أعلنت الحكومة الإسرائيلية في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري حالة حرب ضد قطاع غزة، وقالت في بيان "وافقنا على إعلان حالة الحرب وفقا للقانون الأساسي وللبدء بعمليات عسكرية ستكون واسعة النطاق جدا"، فما الذي يعنيه قانون هذا الإعلان؟

وفقا للقانون الإسرائيلي، يمنح هذا الإعلان الحكومة صلاحيات واسعة، تشمل إعلان الأحكام العرفية، التعبئة العامة، استخدام القوة المسلحة.

وهو إعلان يشير -كما أظهرت الأيام التالية- إلى خطط لعملية عسكرية واسعة النطاق تستخدم القوة الجوية والبحرية والبرية، لتسبب خسائر فادحة في المدنيين.

يوحي الإعلان المضلل أن قطاع غزة كان ينعم قبله بالأمن والاستقرار والرفاهية، ثم -ومن دون سابق إنذار- اعتدى جيش هذه القطاع على دولة إسرائيل وانتهك سيادتها وقتل مواطنيها.

والواقع أن دولة الاحتلال تحاول تمييع الوضع القانوني لقطاع غزة، زاعمة أنها ليست سلطة احتلال، وأنها انسحبت منه في سبتمبر/أيلول 2005، بل واعتبرته كيانا معاديا، وقد روجت آلتها الدبلوماسية والإعلامية لهذه الفكرة في الأوساط الغربية، بل وفي الأوساط العربية التي قامت بعمليات التطبيع الأخيرة. وبناء على ذلك فإن ما يقوم به جيشها هو دفاع عن المدنيين الإسرائيليين الآمنين كأية دولة تدافع عن مواطنيها.

هل يمكن قانونا إعلان الحرب على سكان أرض محتلة؟

الاحتلال الحربي يُعدُّ حالة واقعية قهرية، تفرضها دولة منتصرة على دولة مهزومة فتحتل جزءا من إقليمها أو كل الإقليم. وبهذا، فهو مرحلة متقدمة من النزاع المسلح، وليس نهاية له واقعيا ولا قانونيا. فالاحتلال الحربي في ذاته يُعدّ عملا غير مشروع، وهو صورة من صور جريمة العدوان، ويمثل استمرارا للحرب، لكن بوضعية إجرائية مختلفة.

وإذا كان الاحتلال لا ينهي الحرب، بل ينشئ وضعا مؤقتا وغير شرعي، فإنه عادة ما ينشئ حالة من الفعل وردّ الفعل بين الدولتين، فالدولة المحتلة تسعى إلى تأكيد وجودها بالقوة وإسكات المقاومة بأنواعها، والدولة المحتلة أراضيها تسعى بكل قوتها إلى طرد الاحتلال وتحرير أراضيها.

وقد نظم قانون النزاعات المسلحة حالة الاحتلال الحربي، فيما سمي في الفقه "قانون الاحتلال الحربي". وهو يفرض على الدولة المحتلة التزامات يُعَدّ تجاوزها جريمة حرب. وهي تهدف لحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية في الإقليم المحتل.

لا معنى إذن -قانونا- لإعلان حالة الحرب على إقليم محتل، لأن هذه الحالة قائمة أساسا. وما قامت به إسرائيل ليس سوى إشعار برفع مستوى الجرائم، وأنها "لضرورات عسكرية" قد تسفك المزيد من الدماء وتدمر المزيد من الأعيان المدنية.

نحن أمام مفارقة واضحة، فالدول الغربية ترفض استخدام القوة لنيل حق تقرير المصير، وتعتبر استخدامها إرهابا وعنفا غير مبرر، ولكن القانون الدولي يقول عكس ذلك

 

الحصار "الرسمي" على قطاع غزة

في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الحصار رسميا على قطاع غزة. وهو إعلان يوحي أن القطاع لم يكن واقعا تحت الحصار وأن كل شيء كان قبله على ما يرام.

هذه خديعة إسرائيلية جديدة للرأي العام العالمي. فقد أكدت الأمم المتحدة ومقرروها ومنظمات حقوقية وإنسانية عديدة، أن قطاع غزة واقع فعلا تحت الحصار منذ عام 2007 وترتب على ذلك أضرار خطيرة للغاية.

ومع ذلك، فهذا الإعلان الأخير هو أيضا انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. فالحصار يُعد شكلا من العقاب الجماعي غير المشروع، يحرم السكان المدنيين من الوصول إلى الاحتياجات الأساسية كالغذاء والماء، والدواء والكهرباء.

فالقانون الدولي الإنساني يؤكد مبدأين أساسيين: "التمييز" بين المدنيين والمقاتلين، إذ يجب حماية المدنيين من الهجمات، و"التناسب" بين الأعمال العسكرية والهدف الذي تسعى لتحقيقه، وهنا نرى كيف أن الحصار انتهك المبدأين، فهو يستهدف المدنيين بشكل مباشر منتهكا مبدأ التمييز، كما أنه لا يتناسب مع الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه، وهو منع حماس من إطلاق الصواريخ على إسرائيل.

المواقف السياسية لا تغير الحق القانوني

صدرت مواقف أميركية وأوروبية تدين بشدة هجوم المقاومة الفلسطينية على جنود ومستوطني الاحتلال. وهو ما يتسق مع المواقف السابقة لتلك الدول التي تدعم الاحتلال وتؤكد حقه في الدفاع عن النفس في مواجهة ما تعتبره "الإرهاب الفلسطيني"، وتدعو تلك الدول إلى العودة إلى المفاوضات السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين كخيار وحيد لمعالجة القضية الفلسطينية. وهي هنا تغض الطرف عن جرائم الاحتلال في القدس والضفة الغربية وحصار قطاع غزة. وقد تجاوزت تلك المرة حدود دعمها التقليدي لإسرائيل، فحركت أميركا حاملة طائرات لدعمها، وأعلنت تزويدها بالذخائر والقنابل، وكذلك فعلت بريطانيا.

لا أحد منهم هنا يتطرق إلى سلوك الاحتلال، خاصة في ظل حكومة اليمين المتطرف، وإلى حقيقة الاحتلال نفسها وما تسببه من معاناة إنسانية متواصلة وعميقة للسكان المدنيين في القدس، والضفة الغربية، وللأسرى الفلسطينيين إضافة إلى الحصار الذي لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلا لقطاع غزة.

حق الشعوب في تقرير مصيرها هو من القواعد القانونية الملزمة ذات الصفة الآمرة في القانون الدولي، وقد تم ترسيخ هذا المبدأ في المجتمع الدولي على غير رغبة الدول الاستعمارية، وفي ظل ظروف سياسية واجتماعية سمحت بذلك، وأصبح منذ ذلك الحين دافعا لعملية التغيير في المجتمع الدولي، التي تحاول الدول الكبرى تطويقها.

ولما كان هذا الحق قد تقرر رغما عن إرادة الدول الكبرى، فمن الطبيعي أن تضع العراقيل أمام ممارسته، كأن تنكر أساسا وجود قضية تستدعي السماح للشعب الفلسطيني باستخدام السلاح في مواجهة الاحتلال (حليفها الإستراتيجي).

ونحن هنا أمام مفارقة واضحة، فالدول الغربية ترفض استخدام القوة لنيل حق تقرير المصير، وتعتبر استخدامها إرهابا وعنفا غير مبرر، ولكن القانون الدولي يقول العكس.

ومن الواضح أن الرأي الذي تتبناه الدول الغربية وتروّج له، موقف سياسي يتعارض مع المنطق القانوني السليم ومبادئ القانون الدولي المعاصر وأحكامه الآمرة، ومن المثير للاستغراب والاستهجان أن تسمح الدول الاستعمارية أو المحتلة لنفسها باللجوء إلى العنف ضد الدول والشعوب الأخرى، استنادا إلى القانون الدولي والأعراف الدولية، ثم تحرم الشعوب الضعيفة من حقّ الدفاع عن النفس وممارسة الكفاح المسلح، ليس بغرض الاعتداء على دولة أخرى، بل بهدف نيل استقلالها وممارسة حقها في تقرير مصيرها.

يتميز النضال المسلح لحركات المقاومة بأنه ليس عنفا عبثيا، بل خيارا أخيرا بعد استنفاد الوسائل السلمية. القانون الدولي يقرّ الكفاح للشعوب تحت الاستعمار والاحتلال لممارسة حقها في تقرير مصيرها. ولا يمكن أساسا تصور وجود قاعدة قانونية دولية -مكتوبة أو عرفية أو أخلاقية- تمنع شعبا مستباح الأرض والإنسان من المقاومة، فكيف إذا كانت القوة المحتلة (إسرائيل) تحتل الأرض، منذ عقود، وتسيطر على مصادر الرزق والحياة، وتمعن في تهويد القدس وقتل البشر والحجر، وتسرق الممتلكات، وتهين الأسرى، وتخدع العالم بحجج لا يدعمها قانون أو خلق أو منطق، لتستعمل أسلحة ثقيلة في اجتياح مخيمات مكتظة بلاجئين غيّروا مكان لجوئهم عدة مرات هربا من بطشها؟

إن إعلان الحرب والحصار رسميا على القطاع، ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي للفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية، هو إعلان رسمي لانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني (قانون الحرب) المكتوبة والعرفية، وهو دليل قاطع على ما كان الاحتلال ينكره، وعاجلا أو آجلا سيحاسب على جرائمه التي اعترف بها الآن.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاحتلال الحربی الدولی الإنسانی القانون الدولی قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يتحدى الأمم المتحدة.. تعرف على موقف القانون الدولي من إلغاء إسرائيل لاتفاقية 1967 مع الأونروا

في خطوة تُشكل تحولاً مهماً في العلاقات بين إسرائيل ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أعلنت الخارجية الإسرائيلية رسميًا إلغاء اتفاقية تنظيم تعاملاتها مع "الأونروا" التي تعود إلى عام 1967، وذلك عقب إقرار قانون بالكنيست الإسرائيلي في أكتوبر الماضي، يمنع عمل الوكالة داخل إسرائيل ويحد من تفاعل السلطات الإسرائيلية معها.

وبالتأكيد سوف تترتب على هذه الخطوة تداعيات قانونية وإنسانية متعددة، خاصة في ظل دور "الأونروا" الحساس في دعم اللاجئين الفلسطينيين.

الأونرواإلغاء الاتفاقية التي تنظم علاقاتها مع "الأونروا" 

أعلنت الخارجية الإسرائيلية، الاثنين، أنها أخطرت الأمم المتحدة رسمياً بإلغاء الاتفاقية التي تنظم علاقاتها مع "الأونروا" منذ عام 1967، وذلك بعدما أقرت في أكتوبر الماضي قانوناً يحظر على الوكالة العمل في البلاد، ويمنع السلطات الإسرائيلية من التعاون معها.

ولا يحظر التشريع بشكل مباشر عمليات "الأونروا" في الضفة الغربية وغزة، وكلاهما يعتبر بموجب القانون الدولي خارج إسرائيل ولكن تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ودأبت إسرائيل على انتقاد "الأونروا" واتهمتها بالتحامل على إسرائيل، قائلة إنها تعمل على إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال الإبقاء على الفلسطينيين في وضع لاجئ دائم.

ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر من العام الماضي، قالت إسرائيل إن الوكالة تعرضت لاختراق كبير من حركة "حماس"، واتهمت بعض موظفي الوكالة بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل، لكن دون أن تقدم أدلة على ذلك.

إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا بعد أيام من الحظر.. قوات الاحتلال تدمر مكتب الأونروا بالضفة الغربية

وتأسست "الأونروا" بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (IV) بتاريخ 8 ديسمبر 1949 "لتنفيذ برامج الإغاثة المباشرة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين". وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من مايو 1950.

وتتمتع وكالة "الأونروا" بتفويض إنساني وتنموي لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في انتظار "حل عادل ودائم لمحنتهم".

وتستمد "الأونروا" تفويضها من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي الجهاز الأم للوكالة، والجمعية العامة وحدها هي التي يمكنها تحديد تفويض "الأونروا"، ولا يتم تحديد تفويض الوكالة في مصدر أو وثيقة واحدة، بل إن تفويض الوكالة مستمد في المقام الأول من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وتطور تفويض الوكالة على مر السنين، كما هو منصوص عليه في قرارات مختلفة للجمعية العامة، ليشمل تقديم خدمات الطوارئ للأشخاص في منطقة عملياتها الذين نزحوا حالياً ويحتاجون بشدة إلى المساعدة المستمرة نتيجة للأعمال العدائية التي اندلعت في عام 1967 وما تلاها.

وعلق أستاذ القانون الدولي والنظم السياسية الفلسطيني، الدكتور جهاد أبولحية، على هذه الخطوة، قائلا: إنه تصعيد خطير ضد الاونروا من قبل إسرائيل وذلك في ضوء اكمال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني ،حيث تأتي خطوة إلغاء اتفاق بشأن عمليات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى الصادر في عام 1967 بعد ايام من اقرار تشريع من الكنيست الاسرائيلي بحظر عمل الاونروا في  فلسطين المحتلة.

وأضاف أبو لحية في تصريحات لـ "صدى البلد": تعمل إسرائيل بكل قوة ضد شعبنا الفلسطيني حيث تهدف من وراء هذه الخطوة إلى زيادة معاناة ابناء شعبنا الفلسطيني الذين هم بحاجة ماسة لخدمات الاونروا الاغاثية والصحية والتعليمية في ظل هذه الحرب الشرسة التي تقوم بها اسرائيل في غزة والعدوان في الضفة والتهويد في القدس الشرقية.

وتابع أن هذه الخطوات المتصاعدة تهدف أيضا إلى القضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم قسرا خارج فلسطين المحتلة بعد نكبة ١٩٤٨ م ونكسة ١٩٦٧م، حيث يعتبر وجود الاونروا شاهدا على بقاء قضية اللاجئين وبالتالي يعتبر قرار تصفية الأونروا واستهدافها بهذا الشكل هو استهداف لكل ما هو مرتبط بالاونروا من حقوق للاجئين الفلسطينيين.

ولفت إلى أن هناك اكثر من ١٨ ألف موظف يتلقون رواتبهم من هذه الوكالة الدولية وبالتالي يعتبر هذا القرار الحاق ضرر بهذه الفئة أيضاً التي سوف تصبح بلا وظيفة وبلا عمل وبالتالي تعرض عائلات هؤلاء الموظفين إلى ظروف معيشية صعبة.

وأشار إلى أن المطلوب من الأمم المتحدة أن تقوم بدورها في حماية مؤسساتها التي أنشأتها وذلك من خلال معاقبة كل من يتجرأ على هذه المؤسسات بهذا الشكل الفج وغير القانوني .

وفي نهاية حديثه شدد على أنه يتوجب اتخاذ اول قرار هو تعليق عضوية اسرائيل في الأمم المتحدة وفرض عقوبات فورية عليها لتصرفها الغير قانوني ضد وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يتحدى الأمم المتحدة.. تعرف على موقف القانون الدولي من إلغاء إسرائيل لاتفاقية 1967 مع الأونروا
  • "فتح": قرار الاحتلال قطع العلاقات مع "الأونروا" تعدٍّ سافر على القانون الدولي
  • رسميًا.. إعلان مواعيد مباريات ربع نهائي كأس الملك
  • بين مؤيد ومعارض.. برلمان تركيا نحو إقرار قانون للحد من النفوذ الأجنبي
  • اليونيسيف: يجب وقف الهجمات على المدنيين والعاملين في المجال الإنساني بقطاع غزة
  • تعقيبا على رد النواب.. الصحفيين: الحوار المجتمعي قبل إقرار قانون الإجراءات الجنائية ضرورة
  • «يونيسف» تطالب بوقف الهجمات على المدنيين والعاملين في المجال الإنساني
  • اليونيسيف: يجب وقف الهجمات على المدنيين والعاملين بالمجال الإنساني في غزة
  • قانون العمل الجديد .. علاوات وإجازات وساعات أقل تنتظر إقرار النواب
  • عمليات الاحتلال يقابلها موقف سلبي من الدول الأوروبية والمجتمع الدولي والأمم المتحدة.. تفاصيل