محمد غالب يكتب.. حديث عن الأهرامات فوق جبال الألب!
تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT
على طريق السفر، كانت الأمطار لا تتوقف، غير معترفة بصيف يوليو، رسمت قطراتها خطوطاً متداخلة على زجاج الباص، ومن خلفه ظهرت جبال الألب شامخة تلامس السماء، فتشكلت لوحة بديعة من صنع الله.
وفى منتصف الطريق توقفت العربة وصعد داخلها ثلاثة مسئولين يرتدون زياً يبدو رسمياً، لرؤية «الباسبور» الخاص بركاب العربة، فعرفت حينها أننا خرجنا من الأراضى السويسرية وأصبحنا فى إمارة ليختنشتاين، واندهشت من بساطة الانتقال من بلد لبلد.
ظهرت معالم فادوز، عاصمة ليختنشتاين، سُحبها واضحة وكأنها قربت من الأرض، وكانت سماؤها شديدة الزرقة تُضفى سلاماً على البيوت الصغيرة المتفرقة بين الجبال الخضراء وعلى كل من يسير حولها.
كان المشهد بديعاً، ظللت أتفحص كل تفاصيله بدقة، وتذكّرت الصدفة التى قادتنى للسفر إلى إمارة ليختنشتاين، بعدما كنت فى رحلة لمدينة زيورخ فى سويسرا تستمر لأيام، كان ذلك فى آخر شهر يوليو عام 2017، وقتها اقترح الفكرة نزيل نمساوى تعرفت عليه فى «الهوستيل» الذى أقمت فيه بزيورخ، وحكى لى حينها عن ليختنشتاين بحماس، وفى محاولة منه لإقناعى قال إنها تبعد مسافة ساعة ونصف فقط عن المدينة السويسرية، فقررت الذهاب بعد تردد استمر لساعات، وذلك لحسابات تتعلق بضيق الوقت وارتفاع تكاليف الرحلة، خاصة أن الأسعار فى سويسرا شديدة الغلاء.
لكن فى النهاية غلبت روح المغامرة وخضت التجربة بحماس، وكان يوماً مميزاً أحفظه جيداً، ومهما مرت السنوات أحكى عن تفاصيله طوال الوقت.
ليختنشتاين تقع بين دولتى النمسا وسويسرا، وعاصمتها فادوز، وهى من أصغر دول أوروبا، وتقع بالكامل فوق جبال الألب.
تجولت قليلاً فى البلد الغريب والتقطت بعض الصور للذكرى، وأول ما قمت بزيارته فى الإمارة الصغيرة متحف اسمه Lichtenstein landes musem. ودخلت لعلى أتعرف بعمق على تاريخ هذا البلد ومعالمه، ولكن ما حدث وفاجأنى هو العكس، وجدت سكان البلد والأجانب قصدوا المتحف للتعرف على الحضارة المصرية بحب وبعيون تلمع من الانبهار والاحترام.
وبمجرد الدخول فوجئت بأن المتحف ملىء بصور للقدماء المصريين، وكتب مصورة ومطبوعة بجودة عالية وبأحجام مختلفة على أغلفتها صور للأهرامات وأبوالهول، بالإضافة لإكسسوارات على أشكال فرعونية، وكتيبات صغيرة تحكى عن حضارتنا وتوضح شكل الحياة المصرية القديمة، مع كلمات من قبيل سحر الأهرامات، والفراعنة عاشوا فى مصر القديمة. كنت أتنقل من مكان لآخر بسعادة مصحوبة بدهشة، أقلّب الأوراق، وأفتح الكتب بحب، حتى وصلت أمام قاعة مكتوب على بابها «هنا معايشة لآثار مصر الفرعونية»، بالإضافة إلى أوراق ودعاية لرحلات تقام للقاهرة من ليختنشتاين.
كانت مفاجأة سعيدة، خاصة أن أحداثها متعلقة بمصر، فوجهت سؤالى المتعلق بكل دهشتى مما رأيت إلى مسئولة بالمتحف، وبلغة إنجليزية ضعيفة للغاية قالت إن إدارة المتحف خصصت جزءاً كبيراً من المتحف للتعريف بمصر وآثارها الفرعونية وتاريخها، بالإضافة لعروض حكى عن تاريخ مصر وحضارتها، كما أن هناك إعلاناً عن رحلات تقام لمصر مع زيارة الأهرامات، بسبب تقديرهم لتلك الحضارة المبهرة.
وبفخر أخبرتها عن جنسيتى المصرية، فرحبت بى بشدة وأعربت عن تقديرها الشديد لى ولمصر وتاريخها الملهم.. وهو ما فعله كل زوار المتحف، لتنطلق أحاديث بكل حب عن القاهرة وناسها وشوارعها واختلافها.
وتعجبت من تلك المصادفة، والتى بسببها شعرت وكأنى أكثر أهل الأرض سعادة، ولم أشعر حينها بغربة ولا ببُعد مسافات.
تجولت بعدها بفخر داخل متحف ليختنشتاين الوطنى الذى يضم مجموعة من الأعمال الفنية المحلية للإمارة، ويمكن للزوار التعرف على التراث الثقافى لليختنشتاين، ومعلومات عن تاريخها. زيارة المتحف كانت خير بداية لجولتى فى الإمارة التى وقعت فى غرامها، وسرت على أرضها الخضراء بكل خفة وكأنى طائر يحلق فوق جبال الألب.
وجدت أن المواطن فى ليختنشتاين يتحدث الألمانية، ويمكن التعامل داخلها بعملة الفرنك السويسرى أو اليورو، وعلى الرغم من صغر مساحتها فإنها تتميز باستقرار مالى واقتصادى، ويوجد بها بعض الصناعات.
وأول الأماكن التى حرصت على زيارتها قلعة فادوس وهى المعلم الأشهر، والتى يسكن بها أمير ليختنشتاين، وللصعود إلىها استغرقنا نحو 25 دقيقة تقريباً، كنت أسير وقتها فى الطريق خفيفا مرحاً، أجرى وأبتسم وأدوّن وأصوّر، وكأنى لا أريد لهذا الطريق أن ينتهى أبداً، كان نسيم الهواء عليلاً، والمناظر بديعة، حيث إن العيون لا ترى سوى بيوت مطلة على مناطق خضراء واسعة، وسماء بلون نقى، وسحب تتحرك فى انسيابية بديعة، وناس من جنسيات مختلفة يتحركون بمرح فينشرون طاقة إيجابية فى المكان. أكثرهم من النمسا وسويسرا وألمانيا، حيث يعيشون فى الإمارة بجانب المواطنين فى ليختنشتاين. ومن الأماكن المميزة فى ليختنشتاين قرية مالبون بمساحتها الخضراء الواسعة، وغيرها من الأماكن الهادئة.
قضيت فى ليختنشتاين ٨ ساعات تقريباً، منذ العاشرة صباحاً وحتى الخامسة بعد المغرب، بعدها قررت العودة إلى زيورخ نظراً لارتباطى بمواعيد الباص.
وعلى الرغم من مساحة البلد الصغير، وضيق الوقت، تركت الزيارة أثراً كبيراً وذكريات لا تُنسى وحكايات أتذكرها مهما مرت السنوات.
فى طريق العودة لزيورخ، حرصت على تأمل الأرض والسماء والجبال الممتدة حتى الأفق، ورددت: «وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ»، كان مشهداً كنت أتمنى أن لا ينتهى أبداً.
بعدها عدت إلى زيورخ، وقلّبت فى الصور التى التقطتها بالكاميرا، وشاهدت ما عرضه المتحف من حكايات مصرية بإعجاب، وظللت أقلّب وأشاهد كل ما يتعلق بحضارتنا المصرية الساحرة، وأجعل كل من بجانبى يشاهد، وأحكى بفخر وسعادة وحب.
ثم عدت إلى مصر بعد أيام، وحكيت، وما زلت أحكى، مصر هى أجمل وأهم بلد فى العالم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: جبال الألب الأهرامات جبال الألب
إقرأ أيضاً:
محمد كركوتي يكتب: «صراع» رسوم لأكبر اقتصادين
تتحضر الصين لـ «المعركة» التجارية المتوقعة مع الولايات المتحدة، حيث تشير الأدلة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ستنفذ وعودها بفرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية، في سياق توجه هذه الإدارة للقيام بالشيء ذاته مع عدد كبير من البلدان، بما في ذلك دول حليفة لواشنطن.
غير أن الصين الأكثر استهدافاً حقاً من جانب ترامب، الذي اختار هوارد لوتنيك المعروف بمواقفه الصلبة حيال التعاطي التجاري مع الصين، وزيراً للتجارة، والذي ينادي بضرورة تقييد الصادرات التكنولوجية لبكين، وسن تعريفات جمركية لحماية قطاعات أميركية بعينها.
هذا التعيين يعطي بحد ذاته إشارة إلى أن الرئيس الأميركي المقبل، سيمضي قدماً في تنفيذ تعهداته الخاصة برفع الرسوم الجمركية.
وبالرغم من أن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، لم تتخذ مواقف مخففة حيال الصين، واستمرت في اتباع المنهج الذي سنه ترامب في فترته الرئاسية الأولى، إلا أن حجم التبادل التجاري بين واشنطن وبكين ارتفع في الأعوام الماضية، وسجل زيادة في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري بلغت 36.6% ليصل إلى أكثر من 470 مليار دولار أميركي. وتظل المعاملات التجارية تصب في صالح الصين، مستحوذة على ما يزيد على 354 مليار دولار من المجموع الكلي لهذه المعاملات. ولأن الأمر كذلك، تزداد مخاوف السلطات الصينية، من التحرك الأميركي المقبل، الذي يستهدف كل السلع تقريباً، بما في ذلك السيارات والألواح الشمسية ومعدات الزراعة وغيرها، ما جعل حراك بكين التجاري ينشط بقوة في الآونة الأخيرة مع دول جنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط.
لا يبدو أن العلاقة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، يمكن أن تشهد انفراجاً، على الأقل في العام الأول لإدارة ترامب. فهذا الأخير يعتقد بأنه على كل الدول التي تصدر لبلاده، أن تتوقع رسوماً جمركية إضافية، كما أنه يستعد أيضاً لدفع الشركات الأميركية العاملة في الخارج، للعودة إلى البر الأميركي، والحصول على إعفاءات مغرية. وبالفعل بدأ عدد منها في التخطيط للعودة، علماً بأن الصين تستقطب أعداداً كبيرة منها منذ عقود. السنوات الأربع المقبلة، ستكون مليئة بالمواجهات التجارية، حتى في نطاق الدول المتحالفة ذاتها.