اعتبر حزب المؤتمر السوداني، أن قرار وزير شؤون مجلس الوزراء الداعي لفتح المدارس والجامعات يؤكد فرضية بُعد الحكومة وانفصالها عن واقع الحال في السودان.

الخرطوم: التغيير

انتقد حزب المؤتمر السوداني- أحد أبرز مكونات تحالف الحرية والتغيير الداعم للديمقراطية في السودان، قرار مجلس وزراء حكومة الانقلاب باستئناف الدراسة في المدارس والجامعات بالولايات التي تسمح ظروفها الأمنية بذلك.

ورأى أن مشكلة التعليم لا يمكن حلها بمعزل عن إيقاف الحرب الجارية في البلاد حالياً ومن ثم النظر في معالجة آثارها المدمرة وأن يكون التعليم أولوية قصوى.

وأصدر مجلس الوزراء الانقلابي توجيهاً بفتح المدارس والجامعات في الولايات الآمنة، بعد مرور نحو ستة أشهر من اندلاع حرب 15 ابريل بين الجيش والدعم السريع بالعاصمة الخرطوم وولايات أخرى، والتي أدت لتعطل الدراسة في أنحاء السودان، فضلاً عن الخسائر في الأرواح والممتلكات والانهيار الأمني والاقتصادي.

قرار مجافٍ للواقع

ووصف قطاع التعليم العام بحزب المؤتمر السوداني في بيان صحفي، قرار استئناف الدراسة بأنه “مجافٍ لواقع الحال ولم يضع اعتباراً لحالة الشتات التي يعيشها السودانيات والسودانيين، وما آلت اليه أوضاع مؤسسات التعليم والتي مثلت الملاذ الآمن لمن شردتهم الحرب، فاحتضنتهم المدارس والجامعات، في غياب الدور الرسمي لحكومة الفلول التي بدأت تتشكل ملامحها، ميسرةً الطريق لعودة نظام الثلاثين من يونيو لمواصلة رحلة التدمير الممنهج التي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود”.

وقال إن القرار يحض على استئناف الدراسة في الولايات الآمنة دون تحديد لمعنى الأمان المطلوب لسير العملية التعليمية، مع إهمال كامل لما يعانيه المعلمات والمعلمين والعاملات والعاملين في حقل التعليم، كحال جل العاملين بالدولة من عدم صرف المرتبات لأكثر من ستة أشهر، كما هو حال الغالبية العظمي من أولياء أمور الطلاب.

وأضاف البيان: “فلذلك نجد أن مشكلة التعليم لا تحل بمعزل عن أوجاع الوطن الذي يرزح تحت أتون الحرب المستعرة، والتي تتمدد كل يوم، فيجب أن يكون الحل في إيقاف هذه الحرب ومن ثم النظر في معالجة آثارها المدمرة وأن يكون مسار التعليم هو الأولوية القصوى”.

بحث عن الشرعية

وقال الحزب إن حكومة الأمر الواقع الانقلابية ظلت تبحث عن شرعيتها عبر إصدار القرارات التي لا تأتي الا وبالاً على الشعب السوداني، وآخرها توجيه وزير شؤون مجلس الوزراء الداعي لفتح المدارس والجامعات.

وأضاف بأن القرار يؤكد فرضية بُعد هذه الحكومة وانفصالها عن واقع الحال في السودان، وتساءل عما فعلته أو قدمته وزارة التربية ما بين قرار إغلاق هذه المؤسسات وقرار فتحها، وهل انتهى العام الدراسي السابق أم أنه مازال مستمراً، ومصير الطالبات والطلاب المنتظرين للجلوس لامتحانات الشهادة السودانية.

ونوه إلى أنه في ظل الحرب التي طالت أرواح وأعراض وممتلكات ومساكن وأسواق ومؤسسات الدولة، أصبح الشعب السوداني ما بين نازح ولاجئ ومشرد ومفقود.

وأكد الحزب أن التعليم هو الركن الأساسي في بناء الأمة والدولة السودانية المنشودة، وأنه يحشد جل طاقته لتحقيق شعارنا نحو تعليم جيد ومستدام وشامل لوضع أساس لوطن شامخ ومواطن مستنير ومساهم في نهضته ويكون له النصيب الأوفر في ميزانية الدولة.

الوسومالتعليم الجيش الدعم السريع السودان حرب 15 ابريل حزب المؤتمر السوداني حكومة الأمر الواقع فتح المدارس والجامعات مجلس الوزراء

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: التعليم الجيش الدعم السريع السودان حرب 15 ابريل حزب المؤتمر السوداني فتح المدارس والجامعات مجلس الوزراء المدارس والجامعات المؤتمر السودانی مجلس الوزراء

إقرأ أيضاً:

الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟

في البدء، كان الحلم هشًّا، يتنازعه الواقع والممكن، بين دولة لا يحكمها العقل وجيوش يحكمها الرعب. لم يكن السودان يومًا استثناءً في سياق التراجيديا التاريخية التي صنعتها الجيوشُ العربية منذ أن تحولت من مؤسساتٍ وظيفية إلى كياناتٍ فوق الدولة، تمارس السلطة دون مساءلة، وتحكم دون أن تُحاكم.

لكن في هذا البلد، كان للعسكر وجوهٌ كثيرة، كلٌّ منها أكثر فتكًا من الآخر، حتى أصبح المواطن السوداني، ذاك الكائن المعذَّب، رهينَ طاحونةٍ تدور برؤوسٍ متشابكة، إحداها الجيش الذي خنق الدولة منذ 1956، والأخرى مليشيا خرجت من رحم التوحش وصارت قوة تنازع الطاغية ذاته على سلطانه، في مشهد عبثي تتداخل فيه الأدوار بين الجلاد والضحية، حتى بات الوطن كله رهينةً بين المطرقة والسندان.

بدأت السردية القاتلة منذ أن استيقظ السودان المستقل على حقيقة أنه لم يُخلق ليحكم نفسه، بل ليكون حقلَ تجاربٍ لأوهام الضباطِ الذين قرأوا نصفَ كتبِ القوميةِ العربية، وظنوا أن الشعب صفحةٌ بيضاءُ قابلةٌ لإعادة التشكيل وفق أوامرِ القيادةِ العامة.
الفريق عبود، أول الطغاة، جاء كظلالٍ ممتدة لجيوشِ ما بعد الاستعمار، حيث لم يكن الاستقلالُ سوى قناعٍ رثٍ لاستعمارٍ داخلي أكثر فجاجة. ثم تلاهُ نُميري، العائد من شطحاتِ البعثِ الماركسي إلى خرافاتِ الهوسِ الديني، في مسيرةٍ عكست هشاشةَ السرديات التي حاول العسكرُ تسويقها، والتي انتهت إلى أن الشعب ليس سوى متغيرٍ ثانوي في معادلة الحكم.

لكن اللعبةَ الأكثر فجاجةً كانت في 1989، حين اختُزلت الدولةُ في معادلةٍ وحيدة: الإسلاميون والجيشُ كيانٌ واحد، والحربُ على المواطنِ أصبحت معركةَ استئصالٍ مفتوحة.
هنا، بدأ الجيش في التحول إلى عصبةٍ متآمرة، حيث لم يعد مجردَ قوةٍ تحكم باسم الدولة، بل صار جهازًا أيديولوجيًا يعمل لتصفية أي مشروعٍ خارج ثنائية “الطاغية المخلص” و”العدو الوجودي”. كانت الإنقاذُ لحظةَ التحامِ القمعِ المقدسِ مع السلاحِ الدنيوي، حيث أصبح الوطنُ مجردَ ساحةٍ تُعادُ هندستها وفق أوهامِ البقاءِ الأبدي.

في تلك اللحظة، وُلدت المليشيات.

وجيف الخطى الأولى ظهرت في دارفور، حيث اختُزلت الدولةُ في معسكراتِ الموت، وتحولت الجيوشُ النظاميةُ إلى أشباحٍ تراقبُ المذابح من بعيد. ومن رماد الجنجويد، خرجت قوات الدعم السريع، كظلٍّ كثيفٍ لنظامٍ أفرط في صناعة الوحوش، حتى كادَ يُبتلع بها.
حميدتي، بائع الإبل الذي صعد من ثقافة الغزو البدائي، أصبح رجل الدولة بامتياز، في استعارةٍ فظةٍ لصعود العوامِ المسلحين في الإمبراطورياتِ الآفلة. هنا، لم يكن الصراعُ مجردَ لعبةِ سلطة، بل كان إعادةَ توزيعٍ للقوةِ خارج أطرها التقليدية، حيث أصبح الموتُ رأسمالًا قابلًا للمساومة، وصارت الحربُ استثمارًا مفتوحًا، بمدخلاتِ الذهبِ ومخرجاتِ الخراب.

حين انفجرت الحرب في 15 أبريل 2023، لم تكن سوى لحظةٍ حتمية في سياقٍ بدأ منذ أن تخلّى الجيشُ عن كونهِ مؤسسةً وطنية، وأصبح مجردَ أداةٍ لصناعةِ الطغاة. لكنها كانت أيضًا إعلانًا لانهيارِ النموذجِ نفسه، حيث لم يعد بالإمكان إخفاءُ هشاشةِ الدولةِ خلفَ أستارِ البيروقراطيةِ العسكرية. الجيشُ الذي كان يُراد له أن يكون درعَ الدولة، أصبح شبحًا يتآكل من داخله، والدعمُ السريع، الذي أُنشئ كأداةِ قمع، أصبح دولةً صغيرة داخل الدولة، حتى خرجت الأمور عن نطاق السيطرة.

لا شيء يعبر عن هذه اللحظة أكثر من أصواتِ الخرطومِ المنكوبة، حيث تحوّلت المدينة إلى أطلالٍ تتردد فيها أصداءُ الأسئلة التي لم تجد إجابة: من يحكمُ السودان؟ هل هو الجيشُ الذي صار ظلًّا لنفسه؟ أم المليشياتُ التي خرجت من رحمِ الفوضى وأصبحت القوةَ الوحيدةَ القادرةَ على فرضِ معادلاتها؟ أم أن البلادَ محكومةٌ بمنطقِ الحربِ الدائمة، حيث الدولةُ مجردُ مرحلةٍ عابرة بين معركتين؟

إذا كان ماركس قد تحدث عن “الدولة كأداةٍ للقمع الطبقي”، فإن السودان يقدم نموذجًا أكثر تعقيدًا، حيث الدولةُ لم تعد موجودةً أصلًا، والقمعُ أصبح مُوزّعًا بين عدةِ أقطابٍ، كلٌّ منها يحاولُ أن يؤسسَ روايتهُ الخاصة.
الأمر ليس صراعًا بين سلطةٍ وشعب، بل بين عدةِ سلطاتٍ، كلٌّ منها ترى في الشعب مادةً خامًا لإعادةِ التشكيل.

هذا ما يُفسرُ لماذا تحولت المليشياتُ إلى كياناتٍ اقتصاديةٍ ضخمة، ولماذا أصبح الجيشُ نفسه طرفًا في تجارةِ الحرب، حيث لا أحد يرغبُ في إنهاءِ النزاع، لأن النزاع ذاتهُ أصبح مصدرَ الشرعيةِ الوحيد.

لكن المأساةَ الحقيقية ليست في القتلةِ فحسب، بل في الذين ما زالوا يبحثون عن تبريرٍ أخلاقي لهذه الفوضى. هنا، تأتي السردياتُ التي تحاولُ اختزالَ الأمرِ في “حربٍ بين معسكرين”، وكأن هناك حقًا معسكرًا يمثلُ الشعب. الحقيقةُ أن الشعبَ السوداني، الذي ظلَّ لعقودٍ محاصرًا بين الطغاةِ والجلادين، لم يعد طرفًا في المعادلة. لقد صار مادةً للفرجةِ في مسرحيةٍ دمويةٍ تُعيد إنتاج نفسها بوجوهٍ مختلفة، لكنها تحتفظُ بالحبكةِ ذاتها: الوهمُ، القمع، ثم السقوط.

عبد الخالق محجوب، الذي قُتل لأنه رفض أن يرى في الجيشِ حليفًا، كان يُدركُ أن العسكرَ لا يصنعون الثورات، بل يُجهضونها. غرامشي، الذي تحدث عن “الهيمنة” كأداةٍ لصياغةِ الوعي، كان ليجدَ في السودانِ نموذجًا فريدًا لهيمنةٍ لم تُصنع عبر الأفكار، بل عبر الرصاص. وبين هذا وذاك، يظل المواطنُ السوداني، الذي اعتاد أن يكون مشروعَ شهيد، في انتظارِ أن يسألهُ أحدهم: متى تُريدُ أن تكونَ مواطنًا كاملَ الحقوق؟

لكن لا أحد يسألُ هذا السؤال، لأن في السودان، كما في كل الدول التي سقطت في قبضةِ العسكر، السؤالُ الوحيدُ الذي يُسمعُ دائمًا هو: لمن السلطة؟ وما دامت الإجابةُ تأتي بالسلاح، فإن المواطنَ لن يكونَ سوى صدىً للأقدامِ التي تجوبُ الخرطوم، بحثًا عن غنيمةٍ جديدة.

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • هكذا تحارب إسرائيل التعليم في جنين وتمنع وصول آلاف الطلبة لمدارسهم
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟
  • بعد 15 شهرا من الحرب في غزة.. الأطفال الفلسطينيون يعودون إلى المدارس
  • عودة الأمل: الأطفال الفلسطينيون يعودون إلى المدارس بعد 15 شهرًا من الحرب
  • تفاصيل لقاء السوداني وأبو رغيف
  • مجلس الوزارء السوداني يتخذ موقفا حاسما تجاه المنتجات الكينية
  • تقرير: التعليم في غزة يواجه تحديات غير مسبوقة
  • دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني
  • السوداني يجتمع مع الجناح السياسي لميليشيا جند الإمام