جنوب لبنان لم يدخل في دائرة التوتر العالي
تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT
كتب محمد شقير في" الشرق الاوسط":التصعيد العسكري المتبادل بين «حزب الله» وإسرائيل لم يدخل حتى الساعة في دائرة «التوتر العالي» الذي يؤدي للإخلال بقواعد الاشتباك التي رسمها القرار الدولي «1701». الأسئلة حول مدى استعداد الحزب للتدخل للتخفيف من الضغط العسكري غير المسبوق لإسرائيل على قطاع غزة، تبقى بلا أجوبة مع استعداد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان للتوجه إلى بيروت بالتزامن مع وصول وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى تل أبيب في سياق جولته على عدد من الدول العربية.
فدخول طهران على خط الاتصالات يعني من وجهة نظر مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط» بأنها تتوخّى من خلال جولة عبداللهيان تسجيل حضورها السياسي في قلب الصراع الدائر بين «حماس» وإسرائيل، فيما تسجل المملكة العربية السعودية دورها لإعادة الاستقرار إلى المنطقة الذي تمثّل بمروحة الاتصالات العربية والدولية الواسعة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي كانت موضع اهتمام لبناني لما للمملكة من دور فاعل لخفض منسوب التوتر ومنعه من الخروج عن السيطرة.
وتتوقف المصادر نفسها أمام مجيء عبداللهيان إلى المنطقة ومنها لبنان، وتقول بأن طهران تريد أن تكون شريكاً في إنهاء الحرب، مع اشتداد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وتسأل ما إذا كانت إيران وحليفها «حزب الله» كانا على علم مسبق باجتياح «حماس» للمستوطنات الإسرائيلية الواقعة في نطاق غلاف غزة، أم أنها تفرّدت بقرارها من دون إعلامهما مسبقاً؟
وتؤكد أن تحرك واشنطن، ومعها عدد من الدول الأوروبية لمنع تحريك الجبهة الشمالية، يأتي في سياق توفير الدعم لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليتفرّغ للاقتصاص عسكرياً من «حماس» التي ألحقت ضربة قاسية بأجهزة الاستخبارات العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي فوجئت باجتياح المستوطنات الواقعة في نطاق غلاف غزة.
وتقول إن عودة السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على عجل إلى بيروت، لم تكن بهذه السرعة لو لم تكن مكلفة بمنع تحريك الجبهة الشمالية، لأن تل أبيب لا تتحمل فتح جبهة ثانية تضطر بموجبها إلى التخفيف من حصارها الناري على قطاع غزة، مع أنها حاولت أن تلبنن دعوتها تحت عنوان أن الظروف التي يمر بها لبنان تستدعي تحييد الجبهة الشمالية للتفرُّغ لإيجاد حلول لمشكلاته التي لا يزال يرزح تحت وطأتها، وتكشف أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أبلغها عندما التقاها بضرورة الضغط على إسرائيل التي تقفل الأبواب أمام إيجاد حل للقضية الفلسطينية وتستمر في استباحة الأجواء اللبنانية وخرق القرار «1701».
وترى أن التحرّك الأميركي ومعه الأوروبي، وإن كان يوحي بأن هناك ضرورة لضبط النفس والحفاظ على الاستقرار في الجنوب ليكون في وسع اللبنانيين الانصراف لإيجاد الحلول لمشكلاتهم، فإن ما يهم هؤلاء جميعاً عدم تحريك الجبهة الشمالية لئلا تضطر تل أبيب إلى خفض قواتها في حربها مع «حماس»، وتؤكد أن جميع الأطراف التي تتواصل مع السفيرة الأميركية والسفراء الأوروبيين لم توفّر لهم الإجابة عن أسئلتهم حول ما يخطط له «حزب الله» في حال قررت إسرائيل اجتياح قطاع غزة.
وفي المقابل، فإن معظم الأطراف المحلية التي هي على خلاف مع «حزب الله»، تنطلق في دعوتها للحفاظ على الاستقرار في الجنوب من أن لبنان لا يتحمل التداعيات المترتبة على فتح جبهة الجنوب، وما على الحزب إلا ضبط النفس وعدم السماح لإسرائيل باستدراجه إلى حرب، وهذا ما دفع برئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط إلى تمرير نصيحة للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله من خلال اتصاله بمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب بعدم الانجرار إلى الحرب، لأن لبنان لم يعد يتحمّل حرباً جديدة وهو لا يتناغم بدعوته مع الموقفين الأميركي والأوروبي وكان أول من انتقدهما.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الجبهة الشمالیة حزب الله قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
من جنوب لبنان إلى شماله.. قصص سجناء تحرروا من السجون السورية
بيروت- في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ سوريا مع سقوط النظام السوري، حيث تمكنت قوات المعارضة السورية من تحرير السجناء من أسوأ سجون البلاد.
وفي تلك اللحظات، خرج المعتقلون المحررون من قبضة النظام ليحملوا معهم حكايات مريرة عن التعذيب والمعاناة التي عاشوها في الزنازين.
أما أولئك الذين عبروا الحدود عائدين إلى لبنان بعد إطلاق سراحهم، فقد حملوا معهم أكثر من مجرد أجساد مثقلة بالآلام، حملوا أيضا ذاكرة مليئة بالألم والعنف، وقصصا مروعة عن أساليب التنكيل التي تعرضوا لها.
عذاب لا يمكن وصفه
يروي علي جونة الفلسطيني المقيم في مخيم الرشيدية بمدينة صور جنوب لبنان، تفاصيل تجربته المريرة داخل السجون السورية التي استمرت شهرين قبل تحريره إثر سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
يقول علي، في حديث خاص للجزيرة نت، "كنا 16 شخصا سوريا وأنا الوحيد بينهم فلسطيني من لبنان، لم أكن أحمل أي هوية ودخلت سوريا بطريقة غير نظامية، ووُجهت لي تهمة الإرهاب، بزعم أنني قدمت للانضمام إلى المسلحين أو كنت في طريقي إلى تركيا، حاولت إقناعهم ببراءتي".
ويضيف "حاولت توضيح الأمر بأني جئت فقط لأستأجر بيتا لي ولعائلتي حتى تنتهي الحرب في لبنان وأعود، لكنهم رفضوا تصديقي، واتهموني بالتخطيط لدعم المجموعات المسلحة أو الانضمام إليها".
إعلانويتابع "مكثت 20 يوما في خان شيخون تحت التحقيق، ثم نقلت إلى حمص بمنطقة تسمى البولوني، حيث قضيت يومين، بعد ذلك نقلت إلى فرع فلسطين أحد فروع المخابرات العسكرية السورية، حيث أمضيت هناك 60 يوما من العذاب الذي لا يمكن وصفه".
اسم لا يشبه مضمونهيصف علي تجربته في فرع فلسطين قائلا "هناك، رأيت أهوالا لا يمكن أن يتخيلها أحد، العذاب هناك يشبه الموت بكل تفاصيله، رغم أن المكان يحمل اسم فلسطين، فإن الواقع كان لا يمتّ لها بأي صلة، كان القتل يوميا، والضرب مستمرا، والإذلال لا ينقطع، كنا ننام عند الواحدة ليلا ونُجبر على الاستيقاظ في الخامسة صباحا".
ويتابع "تحت إشراف الشاويش وأوامر المساعد، كان 5 أو 6 أشخاص يتعرضون يوميا للضرب المبرح من بين 100 سجين، لم يكن الأمر مجرد ضرب، بل وصل إلى القتل باستخدام أنابيب الحديد الخاصة بالماء، وكان ذلك يتم بمنهجية يومية".
لحظة التحريريواصل علي روايته "في إحدى الليالي، عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، شعرنا بحركة غير طبيعية، وفجأة هبطت طائرة هليكوبتر داخل الفرع، تساءلنا جميعًا عما يحدث، لكن لم يكن هناك أي إجابة، بعد حوالي ربع ساعة، أقلعت الطائرة مرة أخرى".
ما هي إلا دقائق، حتى بدأ إطلاق نار كثيف لا يتوقف، أصوات الرصاص كانت تملأ المكان، والجميع في حالة ذهول وارتباك، بقينا مستيقظين طوال الليل دون أن نفهم ما يجري، مع طلوع الفجر سمعنا أحدهم يصرخ "الله أكبر" أدرك السوريون فورًا أن المعارضة هي من اقتحمت المكان".
يصف علي لحظة الخروج من السجن "عندما فتح الثوار أبواب الزنازين، وجدنا أنفسنا أمام أعضاء هيئة تحرير الشام والمقاتلين، قالوا لنا "لا تخافوا النظام سقط، ومن هنا يمكنكم الخروج إلى تركيا، أو الأردن، أو لبنان، أو العراق.. انتهى حاجز الخوف".
وعلى الفور "خرجنا وكنا حوالي 5 آلاف شخص ومعنا 100 امرأة و24 طفلا، كان المقاتلون يكسرون الأقفال واحدا تلو الآخر بإصرار حتى أُطلق سراحنا جميعًا، عندما خرجنا إلى الخارج، شعرنا للمرة الأولى بالحرية".
إعلان
جحيم السجون
أما اللبناني معاذ مرعب الذي أمضى 18 عاما في السجون السورية، فيشارك في حديث مؤثر مع الجزيرة نت، تجربته القاسية من الاعتقال والتعذيب والظروف الإنسانية الصعبة التي مرّ بها، قبل أن يتم تحريره ويعود إلى مدينة طرابلس في شمال لبنان.
كان معاذ في طريقه من العراق إلى لبنان عبر دمشق في 20 يوليو/تموز 2006 عندما وقع في كمين واعتقل من قبل جهاز أمن الدولة السوري، ليتم نقله إلى فرع أمني في دمشق، حيث بدأ رحلته المريرة من التحقيقات والتعذيب.
أشار مرعب إلى أن أساليب التعذيب كانت شديدة القسوة، حيث كان يُجبر على السير عاريا، مكبلا، وعيناه مغطاة، ثم يُنقل إلى المحقق الذي يفرض عليه أوضاعًا مهينة، مثل الركوع.
في صيدناياتم نقله لاحقًا إلى فرع فلسطين حيث أُعيد التحقيق معه، ووصف مرعب معاملة السجون بالقاسية، حيث لا يُنادى على المعتقل باسمه بل يُعطى رقمًا، وتُستخدم معه ألفاظ مهينة.
كما تحدث عن تجربته في سجن صيدنايا، الذي شهد فيه ضربًا وتعذيبًا مستمرين. ومن بين الأساليب الوحشية، كان "قطار المرح" عند الوصول إلى السجون.
وفي وصفه لــ"قطار المرح"، قال مرعب: "أنت تتنقل بين السجون والزنازين ويجب عليك البقاء مع رفاقك، لأن انفصالك عنهم قد يعرضك لمزيد من العنف والتعذيب، إذا تركت رفيقك وراءك، ستواجه عقوبات إضافية وقد تجد نفسك في مواجهة قسوة أكبر قبل أن تصل إلى الزنزانة المنفردة".
أشار مرعب إلى أنه قضى سنوات طويلة في السجون، حيث تم نقله من فرع فلسطين إلى سجن صيدنايا سيئ السمعة، ثم إلى سجن عدرا المركزي في ريف دمشق بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ووفقًا له، كان الضرب جزءًا أساسيًّا من التعذيب في السجون، إضافة إلى أساليب وحشية أخرى مثل "التعذيب بالشبح"، الذي يتضمن التعليق على الحديد.
ومع سقوط حلب، بدأ مرعب يشعر ببصيص من الأمل، وبعد سماعه بأن حماة قد سقطت أيضًا، كان يعتقد أن النهاية اقتربت، ومع بداية الأحداث التي تلت سقوط دمشق، كان مرعب وزملاؤه في السجن في حالة استنفار دائم، بعدما وصلتهم أخبار عن هروب الضباط.
إعلانوفي لحظة فارقة، بدأ المعتقلون بالصراخ معًا محاولين الهروب، وتكسير الأبواب والخروج، وعندما وصل مرعب إلى السيارة التي نقلته، تمكّن من الاتصال بابنه عبر الهاتف، ليصرخ في وجهه قائلا: "محمد، طلعنا!".