كلماتٌ لم ينسها التاريخ.. عاشت دهرًا وخلدت نصرًا وشكّلت موقفًا حازمًا ويقينًا ثابتًا وسياسة مصرية لم تتبدل من قديم الأزل وحتى الحاضر بأن أرض مصر لا تقبل المساومة ولن يطأ ترابها غير المصريين.
عودة إلى ما يقرب من 50 سنة مضت.. عندما فاجأ الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، العالم أجمع بالذهاب إلى الكنيسيت الإسرائيلي وقبول الدعوى لإلقاء خطاب على مرأى ومسمع من العالم أجمع.

لقد كانت الزيارة الرئاسية الأكثر زهوًا واهتمامًا إعلاميًا عبر التاريخ، قرأ بها الرئيس السادات حاضر القضية العربية الإسرائيلية ومعطياتها واستشرف بها المستقبل، وحمل رسائلًا عدة، كان أحرى بالعالم كله أن يتخذها دستورًا من أجل التعايش ويسط المحبة والسلام، وأحرى لإسرائيل أن تعلم من خلالها أن وجودها في هذه البقعة على الأرض مرهون بالسلام لا بالقوة.

وقد كان حقًا ما قاله السادات وتنبأ به مسبقًا، فلو سارع الجميع بمد يد السلام ما تفاقمت الأمور وبعُدت الشقة واستشرى العداء، ولو تخلى جيش الاحتلال الإسرائيلي عن القوة مع العرب ما صار منبوذًا خاسرًا خاسئًا تتلقفه المنايا بصواريخ المقاومة الفلسطينية.

واليوم، بعد 50 سنة، وفي ظل ما وصلت إليه القضية الفلسطينية، تغيرت الرؤى وتبدلت المواقف، لكن موقف مصر وسياستها كانت واضحة وجلية للجميع، سياسة لا ترمي سوى للحفاظ على الأرض وشمول السلام في كل أرجاء المنطقة.

العرب لا تُخضعهم القوة.. ولا يرهبهم العنف 

يقول السادات في خطابه التاريخي: "وبكل صراحة، وبالروح التي حدت بي على القُدوم إليكم اليوم، فإني أقول لكم، إنَّ عليكم أن تتخلّوا، نهائيًا، عن أحلام الغزو، وأن تتخلّوا، أيضًا، عن الاعتقاد بأن القوة هي خير وسيلة للتعامل مع العرب".

ولم يتحدث السادات بهذه الثقة، إلا عن تجربة، فعندما تمادت إسرائيل في وهم القوة التي لا تقهر، علّمتها مصر درسًا للتاريخ، كيف تملك القوة وكيف تستخدمها، وأن صرخة جندي مصري واحد أقوى من طلقات المدافع وأزيز الطائرات.. فيقول لهم السادات في عقر دارهم: " لقد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع، حاولتم أن تبنُوه على مدى ربع قرن من الزمان، ولكنه تحطم في عام1973 .

كان جدارًا من الحرب النفسية، المستمرة في التهابها وتصاعدها، كان جدارًا من التخويف بالقوة، القادرة على اكتساح الأمة العربية، من أقصاها إلى أقصاها.

كان جدارًا من الترويج، أننا أمّة تحولت إلى جثة بلا حراك، بل إن منكم من قال إنه حتى بعد مضيّ خمسين عامًا مقبلة، فلن تقوم للعرب قائمة من جديد، كان جدارًا يهدد دائما بالذراع الطويلة، القادرة على الوصول إلى أي موقع وإلى أي بُعد.

كان جدارًا يحذرنا من الإبادة والفناء، إذا نحن حاولنا أن تستخدم حقّنا المشروع في تحرير أرضنا المحتلة، وعلينا أن نعترف معًا بأن هذا الجدار، قد وقع وتحطم في عام 1973.

وإن رسائل الرئيس السادات تنسحب على اليوم بكل ما تملكه من معانٍ ودلائل، فلن تخضع غزة بالقوة، ولن يستسلم أهلها، وأن وهم إسرائيل بتصفية القضية الفلسطينية مجرد هواجس شيطانية لن تصل بها إلا لمزيد من التعقيد والتورط في حرب ستستنزف الجميع وترهق إسرائيل ومن يدعمها وتلقي بها في جحيم لن ينتهي.

رسالة الماضي والحاضر لإسرائيل: تخلوا نهائيًا عن أحلام الغزو 

"إنَّ عليكم أن تتخلّوا، نهائيًا، عن أحلام الغزو"، "إنَّ عليكم أن تستوعبوا جيدًا دروس المواجهة بيننا وبينكم، فلن يجيدكم التوسع شيئًا، ولكي نتكلم بوضوح، فإن أرضنا لا تقبل المساومة، وليست عُرضة للجدل. إنَّ التراب الوطني والقومي، يعتبر لدينا في منزلة الوادي المقدس طُوى، الذي كلَّم فيه الله موسى - عليه السلام. ولا يملك أي منّا، ولا يقبل أن يتنازل عن شبر واحد منه، أو أن يقبل مبدأ الجدل والمساومة عليه".. هكذا تحدث السادات.

تحدث السادات بنبرة مرتفعة ولغة صاخبة، لا تسمع الآذان فقط، بل تردع النفوس الطامعة، وتُرهب الخواطر وتسكت الحناجر التي ظنت أنها ستعلو فوق إرادة مصر، أو تنل من العرب.

تحدث السادات فسكت الجميع، صوّر لهم بكلماته أن جحيم الحروب جنةٌ لنا على هذه الأرض، وأن التراب الوطني بالنسبة للمصريين تستوي فيه الحياة فوقه مع الموت أسفله، وأنه لا قبول لمبدأ الجدل والمساومة حوله.

لقد كان السادات يتحدث عن مصر، لكنه يضع دستورًا لكل العرب، ويمنح الجميع فرصة لإنهاء الصراع، لتنعم فلسطين بدولتها الحرة المستقلة، وتتراجع إسرائيل عن أحلامها التي لن تكتمل وتضمن لنفسها السلام وحق التعايش.

تحدث السادات وكأنه يرى اليوم بأم عينيه، ويعرف ما ستؤول له الأمور، وما ستنتهي إليه الأحوال، فلا إسرائيل ستنعم بعيشٍ هادئ، ولن تمنحها القوة سوى مزيد من الخوف، لأن العرب لا يستسلمون.  

شجعوا قادتكم على السلام

والرسالة هنا إلى الشعوب، قالها السادات مناديًا شعوب العالم، وبالأخص إسرائيل التي تغرق في هوة الجحيم بفعل قادتها، فطالب الإسرائيليين بأن يشجعوا قادتهم على السلام.
قال السادات: "فيا كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل: شجعوا قيادتكم على نضال السلام، ولتتجه الجهود إلى بناء صرْح شامخ للسلام، بدلاً من بناء القلاع والمخابئ المحصنة بصواريخ الدمار، قدّموا للعالم صورة الإنسان الجديد في هذه المنطقة من العالم، لكي يكون قدوة لإنسان العصر، إنسان السلام في كل موقع ومكان." 

والثابت، أن خطاب السادات هذا خلده التاريخ، وصار أيقونة لمن أراد أن يعتبر، أو يقرأ الحاضر ويستشرف المستقبل بذكاء منقطع واستراتيجية بديعة.

تابع السادات: يا أيتها الأم الثكلى، ويا أيتها الزوجة المترملة، ويا أيها الابن الذي فقد الأخ والأب، يا كل ضحايا الحروب..
املئوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام.
املئوا الصدور والقلوب بآمال السلام.
اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر.
اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال.
وإرادة الشعوب هو من إرادة الله.

رسائل السادات ومواقف مصر الخالدة

وبإيمان لا يتزعزع، وسياسة لا تقبل المهادنة والتفريط، حافظت مصر على موقفها الداعم كليًا للأشقاء العرب، والمتبني للقضية الفلسطينية والداعي للسلام العادل والشامل، والرافض لكل أشكال العنف والاستفزاز الإسرائيلي في حق الفلسطينيين.

وفطنت مصر في عهد الرئيس السيسي وتحت قيادته، إلى أطماع إسرائيل بتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة، من أجل سحب الصراع إلى مناطق تمس الأمن القومي المصري، وهي أحلام عابثة ومطامع واهمة، لن تحدث ولن تُشكل واقعًا أو حقيقة يوما ما.

وقد كان الرئيس السيسي واعيًا بكا يلزم، ليوجه حديثه إلى أهل غزة وقاطنيها المناضلين، مشددا أن يبقى أهالي غزة "صامدين ومتواجدين على أرضهم" وذلك لضمان حقهم والتمسك به.

وقال الرئيس السيسي إن مصر ملتزمة بوصول "المساعدات سواء كانت طبية أو إنسانية في هذا الوقت الصعب إلى القطاع"، مؤكدا على "الموقف الثابت" للقاهرة من ضمان الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: رسائل ا لا تقبل

إقرأ أيضاً:

أعلام فلسطين ترفرف بجانب «الخريطة الكاملة».. 10 رسائل من «الصامدين في غزة» إلى إسرائيل

بين البهجة والتحدي، وبدءا من الحضور الرمزي للقائد السابق في حركة حماس يحيى السنوار، وصولا إلى توزيع الورود، حرصت الفصائل الفلسطينية على توظيف كل تفصيلة في مراسم تنفيذ الصفقة الثانية لتبادل الأسرى.

10 مشاهد مؤثرة أرسلت إشارات قوية عبر طقوس الاستقبال، فبينما تفاعل الشعب الفلسطيني بحفاوة مع المحررين، كانت كل ورقة وردة تُلقى في طريقهم تعبر عن إصرار على مواصلة النضال، ولم تكن الصفقة مجرد تبادل للأسرى، بل كانت رسالة واضحة «القضية الفلسطينية حية». 

وفي رمزية فلسطينية إلى قائد الفصائل يحيى السنوار، حرصت الفصائل الفلسطينية على الانتشار في محيط منزل السنوار الذي هدمه الاحتلال الإسرائيلي، مع تحديد حي خان يونس لتسليم الأسرى الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر تمهيدا لتسليمهم  لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

السنوار حاضر بمسدسه

وعلقت الفصائل لافتة كبيرة عليها صورة السنوار الشهيرة ممسكا بالسلاح.

أما المشهد الثاني فكان حرص الفصائل على إطلاق سراح آجام بيرجر أولا في جباليا عند مستشفى كمال عدوان، التي صمدت في وجه الاحتلال الإسرائيلي طوال 15 شهرا.

جباليا مقبرة جفعاتي

أما المشهد الثالث فهو طبع الفصائل لافتة كبيرة مكتوب عليها بالعبرية «جباليا، مقبرة جفعاتي» مع شعار حملة حماس «طوفان الأقصى في رسالة تبعثها الفصائل لإسرائيل وتهديد للجيش الاحتلال إذا كان يفكر في استئناف الحرب في المستقبل».

أعلام فلسطين ترفرف

وكان المشهد الرابع هو علم فلسطين الذي حرصت الفصائل على أن يعلق في زينة عرضية، مربوطة في بقايا المنزل التي مازالت واقفة، رغم قصف إسرائيل لها بكل أنواع الأسلحة خلال الحرب.

ورود وفرحة عارمة

#فيديو سيدة فلسطينية تلقي الورود على جموع عناصر كتائب القسام المنتشرة تمهيدًا لعملية تسليم أسرى. pic.twitter.com/coIJiKIel5

— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) January 30, 2025

خامس هذه المشاهد، كانت اللقطة العفوية لسيدة فلسطينية حملت مزهرية ورود مصنوعة من الخشب وبها ورود قامت بنثرها على الحضور من الفلسطينيين المشاركين في مشاهد تبادل الأسرى.

شعارات كتائب جيش الاحتلال

المشهد السادس كان عبارة عن شعارات كتبتها الفصائل الفلسطينية على لافتات في رسائل إلى جيش الاحتلال حيث كانت الشعارات تمثل وحدات عسكرية في جيش الاحتلال (الناحال، وكفير، وجفعاتي، و401) تعرضت لكمائن قاتلة وتلقت خسائر فادحة خلال المعركة في شمال غزة.

 شارات النصر في الأتوبيس

أما المشهد السابع  فكان من نصيب الأسرى الفلسطينيين الذين التقطت لها شاشات الفضائيات الموجودة في غزة صورا لهم رافعين شارات النصر في الحافلة البيضاء التي تضمهم، وفيها أفراد الصليب الأحمر، تمهيدا لتسليمهم إلى الفصائل الفلسطينية.

خريطة فلسطين الكاملة

وكان المشهد الثامن هو وجود خريطة فلسطين على منصة الفصائل التي تضم كرسيين فارغيين في إشارة إلى الشهيدين يحيى السنوار وإسماعيل هنية، في تأكيد حدود فلسطين التاريخية قبل النكبة عام 1948 وقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي.

فشل في استعادة الأسرى رغم كل الدمار

وكان المشاهد التاسع هو إخراج أسيرة إسرائيلية من مكان محترق، وجزء منه مهدم في إشارة إلى أن إسرائيل هدمت المباني، لكنها فشلت على مدار 15 شهرا في استعادة الأسرى.

سلاح جندي إسرائيلي مهزوم

أما المشهد العاشر والأخير، فكان حرص الفصائل على إبراز صورة قطعة سلاح (بندقية) حصلوا عليها من جندي إسرائيلي بعد قتله.

 

مقالات مشابهة

  • كاتب صحفي يوضح دلالات استضافة القاهرة لاجتماع وزراء الخارجية العرب |فيديو
  • "بسيوني": استضافة القاهرة لاجتماع وزراء الخارجية العرب يعكس دور مصر لدعم القضية الفلسطينية
  • محمود بسيوني يوضح دلالات استضافة القاهرة لاجتماع وزراء الخارجية العرب
  • العلاقات الثنائية وجهود السلام.. رسائل في اتصال السيسي وترامب اليوم
  • قيادية بحماة الوطن: أرضنا لا تقبل المساومة.. والشعب سطّر ملحمة في دعم فلسطين
  • أهلي2006 يفوز على المقاولون العرب بثمانية أهداف في دوري كرة القدم النسائية
  • قيادية بحماة الوطن: أرضنا لا تقبل المساومة
  • الكرة النسائية.. «أهلي 2006» يفوز على المقاولون العرب بثمانية أهداف في الدوري
  • قلق من جيش مصر.. سفير إسرائيل يثير تفاعلا بحديث عن القوة العسكرية المصرية وتناميها
  • أعلام فلسطين ترفرف بجانب «الخريطة الكاملة».. 10 رسائل من «الصامدين في غزة» إلى إسرائيل