وفى الشعر اللبنانى اتخذ الشعراء من المواقف الوطنية مدخلا لشعرهم الفكاهى الناقد فى شعر أمثال الشاعر القروى رشيد سليم الخورى، وشاع مثل ذلك لدى كل من: أحمد فارس الشدياق، وسعيد تقى الدين، وأمين الريحانى، وميخائيل نعيمة، ورئيف خورى، وإيميل أبو سمرا، مما نجد تفصيله فى كتاب الروض الزاهى فى الأدب الفكاهى للشيخ محمد نجيب مروة، وروائع الأدب الفكاهى للشيخ على مروة، ومجلة العرفان الصادرة عن صيدت لمؤسسها أحمد عارف الزين، وكان من فرسان الأدب الفكاهى فى اليمن أحمد بن شرف الدين القارة فى القرن التاسع عشر فى ديوانه بالعامية، وكانت للشاعر البردونى فكاهاته، وتجلت فى الأدب التونسى فكاهات حسين الجزيرى، وغنى عن البيان دور بيرم التونسى.
وهكذا وجدنا من بين أصوات شعر العامية ما عرف بالأدب الساخر التهكمى الناقد، وإنْ أطلق عليه (الشعر الحلمنتيشي)، المازج بين الفصحى والعامية، نسبة إلى فرقة «حلمنتيش»، التى كانت تعرض هذا الفن، وقيل إنها مركبة من كلمتين: «حلا» من الحلاوة، ومنتيشى» من «نتش» ومعناها فى العامية: جذب، و»التّنّاش» فى العامية المصرية: الفشار أو الكذاب، فالمعنى : «النتش الحلو، أو الفشر الحلو « وهو ما أعدّه من علامات شعر العامية، إذْ يجْمع بين الفصحى الخالصة البسيطة، من ناحية، والعامية الصافية، من ناحية أخرى؛ فقد اتصل بشعر العامية، أو انبثق منه ما سمّى «الشعر الحلمنتيشى»، الجامع بين الفصحى والعامية، والمعتمد على الفكاهة التى قد ترجع إلى عصريْ المماليك والعثمانيين. بل لعل شيئا منه عرفه الأقدمون، ونشط مع النهضة الموسيقية فى مصر والسودان مع مطلع القرن العشرين، وانتقل إلى الحجاز ويرجع أصله المعاصر إلى حسين المصرى، ومن شعره ما عارض فيه معلقة طرفة، كما عارض آخرون، مثله، شعرنا القديم فى أمثلة عديدة يطول الحديث عنها، وفى ذلك كله عالجوا قضايا المجتمع المعاصر، وناهضوا الظلم والحكم المستبد والاستعمار على نحو فاق دور السرد، بل دور النثر الأدبى بأنواعه المتعددة؛ إذْ شاع هذا الشعر فى مصر منذ مطالع القرن الماضى بغية الإصلاح الاجتماعى فى صورة السخرية اللاذعة والتهكم المر، متواريا فى أقنعة؛ اتقاء البطش السلطوى، ساعد على ذلك ما يتمتع به المصرى من ميل للنكتة والدعابة حتى فى مواجهة الصعاب والمصائب والأزمات والقمع، واشتهر أعلامه، وإنْ تخفّوا خلف رموز أو أسماء مستعارة، بمثل ما اشتهرت صحفه ومجلاته كالبعكوكة.
وذاع وانتشر واستمر هذا اللون، واشتهر أعلامه المعاصرون البارزون الآن، ومما كتب عن الفكاهة فى الأدب: أصولها وأنواعها، أحمد الحوفى، نهضة مصر بالفجالة، مصر د.ت، وحافظ إبراهيم شاعر النيل، عبدالحميد سند الجندى، دار المعارف، القاهرة ط3 1981، والفكاهة فى مصر، شوقى ضيف، اقرأ، دار المعارف 1988، وقهاوى الأدب والفن، عبدالمنعم شميس، اقرأ، دار المعارف، القاهرة 1991، والفكاهة والسخرية عند حافظ إبراهيم، عبدالعاطى كيوان، النهضة المصرية، القاهرة 1997، والسخرية فى أدب المازنى، حامد عبدالهوال، هيئة الكتاب، القاهرة 1982، وسيكلوجية الفكاهة والضحك، زكريا إبراهيم، مكتبة مصر، القاهرة د.ت، والضحك، هنرى برجسون، ترجمة سامى الدروبى، وآخر، هيئة الكتاب، القاهرة 1997. انظر عن الفكاهة: انظرالنوادر والطرائف، الفكاهة فى الشعر العربى، سراج الدين محمد، دار المكاتب الجامعية، موسوعة المبدعون، مكتبة المدنى الإلكترونية AIDNI.
عضو المجمع العلمى وأستاذ الأدب والنقد بجامعة عين شمس
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لغتنا العربية جذور هويتنا
إقرأ أيضاً:
ملتقى “قراءة النص 21” يوصي بتأسيس مركز وطني لتدوين التراث الشفوي السعودي
أسدل “ملتقى قراءة النص” الستار على فعاليات دورته الـ(21)، التي نظمها النادي الأدبي الثقافي بجدة، واستمرت على مدى ثلاثة أيام، بعنوان “التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهية والكتابية”.
وشهدت الدورة حراكًا ثقافيًا مميزًا، توَّجه المشاركون بتكريم الأديب محمد عبدالرزاق القشعمي، تقديرًا لعطائه وإسهاماته البارزة في خدمة الأدب السعودي وتراثه الثقافي.
وأكد المشاركون في بيانهم الختامي أهمية استمرار وزارة الثقافة في تبني مبادرات تدعم مثل هذه الملتقيات، وترسيخ ثقافة تكريم الرموز الثقافية والأدبية، وإبراز منجزاتهم، مع طباعة الأبحاث المقدمة في الملتقى وتطوير برامج لتنمية المواهب الأدبية والثقافية لدى الشباب والشابات، بما يعزز الهوية الثقافية السعودية ويبرز حضورها المحلي والعالمي.
وشملت التوصيات الصادرة عن الملتقى، التأكيد على ضرورة ديمومة انعقاده لما يمثله من أهمية في إثراء المشهد الثقافي والأدبي، مع تعزيز الاستفادة من مخرجاته في الأقسام الأكاديمية والدراسات العليا بالجامعات السعودية.
ودعت التوصيات إلى تأسيس مركز وطني لتدوين التراث الشفوي السعودي؛ بهدف حفظ الموروث الثقافي للأجيال القادمة، إلى جانب تشجيع المرويات الشعبية ودعمها بوصفها رافدًا محوريًا في توثيق التراث الوطني.
وأكدت التوصيات أهمية الاستفادة من التقنيات الحديثة في جمع ورصد الفنون الشعبية، بما في ذلك توثيق الأهازيج والحكايات والمرويات الشفهية، مع السعي لردم الفجوة بين الأدب المكتوب والرواية الشفهية عبر دراسات وأبحاث متخصصة تُعنى بتعزيز هذا الجانب الأدبي ودعمه.
واختتم المشاركون بالدعوة إلى تعزيز التعاون بين المؤسسات الأدبية والبحثية، ودعم المبادرات الريادية التي تسهم في تطوير الأدب السعودي، مع التركيز على الدور الأكاديمي في تحليل ودراسة مخرجات الملتقيات الثقافية ورسم اتجاهاتها النقدية والمعرفية.