رسائل السادات بلسان الحاضر| مصر لا تقبل المساومة على أرضها.. وعلى اسرائيل أن تتخلى عن أحلام الغزو والاعتقاد بأن القوة هي خير وسيلة للتعامل مع العرب
تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT
كلماتٌ لم ينسها التاريخ.. عاشت دهرًا وخلدت نصرًا وشكّلت موقفًا حازمًا ويقينًا ثابتًا وسياسة مصرية لم تتبدل من قديم الأزل وحتى الحاضر بأن أرض مصر لا تقبل المساومة ولن يطأ ترابها غير المصريين.
عودة إلى ما يقرب من 50 سنة مضت.. عندما فاجأ الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، العالم أجمع بالذهاب إلى الكنيسيت الإسرائيلي وقبول الدعوى لإلقاء خطاب على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
لقد كانت الزيارة الرئاسية الأكثر زهوًا واهتمامًا إعلاميًا عبر التاريخ، قرأ بها الرئيس السادات حاضر القضية العربية الإسرائيلية ومعطياتها واستشرف بها المستقبل، وحمل رسائلًا عدة، كان أحرى بالعالم كله أن يتخذها دستورًا من أجل التعايش ويسط المحبة والسلام، وأحرى لإسرائيل أن تعلم من خلالها أن وجودها في هذه البقعة على الأرض مرهون بالسلام لا بالقوة.
وقد كان حقًا ما قاله السادات وتنبأ به مسبقًا، فلو سارع الجميع بمد يد السلام ما تفاقمت الأمور وبعُدت الشقة واستشرى العداء، ولو تخلى جيش الاحتلال الإسرائيلي عن القوة مع العرب ما صار منبوذًا خاسرًا خاسئًا تتلقفه المنايا بصواريخ المقاومة الفلسطينية.
واليوم، بعد 50 سنة، وفي ظل ما وصلت إليه القضية الفلسطينية، تغيرت الرؤى وتبدلت المواقف، لكن موقف مصر وسياستها كانت واضحة وجلية للجميع، سياسة لا ترمي سوى للحفاظ على الأرض وشمول السلام في كل أرجاء المنطقة.
العرب لا تُخضعهم القوة.. ولا يرهبهم العنفيقول السادات في خطابه التاريخي: "وبكل صراحة، وبالروح التي حدت بي على القُدوم إليكم اليوم، فإني أقول لكم، إنَّ عليكم أن تتخلّوا، نهائيًا، عن أحلام الغزو، وأن تتخلّوا، أيضًا، عن الاعتقاد بأن القوة هي خير وسيلة للتعامل مع العرب".
ولم يتحدث السادات بهذه الثقة، إلا عن تجربة، فعندما تمادت إسرائيل في وهم القوة التي لا تقهر، علّمتها مصر درسًا للتاريخ، كيف تملك القوة وكيف تستخدمها، وأن صرخة جندي مصري واحد أقوى من طلقات المدافع وأزيز الطائرات.. فيقول لهم السادات في عقر دارهم: " لقد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع، حاولتم أن تبنُوه على مدى ربع قرن من الزمان، ولكنه تحطم في عام1973 .
كان جدارًا من الحرب النفسية، المستمرة في التهابها وتصاعدها، كان جدارًا من التخويف بالقوة، القادرة على اكتساح الأمة العربية، من أقصاها إلى أقصاها.
كان جدارًا من الترويج، أننا أمّة تحولت إلى جثة بلا حراك، بل إن منكم من قال إنه حتى بعد مضيّ خمسين عامًا مقبلة، فلن تقوم للعرب قائمة من جديد، كان جدارًا يهدد دائما بالذراع الطويلة، القادرة على الوصول إلى أي موقع وإلى أي بُعد.
كان جدارًا يحذرنا من الإبادة والفناء، إذا نحن حاولنا أن تستخدم حقّنا المشروع في تحرير أرضنا المحتلة، وعلينا أن نعترف معًا بأن هذا الجدار، قد وقع وتحطم في عام 1973.
وإن رسائل الرئيس السادات تنسحب على اليوم بكل ما تملكه من معانٍ ودلائل، فلن تخضع غزة بالقوة، ولن يستسلم أهلها، وأن وهم إسرائيل بتصفية القضية الفلسطينية مجرد هواجس شيطانية لن تصل بها إلا لمزيد من التعقيد والتورط في حرب ستستنزف الجميع وترهق إسرائيل ومن يدعمها وتلقي بها في جحيم لن ينتهي.
رسالة الماضي والحاضر لإسرائيل: تخلوا نهائيًا عن أحلام الغزو"إنَّ عليكم أن تتخلّوا، نهائيًا، عن أحلام الغزو"، "إنَّ عليكم أن تستوعبوا جيدًا دروس المواجهة بيننا وبينكم، فلن يجيدكم التوسع شيئًا، ولكي نتكلم بوضوح، فإن أرضنا لا تقبل المساومة، وليست عُرضة للجدل. إنَّ التراب الوطني والقومي، يعتبر لدينا في منزلة الوادي المقدس طُوى، الذي كلَّم فيه الله موسى - عليه السلام. ولا يملك أي منّا، ولا يقبل أن يتنازل عن شبر واحد منه، أو أن يقبل مبدأ الجدل والمساومة عليه".. هكذا تحدث السادات.
تحدث السادات بنبرة مرتفعة ولغة صاخبة، لا تسمع الآذان فقط، بل تردع النفوس الطامعة، وتُرهب الخواطر وتسكت الحناجر التي ظنت أنها ستعلو فوق إرادة مصر، أو تنل من العرب.
تحدث السادات فسكت الجميع، صوّر لهم بكلماته أن جحيم الحروب جنةٌ لنا على هذه الأرض، وأن التراب الوطني بالنسبة للمصريين تستوي فيه الحياة فوقه مع الموت أسفله، وأنه لا قبول لمبدأ الجدل والمساومة حوله.
لقد كان السادات يتحدث عن مصر، لكنه يضع دستورًا لكل العرب، ويمنح الجميع فرصة لإنهاء الصراع، لتنعم فلسطين بدولتها الحرة المستقلة، وتتراجع إسرائيل عن أحلامها التي لن تكتمل وتضمن لنفسها السلام وحق التعايش.
تحدث السادات وكأنه يرى اليوم بأم عينيه، ويعرف ما ستؤول له الأمور، وما ستنتهي إليه الأحوال، فلا إسرائيل ستنعم بعيشٍ هادئ، ولن تمنحها القوة سوى مزيد من الخوف، لأن العرب لا يستسلمون.
شجعوا قادتكم على السلاموالرسالة هنا إلى الشعوب، قالها السادات مناديًا شعوب العالم، وبالأخص إسرائيل التي تغرق في هوة الجحيم بفعل قادتها، فطالب الإسرائيليين بأن يشجعوا قادتهم على السلام.
قال السادات: "فيا كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل: شجعوا قيادتكم على نضال السلام، ولتتجه الجهود إلى بناء صرْح شامخ للسلام، بدلاً من بناء القلاع والمخابئ المحصنة بصواريخ الدمار، قدّموا للعالم صورة الإنسان الجديد في هذه المنطقة من العالم، لكي يكون قدوة لإنسان العصر، إنسان السلام في كل موقع ومكان."
والثابت، أن خطاب السادات هذا خلده التاريخ، وصار أيقونة لمن أراد أن يعتبر، أو يقرأ الحاضر ويستشرف المستقبل بذكاء منقطع واستراتيجية بديعة.
تابع السادات: يا أيتها الأم الثكلى، ويا أيتها الزوجة المترملة، ويا أيها الابن الذي فقد الأخ والأب، يا كل ضحايا الحروب..
املئوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام.
املئوا الصدور والقلوب بآمال السلام.
اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر.
اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال.
وإرادة الشعوب هو من إرادة الله.
وبإيمان لا يتزعزع، وسياسة لا تقبل المهادنة والتفريط، حافظت مصر على موقفها الداعم كليًا للأشقاء العرب، والمتبني للقضية الفلسطينية والداعي للسلام العادل والشامل، والرافض لكل أشكال العنف والاستفزاز الإسرائيلي في حق الفلسطينيين.
وفطنت مصر في عهد الرئيس السيسي وتحت قيادته، إلى أطماع إسرائيل بتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة، من أجل سحب الصراع إلى مناطق تمس الأمن القومي المصري، وهي أحلام عابثة ومطامع واهمة، لن تحدث ولن تُشكل واقعًا أو حقيقة يوما ما.
وقد كان الرئيس السيسي واعيًا بكا يلزم، ليوجه حديثه إلى أهل غزة وقاطنيها المناضلين، مشددا أن يبقى أهالي غزة "صامدين ومتواجدين على أرضهم" وذلك لضمان حقهم والتمسك به.
وقال الرئيس السيسي إن مصر ملتزمة بوصول "المساعدات سواء كانت طبية أو إنسانية في هذا الوقت الصعب إلى القطاع"، مؤكدا على "الموقف الثابت" للقاهرة من ضمان الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
كاتب صحفي: إسرائيل لم تحترم أي معاهدة أو هدنة
قال الكاتب الصحفي بلال الدوي، إنّ إسرائيل لم تحترم أي معاهدة أو هدنة، ومصر الوحيدة التي أجبرتها على السلام.
وأضاف خلال لقائه على قناة «إكسترا نيوز»، أنّ التهديدات تشير إلى وجود مخطط للشرق الأوسط، حيث يريدون الفوضى الخلاقة كما يقولون.
وتابع: «هذا المخطط نجح في بعض الدول، وفشل في بعض الدول وفي القلب منها مصر، وسبب فشله في مصر لأن هناك عمود فقري للدولة المصرية وهي القوات المسلحة المصرية والجيش الوطني العظيم المنتصر، إضافة إلى أنّ مصر لديها مؤسسات وطنية وشرطة ومواطن مصري واعٍ، واحنا بنقول لدينا معركة وعي، وهناك إيجابيات حققتها الدولة المصرية».
وأكمل: «إسرائيل لم تعترف بالهدنة في لبنان رغم موافقتها وتوقيعها عليها، ولم تحترم الهدنة، لأن إسرائيل لديها مخطط تريد تنفيذه فى الأراضي اللبنانية، وإسرائيل لم تنفذ أي هدنة أو أي اتفاق على مدار تاريخها إلا مع مصر وهي اتفاقية كامب ديفيد، لأن مصر دولة قوية وقادرة على صيانة أمنها واستقرارها وسلامة أراضيها، وبالتالي أرغمت إسرائيل على السلام».