قبل أقل من شهر من اختراق مقاتلي حركة حماس "الجدار الحديدي" الإسرائيلي المتطور وشنها الهجوم الذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي، أجرى مقاتلوها تدريبات تجريبية علنية على مرأى من إسرائيل.

الأمر لم يقتصر على هذا، بل إن تسجيلا دعائيا مصورا مدته دقيقتان أنتج ببراعة ونشرته حماس عبر مواقع التواصل الاجتماعي يوم 12 من سبتمبر الجاري لمقاتلين يستخدمون المتفجرات لتفجير نسخة طبق الأصل من البوابة الحدودية، واقتحام شاحنات صغيرة ثم الانتقال من مبنى لآخر عبر نموذج تم إنشاؤه بالكامل لمستوطنة إسرائيلية، مطلقين النيران على مجسمات لأهداف بشرية.

كما شارك في التدريب بالذخيرة الحية الذي أطلقت عليه حماس اسم "الركن الشديد" ونفذه مسلحون يرتدون دروعا واقية للبدن وملابس قتالية ينفذون عمليات شملت تدمير نماذج بالأحجام الطبيعية لأبراج الجدار العازل الخرسانية وهوائيات اتصالات، في تنفيذ مطابق لما فعلوه خلال هجوم السبت الماضي.

وقال برادلي بومان، وهو ضابط سابق في الجيش الأميركي يشغل الآن منصب مدير مركز القوة العسكرية والسياسية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، معهد بحثي في واشنطن: "واضح أن ثمة تحذيرات ومؤشرات كان ينبغي التقاطها، أو ربما رصدها، لكنهم لم يطلقوا الاستعدادات اللازمة لمنع وقوع هذه الأعمال الإرهابية المروعة".

راجعت "الأسوشيتدبرس" وتحققت من التفاصيل الأساسية من عشرات التسجيلات المصورة التي نشرتها حماس خلال العام الماضي، والتي كان معظمها عبر تطبيق التواصل "تليغرام".

طابقت "الأسوشيتدبرس"، باستخدام صور الأقمار الاصطناعية، موقع مجسم المستوطنة التي أقامتها حماس بقطعة أرض صحراوية على أطراف بلدة المواصي الفلسطينية على الساحل الجنوبي لقطاع غزة.

ثمة لافتة كبيرة باللغتين العبرية والعربية عند البوابة مكتوب عليها "حورش يرون"، وهو اسم مستوطنة إسرائيلية مثيرة للجدل في الضفة الغربية.

قال بومان إن هناك دلائل تشير إلى أن حماس عمدت إلى دفع المسؤولين الإسرائيليين للاعتقاد بأنها تستعد لتنفيذ غارات في الضفة الغربية، وليس غزة.

مناورات الركن الشديد هذه تجريها حماس بشكل سنوي منذ عام 2020 في شهر ديسمبر، لكن تم التعجيل بها هذا العام لتتزامن مع ذكرى انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، وهو ما قد تكون له دلالة أيضا.

في تسجيل مصور منفصل نشرته حماس عبر تليغرام لمناورات "الركن الشديد" العام الماضي وتحديدا في 28 من ديسمبر، ظهر مقاتلو حماس وهم يقتحمون ما يبدو أنه نموذجا بالحجم الطبيعي لقاعدة عسكرية إسرائيلية، مكتملة بنموذج بالحجم الكامل لدبابة وعلم إسرائيلي يرفرف على برج القاعدة.

ويتحرك المسلحون عبر المباني المبنية من الطوب الخرساني ويختطفون رجالاً آخرين يلعبون دور الجنود الإسرائيليين كرهائن.

قال مايكل ميلشتاين، وهو ضابط متقاعد برتبة كولونيل في الجيش الإسرائيلي، وكان يرأس في السابق قسم المخابرات العسكرية الذي يشرف على الأراضي الفلسطينية، إنه كان على علم بتسجيلات حماس المصورة، لكنه بوغت رغم ذلك بحجم ومدى هجوم السبت الماضي.

وقال ميلشتاين: "كنا نعرف بأمر الطائرات المسيرة، كنا نعرف بأمر الفخاخ المتفجرة، والهجمات السيبرانية والقوات البحرية، المفاجأة كانت التنسيق بين كل تلك الأنظمة".

تعود بذور فشل إسرائيل في توقع هجوم يوم السبت وإيقافه إلى ما لا يقل عن عقد من الزمن.

في مواجهة هجمات متواترة من قبل مقاتلي حماس الذين يحفرون أنفاقا تحت السياج الحدودي الإسرائيلي، اقترح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حلا فعالا ومجديا للغاية، وهو بناء جدار أكبر.

وأكملت إسرائيل بناء مشروعها الذي بلغت كلفته 1.1 مليار دولار لتحصين دفاعاتها القائمة على طول حدودها البرية التي يبلغ طولها 64 كيلومترا مع غزة، في عام 2021.

يشمل الحاجز الجديد المطوّر "سياجا ذكيا" يبلغ ارتفاعه ستة أمتار، تنتشر عليه كاميرات رؤية ليلية وأسلاك شائكة وأجهزة استشعار زلزالية قادرة على اكتشاف حفر الأنفاق على عمق أكثر من 61 مترا تقريبا.

تم استبدال مراكز الحراسة المأهولة بأبراج خرسانية تعلوها مدافع رشاشة يتم التحكم فيها عن بعد.

والسبت الماضي، اقتحم مقاتلو حماس جدار نتنياهو في غضون دقائق، وقد فعلوا ذلك بتكلفة زهيدة نسبيا، إذ استخدموا شحنات ناسفة لإحداث ثقوب في الحاجز ثم أرسلوا الجرافات لتوسيع الفجوات فيما تدفق المقاتلون عبرها على متن دراجات نارية وشاحنات صغيرة.

تعرضت الكاميرات ومعدات الاتصالات للقصف بطائرات مسيرة تجارية معدة لإسقاط القنابل اليدوية وقذائف الهاون، وهو تكتيك استعارته حماس بشكل مباشر من ساحات القتال في أوكرانيا.

القناصة أخرجوا أسلحة إسرائيل الآلية المتطورة التي يتم التحكم فيها عن بعد باستهداف صناديق الذخيرة المكشوفة، ما أدى إلى انفجارها.

وتظهر الصور التي التقطت يوم الأحد وتم تحليلها يوم الثلاثاء فجوات كبيرة في ثلاثة أقسام من الجدار الحدودي، أكبرها يبلغ عرضه أكثر من 70 مترا.

بمجرد اختراق الجدار، تدفق مقاتلو حماس عبره بالمئات.

أظهر تسجيل مصور دبابة قتالية إسرائيلية وحيدة تندفع صوب موقع الهجوم، ليهاجمها مقاتلو حماس ويدمرونها بسرعة فتتحول إلى كرة من اللهب.

بعد ذلك عطلت حماس أبراج الراديو ومواقع الرادار، لتعيق قدرة القادة الإسرائيليين على رؤية وفهم مدى الهجوم.

قصفت قوات حماس أيضا قاعدة عسكرية قرب مستوطنة زيكيم، واشتبكت في قتال مكثف مع القوات الإسرائيلية قبل اجتياح الموقع.

أظهرت تسجيلات مصورة نشرتها حماس مشاهد مصورة لعشرات الجنود الإسرائيليين القتلى.

بعد ذلك انتشر مقاتلو حماس عبر ريف جنوب إسرائيل، وهاجموا المستوطنات ومهرجان موسيقي.

أعلنت السلطات الإسرائيلية الأربعاء الماضي، أنها انتشلت جثث نحو 1500 من نشطاء حماس، دون تقديم تفاصيل حول مواقع العثور عليها أو كيفية وفاتهم.

قال خبراء عسكريون إن الهجوم أظهر مستوى من التطور لم تظهره حماس من قبل، ما يشير على الأرجح إلى تلقيهم مساعدة خارجية.

وقال اللفتنانت كولونيل المتقاعد بالجيش الأميركي ستيفن دانر، وهو مهندس مواقع قتال تدرب على بناء الدفاعات واختراقها: "ما أذهلني هو قدرة حماس على استخدام المبادئ والأساسيات لتتمكن من اختراق الجدار، لقد بدا أنهم قادرون على العثور على نقاط الضعف هذه والاختراق بسرعة ومن ثم استغلال هذا الاختراق".

علي بركة عضو قيادة حماس في الخارج، والمقيم في بيروت، أقر بأن الحركة تلقت على مر السنين إمدادات ودعم مالي وخبرات عسكرية وتدريبا من حلفائها في الخارج، بما في ذلك إيران وحزب الله في لبنان.

لكنه أصر على أن العملية الأخيرة لاختراق الدفاعات الحدودية الإسرائيلية كانت عملية محلية، وأن التاريخ والتوقيت الدقيقين للهجوم لم يعرفهما سوى عدد محدود من القادة في حماس.

قال بركة إن تفاصيل العملية ظلت سرية للغاية لدرجة أن بعض مقاتلي حماس الذين شاركوا في هجوم السبت كانوا يعتقدون أنهم بصدد إجراء تدريب لا أكثر، حيث ظهروا بملابس الشارع بدلا من الزي الرسمي.

في الأيام التي تلت هجوم حماس، تجنب كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى حد كبير الرد على الأسئلة المتعلقة بالجدار والفشل الاستخباري الواضح.

اعترف الأدميرال دانييل هغاري، كبير المتحدثين باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، بأن الجيش مدين للجمهور بتفسير، لكنه قال إن الآن ليس الوقت المناسب، مضيفا "نقاتل أولا، ثم نحقق".

خلال سعيه لبناء الجدران الحدودية، وجد نتنياهو شريكا متحمسا هو الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، الذي أشاد بجدار نتنياهو الحديدي باعتباره نموذجا محتملا للحاجز الموسع الذي خطط لإقامته على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك.

في عهد ترامب، وسعت الولايات المتحدة مبادرة مشتركة مع إسرائيل بدأت في عهد إدارة أوباما، لتطوير تقنيات للكشف عن الأنفاق تحت الأرض بطول الدفاعات الحدودية لغزة.

وخصص الكونغرس مبلغ 320 مليون دولار للمشروع منذ عام 2016.

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات حماس مواقع التواصل الاجتماعي الركن الشديد الجيش الأميركي واشنطن حماس الأقمار الاصطناعية مستوطنة إسرائيلية حماس الجيش الإسرائيلي الهجمات السيبرانية حماس أوكرانيا حماس مستوطنة زيكيم إسرائيل حماس جيش الدفاع الإسرائيلي فلسطين غزة إسرائيل الركن الشديد حماس مواقع التواصل الاجتماعي الركن الشديد الجيش الأميركي واشنطن حماس الأقمار الاصطناعية مستوطنة إسرائيلية حماس الجيش الإسرائيلي الهجمات السيبرانية حماس أوكرانيا حماس مستوطنة زيكيم إسرائيل حماس جيش الدفاع الإسرائيلي شرق أوسط مقاتلو حماس حماس عبر

إقرأ أيضاً:

تعرّف على الرئيس الذي ساهم بقطع علاقات 20 دولة أفريقية مع إسرائيل

شكلت مواقف موريتانيا في تاريخها الحديث تجاه القضية الفلسطينية محورا أساسيا في سياستها الخارجية، وخاصة خلال فترة حكم الرئيس المختار ولد داداه، أول رئيس للبلاد والذي قادها منذ استقلالها سنة 1960 وحتى الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1978.

كانت مواقف داداه محورية في توجيه علاقات البلاد الدولية، مسلطا الضوء على دعمه الثابت للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرر.

وقبل أن نستعرض ما قام بها أول رئيس لموريتانيا من جهود كبيرة للوقوف في وجه التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، سنمر على مواقف الرجل عموما من القضية الفلسطينية وكيف كانت محددا رئيسا لبوصلة علاقات موريتانيا الخارجية في عهده، وكيف ساهم داداه في تقديم القضية للعالم، إضافة إلى ذكر نماذج من الدعم الذي قدمته موريتانيا للفلسطينيين خلال فترة حكمه.

حضور القضية

يقول أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة نواكشوط الدكتور محمد المختار سيدي محمد الهادي في حديثه للجزيرة نت إن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في تفكير النخبة الموريتانية حتى قبل حصول البلاد على استقلالها سنة 1960، فقد عارض ممثل مستعمرة موريتانيا أحمد ولد ببانه قرار التقسيم وصوت ضده في البرلمان الفرنسي صيف عام 1948.

إعلان

غير أن مواقف الرئيس المؤسس المختار ولد داداه الداعمة للقضية الفلسطينية كانت أكثر تأثيرا وأبلغ تعبيرا، فموريتانيا حينها كانت دولة ناشئة تتقاذفها أمواج الاستقطاب الإقليمي وإكراهات الاعتراف الدولي، مما يضفي بعدا قيميا ودلالة خاصة على مواقفها من قضايا الاستقلال والتحرر، ولا سيما القضية الفلسطينية.

ولعل هذا، بحسب محمد المختار، ما حدا برئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير للعب على هذا الوتر الحساس، حيث سعت عبر عدد من الوسطاء إلى التواصل مع الرئيس الموريتاني، لكن ولد داده رفض ذلك.

غولدا مائير تقف بجانب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (غيتي)

ويشير وزير الإعلام الموريتاني السابق محمد محمود ولد ودادي في حديث للجزيرة نت إلى أنه في الخمسينيات ومع بداية انتشار الوعي السياسي في موريتانيا، كان هناك تطلع إلى معرفة أوضاع العالم العربي وبدأ الناس يتداولون ما يصلهم من أخبار عن شعب فلسطين وتشريده.

ومباشرة بعد الاستقلال أعلن الرئيس المختار ولد داداه أن موريتانيا تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، منددا بتقسيم فلسطين ورافضا أي اعتراف بإسرائيل.

وهكذا يرى الوزير ودادي أن القضية الفلسطينية هي قضية موريتانيا الوحيدة التي يدافع عنها كل الموريتانيين من دون استثناء، ولم يكن غيرُها مطروحا إلا حماية استقلال موريتانيا نفسها.

ويقول الرئيس الراحل المختار ولد داداه في مذكراته التي صدرت عام 2006 تحت عنوان "موريتانيا على درب التحديات": "خلال حرب 1967 قطعنا علاقاتنا مع أميركا وطردنا الأميركيين من بلادنا بمن فيهم أعضاء هيئة السلام التي كانت تقدم مساعدات فنية لبلادنا، وذلك احتجاجا على دعم الولايات المتحدة بكل الوسائل للعدوان الإسرائيلي على الشعوب العربية الشقيقة، وكنا حينها لم ننضم للجامعة العربية".

ويضيف الرئيس "لقد دامت قطيعتنا مع أميركا عامين ونصف العام وانتهت في ديسمبر/كانون الأول 1969 إثر وساطة دول صديقة وبعد تشاور مع الجزائر ومصر.. ليستقبلني بعدها بود الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في العام 1971 وكنت حينها رئيسا لمنظمة الوحدة الأفريقية".

إعلان

وفي ذات السياق، يقول ولد داداه: "في خضم حرب 1973 أرسل إلي نيكسون رسالة يلتمس فيها مساندتي لجهوده في حل الصراع في الشرق الأوسط، وجاء في الرسالة:" "إنني لا أزال أتذكر لقاءنا في سبتمبر (أيلول) 1971 وما جرى بيننا من تبادل صريح للآراء، وكل ثقة بأنكم ستساندون جهودي الرامية إلى إيجاد تسوية نهائية للنزاع تصون حقوق كل شعوب الشرق الأوسط".

ولد داداه: رفضت عرض السادات بإرسال جيش مصري لمساعدة موريتانيا إذ إن على مصر أن تكرس كل قدراتها للحرب مع إسرائيل (الصحافة المصرية)

وعلى ذكر حرب 73، يورد ولد داداه أن الرئيس المصري أنور السادات كان على اتصال مستمر معه بخصوص ملف الشرق الأوسط كما كان سلفه عبد الناصر، وكانا يهنئانه دائما على الدور الذي يقوم به على المستوى الأفريقي لصالح القضية الفلسطينية.

ويشير إلى أن السادات كشف له في سرية تامة في مايو/أيار 1973 عن نيته مهاجمة إسرائيل أي قبل شهور من الهجوم، وأكد له ذلك مرة أخرى خلال لقائهما في مؤتمر دول عدم الانحياز المنعقد بالجزائر في سبتمبر/أيلول الموالي.

"وبالطبع لم أبح بهذا السر قبل الآن"، يقول ولد داداه إن السادات أرسل إليه بعد ذلك مساعده الجنرال حسني مبارك وعرض عليه إرسال قوات من الجيش المصري لمساعدة موريتانيا في حربها ضد جبهة البوليساريو، لكن الرئيس الموريتاني رفض، واعتبر أن على مصر أن تكرس كل قدراتها العسكرية للحرب مع إسرائيل.

ولد داداه كان من القادة الفاعلين في منظمة دول عدم الانحياز (الفرنسية) إسماع صوت فلسطين

يوضح الباحث المختص في الشؤون الأفريقية إسماعيل الشيخ سيديا للجزيرة نت أن ما مكن المختار داداه من الدفاع عن القضية الفلسطينية أنه كان محاميا بارعا وأفريقيا تحرريا؛ وله صداقة قوية وعلاقات شخصية مع الزعماء الأفارقة الأوائل.

كما استطاع التحاور مع العواصم الغربية والشرقية الكبرى، وتمكن خلال رئاسته لمنظمة الوحدة الأفريقية (المنظمة الأم للاتحاد الأفريقي الحالي) من جمع مجلس الأمن الدولي لأول مرة في مقر المنظمة بأديس أبابا.

إعلان

وكان الرئيس المختار ولد داداه من القادة الفاعلين في منظمة دول عدم الانحياز، وفي هذا الصدد يورد في مذكراته أنه "بفضل الجمهورية الإسلامية الموريتانية أسمعت المقاومة الفلسطينية صوتها لأول مرة في قمة لدول عدم الانحياز عام 1970 في لوزاكا حيث انتخبت نائبا للرئيس وأتاحت لي رئاستي للجلسة الختامية أن أعطي الكلمة لممثل فلسطين رغم المعارضة الشديدة من عدد من أعضاء المنظمة".

يذكر الوزير ودادي أنه في عام 1969 وصل موريتانيا أول مبعوث رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو سعيد العباسي (أبو فهد) ففتح مكتبا للمنظمة في نواكشوط، بعد أن أمّنت له الحكومة مكتبا ومنزلا وسيارة، ومبلغا ماليا سنويا، ثم أصبح المكتب سفارة دولة فلسطين في نواكشوط.

وانطلق من إذاعة موريتانيا صوت الثورة الفلسطينية بالعربية والفرنسية، ليُسمع في أجزاء واسعة من القارة، حيث شكل هذا المكتب -حسب ودادي- مركز انطلاق النشاط الفلسطيني إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وكان أبا لجميع المكاتب التي أنشئت بعد ذلك في عواصم القارة.

ويؤكد الشيخ سيديا أن الرئيس ولد داداه قام بعدة حملات شعبية كبرى للتبرع لصالح الفلسطينيين؛ وألغى عنهم تأشيرة دخول موريتانيا وسهل لهم الولوج للجنسية الموريتانية مع نيلهم حقوق المواطنين الموريتانيين بمجرد الوصول.

وبدوره، يؤكد الكاتب الصحفي رياض أحمد الهادي للجزيرة نت أن موريتانيا قدمت في عهد ولد داداه الدعم السياسي والاقتصادي للفلسطينيين، كما قام بتنظيم ورعاية مؤتمرات وندوات في موريتانيا ودول أفريقية لتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني وتعزيز التضامن الأفريقي مع القضية الفلسطينية.

ولد داداه كتب في مذكراته أن بلاده لعبت دورا أدى إلى قطع غالبية الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل (الفرنسية) مناهضة التطبيع في أفريقيا

يتحدث الرئيس الموريتاني عن الدور الذي لعبه في انحسار التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، إذ يقول في مذكراته: "لعبت الجمهورية الإسلامية الموريتانية عام 1973 دورا في المسار الذي أدى إلى قطع غالبية الدول الأفريقية لعلاقاتها مع إسرائيل".

إعلان

ويكمل ولد داداه: "لقد عملت بلا كلل طيلة 20 سنة لشرح القضية الفلسطينية لنظرائي الأفارقة وخصوصا الناطقين بالفرنسية وهي مهمة لم تكن سهلة مطلقا نظرا لقوة الدعاية الإسرائيلية، بيد أنهم جميعا قد تفهموا مع طول الوقت القضية الفلسطينية وقبلوا معطياتها المتمثلة في الظلم السافر المثير للسخط الذي يعاني منه الفلسطينيون الرازحون تحت نير احتلال لا يرحم".

ويعتبر الدكتور محمد المختار أن الرئيس ولد داده حشد التأييد للقضية الفلسطينية في القارة الأفريقية من خلال الدفاع المستميت عنها في كل المحافل والمؤتمرات الأفريقية.

ويوضح أن جهود الرئيس تلك كانت الدافع الرئيسي وراء قطع 20 دولة أفريقية علاقاتها مع إسرائيل، وهي: غينيا، تشاد، مالي، النيجر، الكونغو برازافيل، بوروندي، زائير، توغو، نيجيريا، الكاميرون، ساحل العاج، السنغال، أنغولا، موزمبيق، إثيوبيا، بنين، كينيا، رواندا، بوتسوانا، الرأس الأخضر. ولم يبقَ لإسرائيل يومها تمثيل دبلوماسي في أفريقيا إلا في 5 دول هي: جنوب أفريقيا التي يحكمها نظام التمييز العنصري، ودول صغيرة هي ليسوتو، مالاوي، سوازيلاند، وموريشيوس".

ولد داداه (يسار) يرحب به موديبو كيتا رئيس مالي عام 1963 (الفرنسية) دور منظمة الوحدة الأفريقية

يرى الوزير ودادي أن تأسيسَ منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، التي كان الرئيس المختار أحد مؤسسيها، سهّل مهمته في حشد الدعم للقضية الفلسطينية، حيث صارت القمم والمؤتمرات الأفريقية منابر رسمية تُطرح فيها جميع القضايا، ومناسباتٍ يحضرها الصحفيون والمثقفون وصناع الرأي.

فطُرحت علنا القضية الفلسطينية بأبعادها السياسية وجذورها التاريخية وطبيعةِ إسرائيل العدوانية، مما ساهم في إنارة الرأي العام الأفريقي تجاه القضية.

وتؤكد حادثة يرويها ولد داداه في مذكراته إيمانه الكبير بمنظمة الوحدة الأفريقية، وأنه ربما كان أيضا أفريقيا أكثر من الأفريقيين، فقد رفض عام 1970 حضور حفل عشاء كبير نظمه الرئيس الأميركي نيكسون على شرف رؤساء الدول، ومُنح خلاله الرئيس الموريتاني مقعدا إلى جانب رئيس الولايات المتحدة. لكنه رفض الحضور احتجاجا على رفض نيكسون مقابلة الرئيس الدوري يومها لمنظمة الوحدة الأفريقية، رئيس زامبيا كينيث كاوندا.

إعلان

ويورد الرئيس المختار أنه كان الوحيد أيضا في هذا الموقف رغم الجهود التي بُذلت لثنيه، سواء من الوفد الموريتاني أو الوفود الأفريقية أو ممثلية الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ويضيف: "قال لي بعضهم إن الجلوس إلى جانب الرئيس الأميركي قد ينال صاحبه وزنه من الدولارات، غير أني أعتبر أن الشرف والكرامة لا يُقدران بثمن".

ولد داداه يحضر قمة منظمة الوحدة الأفريقية في كمبالا في الثالث من أغسطس/آب 1975 (الفرنسية) تهاوي حجج إسرائيل في أفريقيا

يعتبر الوزير ودادي أن إسرائيل قدمت نفسها للدول الأفريقية في الستينيات، على أنها دولة صغيرة محاصرة من 100 مليون عربي، مما يجعلها جديرة بالعطف والتأييد، وفي الوقت نفسه دولة نموذجية للشجاعة والتنمية ينبغي لأفريقيا الاقتداء بها، خاصة في تقنياتها الزراعية واستخراج المعادن الثمينة، مع قدرتها على توفير الأمن للزعماء الأفارقة وامتلاكها أجهزة التجسس والتنصت المتطورة لحمايتهم.

لكن سنوات من الوجود الإسرائيلي المكثف -يضيف ودادي- أثبتت أن الخبراء الزراعيين الإسرائيليين في أفريقيا لم يفيدوا الزراع الأفارقة في شيء، بل تدهور الإنتاج في المناطق التي دخلوها، وتكشفت فضيحة سرقتهم للكثير من سلالات البذور الزراعية الأفريقية الشهيرة.

وحصل الأمر نفسه في مجال الثروة المعدنية، حيث تبين أنهم سرقوا الألماس وحولوه للصناعات الإسرائيلية التي أصبحت من أكثر مثيلاتها ازدهارا في العالم. أما الحراسات الشخصية فقد كانت غطاءً لإقامة شبكات تجسس، ولم تغنِ شيئا عن الانقلابات العسكرية، بل ساعدت في بعضها كما وقع في الكونغو وإثيوبيا وليبيريا".

مقالات مشابهة

  • تعرّف على الرئيس الذي ساهم بقطع علاقات 20 دولة أفريقية مع إسرائيل
  • وثيقة سرية تكشف خفايا وكواليس هجوم 7 أكتوبر
  • في رحيل الجنرال الذي أغتالته “إسرائيل” 100 مرة!!
  • الاعيسر .. نستنكر بأشد العبارات الجريمة البشعة التي تعرض لها المدنيون في مدينة كادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان
  • خدعوا الموساد .. وثائق تهز إسرائيل عن كواليس وعراب هجوم 7 أكتوبر الحقيقي
  • وثيقة تضرب إسرائيل.. الإعلام العبري يكشف كواليس وتفاصيل مثيرة عن هجوم 7 أكتوبر
  • كشف وثيقة عملياتية لكتائب القسام تفضح فشل الاستخبارات الإسرائيلية في اكتشاف هجوم طوفان الأقصى
  • الأمم المتحدة: الإبادة الجماعية واضحة في ممارسات “إسرائيل” الإجرامية
  • عاجل | لوبينيون الفرنسية عن رئيس الجزائر: مستعدون لتطبيع العلاقة مع إسرائيل في نفس اليوم الذي ستكون فيه دولة فلسطينية
  • إسرائيل تعيد شحنة مساعدات إلى الجانب المصري من معبر رفح