تعاود أذاننا وعيوننا وعقولنا على مر ساعات اليوم الواحد في الجرائد وعلى الشاشات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وفي عزلتنا ومع أصدقائنا وذوينا عدة مفردات منها تقتيل- ترويع- تشريد- دمار- مقاومة- دفاع عن النفس- تهجير – قصف – تجويع … كيف لنا أن نرتب علاقات وروابط هذه المفردات؟ هل الدفاع عن النفس يستدعي الإبادة والتقتيل والوحشية؟ هل الدمار والتشريد والترويع والترهيب تقابله المقاومة؟ ماذا لو لم تكن هناك مقاومة؟ أيخيل للمرء أنه سينتفي الدمار والإبادة، أم أنهما خاصيتين إسرائيليتين؟
أفعلا يمكن أن نتصور أن إسرائيل تريد أن تعيش في سلام ! إن ما نشهده من تقتيل وإبادة وجرائم لا ينم عن نية صريحة أو استعداد لقبول بوضع مسالم مع الفلسطينيين.
فيما يخص أسطورة “الضحية” فإسرائيل تقدم نفسها على أنها “ضحية” جميع” الحركات الرديكالية والمتطرفة” كما يسميها منظرو إكزنوفوبيا فلسطين. وهذه الحركات تتخذ جميع الأشكال الممكنة فهي تارة “إسلامية”، “إرهابية”، “متوحشة”، “ضد السامية”، “مقاومة”، “انتحارية”، “مخربة”، “متطرفة”، “أصولية”، “داعشية”، “حيوانية”، “الشر المطلق” … ولتيقنها بأنها “أولى الضحايا” و”الضحية المثلى” فإن إسرائيل تستثمر في جميع المجالات لمناهضة هذه الحركات: مجالات عسكرية، مجالات استخباراتية، مجالات علمية، مجالات إعلامية، مجالات ثقافية …
أما أسطورة السلام والتعايش فلا سلام إلا سلام إسرائيل ولا تعايش إلا تعايش إسرائيل. فهي المنظومة التي تأثث وتحكم السلام-كل ما يكمن أن يقترحه الآخر- ومفهوم الآخر عند إسرائيل هو أساسا فلسطين ومن يقف في صفها أضحى عداءا وظلما وجورا وإرهابا في حق “الضحية” إسرائيل. إنها “ضحية تاريخية” أما فلسطين فهي “ضحية ظرفية” وجب عليها قبول السلام والتعايش لكي يجبر ضرر “الضحية”. فيظهر أن على فلسطين أن تتقمص دور “ضحية الضحية” دون أن تحرك ساكنا أو تصدر صوتا أو أنينا مثلها مثل “حيوان” تتم إبادته والفتك به. كل ما تريده “الضحية” فهو صواب لأنه يدخل في إطار التعويض عن الحرمان وجبر الضرر. وهل فلسطين هي المجرم ؟ أهي من ألحق الضرر بإسرائيل؟ وهل إسرائيل هي “ضحية” فلسطين؟ فماذا لو عكسنا هذه الأسئلة؟ ما إمكانية السلام والتعايش؟
في سياق هذه التساؤلات القديمة، الجديدة، المتجددة، ترتدي إيديولوجية حَيْوَنَة فلسطين وشَيْطَنَتُها رداء وقناع الديمقراطية. فنسمع من داخل ومن خارج محيط إسرائيل أن هذه الأخيرة تشكل النموذج الأسمى للديمقراطية بالمنطقة. فكيف لها ذلك وهي تنفي جميع مقومات الديمقراطية وحق الحياة للآخر وتعتبره بمثابة “حيوان”. فالإسرائيلي له الحق في اختيار ممثليه كانوا رجال دين متطرفين-ليبراليون-يمينيون-يساريون-شيوعيون…وله الحق كذلك في التمدرس والسكن والتنقل… أما الآخر الفلسطيني فلا حق له في اختيار ممثليه فإذا تم له ذلك وجب على اختياراته أن تلائم تطلعات “الضحية” التي لا ترى لديمقراطية فلسطين إلا ذلك الوجه الذي يفي بحقوقها في التحكم في الشؤون الداخلية والخارجية لفلسطين. إنها تريدها “ديمقراطية بالتفويض” فممثلو الشعب الفلسطيني يفترض بهم تمثيل تطلعات إسرائيل، فهم مُرَوَّضُون على ذلك فإن لم يلتزموا بدورهم وجب إزاحتهم بجميع الأشكال الممكنة: قتل-خطف-اغتيال-تسميم-تفجير-سجن-ترحيل- قصف – اقتناص-تجويع – تشريد …
وأخيرا تبقى أسطورة الدفاع عن النفس هي الأكثر تجسيدا لإيديولوجيا حَيْوَنَة الإنسان الفلسطيني لأنها تكشف الجانب النفسي والتشنجي لهذه المنظومة الفكرية حيث تتجلى عقدة الآخر وشَيْطَنَتَه في تنصيبه في وضع ومكانة “الحيوان العدو” “ الحيوان المهاجم” “الحيوان الإرهابي” “الحيوان المخرب”… فكل أشكال مقاومته ودفاعه تصنف على أنها “إرهاب” و”تخريب” لإسرائيل وتهديد لسلمها وأمنها فهي “إرهاب وخرق لكل المواثيق الدولية لحسن الجوار والتعايش”
ويخيل للمرء أن “الضحية” هي التي لها الشرعية المطلقة واللامتناهية في التقتيل والترويع والوحشية والتهجير لأنها تدافع عن نفسها. وكأن الدفاع عن النفس لا يستتب إلا باستمرار الغارات والقصف دون توقف وباستعمال الأسلحة المحظورة والغازات السامة والحارقة بل وتجربة بعض الأسلحة على ” ضحية الضحية ” وقطع الماء والكهرباء ومنع وصول المساعدات الغذائية والطبية. فتعدو غزة المحاصرة كمختبر للتجارب والفلسطينيين “حيوانات كوباي”. عن إي دفاع عن النفس تتحدث إسرائيل ومناصريها؟ إن منطق كل فكر أو عقيدة تحب وتحترم الإنسان لا يمكن إلا أن ترفض هذه الشَيْطَنَة و الحَيْوَنَة .
فبين الدمار والإبادة الشاملة والمقاومة تبقى أشلاء وجثت أطفال ونساء وشيوخ ومدنيو غزة مدخلا لا إنسانيا للقرن الواحد والعشرين. ولكي يتيقن كل من يحب ويقدر العنصر البشري أن إسرائيل تجسد بممارساتها العسكرية نوعا متشنجا لحَيْوَنَة الإنسان من خلال إكزنوفوبيا مرضية و شَيْطَنَة عنصرية.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: السلام والتعایش الدفاع عن النفس
إقرأ أيضاً:
محافظ دمشق الجديد يحاول التنصل من تصريحاته بشأن السلام والتعايش مع إسرائيل ويقول الله هو الرقيب
برّر محافظ دمشق ما فعلته تل أبيب في سوريا من غارات وقضم للأراضي، ورأى أن سببه هو القلق من القيادة الجديدة. فقال: "إن إسرائيل قصفت قليلا وتقدمت قليلا". فعن القصف "قليلا"، أراد مروان أن يتحدث عن نحو 500 غارة على سوريا أما التقدم "قليلا"، فهي إشارة لاحتلال إسرائيل مزيدا من الأراضي في بلاده.
اعلانبعد الضجة التي أثارتها تصريحاته بشأن إسرائيل ورغبته في السلام معها، حاول محافظ دمشق الجديد النأي بنفسه عن عبارات تفوّه بها، وقال إن السلام الذي كان يقصده هو السلام والتعايش الداخلي، وأنه أن السياسة الخارجية من اختصاص أناس آخرين في الإدارة الحالية. وأضاف بأن الله هو الرقيب على ما قال ونوى.
لكن رغم هذا التراجع، فإن تسجيل المقابلة التي أجرتها معه إذاعة NPR الأمريكية كان واضحا، ولا تحتمل الكلمات التي قالها أي لبس.
فماهر مروان أثناء الحوار لم ير مانعا في التواصل مع إسرائيل، بل إنه تفهم مخاوف الدولة العبرية من حكومة أحد الشرع المكنى سابقا بأبو محمد الجولاني.
وتصريحاته التي تنصل منها تُفسَّر أن سوريا على أعتاب مرحلة سقطت فيها كل المحرّمات والمستحيلات، حيث تبدو الواقعية السياسية هي التي تحرك حكام دمشق الجدد الذين أسقطوا نظام بشار الأسد.
كما قال حاكم محافظة دمشق المعيّن حديثا إنه من الطبيعي أن تكون لدى تل أبيب بعض القلق من الحكام الجدد في البلاد وأضاف: "نحن نريد السلام وسوريا تريد علاقات أفضل مع إسرائيل."
وبرّر ما فعلته الدولة العبرية في سوريا مؤخرا من غارات وقضم للأراضي، ورأى أن سببه هو القلق الذي يساور تل أبيب من القيادة الجديدة. فقال: "إن إسرائيل شعرت بالخوف، فقصفت قليلا وتقدمت قليلا".
فعن القصف "قليلا"، أراد مروان أن يتحدث عن قرابة 500 غارة شنتها إسرائيل على عدة مناطق في سوريا منذ سقوط النظام.
أما التقدم "قليلا"، ففي ذلك إشارة لاحتلال تل أبيب مؤخرا مزيدا من الأراضي في الجولان السوري الذي تسيطر على معظمه منذ نكسة حزيران. ومن تلك الأراضي المنطقة المنزوعة السلاح التي نصت عليها اتفاقية وقف الاشتباك عام 1974 والمقدّرة مساحتها 400 كم مربع، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في وقت سابق إن تلك الاتفاقية قد سقطت.
كما توغلت الدولة العبرية أكثر في الأراضي السورية، واحتلت قمة جبل الشيخ البعيدة عن الجولان بـ10 كيلومترات. وقد صعد إثرها نتنياهو فوق أعلى نقطة في الجبل ليكون بذلك أول مسؤول إسرائيلي يطأ أرضا سورية باستثناء الجولان المحتل. وقال وقتها إنه كان في نفس المكان قبل 53 عاما حيث سبق له أن خدم كجندي في جبل الشيخ حين كان في الجيش.
Relatedشاهد: غارات إسرائيلية تهز دمشق.. استهداف مواقع أمنية وقصف يطال مطار المزةبين شرب القهوة وتدخين السجائر.. جنود الجيش الإسرائيلي يستمتعون بوقتهم في الجولان السوري هل آن أوان "إسرائيل الكبرى"؟ حافظ الأسد أراد السباحة يوما في طبريا فاحتل نتنياهو أعلى قمم جبل الشيخ"مشكلتنا ليست إسرائيل"وفي موقف يناقض تماما السردية أيام نظام بشار الأسد، صرح ماهر مروان قائلا: "لا خوف لدينا تجاه إسرائيل. لأنه مشكلتنا ليست إسرائيل ولا نريد أن نعبث بأمنها".
وقالت القناة إن المسؤول السوري كان يتحدث بالنيابة عن رجل دمشق القوي أحمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام وأضافت أنه لم يأت على ذكر الملف الفلسطيني ولا الحرب الدائرة في غزة ورأت أن هذا يتسق مع رؤية أحمد الشرع الذي سبق له وقال إنه لا يريد الدخول في صراع مع إسرائيل.
وفي محاولة لطمأنة الجار الذي كان بالأمس عدوا لدودا، تعهد مروان بأن الإدارة الجديدة في سوريا لا تنوي التدخل في أي شيء قد يهدد أمن إسرائيل أو أمن أي دولة أخرى.
وقال مروان أيضا " هناك ناس يريدون التعايش. يريدون السلام ولا يريدون النزاعات ".
برغماتية وواقعية سياسيةهذا التصريح ليس الوحيد الذي يعبر عن مقاربة النظام الجديد، فقد سبقته تصريحات أخرى تصب في نفس الاتجاه خصوصا فيما يخص الموقف من تل أبيب.
وهو يعكس رغبة حكام سوريا الجدد في الحصول على قبول المجتمع الدولي بهم بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد بعد 24 عاما منها 14 سنة من الحرب الأهلية.
اعلانفمن خلال هجوم خاطف لم يدم أكثر من 11 يوما، أسقط هؤلاء بقيادة هيئة تحرير الشام التي ارتبطت يوما بتنظيمي القاعدة وداعش، حكما عمره نصف قرن إذا أخذنا في الاعتبار حكم الأسد الأب.
وأثناء اللقاء مع NPR، دعا محافظ دمشق الجديد واشنطن للتوسط حتى يكون لسوريا الشرع علاقات أفضل مع إسرائيل. كما أن مسؤولا أمريكيا لم يرد الكشف عن اسمه قال للقناة أن أمريكا نقلت للدولة العبرية رسالة من هيئة تحرير الشام.
وختم مروان مقابلته بالقول: "نحن نريد السلام ولا نستطيع أن نكون ندّا لإسرائيل ولا لأي أحد".
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الحرب الأهلية في السودان تخلّف أزمة إنسانية غبر مسبوقة: 150 ألف قتيل و12 مليون نازح كم راتبًا تحتاج لاقتناء منزل في أوروبا؟ في أول ظهور عسكري منذ الإطاحة بالأسد.. إدارة العمليات تستعرض قوتها في دمشق بشار الأسدإسرائيلأبو محمد الجولاني هضبة الجولاناستعمار- احتلالبنيامين نتنياهواعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الجيش الإسرائيلي يحرق مستشفى كمال عدوان ويكثف قصفه على غزة وحماس تؤكد: إسرائيل ترفض وقف إطلاق النار يعرض الآن Next عاجل. "حادث مأساوي" .. بوتين يعتذر لرئيس أذربيجان عن تحطم الطائرة في الأجواء الروسية يعرض الآن Next فرنسا: لوائح مرورية تنظيمية جديدة خاصة بالدرجات النارية ومكان سيرها وويل للمخالف يعرض الآن Next حالات التشرد في أمريكا ترتفع بنسبة 18.1% مع وجود 150 ألف طفل بلا مأوى يعرض الآن Next وزير الخارجية الإسرائيلي: النظام في دمشق لا يعد حكومة شرعية بل "عصابة" اعلانالاكثر قراءة من السكري والعقم إلى السرطان.. تعرف على أبرز الاكتشافات الطبية لسنة 2024 يورونيوز نقلا عن مصادر حكومية أذرية: صاروخ أرض جو روسي وراء تحطم الطائرة في كازاخستان محافظ دمشق الجديد يحاول التنصل من تصريحاته بشأن السلام والتعايش مع إسرائيل ويقول الله هو الرقيب هآرتس: حماس تستعيد قوتها بسرعة وعمليات الجيش الإسرائيلي في غزة تتعثّر العالم يحتفل بعيد الميلاد ليلة الـ24 من ديسمبر.. هل تعلم أن المسيح لم ير النور في ذلك التاريخ؟ اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومإسرائيلبشار الأسداليمنأبو محمد الجولاني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزةقطاع غزةحركة حماسسورياقصفهيئة تحرير الشام تشردالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024