الوطن:
2025-11-12@16:57:26 GMT

ناصر عبدالرحمن يكتب.. الحياة الافتراضية

تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT

ناصر عبدالرحمن يكتب.. الحياة الافتراضية

هل الحياة الافتراضية سيطرت على حياتنا الطبيعية؟ وهل هناك تشابه بين حياتنا الافتراضية وبين الخيال؟ وهل الخيال هو الأب الروحى لعالمنا الافتراضى؟ ولمَ اصطلح الناس وتوافقوا على اسم الحياة الافتراضية وليس اسم الحياة الخيالية؟ وهل ابتعدت الرؤى والأحلام عن هذا العالم الخيالى؟ مليون سؤال بمليار إجابة.. القاسم المشترك بينها هو أنت أيها الإنسان الذى تحتاج دائماً إلى ساحة تتشكل فيها وتندمج حتى لا تضمر، وتسقط فى هوة الاكتئاب.

تغيرت أيها الإنسان فلم يعد الخيال المجرد حافزاً للخروج من الملل والفشل والانسداد.. تغيرت حتى أصبحت تسقط أحمالك النفسية بلا هد ولا بناء.. فبعد الشعر والموسيقى والروايات والمسرح والسينما والتليفزيون، وكلها تنبع من مصدر واحد، هو الخيال المستند قرباً أو بعداً إلى المثال والواقع، والإبداع شرط الخيال.

أما العالم الافتراضى، فهو يهرب من الواقع والخيال والحلم إلى عالم جديد يراه ويسمعه ويعيشه ويبنى عليه ويحقق فيه النجاح والملك والمال والحب والتسيد والحرية بدون أى رجوع لأحد غيره، لذلك سيطر العالم الافتراضى، وتجاوز الخيال بتحقيقه، وتجاوز الحلم بتأويله، وتجاوز الواقع بصنع واقع بديل يخص كل واحد ممن دخلوا جزر العالم الافتراضى. وهذا النجاح، الجنون الذى يفترس كل من يعترضه، يفشل فى إزالة عائق واحد وهو الوهم، هذا الوهم هو البطل الأساسى فى هذا العالم الافتراضى، والوهم ستائر من الحجب سريعة التشكل والتشابك ونهم جداً فى استهلاك التفاصيل، إلا أن هذا الوهم العملاق الشرس الناعم يتميز ببيئة واحدة، شريان هذه البيئة هو الخوف.

إذن الخوف والتمرد وكره الواقع وعدم الاستطاعة، أدوات الوهم وتفاصيله، فبدون الوهم تنكشف ستائر العالم الافتراضى، كما أن هناك ما هو أبعد لنجاح العالم الافتراضى، وهو أن جنوده ومريديه وأهله أكثرهم المحبطون والحلمون والمتمردون والنفسيون والكافرون بالواقع. لذلك تقاربت جزرهم، وتعارفوا وتباعدوا عن العالم المجنون الذى نعيشه. تجد الفنان المحبط الذى قهرته جدران صماء، ترفض فنه لصالح نجوم أقل موهبة، هذا الفنان بجد فى العالم الافتراضى جزيرة آمنة ترعى فنه وتحققه، كذلك العاشق الذى لا يستطيع تحقيق عشقه داخل جزيرته الافتراضية ليعيش العشق، ولو من خلف ستائر وهمية، وكل من يريد أن يرى عالمه الافتراضى، يكفيه لمس أزرار العالم وتوجيهه، ولكى يتمكن الوهم من أهله، كان لا بد من دخول عناصر ومشهيات المنتجات الإبداعية التى تحققت على مدى السنين، كالفنون.. سينما ومسرح بنجومه ليدخلوا جزر الوهم الافتراضى، يضىء أنواره لعله يحظى بجمهور العالم الافتراضى، وهنا دخل نجوم العالم الواقعى من كتاب إلى مطربين، ممثلين ومشاهير، لخطف عيون جمهور العالم الوهمى، وتزداد ساحة العالم الافتراضى لتبتلع المنتج الإبداعى فى العالم كله.

كذلك يفتح العالم الافتراضى لدخول كل ما سبق وسجله العالم من إبداع وفن وتاريخ، هذا العالم الوهمى جعل العالم بطبقاته، قاراته ومعرفته، وغناه وفقره دون أى تفضيل ودون أى تمييز، ورغم سيطرة العالم الافتراضى على الجميع، ورغم ظهور الوهم وتفشيه بين الناس واقعاً، فإن العالم الوهمى الافتراضى مسبب النحاج الوهمى ومشعل الفتن، لا ولن يستطيع أن يحبك، لأنه وهم، ولأنك إنسان.

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الحياة الطبيعية الواقع الخيال

إقرأ أيضاً:

مسرحية أم كلثوم

لكل عصر جمهوره ولكل زمان ناسه وأهله ومزاجه تلك هى نظرية التلقى التى تعتمد على تغير الاذواق واختلاف الإدراك وتعدد الرؤى لكل متابع ومتلق وقارئ ومشاهد ومتذوق للعمل الفنى والأدبى، حيث تتبدل الثقافة والمجتمع والقيم الفنية وإيقاع الحياة ومعها إدراك وذائقة المتلقى، فما كان ملائما منذ مائة عام لن يصلح لنا فى هذا العصر والأجيال تتعاقب وتتطور سلبًا وإيجابًا، لذا فأن فكرة إعادة إحياء التراث الحديث هى محاولة لإنعاش ذاكرة الأجيال الجديدة مما يتناسب ويتلاءم مع إيقاع العصر البصرى التقنى السريع الذى يعيشونه، وقصة حياة كوكب الشرق أو الست أم كلثوم سيدة الغناء العربى فى القرن العشرين مادة خصبة وثرية لأن يتناولها الكتاب والمخرجون فنجد رائعة محفوظ عبد الرحمن وإنعام محمد على فى المسلسل التلفزيونى أم كلثوم ١٩٩٩ بطولة الجميلة صابرين وما قدمه من سيرة حياة مفصلة لصعود تلك الفرحة المصرية لقمة الهرم الفنى مع سرد درامى للتحولات السياسية والاجتماعية الكبرى والتى أثرت على مسيرتها الفنية وعلى الوطن، ثم جاء فيلم كوكب الشرق للمخرج الكبير محمد فاضل وإبراهيم الموجى والرائعة فردوس عبد الحميد والعظيم محمود ياسين ليعرض حكاية حب وصراع وإبداع بين ثومة ورامى والجانب الإنسانى العاطفى لأم كلثوم مع بعض الإرهاصات السياسية لثورة ١٩٥٢ ودور أم كلثوم الوطنى، ولا ننسى المسلسل الإذاعى عن أم كلثوم ١٩٧٥ تأليف كمال الملاخ وإخراج سمير عبد العظيم بطولة سميحة ايوب لكنه لم يحظى بذات الجماهيرية للعمل التلفزيوني…. وأخيرًا قرر الكاتب والمنتج مدحت العدل إن ينعش ذاكرة الفن بإنتاج عمل مسرحى غنائى استعراضى بتقنيات بصرية حديثة تستخدم آليات العصر من هيلوجرام وسينوغرافيا وتكنولوجيا سمعية وبصرية حديثة فى عمل عن أم كلثوم برؤية تتناسب مع فكر وذائقة الجيل أو الجمهور المستهدف مع نص لا يغفل الجمهور القديم التقليدى للمسرح؛ فيخرج العرض الفنى بأصوات شابة وممثلين جدد ليمتزج القديم والحديث فى المعنى والمضمون مع الشكل والفورم.

القصة والحكاية عن زمن فات وفنانة ولدت فى أواخر القرن التاسع عشر وتألقت فى القرن العشرين حتى رحلت ١٩٧٥ ومع هذا فإنها باقية بصوتها وكلمات أغنياتها وألحان عباقرة العصر الماضى والحالى من رامى وعبد الوهاب محمد وناجى وشوقى إلى القصبجى وزكريا أحمد والسنباطى وبليغ وعبد الوهاب كل ببصماته الغنائية وملامحه الإبداعية لعصر يحتفل بالكلمة واللحن والاداء الذى جمع شتات الأمة العربية وقضى على خلافات الشعوب والأسرة المصرية وهى تجتمع كل خميس لتسمع شدو الست.. العرض قدم أصواتا مبدعة لأسماء الجمل ومحمد صلاح الدين وليديا وكذلك ممثلون جدد أحمد الحجار وسعيد سلمان وملك أحمد الطفلة فى دور أم كلثوم.. وعماد إسماعيل من الجيل الوسط المسرحية غنائية وكلمات الشاعر مدحت العدل امتزجت بأغنيات رامى وبيرم وربعيات الخيام كما ركز الكاتب والمخرج على تقديم شخصية أم كلثوم فى لقطات سريعة ولحظات فارقة ومحاولة كشف الصراع الداخلى بسبب عدم الإستقرار العاطفى والأسرى الذى عانت منه فى مرحلة الشباب..

الصورة البصرية والاستعراض والرقص يميل إلى الحداثة وفن البالية فى تمارج جديد غير مألوف مع أغنيات شرقية الإيقاع كلاسيكية المعنى.. المخرج أحمد فؤاد إكتشاف ينبئ بنقلة فى المسرح الغنائى الإستعراضى وإنتاج العدل يثرى المسرح وإن كانت التكلفة وبعد المسافة للمسرح تؤثر سلبًا على مساحة الجمهور المستهدف للعرض.. لكنها آليات السوق ما دامت الدولة لا تدعم الفنون بشكل كاف ووافى.. من حق الشباب أن يشاهد ويعرف رموزه وتاريخه الحديث لأنه يستحق ذلك.. أتمنى عرض المسرحية بوسط البلد وفى المحافظات الكبرى للجمهور العريض بالتعاون والدعم من وزارة الثقافة.. تحية واجبة لفريق العمل وللكاتب والمنتج مدحت العدل..

 

مقالات مشابهة

  • رأي.. شارل ميشيل يكتب: العالم عند مفترق الطرق والأخوة الإنسانية هي البوصلة الصحيحة
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (غابة الكتابات)
  • أكاديمية الأزهر العالمية تعقد ندوة علمية حول «مسائل الفقه التراثي الافتراضية في العصر الحديث»
  • الموديلات الافتراضية.. ثورة الذكاء الاصطناعي في الإعلام والإعلان
  • “هلوسات”.. الذكاء الاصطناعي يخطط لعطلات في مدن ومواقع من الخيال!
  • يتباهون بما لا يملكون
  • النائب الذى نريده
  • مسرحية أم كلثوم
  • إله المقاهي.. حين يصنع الجهل آلهته في زمن "الفيسبوك"
  • عبد السلام فاروق يكتب: أحمد شوقي حارس العلم الأخير