هل كان عنترة سودانياَ في نادي سينيورز بلندن
تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT
محمد علي ـ لندن
في يوم الجمعة الموافق السادس من شهر أكتوبر العام 2023م، خصص نادي السينيورز في لندن الذي تشرف عليه السيده نوال جنيدابي التي خصصت مشكورة جلسة خاصة لتدشين كتاب هل كان عنترة سودانياً الذي كتبه المؤرخ المعروف مربي الأجيال ضرار صالح ضرار.
وتحدث في موضوع الندوة الأديب الأستاذ حسن تاج السر، الذي يعد موسوعة في الأدب العربي، وبدأ حديثه الشيق بالتحدث عن مؤلف الكتاب وسرد فيها مسيرته التاريخية وعرفه بأنه مؤرخ وابن مؤرخ (محمد صالح ضرار) وشقيق مؤرخ (سليمان صالح ضرار), كما أنشد للحضور بعض قصائد عنترة فأطرب الحور وجعل الحضور يعيشون مع عنترة أجواء المعارك ولمع الأسنة وصليل السيوف وأجواء الغزل في ابنة عمه.
بما أن المؤلف غني عن التعريف فيسرنا أن نقدم نبذة عن الكتاب كتبها أحد قال بعد السلام، السادة الكرام:
لم أكن أعلم قبل أنْ أطّلع على موضوع كتب بهذا العنوان أن أحداً سيُعنى بهذا الجانب من شخصية الفارس الشاعر الجاهلي «عنترة بن شدَّاد».
لقد رددنا شعر عنترة في البطولة والفروسية منذ الصغر، ورسخت في الذهن صورته الحقيقية من خلال مناهجنا الممتازة في دراسة الأدب العربي القديم في معهد الباحة العلمي قبل أن نطّلع على القصَّة التي يغلب عليها الخيال المنتشرة بين الناس عن شخصية عنترة بن شدّاد، ولذلك فقد أصبح الاستمتاع بجمال قصائده، وإبداعه الشعري، وبطولاته الحقيقية، ومشاعره المتأججة بالحب الصادق لابنة عمه عبلة، أعظم في نفوسنا من الاستمتاع بتلك الصورة الخيالية الأسطورية التي رسمها قلم مشهور لشخصية هذا الفارس الشاعر في قصة «عنترة» التي يتداولها الناس .
نعم كنت وما زلت أقف وقفة الإعجاب ببعض الجوانب القوية في شخصية عنترة، خاصة شجاعته النفسية في اقتحام الحديث عن لونه الأسود، وعن أمه زبيبة الأمة التي عُرفت عند الرُّواة بأنها حبشية، وهي التي وصفها عنترة بقوله:
وانا ابن سوداء الجبين كأنَّها ضبعٌ ترعرع في رسوم المنزل
الساق منها مثل ساق نعامةٍ والشَّعر منها مثل حبّ الفُلْفُلِ
وهو يقول هذا في مجال الافتخار بقوته وشهامته وشجاعته وطيب أخلاقه، ولهذا يؤكد هذا المعنى بقوله:
إني امرؤ من غير عبسٍ منصباً شطري، وأحمي سائري بالمُنْصُلِ
وإذا الكتيبة أحجمتْ وتلاحظتْ أُلفِيتُ خيراً من مُعِم، مُخْوِلِ
فهو هنا يؤكد أن اخواله ليسوا من العرب، ولكنّه خيرٌ من ذوي الأعمام والأخوال لأنه يحمي هذا الجانب بسيفه البتار حين يحجم الفرسان عن النزال والقتال.
نعم، ما زلت أقف وقفة الاعجاب بهذه الروح الشامخة بين جنبي هذا الفارس الشجاع، الشاعر الذي استطاع ببطولاته وأخلاقه ان يخلّد ذكره في الناس، ويرفع مكانته بينهم، فهو يقتحم هذا الجانب بثقةٍ ويقين وقناعة بقدراته ومكانته.
يعيبون لوني بالسواد جهالةً ولولا سواد الليل ما طلع الفجر
كما يقول: لئن يعيبوا سوادي فهو لي نَسَبٌ يوم الفخّار إذا ما فاتني النسب
ويقول: تُعيِّرني العدا بسواد جلدي وبيض خصائلي تمحو السوادا
نعم، ما زلت أقف وقفة الإعجاب بعنترة الذي يقول:
ولقد أبيتُ على الطّوى وأظله حتى أنال به كريم المأكل
وهو بيت يدل على مكارم الأخلاق، يُروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما سمعه قال:
ما وصف لي احد فوددت ان أراه إلا عنترة.
كل ذلك يجري لي مع أبي الفوارس عنترة بن شدّاد، استمتع به، وأكرّر قراءته التي تزيدني معرفة بإبداعه الشعري فكأنني مع شعره كما قال الشاعر.والجدير بالذكر أن المشرفة على ملتقى توتي الثقافي الشريفة انتصار شاهين خصصت قسماً في الملتقى للكتب السودانية لربط السودانيين والسودانيات بثقافة وطنهم وتراثهم,
وفي الختام شكر الحضور السيدة نوال جنيدابي على كرمها في الضيافة وإمتاعهم بالغذاء الفكري، كما شكر الحضور الأستاذ حسن تاج على ما قدمه لهم.
bejawino1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هات “الجِفت” يا خليل
هات “الجِفت” يا خليل
د. #حفظي_اشتية
العنوان لقاسم حداد شاعر البحرين الأشهر. أما #الجفت فهو #بندقية_صيد ذات فوّهتين. وأما خليل فهو خليل حاوي الشاعر اللبناني الذي انتحر عشية الاجتياح الإسرائيلي لبيروت سنة 1982م.
في هذه الظروف المريرة التي نعيش، نظن أنّ ” #خليل_حاوي ” يسكن في حنايا كثيرين منا، إذ تمثّل حياته ــ بصدق ــ عذاباتنا وخيبات آمالنا ونهاياتنا الفاجعة.
مقالات ذات صلةوالده من بلدة “الشويّر” الوادعة الواقعة في متن جبل لبنان، المطلّة على جبل “صنّين”. كان يعمل بَنّاءً، ويتنقل بأسرته بين لبنان والجولان وجبل العرب “الدروز” حيثما يُطلب للعمل.
ولد خليل في قرية “الهُوَيّة” في جبل العرب، وفي سن الثالثة عشرة أعاق المرضُ والده عن العمل، فاضطرــ لإعالة أسرته ــ أن يترك الدراسة، ويمارس مهنة والده في رصف الطرق وتبليط البيوت. لكنّ طموحه للتعليم لم ينقطع، فتقدّم لامتحان البكالوريا، ونجح بتفوق، والتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ليحصل على الشهادة الجامعية الأولى، ثم أكمل الماجستير، وحصل على الدكتوراة من جامعة “كامبردج” في أطروحة عن جبران خليل جبران، وعاد ليعمل أستاذا جامعيا في دائرة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية، وبدأت تصدر دواوينه الشعرية تباعا، وكانت تعبّر عن قضية حياته المركزية وهي الدعوة إلى الانبعاث العربي، وإيقاظ الأمة العربية لتجاوز نكباتها المتتالية منذ بدء الاستعمار الغربي والتغلغل الصهيوني، ونكبة فلسطين 1948م، وما تلاها من نكسات وهزائم تترى حفرت في نفسه الأبية العروبية الحساسة أخاديد الأسى، وثوّرت أعاصير الألم وتباريح الهمّ والجوى، فتساقطت نفسه المعذَّبة أنفسا عديدة، وذبلت صرخاته، وأنّت روحه من ثقل صمته: “طال صمتي… مَن تُرى يسمع صوتا صارخا في صمته؟! يسمع صوتي؟!…. لِأَمُتْ غير شهيد… مفصحا عن غصّة الإفصاح في قطع الوريد…”
ولعل كلامه هذا كان إخطارا خطيرا وإشهارا مريرا بنيّته المبيّتة قبل موته بسنوات.
ثم جاء الهول عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان سنة 1982م، وتقدمت جحافلها نحو بيروت رغم البطولات الخارقة الهائلة للمدافعين الشرفاء، لكنه ميزان القوى الظالم الذي ينحاز دوما للأعداء!!!
غاص الألم عميقا في قلب خليل، وشاهت الدنيا في وجهه، وغار الأمل بعيدا في الدرك الأسفل، وطغى اليأس وادلهمّ.
وفي ليلة 6/6/1982 ذكرى النكسة القديمة الجديدة، عمّ الاضطراب بيروت، ولعلع الرصاص في كل مكان، فأدركَ خليل يقينا أن الحلم الكبير قد ضاع، فصرخ دون أن يكون لصرخته أيّ صدى: “يا لثقل العار!! هل حملته وحدي؟!”
وأسرّ إلى صديقه قائلا: “لم يبقَ أمامي غير الانتحار، فلا معنى لوجودي”.
صعد إلى شقته، وخرج إلى الشرفة قبل منتصف الليل معلنا ولادة قصيدته الخالدة التي كتبها بدمه القاني. صوّب بندقيته صَوْب رأسه، وضغط الزناد، لمعت شعلة البارود في عتمة الليل البهيم، فطار مِحجر العين وجزء من الرأس، وتهاوى الجسم الجريح على البندقية و”درابزين” الشرفة، وبقي كذلك إلى أن أطلّ الصباح البائس، وذاع الخبر الفاجع.
ومنذ ذلك الحين، وعلى مدي أكثر من أربعين عاما، ما زال كثير من الأدباء يستعيدون مرارة الذكرى، يُبدئون ويعيدون في أسباب الانتحار، ويفترقون وفق ذلك في مسالك شتى بين أسباب اجتماعية أو عاطفية أو نفسية أو وطنية….. بعضهم يرى الانتحار مخالفة شرعية عظمى، وبعضهم يراه انهزاما لأن الشاعر رائد أمته وحامل مشعل هدايتها، وعليه الثبات مقاوما في طليعتها.
وآخرون يؤكدون أن الفقيد كان صادقا أمينا مع نفسه، جبليّا صعب المراس، عروبيا منتميا مخلصا لأمته، مواجها شجاعا جبّارا، لا جبانا متهالكا خوّارا، مرهف الإحساس أنوفا، يؤمن بأن الشاعر ضمير الأمة ووعيها المتوهّج، عاش عمره وفيّا لأمله، وصيّا على حلمه. وعندما سُقط في يده فجّر الباقي من هذا العمر في رصاصة لعل ضياها يهدي الحائرين، ولعل صوتها يوقظ الغافلين ليدركوا الأهوال الحتمية القادمة.
وقد أثمر ذلك حركة أدبية نقدية عظيمة ما زالت تتجدّد وتتمدّد…. وكلما استجدّت مناسبة لانكسار عربي، حامت روح خليل في الأفق، وسطعت جذوة رصاصته وردّد المدى صداها، فبعد عقود كتب “قاسم حداد” :
“هات الجفت يا خليل” (إلى الشاعر خليل حاوي بمناسبة الذل العام) فخاطبه بكلمات تقطر أسى وحسرة على واقعنا العربي. منها قوله : “رأيتَ الصرح الشامخة الذي بنيتَه بالمخيّلة لنهضة العرب على شفير الهاوية، وسمعتَ هدير جنازير الدبابات الإسرائيلية قريبا من شارع بَالاس، دون أن تكون لدى العرب قدرة المجابهة والدفاع…. لذلك كله تناولتَ الجفت، وخرجتَ إلى شرفة البيت، وضعتَ الفوّهة في الرأس، وأطلقتَ مثل شخص يصطاد نفسه…. معك حق يا خليل، فمن يحلم بحضارة تنبعث في شرق جديد، ثم يرى حلمه يتعرّض للدمار والانهيار قبل أن يكتمل، فمن حقه علينا أن نصدّق معاناته، ونصقل له الطريق كي ينتحر، ونذهب نحن إلى النوم جريحي القلب، كسيري الروح، مشوَّشي الضمير، وعلى درجة عالية من تورّم الوهم بأنه ثمّة أمل في الأمل….”
ثم مرت سنوات عجاف وسنوات بعد حسرات قاسم حداد، توالت فيها أحداث عصفت ببقايا آمالنا، وزرعت في عالمنا أهوالا ومفاجآت.
تُرى ماذا كان سيفعل خليل حاوي لو شهد نكبة غزة الحرة المقاومة الصامدة العصية؟؟! أو مأساة لبنان الأرز الجميل وشعبه الصابر الوفي النبيل؟؟!
أم تُرى ماذا كان سيفعل لو أطلّ علينا من عُلاه ليرى الأعداء قد توسّدوا سنام جبل الشيخ، وتربّعوا على قمته، وأجالوا النظر إلى منتهاه في أقاصي مشرقنا العربي وأدناه، بينما دباباتهم تجوس القنيطرة وريف دمشق ودرعا…. وتسيطر على ثرواتها ومياهها وحورانها، وتخطب بعاطفة مصطنعة لزجة ماكرة ممقوتة وُدَّ الأحفاد الأحرار لسلطان باشا الأطرش الثائر الأكبر على الاستعمار الفرنسي!!!
صدق من قال :
رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلمّا صرتُ في غيره بكيتُ عليه
ألمْ يحن الأوان لهذه الأمة أن تستشعر الخطر المحدق، فتستنهض طاقاتها الوفيرة، وإمكاناتها العظيمة، وتدرك يقينا أن عدوها الحقيقي الآن واحد لا ثاني له ولا شريك، إنه النظام الرسمي الغربي وذراعه الصهيوني العدواني؟؟؟ وما سوى ذلك، فما هو إلا عداوات مفتعلة جرّاء خلافات حدودية مذهبية حزبية طائفية عبثية غبية.