خطبتا الجمعة بالحرمين: الأدب مع الله مُقدَّم على كل أدب.. والخسار في طاعة الكفار والنصر في ولاية العزيز القهار
تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT
ألقى الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: اتقوا الله عباد الله، فالعاقبة للتقوى، بها يبلغ المتقون أرفع المنازل، ويستجمعون الفضائل، ويستدفعون الغوائل: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّه وَقولوا قَولًا سَديدًا، يُصلِح لَكُم أعمالكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّه وَرَسولَه فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا}.
عباد الله: إنه إذا كان الأدب عبارة عن معرفة ما يُحترز به عن جميع أنواع الخطأ، وحيث إن الخطأ يعظم في حق كل عظيم من العظماء، فلا ريب أن الله تعالى هو أعظم العظماء كافة، بل هو العظيم وحده على الحقيقة، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه، واللفظ لهما، وابن ماجة في سننه بإسناد صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم– قال: “قال الله عز وجل: الكِبرياءُ رِدائي، والعَظَمة إزاري، مَن نازَعَني واحدًا منهما قذَفتُه في النَّار”.
وأضاف قائلًا: لذا فإن الأدب معه -تعالى ذكره- متعين على كل الخلائق، وهو مقدم على كل أدب، فالأدَبُ مَعَ الله حُسْنُ الصُّحْبَة مَعَهُ، وبِإيقاعِ الحَرَكاتِ الظّاهِرَة والباطِنَة عَلى مُقْتَضى التَّعْظِيمِ والإجْلالِ والحَياءِ. وإنَّ أولى ما تجب العناية به، وتوجيه الأنظار إليه، معرفة السبل التي يصل بها سالكها إلى منزلة الأدب مع الله تعالى. وإنها -يا عباد الله- لسبل شتى، ومسالك متعددة.. فحين يقف العبد على أعظم منازل الأدب مع الله شأنًا، وأشرفها مقامًا، يجد أنه أداء حقِّه -سبحانه– بتحقيق التوحيد الخالص، الذي هو أعظمُ أوامر الدين، وأساس الأعمال، وروحُ التعبُّد، وعِمادُ التقرُّب، وقاعدة الازدِلاف إليه -عز وجل-، والغاية من خلق الإنسِ والجنِّ، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون}، فيكون هذا أجل سبل الأدب مع الله تعالى؛ لأنه ليس من الأدب في شيء الشرك بالله واتخاذ الأنداد له عز وجل، ولا يستقيم لأحد قطّ الأدب معه سبحانه إلاّ بتوحيده وإخلاص العبادة له وحده دون سواه، ومعرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه، وما يحبّ وما يكره، كما حين ينظر المرء إلى منن الله العظمى عليه، ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، من لحظة بدء تخلقه في رحم أمه، إلى لحظة لقاء ربه، فإنه لا محالة واجد نفسه يلهج بالشكر للمنعم المتفضل بهذه العطايا، شكرًا باللسان حمدًا وثناءً عليه بما هو أهله، وشكرًا بالقلب محبة وإنابة وخضوعًا وإخباتًا، وشكرًا بالجوارح بصرف أعمالها كافة إلى طاعته سبحانه، والسعي إلى مرضاته، فيكون هذا أحد سبل الأدب معه عز اسمه؛ لأنه ليس من الأدب معه في شيء، جحود النعم، وعدم الإقرار بالمنن، ورفض الاعتراف بالعطايا والمنح، كما حين يتفكر اللبيب الأريب في سعة علمه سبحانه، وإحاطته بكل شيء في الأرض وفي السماء، ومن ذلك إحاطته بأمور الإنسان كافة، واطلاعه على جميع حركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله، فإن هذا التفكر يُحدِث له مهابة له سبحانه، يستشعرها في قلبه وقارًا وتعظيمًا، يورثه حياءً من التلوث بمعصيته، والجرأة على مخالفة أمره ونهيه، فيكون بهذا قد سلك سبيلًا آخر من سبل الأدب مع ربه تبارك وتعالى؛ لأنه ليس من الأدب في شيء الإقدام على الذنوب والمعاصي، والتورط في المجاهرة بها، وبكل ما يقبح مقابلته سبحانه، وهو مستيقن أنه شاهد عليه، ناظر إليه.
وأشار في الخطبة متحدثًا: عباد الله، حين يوقن السائر إلى ربه أن الله تعالى قادر عليه، محيط به وبعمله، فلا مهرب له منه، ولا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، ولا يجد سبيلًا أبدًا غير الفرار إليه، والعودة له، والاستعصام بحبله، والاستمساك بشرعه، كما قال تعالى: {فَفِرُّوا إلى اللَّه إِنِّي لَكُمْ مِنْه نَذِيرٌ مُبِينٌ}، فيكون بهذا قد نهج نهجًا يحقق به الأدب مع ربه؛ إذ لا يرتاب عاقل أنه ليس من الأدب في شيء أن يفر المرء ممن لا مفرَّ منه، ولا عاصم من أمره، ولا راد ولا معقب لحكمه. وحين ينظر الإنسان إلى جميل لطف الله تعالى به في كل شؤونه، وحين يرى آثار رحمة ربه به وبعباده كافة، كما قال عز من قائل: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِه مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}، فإن هذا يحمله على طلب المزيد من عظيم رحمته، وجميل ألطافه، بالضراعة والتوسل إليه بالكلم الطيب والعمل الصالح، وبذا يكون أيضًا قد سلك سبيلًا آخر من السبل المحققة للأدب مع الله تعالى؛ لأن مما يستيقن أولو الألباب أنه ليس من الأدب في شيء أن يصاب المسلم باليأس من رحمة الله، فيركن إلى القنوط المحبط، الذي تُظلم به الدنيا، وتغشو به الأبصار، وتعمى به البصائر، كيف وقد نهى ربنا تعالى ذكره عن هذا اليأس بقوله: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه إِنَّ اللَّه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّه هُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، وقال عز اسمه على لسان يعقوب عليه السلام: “يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيه وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّه إِنَّه لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّه إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.
وأشار في الخطبة الثانية قائلًا: حين يمعن ابن آدم النظر فيما جاء عن الله تعالى من بيان واضح وافٍ لشدة بطشه، وأليم عقابه، وعظيم انتقامه، كما في قوله جل ثناؤه: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}، وكما في قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}، وفي كونه سبحانه أيضًا سريع الحساب، فإن هذا الإمعان يبعثه على اتقاء ربه، بالعمل بما يرضيه، والحذر مما يسخطه، فيكون بهذا قد سلك سبيلًا من سبل الأدب مع الله تعالى؛ لأنه ليس ثمة ريب لدى العقلاء أنه ليس من الأدب في شيء أن يبارز العبد العاجز الضعيف ربه القوي القادر، المنتقم الجبار القاهر، بالعصيان لأمره، وعدم الاستجابة لزجره، وحين يحسن المسلم الظن بربه، فيعلم أنه مؤتيه سؤله، ومحقق أربه، ومفيض عليه نعمه، ومجزل له ثوابه، ما دام له مطيعًا، إليه مخبتًا، عليه متوكلًا، له راجيًا، منه خائفًا، وبذا يكون المسلم قد سلك مسكًا من مسالك الأدب مع مولاه جلَّ في علاه؛ لأن أولي النهى مجمعون على أنه ليس من الأدب في شيء إساءة العبد الظن بربه، بالوقوع في الحرام، وكسب الآثام، والتعرض لنقمته وعقوبته، ظانًا متوهمًا أنه غير مطلع عليه، وغير منزل بأسه وأليم عقابه به، فهذا هو الظن السيئ الذي ذكره تبارك وتعالى في قوله: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسرينَ}؛ ولذلك اتقوا الله عباد الله، وأحسنوا الأدب مع الله، بتوحيده وطاعته، وشكره وحسن عبادته، والحذر من مخالفة أمره ومعصيته، تحظوا برضاه ونزول الجنة دار كرامته.
واذكروا على الدوام أنَّ الله تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خير الأنام، فقال في أصدق الحديث وأحسن الكلام: {إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَه يُصَلّونَ عَلَى النَّبِي يا أَيُّهَا الَّذينَ آمنوا صَلّوا عَلَيه وَسَلِّموا تَسليمًا}. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
* وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد بن طالب بن حميد المسلمين بتقوى الله عز وجل حق التقوى، ومراقبته بالسر والنجوى.
وقال فضيلته: قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلِّ نَبِي عَدُوّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعضُهُم إِلَى بَعض زُخرُفَ القَولِ غُرُورا. وَلَو شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرهُم وَمَا يَفتَرُونَ. وَلِتَصغَى إِلَيه أَفـئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَة وَلِيَرضَوه وَلِيَقتَرِفُواْ مَا هُم مُّقتَرِفُونَ. أَفَغَيرَ اللَّه أَبتَغِي حَكَما وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيكُمُ الكِتَابَ مُفَصَّلا وَالَّذِينَ ءَاتَينَاهُمُ الكِتَابَ يَعلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّل مِّن رَّبِّكَ بِالحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُمتَرِينَ. وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقًا وَعَدۡلاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ . وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ}. وكذلك الحال في أتباع الأنبياء وأعدائهم.
وأضاف: والله إذا أخبر فخبره الصدق، وإذا حكم فحكمه العدل، لا يُبدل القول لديه، والكل منه وبه وإليه؛ وفي إخباره سبحانه عدل أحكامه، وفي أحكامه صدق أخباره {وَاتْلُ مَا أُوحِي إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِه وَلَن تَجِدَ مِن دُونِه مُلْتَحَدًا}. وتمت كلمة ربكم صدقاً في صفة الأمة المحمدية وخصالها السنية، ونعوت خصومها الردية، فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَلَو آمن أهل الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّة أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّه وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَة ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}.
وقال فضيلته: بيّن لكم سبحانه أن ذلة العدد لا تضر مع عزة المدد، فقال عز وجل: {وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡر وَأَنتُمۡ أَذِلَّةۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ. إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ. بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ. وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ. لِيَقۡطَعَ طَرَفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ. لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ أَوۡ يُعَذِّبَهُمۡ فَإِنَّهُمۡ ظَٰلِمُونَ. وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}.
اقرأ أيضاًالمملكة“الأحوال المدنية المتنقلة” تقدم خدماتها في 7 مواقع بالمملكة
وأكمل: وما الإمداد إلى مع الاستعداد، فأما استعداد الأرواح القائمة بالعزيز الوهاب فقد تمت كلمة ربكم عدلاً، فشرع أسباب الفلاح والنصر في الدنيا والآخرة حالاً ومقالاً وفعلاً، قال سبحانه: { وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ. ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ. وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ. أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ. قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ. هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوۡعِظَةٌ لِّلۡمُتَّقِينَ. وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ}.
وأوضح فضيلته: وأما استعداد الأجساد القائمة في الأسباب فحكم سبحانه بقوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ}.
وأضاف فضيلته: وتمت كلمة ربكم صدقاً فقال عز ذكره وجلت حكمته: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ. وَتِلْكَ الْأيام نُدَاولهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّه الَّذِينَ آمنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ. وَاللَّه لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. وأخبرنا الله خبر صدق عن كثير ممن مضى من الأنبياء والأمم، فقال سبحانه: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ. فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ}.
وأكمل: ثم حكم سبحانه عدلاً، وأخبر سبحانه صدقاً أن الخسار في طاعة الكفار، وأن النصر في ولاية العزيز القهار، وأن الفشل مع التنازع والمعصية وإرادة الدنيا، ونهى الله أهل الإيمان عن تخذيل إخوانهم وتحسيرهم، وأمرهم فيما بينهم باللين والاستغفار والمشاورة، والتوكل على الله والاستنصار به، وتنكب أسباب الخذلان بالغلول ومعصية الرسول، ومن ظن أن القتلى من الفريقين سواء فليقرأ قوله تعالى: {أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ. هُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ}.
وأضاف: وتمت كلمة ربكم صدقاً وعدلاً بالمنة على المؤمنين بسيد المرسلين، وإنقاذهم به من الضلال المبين، وأن المصيبة تحل علينا من أنفسنا بمخالفة أمره، وترك هديه.
واختتم إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد بن طالب بن حميد الخطبة بقوله: وتمت كلمة ربكم صدقاً يورث اليقين، وعدلاً يحكم بالثبات على الحق إلى يوم الدين، قال سبحانه: {سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلًا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَى ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ}.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية مع الله تعالى عباد الله لأنه لیس ه سبحانه ٱل أ ر ض قال عز سبیل ا
إقرأ أيضاً:
الوقف.. «الصدقة الجارية»
حثّ الإسلام على الصدقة، والصدقة الجارية، ووعد بالمثوبة لفاعلها، واستمرار الأجر له بعد رحيله عن الدنيا، وإن الوقف يُعد من الصدقات الجارية، فأصله ثابت، وعطاؤه مستمر لا ينقطع، ويقصد به التقرب إلى الله تعالى، ذلك أن الوقف تبرع دائم بعقار أو مال، والتنازل عن ملكيته لله تعالى، فلا يجوز بيع العين الموقوفة ولا هبتها ولا التصرف بها، بل يحبس أصلها وينفق من ريعها وعائداتها في المصارف الشرعية التي حددها الواقف.
يسهم الوقف في أعمال البر والخير والإحسان، وخدمة المجتمع وتنميته، كالوقف لبناء المساجد وصيانتها والعناية بها، ووقف الأيتام والفقراء، ورعاية المرضى، وطلبة العلم، وكبار السن، وأصحاب الهمم، والحفاظ على البيئة، والرفق بالحيوان، ونحو ذلك من وجوه الخير والإحسان.
ولبيان الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، يقول الله - عز وجل- في محكم تنزيله: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْر وَأَعْظَمَ أَجْراً)، «سورة المزمل: الآية 20»، وقال الله سبحانه وتعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، «سورة آل عمران: الآية 92». وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، (صحيح مسلم 1631).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها، «صحيح البخاري 2756».
ويحظى الوقف داخل دولة الإمارات العربية المتحدة باهتمام بالغ من القيادة الرشيدة، وتحرص الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف دائماً على إحياء سنة الوقف والدعوة له وتنميته، والتبصير بأهدافه وفق أساليب معاصرة تتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، مما يؤدي إلى تقوية ينابيع الخير في النفوس، وتجسيد مبادئ التكافل الاجتماعي، ويفتح آفاقاً تنموية للعمل الخيري بما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع.
ونحن مدعوون للمساهمة في إحياء سنة الوقف لنحقق التعاون على البر الذي أمرنا الله تعالى به، فقال عز من قائل: (... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ...)، «سورة المائدة: الآية 2»، ولنحرص أشد الحرص على المشاركة في تنمية الوقف الخيري لنحقق قول الله تعالى: (... وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة الحج: الآية 77». ومما سبق يتبين لنا أن الوقف من أعمال البر التي حثّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الصدقات الجارية أصلها ثابت، وثوابها دائم لا ينقطع، فهي تنفع الإنسان في حياته وبعد مماته، كما أن أعمال البر تتفاضل بحسب حاجة الناس وعموم النفع، حيث يتميز الوقف بأنه يحافظ على أصل المال وينميه، ويرسخ قيم الإسلام ومبادئه في التصدق والبر والإحسان.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى المبادرة بالإنفاق وعدم التسويف، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قال: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ».
وحثّ الإسلام على الإنفاق وجعل ثوابه عظيماً، ووعد الله من تصدق وأنفق بالخلف والعوض، قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».