فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
تقوم شركات الاتصال بطرح باقات اتصال وبيانات بأسعار محددة بعدد دقائق وبيانات، وإذا تعدى المشترك الحد تحسب عليه قيمة إضافية، وإذا لم يستخدم المشترك كامل الباقة لا يستفيد منها في الشهر المقبل، هل يوجد غبن في هذه الصورة من التعاقد؟
لا يظهر طالما أن هذه الخدمة معلومة محددة بالدقائق وحزم البيانات فيها وقد مُكّن من استيفاء هذه المنفعة، فليس هناك غبن، ونظائر ذلك كثيرة في الفقه الإسلامي، فحزمة البيانات أو هذه الخدمة محددة معلومة وقيمتها معلومة وما تشتمل عليه كذلك معلوم، ومُكّن من استيفاء هذه المنفعة ومن الانتفاع بما تعاقد عليه فلا غبن في هذه الصورة، أما إن لم يستوف هو فهذا شأنه شأن كثير من مثل هذه العقود لا يقال بأنه غبن لأنه لم يكن من طرف البائع أو المزود لهذه الخدمة أي غبن، وإنما هو الذي لم يستوف المنفعة التي اشتراها منهم، فإذن طالما مُمَكّن من استيفاء ما تعاقد عليه مع مزود الخدمة فلا إشكال في هذا العقد والله تعالى أعلم.
أستلم راتب تقاعد زوجي المتوفى وقدره 400 ريال وأصرفه على البيت والأولاد، ولا أستطيع أن أدخر من المعاش مبلغا لأولادي، وأنا أتصرف بالراتب كاملا وفي الوقت نفسه لا أبخل عليهم بشيء، هل يعدّ هذا التصرف المطلق للراتب أكلا لأموال اليتيم وخاصة أني أتصرف في المال دون أن أعلمهم؟
أما إذا كان ذلك بالمعروف وتنفق فيما يحتاجون إليه دون إسراف أو تبذير فلا حرج عليها، فالنهي في كتاب الله عز وجل عن أكل مال اليتيم بغيا وعدوانا، فربنا تعالى يقول: «وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» أولا هي لها نصيب من هذا الراتب وهذا خارج البحث، وإن كان هم لهم نصيب منه وهذا هو الظاهر من السؤال فإن ما تنفقه عليهم من هذا المال لا حرج عليها على أن تكون نفقتها كما تقدم بالمعروف وباعتدال، وأن تأخذ لنفسها أيضا لا حرج عليها أيضا بالمعروف، فإن كانت ضمن هذه الحدود وبتوسط واعتدال فلا حرج عليها، والله تعالى أعلم.
في قوله تعالى: «يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ» من هو المتكلم في هذه الآية، وهل الله سبحانه وتعالى يتحسر على عباده وهو الغني عن العالمين؟
هناك من قال بأن هذا من قول الرجل المؤمن المذكور في سورة «يس»، لكن لفظ الآية الكريمة يدل على أن هذا ليس من قوله، فورد عن ابن عباس أن المعنى أي يا ويل العباد، وقيل بأن المقصود أي يا حسرة العباد على أنفسهم، وهذا المعنى موجود كثيرا في اللغة العربية وهو صحيح، وحتى عند من يرى بأن هذا مما يخاطب به ربنا تبارك وتعالى فإن المعنى أيضا واضح، فهذا تمثيل لحال هؤلاء العباد لأن الله تعالى ذكرهم بقوله، ما يأتيهم من رسول إلا كانوا عنه معرضين، فهذا هو السبب والعلة في حالة ذكر الأسف والتندم إلى ما آل إليه حال العباد، مع قيام الحجة وإرسال الرسل وإنزال الكتب إلا أنهم أعرضوا فأنزلهم القرآن الكريم منزلة من يرثي أهله هلاكه مع دعوته إلى اجتناب ما فيه الهلاك، فهذا التمثيل لا يتعارض مع تنزيه الله تبارك وتعالى ونفي ما لا يليق به سبحانه، فالمعنى بناء على هذا واضح ولا حاجة إلى التكلف فيه والله تعالى أعلم.
تاجر يبيع للزبائن عن بعد وتُوصّل البضاعة عن طريق شركة نقل محلية، وسعر التوصيل ريالان يدفعها الزبون، وبعد التفاوض مع شركة التوصيل اتفقوا على تخفيض السعر إلى ريال ونصف الريال، هل يصح للتاجر أن يثبت السعر السابق للزبائن بحيث يدفعوا له ريالين ويأخذ نصف الريال الباقي، لأنه كان نتيجة تفاوضه؟
أما على هذه الصورة فلا يظهر لي جواز هذا الفعل، لأنه حينما تفاوض مع شركة التوصيل تفاوض على تخفيض هذه الخدمة التي تقدمها هذه الشركة، والمشترون هم الذين يدفعون لها قيمة التوصيل ولا دخل له هو في التوصيل، بم يستحل هذا الفارق؟ لكن إن كان هو سيتحمل مسؤولية التوصيل، ثم بعد ذلك يبحث عن أي شركة أخرى ويتفق معهم على سعر كما يعرف اليوم بـ«المقاول الفرعي» وهو متعاقد مع المشترين على التوصيل لهم وهذا يعني أنه يتحمل تبعات هذا العقد، فهو المسؤول أمامهم عن التوصيل وهو الذي يتحمل آثار هذا العقد، ففي هذه الحالة نعم لا إشكال.
إذن عندنا صورتان الصورة الأولى هو أن خدمة التوصيل هي بين المشترين وشركة التوصيل، فسعى هو إلى التفاوض من تلقاء نفسه، لأنه في هذه الحالة سيدلس على شركة التوصيل ويدلس على المشترين منه، وليس هو الذي يتحمل تبعات خدمة التوصيل، وغنما تتحملها شركة التوصيل، فليس له أي علاقة بهذا العقد.
والصورة الثانية هو أن يتولى هو أمام المشترين توصيل هذه البضائع، ويطلب منهم المبلغ الذي حدده، فإما أن يرضى المشترون أو أن يرفضوا، ثم يبحث هو عمّن يقوم بذلك فيتعاقد معه، ولا علاقة لهم هم بالشركة التي تعاد معها، ولكنه هو الذي سيتحمل تبعات وآثار هذا العقد مع المشتري، في هذه الحالة نعم يجوز والله تعالى أعلم.
شخص هجر والدته لمدة 5 سنوات بسبب أنه يتهمها بالسحر، فما نصيحتكم له؟
عليه أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى من اتهامه لها، وكم رأينا من حالات يتهم فيها الأولاد آباءهم أو أمهاتهم أو أحدا من قرابتهم زورا وبهتانا بالسحر، ويسيئون تفسير أقوالهم وأفعالهم، وينسبون إليهم كل ما يصيبهم من حوادث الزمان، وهذا من أشد أنواع العقوق، وفيه افتراء على الأبرياء من الناس، وفيه ظلم وبغي وعدوان، ولئن كان الظلم في حق الأباعد من الرجال محرما عظيم الخطر خطير العواقب، فهو في شأن الوالدين أو أحدهما أشد خطرا وأعظم إثما، فعليه أن يتقي الله تبارك وتعالى وأن يجتنب هذه الأوهام والوساوس، وأن يبر بوالديه، وإن ثبت عنده بدليل شرعي صحيح أن هناك من يمارس السحر ويأتي السحر، فليرفع أمره بما ثبت عنده من أدلة إلى القضاء، أما أن يحمل أحد والديه على الاتهام بإتيان السحر ثم يؤدي بعد ذلك إلى القطيعة والعقوق فإن حاله لا يخلو من أمرين، إما أن يكون صادقا، وفي هذه الحالة عليه أن يؤدي ما عنده إلى الجهات القضائية المعنية بهذه الأحوال، أو أن يكون كاذبا وعلى هذا فإن عليه أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى وأن يعود إلى رشده لأنه واقع في أمر عظيم جليل ومن أسوأ أنواع العقوق والظلم والبغي والعدوان، وهذا الهجر لا يصلح له أن يزعم أن والدته أو أن أحد والديه يأتي السحر، فيظن أن علاج الموضوع إنما يكون بالهجر لأنه في هذه الحالة مقصر في حقوق المسلمين، ولو كان صادقا لبين ما عنده ورفع الأمر إلى الجهات المعنية ولكن أكثر الناس يرمون هذه التهم بالباطل، ويرتبون عليها للأسف الشديد ارتكاب جرائم لا يقفون عند حدود التقصير فقط بل يجاوزون حد العدوان والبغي، وهم لا يعرفون شيئا من الأحكام الشرعية، ليس عندهم ما يستطيعون أن يميزوا به السحر من غيره ولا ما يتمكنون به من تمحيص مثل هذه الأحوال فما أحراه إن كان جاهلا أن يسأل أحدا من أهل العلم وأن يبعد عن نفسه هذه الأوهام والوساوس والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی هذه الحالة هذه الخدمة هذا العقد هو الذی علیه أن
إقرأ أيضاً:
المفتي قبلان: أي محاولة لفرض واقع سياسي مخالف للشراكة الوطنية لن يمر
وجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة الجمعة، قال فيها: "لأن القضية عند الله الإنسان بكل ما يعنيه من قيمة فردية وعامة ووظيفة وجودية وأخلاقية، ولأن القيمة الإنسانية تتوقف على نوع من الشراكة والخدمات والمبادئ والمنافع التي تكفل العدالة العامة بعيدا عن الظلم والفساد والطغيان والإنحراف بأشكاله المحلية والعالمية فقد قال الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، والعنوان هنا الإنسان ووحدته وقيمته الحقوقية وشراكته النظامية بخلفية القيمة الفكرية والتشريعية والسياسات الضامنة لخير الإنسان وقيمته الأخلاقية والوجودية في سياق تأكيد الحقوق العامة كملاذ مركزي للإنسان وكافة كياناته وقطاعاته المتعددة".
أضاف: "والمحسوم أن الله ضد الظلم والقمع والسطو والفساد والإضطهاد والدكتاتوريات المختلفة، ولأن قضية الحق العام مطلوبة بحد ذاتها لذا لم يكتف الله بإدانة الظلم والإضطهاد بل ألزم الخليقة أن تتجند بساحات الحق والعدل المنظم لقمع الظلم والفساد والعدوان لتأكيد الحقوق الوجودية والأخلاقية للناس، وعليه فقد حسم الله قضية "العدل العملي" ومنع الظلم والعدوان الفعلي كسياسات ضامنة بدنيا الإنسان وكياناته المختلفة، وهذا يفترض وحدة بشرية أو أخلاقية أو كيانية أو عالمية تعيد تنظيم وجودها فكريا واجتماعيا ومورديا بكل ما أوتيت من قوة وفعالية لتأكيد عدالتها الوجودية وقيمتها الإنسانية بكل مجالات الحياة، ومعه فقد أدان الله تعالى العدوان والإحتلال والطغيان بكافة أشكاله العسكرية والإقتصادية والدعائية والتقنية والمالية والثقافية وغير ذلك". وتابع: "من هنا، قلنا بأن التماهي مع المواقف الإسرائيلية جزء من الشراكة مع الصهيونية الظالمة، والربح والخسارة هنا يحدده الحق وليس القوة، ومستوى التضحية يتوقف على القيمة الرئيسية لحق الإنسان بمنع الظلم والعدوان عن نفسه ومجتمعه ومشروع إدارته السياسية والأخلاقية، وفي هذا المجال فإن التعاون والتضامن الوطني ضرورة أخلاقية وواجب إنساني وسياسي، وهو أكبر الأولويات الوطنية بالبلد، لذا قلنا بأن قيمة لبنان من قيمة عائلته الوطنية وتضامنه الكامل بعيدا عن لعبة الثأر والتفصيل الطائفي".
ورأى المفتي قبلان "ان الخطر يكمن باللغة الطائفية والإرتزاق السياسي والإصرار على ركب الموجة الدولية التي تتربص بالبلد وتدفع نحو الخراب".
وقال: ولأهمية اللحظة التاريخية، أقول للسيد سمير جعجع: قطع المجرة الشمسية كلها أسهل من النيل من سلاح المقاومة، ولا قيمة للبنان بلا المقاومة، وأنصح البعض ألا يتطوع لمهمة لا تستطيع إسرائيل القيام بها، وما يجري حرب بحجم المنطقة، وسلاح المقاومة ضمانة بحجم هذه الحرب، ولا مصلحة لأحد بلعب دور إسرائيل في لبنان".
وقال: "وفي هذا السياق، أشدد على قيمة الجيش الوطنية ووظيفته العليا بالشراكة الميثاقية وتوظيفاتها الفعلية، ولبنان قوي بطائفته اللبنانية ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي وتضامنه الجامع للطوائف، ولا محل في هذا البلد للثأر الطائفي أو السياسي، والحكومة مطالبة بحماية الشراكة الوطنية وخدمة مواطنيها النازحين من دون تلكؤ والهيئة العليا للإغاثة مطالبة بكشوفات واضحة وشفافية كاملة، وما يقدم للنازحين مخيب للآمال، وهناك شيء غامض جدا ويجب توضيحه، ولبنان بتركيبته السياسية لن يتغير ولا يحلمن أحد بالتغيير أو اللعب بالموازين الوطنية".
وجدد قبلان التأكيد "أن الثنائي الوطني شريك كامل بالحياة السياسية وقوته من قوة لبنان وسيادته الوطنية، ووفاءه لهذا البلد دليله الدماء والأشلاء والتضحيات السيادية، وأي محاولة لفرض واقع سياسي مخالف للشراكة الوطنية لن يمر والثمن سيكون أمر، ولعبة جس النبض واختبار التوازنات الداخلية مقامرة خطيرة وفخ قاتل، واللحظة للبنان ووحدته الوطنية وقدرته السيادية، والطائفة الشيعية دفعت الكثير في سبيل هذا البلد ولها الكثير، والحكومة مطالبة بالكثير الكثير، وترك الطائفة الشيعية أو معاقبتها بقطارة الإغاثة أمر كارثي، وإطفاء النار بالبنزين يحرق البلد، وواقع البلد مفتوح على غرف وأحلام خطيرة، واللعب بالنار مدمر للسلم الأهلي، وتطبيق أجندات أو الترويج لأفكار تخدم إسرائيل يضع البلد بالمجهول".
وأكد "لن نقبل بهدنة موقتة أو وقف نار متقطع، والحل فقط بوقف الحرب نهائيا ودفعة واحدة، ولا مكان لأي اتفاق على مراحل، ولن يخرج لبنان من هذه الحرب إلا عزيزا(إن شاء الله)، ولا شيء أهم من تحصين الميدان والوضع الداخلي، ولا لشيطنة أحد، ولا غالب ولا مغلوب والمسيحية تؤام الإسلام، والكنيسة والمسجد قطبا لبنان، وقيمة لبنان من قيمة شعبه، وقيمة شعبه من قيمة سيادته، وأثمان الحماية الوطنية مهما غلت ليست أغلى من السيادة الوطنية، والمقاومة والشعب والمشروع الوطني والجيش أكبر ضمانات لبنان، وما يجري على الأرض دليل مطلق على التضحيات السيادية التي تقدمها المقاومة ومشروعها الوطني الضامن للبنان".