صورتنا في معيارهم اللا إنساني
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
هكذا وبكل وقاحة، وبلا خجل. ظهر زعماء أوروبا على حقيقتهم بعد ان سقطت أقنعتهم المزيفة في متوالية مخزية من المواقف المعادية للشعوب والأمم الأخرى، فقد ظهرت بوادر التمييز العنصري في سياساتهم الخارجية، وفي خطاباتهم العلنية بكل وضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حينما فتحت عواصمهم حاضناتها لاستقبال اللاجئين الأوكران، بينما كانت قواتهم الساحلية تتسلى بإطلاق النيران على قوارب المهاجرين الأفارقة وإغراقهم أحياء في لجة البحر .
هل سمعتم ما قاله الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية (جوزيب بوريل José Borrell) ؟، حين قال: (البشر ينقسمون في العيش بين عالم الفردوس وعالم الأدغال)، وهو هنا يصف البلدان الاوروبية بالفردوس، بينما يرانا نعيش في أدغال تعج بالوحوش. .
حتى الاعلام العربي، الذي يفترض ان يمثلنا، فقد توازنه الوطني والمهني، وأنساق وراء مضخات اصحاب الدماء الزرقاء، فقد باتت شعارات زعماء أوروبا عن الرحمة والإنسانية، وتشريعاتهم عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها لا تنطبق علينا، وإنما تنطبق على شعوبهم وحدها، وهذا يعني ان العرب والأفارقة والآسيويين (ومعنا الروس) غير مشمولين بالمعايير التي صممتها أوروبا لشعوبها. .
هل رأيتم كيف احتشدوا كلهم ضد المحاصرين في غزة ؟، وكيف انحازوا إلى جانب الكيان العدواني المحتل ؟. وكيف اصطفت منظماتهم كلها ضد أصحاب الأرض الذين يراهم الاوربيون مجرد وحوش آدمية لا علاج لها إلا بأسلحة الإبادة الشاملة بكل ما تمتلكة تحالفاتهم العسكرية من قوة تدميرية مرعبة ؟. .
ارجوكم تابعوا تصريحاتهم، وتابعوا مواقفهم المحرضة بالمطلق ضد العرب، وانظروا إلى مجازرهم في غزة، وضد سكانها الذين وصفهم وزير الدفاع الاسرائيلي (يوآف غالانت) بالحيوانات البشرية، وانظروا كيف حرمهم من الماء والغذاء والدواء والكهرباء والوقود، أكثر من مليون نسمة من المدنيين من كافة الأعمار، لا دخل لهم بما حدث وما سيحدث، فتحولت مساكنهم إلى قبور جماعية، وانصهرت اجسادهم بالحجارة المتناثرة في الفضاء. . فوزير الدفاع (غالانت) يعمل بمنطوق نشيدهم الوطني المؤلف من الأبيات السادية التالية، والتي ربما لم تسمعوا بها من قبل: (طالما تكمن في القلب نفس يهودية – تتوق للأمام نحو الشرق – أملنا لم يصنع بعد حلم ألف عام على أرضنا – أرض صهيون وأورشليم – ليرتعد عدونا – ليرتعد كل سكان مصر وكنعان – ليرتعد سكان بابل – ليخيم على سمائهم الذعر والرعب منا حين نغرس رماحنا في صدورهم – ونرى دماءهم تراق – ورؤوسهم مقطوعة – وعندئذ نكون شعب الله – المختار حيث أراد الله)). .
ختاماً: يعيش سكان غزة الآن في أكبر المعتقلات البشرية الواقعة تحت الحصار البحري والبري والجوي، بينما تواصل طائراتهم صب حممها فوق رؤوسهم. .
فإذا لم تكن فلسطين دولة. فعلى من تشن إسرائيل غاراتها المسعورة ؟. وعلى من تعلن حربها ؟. وهل يجوز لها ان تعلن الحرب على هذا السجن الكبير ؟. .
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
أقدم سجين سياسي في أوروبا يعذب معنويا بقرار أمريكي (بورتريه)
ناشط سياسي لبناني ماروني، أحد رموز الكفاح المسلح، اللبناني والفلسطيني، في حقبة الثمانينات من القرن الماضي.
يعد أقدم سجين سياسي في أوروبا وفي السجون الغربية.
بلحيته الكثة التي غزاها الشيب، يعيش في زنزانة في سجن "لانميزان" تتصدرها صورة تشي غيفارا وعلمه الأحمر وصحف ورسائل تراكمت طيلة سنوات اعتقاله التي يبدو أنها عالقة بفيتو "أمريكي" على القضاء الفرنسي.
ولد جورج عبد الله، واسمه الحركي عبد القادر سعدي، في عام 1951 ببلدة القبيات اللبنانية في محافظة الشمال في قضاء عكا، لأسرة مسيحية مارونية.
تابع دراسته في دار المعلمين في الأشرفية ببيروت، وتخرج منها في عام 1970. وبدأ حياته المهنية مدرسا في مدرسة بمنطقة أكروم بعكار.
انخرط في النشاط السياسي في سن مبكرة، حيث دعم القضايا اليسارية والقومية، ومنذ سن الخامسة عشرة، نشط في الحزب "القومي السوري الاجتماعي".
وانضم إلى الفصائل الفلسطينية في مقاومة الاحتلال وفي صفوف الحركة الوطنية اللبنانية، ثم التحق مع قائده وديع حداد في صفوف "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بزعامة جورج حبش.
جرح أثناء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في عام 1978.
وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت عام 1982 أصبح عبد الله قائدا لـ"الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية"، المجموعة الماركسية اللينينية، التي شنت هجمات ضد أهداف غربية وإسرائيلية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وهذه الحركة تبنت خمس هجمات ما بين عامي 1981 و1982.
وتبنت الفصائل نفسها هجوما فاشلا في 1981 في باريس استهدف الدبلوماسي الأمريكي كريستيان شابمان، وتفجير سيارة مفخخة في عام 1982 في باريس مستهدفة المستشار التجاري للسفارة الأمريكية روديريك غرانت.
اعتقل عبد الله في مدينة ليون بفرنسا عام 1984 بتهمة حيازة أوراق مزورة وحكم عليه بالسجن 4 سنوات في سجن "لانميزان".
وردا على اعتقاله، اختطفت مجموعته الثورية الدبلوماسي الفرنسي سيدني جيل بيرول في عام 1985، ووافقت فرنسا على تبادل المعتقلين عبر الجزائر، غير أنها لم تف بوعدها بإطلاق سراح عبد الله.
ففي ذلك الوقت، كشفت الشرطة الفرنسية عن عثورها على ما قالت إنها متفجرات وأسلحة في شقته وقت الصفقة، بما في ذلك المسدس الذي زعمت الشرطة الفرنسية أنه استخدم في قتل، تشارلز راي، نائب الملحق العسكري في السفارة الأمريكية بفرنسا، ويعقوب بارسيمانتوف، المستشار الثاني في السفارة الإسرائيلية في باريس، الذي كان يعد رئيس "الموساد" في فرنسا.
بالإضافة إلى محاولة اغتيال القنصل العام الأمريكي روبرت أوم، في ستراسبورغ عام 1984.
وأثناء محاكمته بفرنسا قال جورج مقولته المشهورة "أنا مقاتل عربي ولست مجرما"، وأضاف "إن المسار الذي سلكته، أملته عليّ الإساءات لحقوق الإنسان التي ترتكب ضد فلسطين".
وبدت قاعة المحكمة أشبه بمعسكر محصن خوفا من أي هجمات محتملة، إذ كان يشتبه وقتها بوقوفه وراء موجة من الهجمات القاتلة في باريس، إلا أنها في الواقع كانت من تنفيذ أفراد مؤيدين لإيران.
ورغم نفيه ضلوعه باغتيال الدبلوماسيَين في باريس إلا أن الحكم صدر بحقه بالسجن المؤبد وذلك في عام 1987.
ورغم أنه أصبح مؤهلاً للإفراج المشروط منذ عام 1999، إلا أن السلطات الفرنسية رفضت الإفراج عنه، تحت ضغط سياسي كبير من الولايات المتحدة ودولة الاحتلال. وحين حصل على حكم بالإفراج المشروط عام 2003، قامت السلطات الفرنسية باستئناف القرار وألغي في العام التالي.
وفي عام 2013 قرر القضاء الفرنسي الإفراج عنه بشرط ترحيله من الأراضي الفرنسية.
وطلب محاميه، جاك فيرجيس من القضاء الفرنسي أن يتوقف عن "التصرف مثل العاهرة أمام القواد الأمريكي".
وفي اليوم التالي، وكما كشفت وثائق ويكيليكس، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لنظيرها الفرنسي لوران فابيوس في اتصال هاتفي إنها تأمل أن تجد الحكومة "أساسا آخر للطعن بقانونية القرار".
وبقي عبد الله بالسجن بعد امتناع وزير الداخلية الفرنسي يومها، مانويل فالس، عن توقيع القرار.
وتطالب العديد من المنظمات إطلاق سراح عبد الله، مثل "الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان"، و"الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام"، و"جمعية التضامن الفرنسية الفلسطينية"، و"مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان"، والعشرات من المنظمات.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أمرت محكمة فرنسية بالإفراج عنه بعد 40 سنة من الاعتقال شرط المغادرة وعدم العودة إلى فرنسا.
لكن محكمة الاستئناف في باريس أرجأت قبل أيام النظر في طلب إطلاق سراحه حتى حزيران/ يونيو القادم. ووفقا لقرار المحكمة "حتى يتمكن المحكوم عليه من إبراز إثباتات على التعويض للأطراف المدنية"، وهو ما يرفضه عبد الله حتى الآن.
وكتبت المحكمة في قرارها أن جورج عبد الله هو "آخر من تبقى من المجموعة الصغيرة العلمانية والماركسية والشيوعية التابعة للفصائل المسلحة الثورية التي شارك في تأسيسها"، وينتمي إلى "التاريخ الماضي للنشاط العنيف لليسار المتطرف اللبناني والفلسطيني والذي لم يكن السبب وراء أي هجوم في فرنسا أو في أي مكان آخر منذ العام 1984".
لكن النيابة العامة المتخصصة في قضايا مكافحة الإرهاب استأنفت القرار، مبررة رفضها بالقول إن عبد الله "لم يتطور" وأن قناعاته "بقيت كما كانت". وأعربت "نيابة مكافحة الإرهاب" عن قلقها من أن عبد الله "يمثل رمزا للقضية الفلسطينية".
محامي عبد الله، جان لوي شالانسيه قال إن موكله أصبح "استثناء"، في حين أُطلق سراح "سجناء سياسيين" رئيسيين في البلاد.
وأضاف "إنهم يعترفون بذلك، ولكنهم يريدون الاستسلام للولايات المتحدة مرة أخرى"، وتابع "لكنه قال دائما، وأنا معه، إنه لن يعوض أبدا الولايات المتحدة التي ترسل القنابل لإلقائها على الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين".
عند سؤاله إن كان موكله سيغير موقفه، أجاب شالانسيه "هو الذي سيقرر"، لكنه "قال إنه إذا دفعت الدولة اللبنانية فإنه سيقبل، ولذلك سأطلب من الدولة اللبنانية أن تفعل ذلك".
وبقي عبد الله في السجن، وذلك خلافا لأغلب السجناء السياسيين في حركة "أكسيون ديركت" أي حركة "العمل المباشر" اليسارية المتطرفة، أو سجناء سياسيين آخرين من جزيرة كورسيكا وإقليم الباسك، أو حتى أنيس نقاش (محاولته اغتيال آخر رئيس وزراء لشاه إيران، شهبور بختيار عام 1980) الذين عفا عنه الرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا ميتران كبادرة للتقرب من إيران، وفاروجان غاربيديان (ضلوعه في الهجوم على مكتب الخطوط الجوية التركية في مطار أورلي الباريسي في عام 1983 ) الذي أبعد من الأراضي الفرنسية في عام 2001.
الدولة الفرنسية تريد أن يموت المقاوم اللبناني والعربي جورج عبدالله (يبلغ حاليا 73 عاما) في زنازينها. وهذا هو التفسير الوحيد لإصرارها على بقائه في الأسر بعد أكثر من 40 عاما على اعتقاله، ورفضها المتكرر لجميع طلبات محاميه للإفراج عنه خلال أكثر من عقدين، كما تجاهلت أيضا مطالبة الرئيس اللبناني السابق ميشال عون مرارا بإطلاق سراحه.
الموقف الفرنسي الرسمي من عبد الله لا يرتبط فقط بالخضوع لضغوط أمريكية وإسرائيلية، لكنه يخضع أيضا إلى تحولات في داخل النخب السياسية الحاكمة في فرنسا، حيث يتعاظم ويترسخ النفوذ الصهيوني في أوساطها لدرجة يمكن مقارنتها مع الحالة السائدة في أوساط النخب الحاكمة في الولايات المتحدة.
فرنسا تصر على مواصلة تعذيب عبد الله معنويا، والمراهنة على عامل الوقت لإضعاف جسده ودفعه إلى الاستسلام، لكنه يبدو صامدا وصلبا مثل صخرة لا يتبدل وهو يرى ما تفعله دولة الاحتلال بدعم أمريكي وغربي متوحش في فلسطين وفي بلده لبنان.