لجريدة عمان:
2024-09-18@11:38:44 GMT

اقتصاد العالم مَرِن لكنه يتعثر

تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT

جلبت السنوات الأربع الأخيرة ثلاث صدماتٍ هائلة هي جائحة كوفيد-19واختلال سلاسل التوريد في فترة ما بعد كوفيد، والحرب في أوكرانيا، والارتفاع الذي أعقبها في أسعار السلع. هل انتهت هذه السلسلة من الصدمات الواسعة النطاق الآن؟ الحرب في غزة توحي أن الإجابة ربما بالنفي. مما يشكل الاضطراب في سوق السندات مؤخرا مؤشرا آخر على استمرار انعدام القدرة على التنبؤ بما يمكن أن يحدث في المستقبل.

وهكذا فالتحليل الذي أُعِدَّ بعناية في أحدث نسخة لتقرير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عن آفاق الاقتصاد العالمي ربما تجاوزته الأحداث بعض الشيء. لكنه مع ذلك وكما هي الحال دائما مفيد جدا. وما يقوله لنا مشجع ومزعج في الوقت ذاته. لقد أثبت لنا اقتصاد العالم مرونته لكن أداءه تدهور في الأجل الطويل. وترافق ذلك مع تفاوت في الأداء الاقتصادي للبلدان الغنية والأكثر فقرا قياسا إلى التوقعات.

لنبدأ بالمرونة إذن. هنا توجد ثلاث تطورات مشجعة، فصندوق النقد الدولي لم يكن بحاجة إلى إجراء أية تعديلات مهمة لتوقعاته في أبريل. إلى ذلك انحسر الاضطراب المالي في الربيع الماضي بانهيار البنوك الإقليمية في الولايات المتحدة وبنك كريدي سويس. والأهم من كل ذلك هنالك أدلة متزايدة على أن التضخم ربما سيتم خفضه إلى المعدل المستهدف بدون انكماشات اقتصادية. وهكذا قد يتضح أن انخفاض التضخم خال من المشاكل بأكثر مما سبق أن توقعت. أشار تقرير آفاق الاقتصاد العالمي إلى أن أسواق العمل لا تزال قوية في عدد من بلدان الدخول المرتفعة دون أن تكون هنالك أدلة على وجود "دوامات" ارتفاع في الأجور والأسعار. كما ثمة أدلة أيضا بتقلص التفاوت في الأجور مع ارتفاع الأجور الأدنى بالنسبة إلى الأجور الأعلى. ويشير التقرير إلى أن ذلك ربما يعود إلى ميزات الرفاهية التي يحققها العمل عن بُعد والمرِن للعاملين المهرة. فهؤلاء على استعداد للعمل من البيت بأجر أقل. مع ذلك تظل هناك مخاطر مهمة في الأجل القصير. إحدى هذه المخاطر أن تصبح أزمة العقارات في الصين أكثر سوءا، ومن بينها أيضا احتمال حدوث المزيد من التقلبات في أسعار السلع. ومن المخاطر أيضا ضعف الاستهلاك مع نفاد المدخرات التي تراكمت خلال حقبة كوفيد خصوصا في الولايات المتحدة. ومنها أيضا اتضاح أن التضخم أكثر مرونة مما كان متوقعا. وحقيقة الأمر أن خفض التضخم يبدو ممكنا بدون انكماش ليس سببا للتخلي عن جهود خفضه قبل الأوان. وأخيرا سيتضح أن السياسة المالية ستكون مقيدة بقدر أكبر في هذا العالم الجديد.(أي أن قدرة الحكومة على فرض الضرائب وتقليل الإنفاق ستكون محدودة - المترجم). ذلك يعني خصوصا أن البلدان النامية ستواجه تحديات كبيرة في التعامل مع الديْن باهظ التكلفة. ومن المرجح كما يبدو أن نشهد المزيد من الصدمات. إلى ذلك ولسوء الحظ لا تعني المرونة ضمنا الأداء الجيد. وهكذا في عام 2023 سيكون الإنتاج العالمي أقل بنسبة 3% مما كان متوقعا قبل الجائحة. ما هو أكثر من ذلك هذه الخسائر قليلة في بلدان الدخل المرتفع. بل في الولايات المتحدة هناك مكاسب طفيفة. لكن في البلدان الصاعدة والنامية كان التأثيرأشد ضررا. هذا يعكس قدرة البلدان الدخل المرتفع على التعامل مع الصدمات والتي تفوق كثيرا قدرة البلدان الأفقر والتي تفتقر إلى إمكانية إيجاد لقاحات أو اقتراض أموال بتكلفة زهيدة. نتيجة لذلك قضت صدمات الجائحة والحرب في أوكرانيا والمناخ على جهود استمرت لعقود لخفض الفقر. فحسب البنك الدولي زادت أعداد من يعيشون في فقر مدقع بحوالي 95 مليون شخص في عام 2022 مقارنة بأعدادهم في عام 2019.

يجب وضع هذا الأداء الاقتصادي الضعيف والمتفاوت في سياق زمني أطول. يلاحظ تقرير آفاق الاقتصاد العالمي أنه كان هنالك انخفاض بنسبة 1.9% في توقعاته عن آفاق النمو العالمي في المدى المتوسط لعام 2008 مقارنة بتوقعاته لعام 2023. التدهور عام لكنه مهم خصوصا للبلدان النامية. فالعدد المتوقع للسنوات اللازمة للبلدان الصاعدة والنامية كي تسد نصف الفجوة بين الدخول مقابل الفرد مع بلدان اقتصادات الدخول العالية ارتفع بشدة من 80 عاما بحسب تقديرات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي في أبريل 2008 إلى 130عاما وفقا لتقديراته في أبريل 2023. فالتقارب الاقتصادي "المفرِح" بين هذه البلدان يتوقف.

هناك المزيد من المصاعب في الأجل الطويل. إحداها المناخ. فالعالم شهد شهر سبتمبر الأشد حرارة على الإطلاق في هذا العام بعد أن تجاوز أعلى درجة حرارة مسجلة في السابق بنصف درجة مئوية. وهذه حالة استثنائية. إضافة إلى ذلك إذا ظلت أسعار الفائدة الحقيقية مرتفعة بشكل دائم كما يعتقد البعض ستكون الظروف اللازمة للاستثمار والنمو في الأجل الطويل أسوأ على نحو دائم أيضا. وذلك تماما في وقت يتطلب زيادة ضخمة في الاستثمار لمواجهة تحديات المناخ والوفاء بأهداف التنمية الأوسع نطاقا. كل هذا غالبا ما سيفاقمه تشظِّي اقتصاد العالم مع تصاعد الحمائية واحتدام التنافس الجيوستراتيجي. وفي أسوأ الأحوال سيتضح أن الآثار السلبية للسنوات الأخيرة ليس فقط من غير الممكن إزالتها ولكنها ستكون نذيرا بأداء مختل بشكل دائم.

في آخر المطاف كل هذه المشاكل سياسية أساسًا. وهذه طريقة أخرى للقول إنها تكاد تكون غير قابلة للحل. نحن لدينا الموارد والتقنية اللازمة للتعامل معها. وليس هنالك سبب وجيه لأن يعيش هذا العدد الكبير من الناس في مثل هذه الظروف القاسية. كما لا يوجد سبب أيضا لأن نفشل في التصدي لمشاكل المناخ والتحديات البيئية الأخرى. لكن لكي نفعل ذلك نحن بحاجة إلى معرفة مصالحنا المشتركة وضرورة العمل الجماعي وأن ما كنا نعتبرها حتى وقت قريب احتمالات بعيدة التحقق أصبحت وشيكة. جماعيا نحن سيئون في التفكير والعمل بطرائق معقولة. بل أصبحنا أسوأ في الوقت الحاضر كما يظهر من الفوضى التي تضرب بأطنابها في واشنطن وخيارات السياسات السيئة في الصين وحرب أوكرانيا الكارثية والفشل في التوصل إلى أي نوع من السلام بين إسرائيل والفلسطينيين والعجز عن تجنب بعض العواقب التي ترتبت عن الصدمات الأخيرة للبلدان الفقيرة. في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي (المنعقدة حاليا) في مراكش بالمغرب يحتاج واضعو السياسات إلى الاتفاق على زيادة ضخمة للموارد المتاحة لكلا المؤسستين. كل أحد تقريبا يعلم ذلك. فهل سيحدث ذلك؟ علينا أن نشك كثيرا وكثيرا جدا. لكن يجب أن يتوصلوا إلى هذا الاتفاق. لقد آن للبشرية أن تتعقَّل قليلا.

الكاتب كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الأجل

إقرأ أيضاً:

توماس فريدمان: دور أميركا بالعالم كان صعبا لكنه اليوم أصعب بكثير

تناول الكاتب الأميركي المخضرم توماس فريدمان، في مقاله الأسبوعي بصحيفة نيويورك تايمز، المعضلات التي تواجه السياسة الخارجية الأميركية وتجعل دورها في "إدارة العالم" يبدو أصعب مما كان عليه الحال حتى إبان حقبة الحرب الباردة.

ووصف فريدمان إدارة ملفات السياسة الخارجية بأنها "أصعب" بكثير مما يتخيل معظم الأميركيين؛ بل "أقرب إلى المستحيل" في عصر يتطلب من الولايات المتحدة إدارة قوى عظمى، وشركات عملاقة، وأفراد وشبكات فائقة القوة، وزوابع هوجاء، ودول غارقة في الفشل، وأجهزة استخبارات فائقة الفعالية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2المونيتور: شكوك عنصرين من حزب الله دفعت إسرائيل إلى تعجيل تفجيرات البيجرlist 2 of 2صحيفة إسرائيلية: الجيش يطلق خطة لمكافحة تهريب الأسلحة من الأردنend of list

وأبرز أن كل ما ذكر متداخل ببعضه، ويخلق شبكة معقدة بشكل لا يصدق من المشاكل التي يتعين حلها لإنجاز أي شيء.

وقارن الكاتب الحال الراهن بالأوضاع التي كانت سائدة خلال حقبة الحرب الباردة والتي اتسمت بما يطلق عليها "الدبلوماسية الجريئة" وكان بطلها آنذاك وزير الخارجية هنري كيسنجر الذي لم يستغرق منه الأمر جهدا مضنيا لصياغة اتفاقيات فك الارتباط التاريخية بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بين إسرائيل ومصر وسوريا.

فقد كان كيسنجر يتعامل مع دول، بعكس وزير الخارجية الأميركي الحالي أنتوني بلينكن الذي يعتقد فريدمان أنه لم يكن محظوظا عندما تولى المنصب حيث اضطلع هو ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومدير وكالة الاستخبارات المركزية بيل بيرنز بمهام صعبة وأداروها بشكل جيد، على حد تعبيره.

وعقد الكاتب مقارنة أخرى بين الشرق الأوسط في عهدي كيسنجر وبلينكن، لافتا إلى أن المنطقة تحولت الآن من منطقة تضم دولا قومية "صلبة" إلى منطقة تتكون من دول فاشلة، ودول أشباح، ورجال "ثائرين متمكنين ومدججين بصواريخ دقيقة التوجيه"، وفق تعبيره.

وأوضح أنه يعني بذلك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والجماعات الشيعية في العراق.

أما في سوريا -يضيف فريدمان- فالحكومة هناك مسؤولة عن دمشق فقط، أما بقية أرجاء البلاد فهي عبارة عن خليط من المناطق التي تسيطر عليها روسيا وإيران وتركيا وحزب الله والقوات الأميركية والكردية.

وأشار إلى أنه لا يمكن للولايات المتحدة التواصل مع "شبكة" حماس في قطاع غزة إلا عبر الوسطاء القطريين والمصريين.

ومن التعقيدات التي تواجهها السياسة الخارجية الأميركية اليوم -في نظر المقال- أن لدى حماس جناحا عسكريا داخل غزة وآخر سياسيا خارج القطاع.

وإزاء هذه التعقيدات، فإن فريدمان يرى أن الشيء الواضح له في عالم الجغرافيا السياسية الجديد الذي سيتعين على رئيس الولايات المتحدة القادم إدارته هو أنه بحاجة إلى كثير من الحلفاء، مضيفا أن إدارة المشاكل الدولية الراهنة لا تقتصر على "أميركا وحدها" بل على "أميركا وأصدقائها" معا.

وهذا هو السبب الذي يجعله (أي فريدمان) يفضل مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس على خصمها الجمهوري دونالد ترامب لتكون رئيسة للبلاد، لأنها عملت في إدارة الرئيس الحالي جو بايدن الذي كان أعظم الإرث الذي سيتركه في السياسة الخارجية هو قدرته على بناء تحالفات.

صحيح أن الحفاظ على التحالفات ليس بالأمر السهل أبدا، لا سيما في وقت تبدو فيه الولايات المتحدة غير مستعدة عسكريا لمواجهة روسيا وإيران والصين المنخرطة منذ سنوات في تعزيز قدراتها العسكرية، بينما تفتقر واشنطن حرفيا إلى الأسلحة اللازمة للقتال على الجبهات الثلاث في وقت واحد، وفق فريدمان.

وأعرب الكاتب عن ثقته بأن نائبة الرئيس هاريس مؤهلة فعلا لمنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة في حال فازت بالرئاسة بعكس ترامب "الذي يخطئ في قضيتين هما بناء التحالفات ومكافحة الهجرة".

ورأى أن خيار ترامب التلقائي الذي يرتكز على فرضية "أميركا وحدها" هو وصفة لأميركا ضعيفة ومعزولة وهشة وفي اضمحلال.

مقالات مشابهة

  • توماس فريدمان: دور أميركا بالعالم كان صعبا لكنه اليوم أصعب بكثير
  • في سوريا أيضاً... إنفجار أجهزة pager بعناصر حزب الله
  • اليوم.. وزير الرياضة ورئيس الاتحاد الدولي لليد يفتتحان بطولة العالم للكراسي المتحركة
  • تين هاج عن لقب البريميرليج: الكؤوس مهمة أيضا
  • راشد الزيدي: المعرض الدولي للتمور منصة عالمية تحتضن المنتجين والمستثمرين بدول العالم
  • «تريندز» ينظم مؤتمره السنوي الدولي الرابع في اليابان
  • ابن كيران: طلبت من الملك إعفائي مرات عدة لكنه قال: "إلى مشيتي غادي يطيح الدستور"
  • وزير الخارجية: نشعر بالغضب الشديد من تخاذل المجتمع الدولي لما يحدث بالأراضي الفلسطينية
  • في يومه العالمي.. متى يختفي ثقب الأوزون نهائيا؟
  • "الثروة الزراعية والسمكية" تسعى لتبادل الخبرات في المؤتمر الدولي للهندسة الساحلية بإيطاليا