سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على مخاوف متزايدة بين الفلسطينيين في غزة من حدوث تغيير في شكل تكرار لـ "النكبة" والنزوح الجماعي التي جرت عام 1948، عندما فر الآلاف من القطاع المحاصر وعبروا إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.

وذكر الموقع البريطاني، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن حركة حماس شنت هجومًا مفاجئًا متعدد الجبهات على المستوطنات الإسرائيلية يوم السبت الماضي، وأطلقت آلاف الصواريخ وأرسلت مقاتلين إلى المستوطنات عبر البر والجو والبحر، وقُتلت أكثر من 1300 إسرائيلي، وأسرت حوالي 130 شخصاً إلى غزة.

وردت القوات الإسرائيلية بشن وابل من الغارات الجوية على قطاع غزة هذا الأسبوع، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1350 شخصا، معظمهم من النساء والأطفال.

تصاعد الحديث هذا الأسبوع عن فتح ممر إنساني بين مصر وغزة، للسماح للمدنيين بالهروب من القصف الإسرائيلي المستمر. وتم استهداف معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة (البوابة الوحيدة للدخول والخروج من القطاع المحاصر ) بـ 3 غارات إسرائيلية منفصلة في غضون 24 ساعة هذا الأسبوع.

ويصر الفلسطينيون في غزة على أن السلطات المصرية يجب أن تستخدم معبر رفح للسماح بتدفق المساعدات والموارد الأساسية إلى غزة، خاصة بعد أن قطعت السلطات الإسرائيلية الكهرباء والمياه يوم الاثنين.

وفي السياق، قال عمر شعبان، المحلل المقيم في غزة ومؤسس شركة "بال ثينك" للدراسات الإستراتيجية: "المستشفيات في وضع سيئ للغاية. محطات الكهرباء والمياه في غزة توقفت"، مضيفا: "لا توجد خدمة الواي فاي. ولا يوجد طعام في السوق. والأسعار ترتفع"، مضيفا أن المساعدات الإنسانية عبر مصر ضرورية.

وأكد أن التفجيرات تسببت في أضرار بالمعبر، إلا أن مصر لم تغلقه بشكل كامل، حتى الآن. فيما لا يستبعد، ريكس برينين، الباحث بجامعة ماكجيل، أن يتمكن سكان غزة اليائسون من عبور الحدود "بغض النظر عما إذا كانت مصر تسمح بذلك أم لا".

وأجرت واشنطن محادثات مع عدة دول حول فكرة إنشاء "الممر الإنساني" للمدنيين في غزة، وتساعد القاهرة بنشاط في تنسيق المساعدات الإنسانية عبر حدودها، لكنها رفضت إنشاء ممر للاجئين.

وفي السياق، قال الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، يوم الثلاثاء، إنه "لن يكون هناك أي تنازل أو إهمال للأمن القومي المصري تحت أي ظرف من الظروف".

لكن السلطات المصرية تعرف أن الوضع متقلب، وبدأت بالفعل الاستعدادات اللوجستية لنصب الخيام في مدينتي الشيخ زويد ورفح في سيناء في حالة حدوث نزوح جماعي للفلسطينيين، وفقًا لتقرير نشره موقع "مدى مصر".

ونقل التقرير عن مصادر حكومية أنه "لن يُسمح للفلسطينيين بدخول العريش، أكبر مدينة في شبه جزيرة سيناء، وسيضطرون إلى البقاء داخل منطقة عازلة يبلغ طولها 14 كيلومترًا".

ويعلق برينين على هذا السيناريو بالقول: "يستعد المسؤولون المصريون بالفعل لاحتمال الاحتياج إلى توفير احتياجات اللاجئين".

لكن سكان غزة، الذين أصبح أكثر من 60% منهم لاجئين من أجزاء أخرى من فلسطين، على دراية بالحروب الإسرائيلية التي أدت إلى نزوحهم، مع احتمال ضئيل للعودة.

النكبة الثانية

وتم الترويج لفكرة فرار الفلسطينيين إلى مصر هذا الأسبوع من قبل شخصية عسكرية إسرائيلية. كما استخدم المعلقون اليمينيون المدونات القومية المتطرفة للحديث عن فكرة إنشاء مستوطنات إسرائيلية غير القانونية في قطاع غزة في أعقاب غزو بري محتمل.

وفي هذا الإطار، قال شعبان: "الفلسطينيون يدركون فكرة بعض الإسرائيليين، وهي دفع غزة إلى سيناء. لن يفعلوا ذلك، ولن يقبلوا به"، مشيرا إلى أن الفكرة طرحت خلال الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة، لكن "السكان لم يغادروا غزة إلى سيناء (..) إنهم ليسوا أغبياء (..) ولا يريدون تكرار نكبة ثانية".

كانت النكبة الأولى بمثابة التطهير العرقي للفلسطينيين لإفساح المجال أمام إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948. وقُتل فيها ما لا يقل عن 13000 فلسطيني ودُمرت مئات القرى، وتم تهجير حوالي 750 ألف شخص قسراً من منازلهم، وهو رقم يصل الآن إلى حوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني، يعيش معظمهم في البلدان المجاورة.

وفي حرب غزة، أوائل عام 2009، رفض وزير الخارجية المصري آنذاك، أحمد أبو الغيط، فتح معبر رفح الحدودي أمام اللاجئين الفلسطينيين.

وقال محمد شحادة، الصحفي والناشط الحقوقي من غزة: "مصر لم تكن تريد تكرار النكبة آنذاك، ومن المؤكد أنهم لا يريدون تحمل مسؤوليتها".

وبدا من التصعيد الأخير أن القاهرة تؤكد على هذا الموقف، ففي يوم الأربعاء الماضي، أصدر الأزهر بيانا شديد اللهجة يدين إسرائيل ويدعم المقاومة الفلسطينية.

وأورد البيان: "رسالتنا إلى أولئك الذين يتمسكون بأرضهم هي أنه من الأفضل أن يموتوا فرسانًا وأبطالًا على أرضكم من أن تتركوها فريسة للمغتصبين".

وخلال الحرب الحالية، تقع مسؤولية فتح ممر إنساني على عاتق إسرائيل وحدها، باعتبارها القوة المحتلة، بحسب شحادة، مضيفا: "يجب على إسرائيل أن تسمح بنقل الفلسطينيين المصابين بجروح خطيرة والذين يحتاجون إلى علاج طبي في الضفة الغربية، على سبيل المثال، لأن الأراضي المحتلة هي وحدة إقليمية واحدة متجاورة بموجب اتفاقيات أوسلو".

وأضاف أنه بموجب القانون الدولي، فإن إسرائيل ملزمة بحماية حياة المدنيين بقدر ما تستطيع في حدود قدرتها، مؤكدا أن "فتح ممر إنساني هو في حدود قدرتها تماما".

وسيطرت مصر على إدارة غزة خلال حرب عام 1948 وظلت تحت سيطرة القاهرة حتى حرب الشرق الأوسط عام 1967، عندما استولت إسرائيل على المنطقة واحتلتها مع الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وفي عام 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، ونقلت حوالي 8000 مستوطن يهودي وجندي إسرائيلي يعيشون في 21 مستوطنة حول غزة إلى الضفة الغربية المحتلة.

ولكن في عام 2007، وفي أعقاب فوز حركة حماس بالانتخابات في غزة، ردت إسرائيل بفرض حصار جوي وبري وبحري على القطاع، واستمر هذا الحصار لمدة 16 عاما.

لا نريد اللجوء

ويفكر علي عبد الوهاب، محلل البيانات والباحث الذي يعيش في غزة المحاصرة، فيما إذا كان سيغادر في حالة فتح ممر إنساني في الأيام المقبلة، وهو ما عبر عنه للموقع البريطاني، قائلا: "لا توجد ملاجئ أو مناطق آمنة في غزة، حيث تقصف إسرائيل القطاع بشكل عشوائي".

وأضاف: "سأكون منطقيا وأحاول تحدي نفسي للبقاء وعدم السماح بكارثة أخرى تتكرر، لكن لدي عائلة وهي أولويتي (..) أنا باستمرار أطرد فكرة [المغادرة] من رأسي".

وتابع أنه حتى لو تم فتح ممر، فسيكون من الخطر على سكان الأجزاء الشمالية من قطاع غزة السفر إلى معبر رفح، ما يجعلهم عرضة للغارات الجوية الإسرائيلية، ولذا فهو لا يؤيد إعادة التوطين في سيناء، مؤكدا أن الفلسطينيين الذين عاشوا الحروب وذكريات النكبة "يأملون ألا تتكرر مرة أخرى".

ويتفق شحادة مع هذا الرأي، قائلا: "لا أحد في غزة يريد أن يعيش كلاجئ في خيام في صحراء سيناء (..) هذه في الأساس خطة اليمين المتطرف الإسرائيلي".

ورغم الحصار الإسرائيلي والعيش في ظل 5 حروب وحشية منذ عام 2008، فإن معظم سكان غزة ليس لديهم الرغبة في المغادرة.

وعبر أحد سكان القطاع عن ذلك في مقطع متداول على نطاق واسع يوم الخميس، قائلا: "هل يعتقدون أننا نريد الهجرة إلى مصر؟ مستحيل. هذه المرة، سنذهب إلى أرضنا المحتلة، إلى القدس".

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين غزة سيناء حماس النكبة فتح ممر إنسانی هذا الأسبوع قطاع غزة معبر رفح فی غزة

إقرأ أيضاً:

باحث: السياسات الإسرائيلية تستهدف جعل شمال غزة منطقة غير قابلة للسكن البشري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال نعمان توفيق العابد، الباحث في العلاقات الدولية والقانونية، إن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، وحكومته المتطرفة يمارسون سلسلة من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني منذ بداية المفاوضات وحتى اليوم.

وأوضح خلال مداخلة ببرنامج "منتصف النهار"، وتقدمه الإعلامية هاجر جلال، المذاع على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن هذه الجرائم تشمل الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والاعتداءات المتكررة والاغتيالات في الضفة الغربية، فضلًا عن تهويد المسجد الأقصى، مؤكدًا أن هذه الحكومة استغلت المفاوضات لتمرير مخططاتها التي كانت تُعد مسبقًا وتنفذ حاليًا على أرض الواقع.

وأشار “العابد” إلى أن السياسات الإسرائيلية تستهدف قطاع غزة بشكل خاص، حيث يتم تطبيق خطة لتهجير السكان من شمال القطاع عبر وسائل متعددة، منها: القتل باستخدام الآلة العسكرية الإسرائيلية، الحصار الخانق، والتجويع، إضافة إلى منع دخول الاحتياجات الإنسانية الأساسية واستهداف المستشفيات، مضيفًا أن هذه الإجراءات تهدف إلى جعل شمال غزة منطقة غير قابلة للسكن البشري.

وبيّن أن الحكومة الإسرائيلية استغلت أحداث 7 أكتوبر كذريعة لتنفيذ هذه المخططات، مشيرًا إلى أن التغيرات الإقليمية، سواء في لبنان أو سوريا، ودعم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للكيان الإسرائيلي، أسهمت في تعزيز هذه السياسات.

مقالات مشابهة

  • نظرية جديدة لتفسير آلية اختزان الذكريات في العقل البشري
  • بريطانيا تحذر من لعبة أطفال مدمرة تسبب الوفاة
  • الصحة تنظم ورشة عمل لتكثيف الحملات الإعلامية للتوعية بفيروس نقص المناعة البشري
  • «الصحة»: تحديث الاستراتيجية الوطنية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشري
  • ما تعليق الصين بشأن تهديد ترامب باستعادة السيطرة على قناة بنما؟
  • «نريد حياة لا موت».. كيف احتفل الفلسطينيون بعيد الميلاد؟
  • باحث: السياسات الإسرائيلية تستهدف جعل شمال غزة منطقة غير قابلة للسكن البشري
  • لغز محير| ممر السلطة في فلورنسا يفتح أبوابه بعد 8 سنوات من الترميم
  • في فلورنسا.. افتتاح ممر سري كان مخصصًا للنخبة!
  • دراسة تكشف أقصى سرعة يعمل بها الدماغ البشري