واصل الصديق العزيز أحمد عثمان حواره المحفز للتفكير والنقاش. جاء مقاله الثالث بعنوان "إستراتيجية الهبوط الناعم جوهرها الحفاظ على التمكين، وكل من يدعو إليها يحافظ عليه وإن حسنت نواياه!! " كرد على مقالي الذي عنونته " استراتيجية الهبوط الناعم: الفكرة والمقترح وكيف تحولت لسبة؟ رغم طرحه البين لمفهوم الهبوط الناعم، واجتهاده لربط مواقف قحت، كلها، سابقا وحاليا، بل ومستقبلا بالهبوط الناعم، الأمر الذ يتناقض مع الفكر الماركسي الذي ينتمي اليه.

فجوهر الماركسية ان لا شيء ثابت، بل كل شيء في صيرورة متحركة ومستمرة. حاليا عدد من قادة قحت وضحوا موقفهم من الشراكة. مسألة أخري سأناقشها وهي هل مفهومه للهبوط الناعم سيشمل كل مواقف القوى السياسية المختلفة خلال الحقبة الاسلاموية؟
كتبت في مقالي السابق عن استراتيجية الهبوط الناعم، ما يلي:
" لعب السفير برينستون ليمان (وكان مبعوثا خاصا للإدارة الامريكية في السودان) دورا محوريا في صياغة الاستراتيجية. كتب برينستون في ورقة نشرها معهد السلام الأمريكي، حول المشروع، اقتطف منها بعض الفقرات:
(بعد عامين من فقدان السودان لربع عدد سكانه ومساحته، يظل البلد في أزمة كبيرة، لم يسفر انفصال الجنوب عام 2011 عن تسوية النزاعات طويلة الأمد في السودان. فمنذ ذلك الوقت يواجه الرئيس عمر البشير تمردا مسلحا يتزايد قوة، وانقسامات داخلية، ومحاولات للانقلاب عليه من قبل عناصر من الجيش. ولقد حان الوقت لان يشرع السودان في حوار داخلي حقيقي وعملية إصلاحية تؤدي الى حكومة ممثلة لقاعدة واسعة وديمقراطية وقادرة على السعي نحو مصالحة مجدية بين السودانيين)
جوهر السياسة هو عدم ثقة الامريكان في قدرة الحكومة على حل مشاكل السودان المزمنة، والتي تزداد تأزما. وفي نفس الوقت عدم ثقة في قدرة المعارضة المسلحة والمدنية على هزيمة النظام.، مما يشكل خطرا بانهيار البلد، تماما. فالهدف، آنذاك، كان إجراء مصالحة لإخراج السودان من ازماته المتطاولة وحروبه الاهلية المدمرة عن طريق مصالحة مجدية بين السودانيين. لم أكن من أنصار الهبوط الناعم، حينذاك والآن. فقد كتبت عدة مقالات في حوار مع الأستاذ السر سيد أحمد عندما طرح المشاركة في انتخابات 2020. كانت مقالاتي بعنوان " الأولويات المقلوبة". تعرضت فيها لعدة قضايا أولها المشاركة ثم تساءلت، في مقال، عن هل احزابنا جديرة بقيادة التغيير القادم في السودان، وكرست مقال آخر لقوى المستقبل وحددها في الشباب والنساء، وها هو مقتطف من المقال عن الحركة النقابية وتنبأت بأنها ستقود التغيير القادم، أعيد ما سبق ان نشرت لتوضيح رفضي المؤكد للهبوط الناعم، عندما كان يشكل افقا للتغيير لبعض المخلصين من أبناء شعبي. كتبت ما يلي:
" وصفت في الحلقات السابقة الحوار حول الانتخابات بالألويات المقلوبة، لأنه قفز فوق المهام العاجلة امام شعبنا، واهمها الازمة المعيشية والاقتصادية، وإيقاف الحرب وتوفير الحريات الاساسية. وان الحوار يصب في خانة ما يريده النظام بمحاولته الظهور بالمظهر الديمقراطي الذي يتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع. وناقشت اراء الداعين للمشاركة والرافضين لها. وبدأت في نقاش أدوات التغيير وبدأت بالحركة النقابية. وعددت في المقال السابق الأسباب التي أدت لضعف الحركة النقابية وهي: القوانين والتشريعات، تصفية القطاع العام، عسكرة الاقتصاد، التشريد الجماعي، الهجرة الواسعة، القبضة الأمنية الشاملة، روح اليأس من النقابات، ضعف وانقسام المعارضة، الازمة الاقتصادية".
هذا المقتطف يوضح موقفي المبدئي من الاستراتيجية عندما طرحت، لأنني أؤمن بقدرة شعبي على هزيمة الدكتاتورية الاسلاموية. لكن، ثورة شعبنا في ديسمبر قلبت موازين القوي. وتخطى الزمن استراتيجية الهبوط الناعم، لأن الجهة التي خططت له لم تفهم حركة الجماهير السودانية وخبراتها النضالية. لقد تفاجأوا بعظمة ثورتنا. بل، صار من كانوا ينظرون له في مراكز الدراسات يتحدثون ويدعمون قيام حكومة مدنية كاملة، وهو ما تبنته الحكومة الامريكية بصراحة، مؤخرا.
الصديق احمد عثمان في وصفه للهبوط الناعم يعتبر الاجتماعات المشتركة مع العسكر أو الشراكة أو حتى الاتفاق الاطاري هبوطا ناعما كامل الدسم. إذا قبلنا كل ذلك، فماذا يسمي الصديق أحمد مشاركة الحزب الشيوعي بثلاثة نواب في المجلس الوطني وهو السلطة التشريعية آنذاك؟ السلطة التشريعية هي أحدي السلطات الثلاثة التي تقوم عليها الدولة الحديثة. تقسم السلطة في الدولة الحديثة بحيث تقوم السلطة التشريعية بسن القوانين، وتقوم السلطة التنفيذية بتنفيذها وتطبيقها، وتقوم السلطة القضائية بالعمل على فض المنازعات. هل نسمي تلك المشاركة هبوطا ناعما، أم، كما أري، تكتيك سياسي في الصراع مع الدكتاتورية؟
علينا متابعة التطورات السياسية في الساحة السودانية، كما علينا الضغط على كافة القوى السياسية من أجل تصحيح أخطاء الماضي، التي تلقي بعبئها الثقيل على الحاضر. هذا مثال على بداية في تصحيح المسار وتخطئ العثرات. ولنقرأ، بذهن مفتوح، ما قاله الواثق البرير، القيادي بالحرية والتغيير، في لقاء مع العين الإخبارية ونشرته الراكوبة يوم 6 أكتوبر الحالي:
" رؤيتنا للحل السياسي مبنية على أساس إنهاء القتال واستعادة الانتقال المدني وذلك عبر مرحلتين، الأولى إيقاف القتال وتسهيل العمليات الإنسانية وفتح الممرات الآمنة للمواطنين والمنظمات التطوعية واستعادة المؤسسات الخدمية والفصل بين القوات، عبر خريطة الطريق التي طرحتها الوساطة السعودية الأمريكية.
والثانية: هي الانتقال إلى عملية سياسية مكتملة ومتوافق عليها شاملة كل القوى السياسية والمدنية الداعمة لوقف القتال والتحول الديمقراطي من أجل الاتفاق على مشروع وطني يخاطب جذور الأزمة ويضع الحلول، ويؤسس لبناء الدولة وإعادة الإعمار والإصلاح المؤسسي، وعلى رأسها الإصلاح الأمني والعسكري الذي يؤدي لبناء جيش قومي مهني موحد وإنهاء كافة مظاهر المليشيات وإبعاد القوات المسلحة من العمل السياسي والاقتصادي والالتزام بمهامها الدستورية واستكمال الفترة الانتقالية وصولا لانتخابات حرة ونزيهة."

اليس هذا التصريح مقنعا لقوى التغيير الجذري لتأتي مع الجميع الى طاولة مستديرة للحوار، ويطرحوا رؤيتهم للمهام الراهنة والعاجلة حول الحرب، ويستمعوا لرؤى الآخرين. ثم تأتي الخطوة الأهم وهي الاتفاق على أسس مشروع قومي يجمعنا كشعب يعيد بناء بلاده؟
لن امل من تكرار قولي بأن لا صوت يعلو على صوت لا الحرب، ولا أولوية تأتي قبل أسبقية انهاء الحرب، ولن نتنكر لصوت الملايين: لازم تقيف.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مكي المغربي: الحرب لن تحسم البتة إلا بالتداول حول خيارات استراتيجية الآن الآن

منذ اليوم الاول وانا أراسلهم، هذه ليست مليشيا هذا مخطط استراتيجي كامل، ولا يمكن مواجهة الاستراتيجي بالتكتيكي، من العبث بمكان تصور أن العلاقة بين المؤسسة العسكرية والصف الوطني الاسلامي هي علاقة مؤقتة وبالحد الادنى و (بالناس الماظهرين) وبالابقاء على احتمال التخلص منهم بعد قضاء الغرض.

هذه أحلام وأوهام لأن الصف الوطني الاسلامي بمختلف تياراته وحركاته هو العمود الاجتماعي الموازي للعمود العسكري، ولأن السودان فيه المجتمع أقوى من الدولة فالجيش لا يكفي، ليس لانه ضعيف ولكن تكوين السودان (وهو عملية مستمرة) يختلف عن النماذج المطروحة في البرامج السياسية للاحزاب.. بالذات التي اقتربت في فترة قحت من القيادات والمسئولين وبثت سمومها فيهم .. أو الاصح تلاعب الخارج بقحت وبهذه القيادات.

كل ما أقدم مقترحات وأسمع كلمة سننظر في هذا في مرحلة بعد الحرب أستاء واتقزز لأنني واثق أن الحرب لن تحسم البتة إلا بالتداول حول خيارات استراتيجية الآن الآن وليس غدا.
على أقل تقدير كان يجب اعادة منسقيات الإحتياطي الشعبي والشرطة الشعبية وليس الاستنفار الشعبي (المعلن) وغير المطبق بالشكل المطلوب.

مكي المغربي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حزب الأمة القومي يعلن المشاركة في مؤتمر القاهرة
  • «الأمة القومي» يعلن المشاركة في «مؤتمر القاهرة»
  • التغيير في العراق: واختلاف طريقة التفكير!
  • قيادي في (تقدم) السودانية لـAWP: لا جلوس مع المؤتمر الوطني ويجب أن تكون السلطة للمدنيين
  • نساء في السودان بين العنف الجنسي والوصم الظالم من المجتمع
  • تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في السودان تردّ على دعوة مصرية
  • بعد أن يسدل الستار علي الحرب العالمية الثالثة في السودان يمكن اجراء مناظرة سياسية بين الجنرالين
  • مكي المغربي: الحرب لن تحسم البتة إلا بالتداول حول خيارات استراتيجية الآن الآن
  • «كروما العسكرية» تستقبل الفارين من حرب الفاشر
  • أمراء الحرب يدمّرون السودان وشعبه