المرتضى مثل بري وميقاتي في افتتاح المعرض الدولي للكتاب: ستظل ارضنا واحة تنوع وملتقى إبداع
تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT
رعا وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الافتتاح الرسمي لفعاليات المعرض الدولي للكتاب في الـ"فورم دو بيروت"، في حضور رئيس اتحاد الناشرين العرب عماد رشاد، نقيبة الناشرين في لبنان سميرة عاصي وحشد من الوزارء والنواب الحاليين والسابقين والسلك الدبلوماسي وممثلين عن وزارت الثقافة الاجنبية والعربية ودور النشر المشاركة في المعرض الذي نظم بالتعاون بين وزارة الثقافة ونقابة الناشرين.
والقى الوزير المرتضى كلمة، استهلها بقول لأخطل الصغير: "فدت المنائر كلهن منارة هي في فم الدنيا هدى وتبسم، ما جئتها إلا هداك معلم فوق المنابر أو شجاك متيم"، وقال: "إنها بيروت أيها الأحبة، "ست الدنيا" وأم الشرائع، سفيرة الكلمة إلى الأرضين، وملتقى الجهات الأربع في الفكر والجغرافيا والقيم الإنسانية وعيش المعية؛ والعاصمة المنذورة للثقافة بكل أبعادها، لا تنفك فيها أعراس الحرف واللحن واللون معقودة الأيام والليالي، في صورة تعكس حقيقة لبنان... وطن الأبجدية والوطن الرسالة. هكذا وعى جيلنا والأجيال التي سبقته دور لبنان: إنه مطبعة العالم العربي؛ عبارة كنا نسمعها، ونرى فعلها في ذلك الحشد المعرفي من المكتبات والمطابع والصحف ودور النشر، قبل غزوة المجتمع الرقمي، وقبل تقاعد الكتاب وتحوله إلى جزء من الأثاث المنزلي، ينفض عنه الغبار كلما دعت الحاجة".
أضاف: "لا شك في أن زمن القراءة الذي صنعته بيروت عبر معارض الكتب أسس لمرجعية لبنان الثقافية، حيث تحول بفضل مساحة الحرية التي فيه إلى ملاذ للمفكرين والكتاب والناشرين في العالم العربي، وإلى مصدر لبث الوعي في كل أنحاء الشرق. على أن حكاية قديمة تجاور الأسطورة رويت عن بيروت، كان ينقصها تفصيل صغير. إنها خكاية بنت الملك والتنين. فما تناولته المخيلة وحفظته الذاكرة وزكاه الإيمان، لم يشر إلى أن ابنة ملك بيروت في مجلسها على الصخرة التي ببحر المدينة، كانت تقرأ كتابا حين هاجمها التنين وكاد يقضي عليها لولا أن صرعه القديس البطل مار جرجس أو الخضر عليه السلام، فأنقذ منه المدينة والبنت والكتاب، حتى سمي خليج المدينة باسمه. ذلك أن شيئا واحدا اختصت به عاصمتنا دون غيرها من المدن الساحلية التي انتحلت شطآنها هذه الأعجوبة... هو الكتاب. هكذا، بهذا التفصيل المنسي، تعبق الحكاية بمغزى آخر بيروتي محض، تأويله انتصار الحضارة على العماء، مشابه لمغزى لازمها منذ نشوئها مفاده انتصار الخير على الشر".
وتابع: "ولعل من قدر المدينة أن يألف بحرها زورات التنانين، عصرا بعد عصر، وأن يصرعها في جميع العصور. ولعل آخر تنين عرفناه، وما برح يطوف بالقرب من شواطئنا إلى جهة الجنوب، ويعتدي على حقنا وسيادتنا، وسوف يكون التنين الأخير بإذن الله تعالى، هو هذا العدو الإسرائيلي ذو البراثن والمخالب والأنياب، عدو الإنسانية الذي أطبق عليه الجنون بالأمس من فعل الطوفان المتحدر عليه، من أعلى غمائم العزائم المثقلة بالبطولة والكرامة في غزة المحاصرة، فراح يعربد قصفا وتقتيلا، في محاولة لتجاوز الأهوال التي أنزلها به المقاومون الأبطال، حاسبا أنه بدم الأبرياء يغسل عار جيشه، فيما هو بالحقيقة يزداد عارا فوق عار. وفشله المتكرر في استعادة معنويات جنده، دفعهم إلى قتال بعضهم البعض، لشدة ما يعتريهم من خوف وتوجس، حتى باتوا يخافون من أخيلتهم ويطلقون عليها النار. إننا نعلن مجددا ثقتنا، على رغم الجراح والنكبات، بانتصار الكتاب على التنين، والحياة على الموت، والإنسانية على أعدائها، والحق على الباطل، وأهل الأرض على مغتصبيها، والكلمة على القنابل. وعلى هذا الرجاء نحافظ على انتمائنا إلى أبجدية الحياة، ونحتفل بافتتاح "معرض لبنان الدولي للكتاب" الذي أعدنا إحياءه هذا العام بجهود من وزارة الثقافة واتحاد الناشرين اللبنانيين، معولين على أنه سيكون دليلا آخر على أن وطننا كان وسيبقى وطن الحرف والفكر والنشر. ذلك أن الكتاب أمضى سلاح في معركة الوعي التي تخاض ضد هويتنا. لأن العدو يهدف إلى إلحاق الهزيمة بنا لا بالسلاح وحده، ولا بالطائرات والمدافع فقط، بل أولا وأخيرا عبر التجهيل، اقتناعا منه بأننا كلما تناقصت معارفنا ازدادت مناعتنا هشاشة، فكان اختراقنا وسقوطنا أيسر وأوفر. وإننا واثقون من نصرنا المحتم المؤزر، لأننا عارفون أن أعداء لبنان يستهدفون دوره الإشعاعي والتعددي الذي يعبر عنه الكتاب وأعراسه في وطننا، ولهذا نصر دائما على أن نكون شهودا على عمق هويتنا الحضارية الواعية والجامعة".
وختم: "فليكن هذا المعرض إذا، موعدا للتأكيد على أنه كلما اشتدت الأزمات احتداما تنامى اليقين بأننا بالثقافة والوعي ننتصر، فأرضنا التي صدرت الأبجدية إلى العالم ستظل واحة تنوع وملتقى إبداع ومبدعين، رغما عن أنف الكارهين. لبنان الوطن الرسالة، بيروت العاصمة السرمدية للفكر، معرض لبنان الدولي للكتاب هو العنوان، هذا شعار هذه الاحتفالية، فلنحمله طيلة أيامها، وبعد انتهائها حتى قدوم موسمها الجديد".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الدولی للکتاب على أن
إقرأ أيضاً:
الثقافة تصدر «كل النهايات حزينة» لـ عزمي عبد الوهاب بهيئة الكتاب
صدر حديثا عن وزارة الثقافة من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «كل النهايات حزينة» للكاتب عزمي عبد الوهاب.
ويتناول الكتاب اللحظات الأخيرة في حياة أبرز الكتاب والمبدعين في الأدب الإنساني، من بينهم دانتي أليجييري، وأنطونيو جرامشي، وفولتير، ولودفيك فتجنشتاين، وصادق هدايت، وأوسكار ويلد، وراينر نعمت مختار، وجويس منصور، وجورجيا آمادو، وثيربانتس، وغيرهم.
ويقول عزمي عبد الوهاب في تقديمه للكتاب: «ظللت مشغولاً بالنهايات لسنوات طويلة، لكن بداية أو مستهل كتاب "مذاهب غريبة" للكاتب الكبير كامل زهيري كان لها شأن آخر معي، فحين قرأت الفقرة الأولى في هذا الكتاب، تركته جانبا، لم أجرؤ على الاقتراب منه مرة أخرى، وكأن هذه الفقرة كانت كفيلة بإشباع رغبتي في القراءة آنذاك، أو كأنها تمتلك مفاتيح السحر، للدرجة التي جعلتني أتمنى أن أكتب كتابا شبيها بـ"مذاهب غريبة".
تذكرت على الفور أوائل القراءات التي ارتبطت بكتاب محمد حسين هيكل "تراجم مصرية وغربية"، وبعدها ظلت قراءة المذكرات والذكريات تلقى هوى كبيرا لدي، كنت في ذلك الوقت لم أصدر كتابًا واحدًا، لكن ظلت تلك الأمنية أو الفكرة هاجسا، يطاردني لسنوات، إلى أن تراكم لدي من أثر القراءة كثير من مواقف النهايات، التي تتوافر فيها شروط درامية ما، وكلها يخص كتابا غربيًا؛ لأن حياة الأغلبية العظمى من كتابنا ومثقفينا تدفع إلى حافة السأم والتكرار والملل.
إنها حياة تخلو من المغامرة التي تصل حد الشطط، ربما يعود ذلك إلى طبيعة الثقافة العربية، التي تميل إلى التحفظ، وربما أن تلك الثقافة لم تكشف لي غرائب النهايات، هناك استثناءات بالطبع، شأن أية ظواهر في العالم، قد يكون الشاعر والمسرحي نجيب سرور مثالا لتلك الحياة المتوترة لإنسان عاش على حافة الخطر طوال الوقت، حتى وصل إلى ذروة الجنون، لكن دراما "نجيب سرور" مرتبطة بأسماء كبيرة وشخصيات مؤثرة، تنتمي إلى ثقافة: "اذكروا محاسن موتاكم" حتى لو كانت لعنة نجيب سرور ظلت تطارد ابنه من بعده، فقد مات غريبا في الهند مثلما عاش أبوه غريبا في مصر وروسيا والمجر».
ويضيف عبد الوهاب: «يمكن أن أسوق أسماء قديمة مثل "أبي حيان التوحيدي" الذي أحرق كتبه قبل موته، أو ذلك الكاتب الذي أغرق كتبه بالمياه، في إشارة دالة إلى تنصله مما كتب، أو ذلك الكاتب الذي أوصى بأن تدفن كتبه معه، وإذا كان الموت هو أعلى مراحل المأساة، فهناك بالطبع شعراء وكتاب عرب فقدوا حياتهم، بهذه الطريقة المأساوية كالانتحار ، مثل الشاعر السوداني "أبو ذكري" الذي ألقى بجسده من فوق إحدى البنايات، أثناء دراسته في الاتحاد السوفيتي السابق، والشاعر اللبناني "خليل حاوي" الذي أطلق الرصاص على رأسه في شرفة منزله، والروائي الأردني "تيسير سبول" الذي مات منتحرا بعد أن عاش فترة حرجة من عام 1939 إلى 1973.
لكن المختفي من جبل الجليد في تلك الحكايات، أكبر مما يبدو لنا على سطح الماء، خذ على سبيل المثال "خليل حاوي" فقد أشيع في البداية أن الرصاصات، التي أطلقها على رأسه، كانت إعلانًا للغضب، ومن ثم الاحتجاج على الصمت العربي المهين، إزاء اقتحام الآليات العسكرية الإسرائيلية للجنوب اللبناني، ومن ثم حصار بيروت في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وفيما بعد، حين استفاق البعض من صدمة الحدث، قيل إن ما جرى كان نتاج علاقة حب معقدة، دفعت بالشاعر إلى معانقة يأسه والانتحار، فهل كان انتحار الروائي الأردني "تيسير سبول" صاحب أنت منذ اليوم أيضًا احتجاجا على ما جرى في العام 1967م؟
ربما يوجد كثير من النماذج، لكن تظل الأسماء الغربية الكبيرة، قادرة على إثارة الدهشة كما يقال، ونحن دائما مشغولون بالحكاية أكثر من المنجز، وكأن هذا من سمات ثقافتنا العربية، فالاسم الكبير تصنعه الحياة الغريبة لا الإنتاج الأدبي.
ومع ذلك يمكننا أن نتوقف أمام اسم كبير مثل "إدجار آلان بو" وكيف كان آخر مشهد له في الحياة، فهو أحد الكتاب الذين غادروا الحياة سريعا، وحين مات وجدوه في حالة مزرية، يرتدي ملابس لا تخصه، وحين تعرف عليه أحد الصحفيين، نقله إلى المستشفى، ومات وحيدا، بعد أربعة أيام، في السابع من أكتوبر عام ١٨٤٩م، ولم يعلم أقاربه بموته إلا من الصحف».