البوابة نيوز:
2025-04-29@00:13:38 GMT

النظر فى مآلات الأفعال

تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT

ذكر الإمام الشاطبى [أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمى الشاطبى (ت ٧٩٠ هـ)]  فى كتابه الموافقات جملة من الواجبات التى يجب على المجتهد ملاحظتها والاعتناء بها أثناء قيامه بعملية الاجتهاد، ومن ذلك قاعدة النظر فى مآلات الأقوال والأفعال، يقول الشَّاطبي: (النظر فى المآلات من متممات النظر المقاصدى لأحكام الشرع)، وقال عن خصائص المجتهد: (أنه ناظر فى المآلات قبل الجواب على السؤالات).

والمآلات فى اللغة جمع مآل، وأصل الكلمة آل الشيء يؤول أوْلًا ومآلًا، بمعنى رجع، والموئِل المرجع، قال [الفيروزآبادي] فى "القاموس المحيط": (آلَ إليه أوْلًا ومَآلًا: رَجَعَ)، وقال [ابن فارس] متحدثًا عن التأويل فى "فقه اللغة": "واشتقاق الكلمة من المآل وهو العاقبة والمصير".

والمراد بالمآلات عند الأصوليين ما يترتب على الفعل بعد وقوعه، والمراد بالنظر فى المآلات: ملاحظة ما يرجع إليه الفعل بعد وقوعه من مصالح ومفاسد، وما يترتب عليه، وآثاره الناتجة منه، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فيأخذ الفعل بهذا النظر حكمًا يتفق مع ما يرجع إليه ويؤول إليه ذلك الفعل، سواء قصده الفاعل أم لا، فقد يرى أن الفعل مشروع لمصلحة فيه، أو ممنوع منه لمفسدة فيه، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإطلاق القول فى الأول بالمشروعية دون نظر إلى مآله، وفى الثانى بالمنع دون نظر إلى مآله تعجل لا ثمرة له، إذ قد يؤدى الفعل الأول إلى مفسدة مساوية، أو زائدة على المصلحة التى رُئِيت فيه فى بادئ الأمر، وكذلك الفعل الآخر فقد يؤدى إلى دفع مفسدة مساوية أو زائدة، قال الشاطبي: (والشريعة مبنية على الاجتهاد، والأخذ بالحزم، والتحرر مما عسى أن يكون طريقًا إلى مفسدة). وقد عمِل العلماء بهذا الأصل، فالإمام [مالك] عوَّل عليه فى سد الذرائع، كما عمل بهذه القاعدة حينما أفتى [المنصور] حين استشاره أن يهدم البيت، ثم يبنيه على قواعد إبراهيم - عليه السلام - فقال له مالك: (لا تفعل، لئلا يتلاعب الناس ببيت الله)، فصرفه عن رأيه سدًّا لمآل فاسد، وهو أن يتخذ التلاعب بالبيت سنَّة تابعة لاجتهادات الحكام وآرائهم فلا يستقر على حال.

وقد اشترط مالك أن يكون الناظر فى المصلحة مجتهدًا، وما ذلك إلا ليكون (متكيفًا بأخلاق الشريعة، فينبو عقله وطبعُه عما يخالفها)، فلا ينسب لها ما ليس منها، ومن نسب للشريعة مصلحة، وكان مآلها إلى مفسدة كان مفتريًا عليها، وقد قال [العز بن عبدالسلام]:(وكذلك ما نهى عنه من المصالح المستلزمة للمفاسد لم ينهَ عنه لكونها مصالح، بل لما تستلزمه من تلك المفاسد، ولذلك ما يؤمر به من المفاسد المستلزمة للمصالح لم يؤمر به لكونها مفاسد، بل لما تستلزمه من تلك المصالح)، وهذا فيه إشارة إلى اعتبار المآل، فإن المفسدة قد تؤول إلى مصلحة، فالشارع يأمر بها لِما فيها من المصلحة المترقبة، وكذلك العكس. ولا شك أن الترجيح بين المفاسد والمصالح قد يرتبط بالأمر الواحد باعتبار الحال والمآل، وقال العز أيضًا: (المصالح ضربان؛ أحدهما: حقيقي، وهو الأفراح واللذات، والثاني: مجازي، وهو أسبابها، وربما كانت أسباب المصالح مفاسد، فيؤمر بها، أو تباح، لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح)، ثم قال: (وكذلك المفاسد ضربان؛ أحدهما: حقيقي، وهو الغموم والآلام، والثاني: مجازي، وهو أسبابها، وربما أسباب المفاسد مصالح، فنهى الشرع عنها، لا لكونها مصالح، بل لأدائها إلى المفاسد).

لا شك أن العمل بهذه القاعدة دقيق الاستعمال، وهو عرضة لزلل الأقدام، وتعثر الأفهام، فقد يصعب تقدير المآل، خاصة فيما كان من شؤون الحياة المتشابكة والمعقدة، وإن كانت نتائج تقدير المآل خاطئة آل الأمر إلى تغيير فى الحكم على الفعل، بتجويز الممنوع ومنع الجائز، كما جاء فى قول الإمام الشاطبي: (وهو مجال للمجتهد صعب المورد)؛ لذلك كان واجبًا على أهل العلم إحاطة استعمال هذه القاعدة بجملة من القيود والضوابط، ترشيدًا للنظر، وتجنبًا للزلل، ومن أهم هذه الضوابط: 

تحرى المقصد الذى من أجله شُرع الحكم الشرعى فى الواقعة المراد النظر فيها، فإذا تبين عدم تحقق المقصد عُدل بالحكم الأصلى إلى غيره.

التحرِّى فى أيلولة الواقعة المراد النظر فيها: هل سيتحقق المقصد الشرعى من الحكم الشرعى عند تطبيقه على هذه الواقعة أم لا؟، فعلى المجتهد بعد دراسة الأحكام الشرعية ومعرفة مقاصدها أن يتحرَّى فيما ستؤول إليه هذه الأحكام عند تطبيقها. وأحكام الشريعة فى الغالب تؤول إلى تحقيق مقاصدها عند تطبيقها على الأفعال، وقد تتخلف أحيانًا لأسباب ومؤثرات عدة، وعلى المجتهد أن يكون على بصيرة بها.

وأخيرًا قد يبدو حديثنا أنه عن قاعدة دينية ولكنه فى الحقيقة حديث عن قاعدة عامة للحياة، فالنظر فى المآلات هو أمر واجب فى كافة مجالات الحياة سياسيبًا واجتماعيًا واقتصاديًا بل وأمنيًا، ولعل فى الأحداث الأخيرة التى نشاهدها فى منطقتنا خير دليل، فكم من الأفعال التى تبدو للوهلة الأولى أنها تحقق مصالح ولكنها فى الحقيقة تؤول إلى مفاسد بل إلى كوارث.

* كاتب معنى بقضايا التنمية البشرية

 

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

موثق قناة السويس الجديده يرد على ترامب حول مطالبه بعبور السفن الامريكيه في قناه السويس مجانا: خزعبلات وتعكس جهله بالتاريخ

هاجم هانى عبدالرحمن موثق قناة السويس الجديدة تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب حول مطالبته بعبور السفن الأمريكية مجانا فى قناة السويس.

 وقال موثق قنا السويس الجديد، ردا على هذه التصريحات ان فرض رسوم العبور بقناه السويس هو نوع من انواع ممارسه السياده المصريه للدوله المصريه وهى مقابل خدمات تقدمها للسفن العابرة، لافتا ان حركه العبور في قناه السويس تنظمها اتفاقيه القسطنطينه في 29 اكتوبر 1888 والتي تتيح حريه الملاحه وان الرسوم هي مقابل خدمات تقدمها هيئه قناه السويس في السفره العبيره فيما يتعلق بالدعم الفني واللوجستي واعمال التامين البدني والجوي والبحري الذي تقوم بها الدولة المصرية.

واضاف هاني، ان دونالد ترامب يلقي ببالونه اختبار ليرى رد الفعل المصري وان هذه سياسه ثابته لديه خلال المرحله الماضيه أو منذ تولى الحكم في فترته الثانيه لافتا إلى ان قضيه التهجير التي طرحها للفلسطينيين في غزه اعلن في بدايه الغزو ان مصر ستستقبل ابناء غزه من الشعب الفلسطيني في سيناء وكررها اكثر من مره لكن الرئيس السيسي كان قاطعا في رضوى بان التهجير ظلم لا يمكن ان تشارك فيه مصر وتصدى الرئيس السيسي لهذا المخطط بشكل حاسم وكانت نقطه فارغه في تاريخ القضيه الفلسطينية.

واضاف موثق قنا السويس، ان ترامب يجس نبض أو رد الفعل المصري والعالمي حول مقترحه بعبور السفن الامريكية مجانا في قناه السويس وفي قناه بنما وهو يعلم واركان ادارتها الحاكمه تعلم جيدا ان هذا نوع من انواع المستحيل.

واشار هاني ان قناه بنما تختلف تماما عن قناه السويس والمتغيرات الجيو السياسيه التي تقع بها قناه بنما والنفوذ الصينى بها  تختلف تماما عن وضع قناه السويس

واشاد هاني برد الفعل الشعبي الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي للمصريين فور اعلان تصريح ترامب والتي كانت رافضه رفضا قاطعا وسخر منها المصريون بعبارات مختلفه منها ما كانتش عزبه ابوه وهي لغه عاميه مصرية.

مقالات مشابهة

  • رئيس الشاباك يعلن موعد ترك منصبه بعد ضغط من نتنياهو.. كيف جاءت ردود الفعل؟
  • توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة بالدارالبيضاء
  • القضاء يبرئ محافظ ذي قار من تهمة الفعل المخلّ بالحياء
  • ماذا حدث مع حمو بيكا في نقابة الموسيقيين؟.. كواليس التحقيق معه والتهم الموجهة إليه
  • خبير سياسي: المصالح الدولية والإقليمية تتشابك في ليبيا
  • موثق قناة السويس الجديده يرد على ترامب حول مطالبه بعبور السفن الامريكيه في قناه السويس مجانا: خزعبلات وتعكس جهله بالتاريخ
  • من بينهم رعايا أفارقة ..شرطة العاصمة تطيح بشبكة مختصة في الإتجار بالمخدرات الصلبة
  • حماد عبد الله حماد – الدندر: حين تكون البذاءة مؤسسة
  • سوريا:تجمعنا مع العراق مخاطر مشتركة نأمل في حلها عبر التعاون
  • أحمد عزمي: ردود الأفعال حول مسلسل ظلم المصطبة أكبر مما كنت أحلم l خاص