لم الشمل في ليبيا لقطع الطريق على مؤامرة الخراب العربي
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • نجم الأهلي السابق: الزمالك أخطأ بالتعاقد مع جروس
  • الإفتاء تكشف عن سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
  • حكم الستر على العصاة.. الإفتاء تجيب
  • المفتي يعزي جمهورية أذربيجان في حادث تحطُّم طائرة الركاب