تقوم شركات الاتصال بطرح باقات اتصال وبيانات بأسعار محددة بعدد دقائق وبيانات، وإذا تعدى المشترك الحد تحسب عليه قيمة إضافية، وإذا لم يستخدم المشترك كامل الباقة لا يستفيد منها في الشهر المقبل، هل يوجد غبن في هذه الصورة من التعاقد؟

لا يظهر طالما أن هذه الخدمة معلومة محددة بالدقائق وحزم البيانات فيها وقد مُكّن من استيفاء هذه المنفعة، فليس هناك غبن، ونظائر ذلك كثيرة في الفقه الإسلامي، فحزمة البيانات أو هذه الخدمة محددة معلومة وقيمتها معلومة وما تشتمل عليه كذلك معلوم، ومُكّن من استيفاء هذه المنفعة ومن الانتفاع بما تعاقد عليه فلا غبن في هذه الصورة، أما إن لم يستوف هو فهذا شأنه شأن كثير من مثل هذه العقود لا يقال بأنه غبن لأنه لم يكن من طرف البائع أو المزود لهذه الخدمة أي غبن، وإنما هو الذي لم يستوف المنفعة التي اشتراها منهم، فإذن طالما مُمَكّن من استيفاء ما تعاقد عليه مع مزود الخدمة فلا إشكال في هذا العقد والله تعالى أعلم.

أستلم راتب تقاعد زوجي المتوفى وقدره 400 ريال وأصرفه على البيت والأولاد، ولا أستطيع أن أدخر من المعاش مبلغا لأولادي، وأنا أتصرف بالراتب كاملا وفي الوقت نفسه لا أبخل عليهم بشيء، هل يعدّ هذا التصرف المطلق للراتب أكلا لأموال اليتيم وخاصة أني أتصرف في المال دون أن أعلمهم؟

أما إذا كان ذلك بالمعروف وتنفق فيما يحتاجون إليه دون إسراف أو تبذير فلا حرج عليها، فالنهي في كتاب الله عز وجل عن أكل مال اليتيم بغيا وعدوانا، فربنا تعالى يقول: «وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» أولا هي لها نصيب من هذا الراتب وهذا خارج البحث، وإن كان هم لهم نصيب منه وهذا هو الظاهر من السؤال فإن ما تنفقه عليهم من هذا المال لا حرج عليها على أن تكون نفقتها كما تقدم بالمعروف وباعتدال، وأن تأخذ لنفسها أيضا لا حرج عليها أيضا بالمعروف، فإن كانت ضمن هذه الحدود وبتوسط واعتدال فلا حرج عليها، والله تعالى أعلم.

في قوله تعالى: «يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ» من هو المتكلم في هذه الآية، وهل الله سبحانه وتعالى يتحسر على عباده وهو الغني عن العالمين؟

هناك من قال بأن هذا من قول الرجل المؤمن المذكور في سورة «يس»، لكن لفظ الآية الكريمة يدل على أن هذا ليس من قوله، فورد عن ابن عباس أن المعنى أي يا ويل العباد، وقيل بأن المقصود أي يا حسرة العباد على أنفسهم، وهذا المعنى موجود كثيرا في اللغة العربية وهو صحيح، وحتى عند من يرى بأن هذا مما يخاطب به ربنا تبارك وتعالى فإن المعنى أيضا واضح، فهذا تمثيل لحال هؤلاء العباد لأن الله تعالى ذكرهم بقوله، ما يأتيهم من رسول إلا كانوا عنه معرضين، فهذا هو السبب والعلة في حالة ذكر الأسف والتندم إلى ما آل إليه حال العباد، مع قيام الحجة وإرسال الرسل وإنزال الكتب إلا أنهم أعرضوا فأنزلهم القرآن الكريم منزلة من يرثي أهله هلاكه مع دعوته إلى اجتناب ما فيه الهلاك، فهذا التمثيل لا يتعارض مع تنزيه الله تبارك وتعالى ونفي ما لا يليق به سبحانه، فالمعنى بناء على هذا واضح ولا حاجة إلى التكلف فيه والله تعالى أعلم.

تاجر يبيع للزبائن عن بعد وتُوصّل البضاعة عن طريق شركة نقل محلية، وسعر التوصيل ريالان يدفعها الزبون، وبعد التفاوض مع شركة التوصيل اتفقوا على تخفيض السعر إلى ريال ونصف الريال، هل يصح للتاجر أن يثبت السعر السابق للزبائن بحيث يدفعوا له ريالين ويأخذ نصف الريال الباقي، لأنه كان نتيجة تفاوضه؟

أما على هذه الصورة فلا يظهر لي جواز هذا الفعل، لأنه حينما تفاوض مع شركة التوصيل تفاوض على تخفيض هذه الخدمة التي تقدمها هذه الشركة، والمشترون هم الذين يدفعون لها قيمة التوصيل ولا دخل له هو في التوصيل، بم يستحل هذا الفارق؟ لكن إن كان هو سيتحمل مسؤولية التوصيل، ثم بعد ذلك يبحث عن أي شركة أخرى ويتفق معهم على سعر كما يعرف اليوم بـ«المقاول الفرعي» وهو متعاقد مع المشترين على التوصيل لهم وهذا يعني أنه يتحمل تبعات هذا العقد، فهو المسؤول أمامهم عن التوصيل وهو الذي يتحمل آثار هذا العقد، ففي هذه الحالة نعم لا إشكال.

إذن عندنا صورتان الصورة الأولى هو أن خدمة التوصيل هي بين المشترين وشركة التوصيل، فسعى هو إلى التفاوض من تلقاء نفسه، لأنه في هذه الحالة سيدلس على شركة التوصيل ويدلس على المشترين منه، وليس هو الذي يتحمل تبعات خدمة التوصيل، وغنما تتحملها شركة التوصيل، فليس له أي علاقة بهذا العقد.

والصورة الثانية هو أن يتولى هو أمام المشترين توصيل هذه البضائع، ويطلب منهم المبلغ الذي حدده، فإما أن يرضى المشترون أو أن يرفضوا، ثم يبحث هو عمّن يقوم بذلك فيتعاقد معه، ولا علاقة لهم هم بالشركة التي تعاد معها، ولكنه هو الذي سيتحمل تبعات وآثار هذا العقد مع المشتري، في هذه الحالة نعم يجوز والله تعالى أعلم.

شخص هجر والدته لمدة 5 سنوات بسبب أنه يتهمها بالسحر، فما نصيحتكم له؟

عليه أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى من اتهامه لها، وكم رأينا من حالات يتهم فيها الأولاد آباءهم أو أمهاتهم أو أحدا من قرابتهم زورا وبهتانا بالسحر، ويسيئون تفسير أقوالهم وأفعالهم، وينسبون إليهم كل ما يصيبهم من حوادث الزمان، وهذا من أشد أنواع العقوق، وفيه افتراء على الأبرياء من الناس، وفيه ظلم وبغي وعدوان، ولئن كان الظلم في حق الأباعد من الرجال محرما عظيم الخطر خطير العواقب، فهو في شأن الوالدين أو أحدهما أشد خطرا وأعظم إثما، فعليه أن يتقي الله تبارك وتعالى وأن يجتنب هذه الأوهام والوساوس، وأن يبر بوالديه، وإن ثبت عنده بدليل شرعي صحيح أن هناك من يمارس السحر ويأتي السحر، فليرفع أمره بما ثبت عنده من أدلة إلى القضاء، أما أن يحمل أحد والديه على الاتهام بإتيان السحر ثم يؤدي بعد ذلك إلى القطيعة والعقوق فإن حاله لا يخلو من أمرين، إما أن يكون صادقا، وفي هذه الحالة عليه أن يؤدي ما عنده إلى الجهات القضائية المعنية بهذه الأحوال، أو أن يكون كاذبا وعلى هذا فإن عليه أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى وأن يعود إلى رشده لأنه واقع في أمر عظيم جليل ومن أسوأ أنواع العقوق والظلم والبغي والعدوان، وهذا الهجر لا يصلح له أن يزعم أن والدته أو أن أحد والديه يأتي السحر، فيظن أن علاج الموضوع إنما يكون بالهجر لأنه في هذه الحالة مقصر في حقوق المسلمين، ولو كان صادقا لبين ما عنده ورفع الأمر إلى الجهات المعنية ولكن أكثر الناس يرمون هذه التهم بالباطل، ويرتبون عليها للأسف الشديد ارتكاب جرائم لا يقفون عند حدود التقصير فقط بل يجاوزون حد العدوان والبغي، وهم لا يعرفون شيئا من الأحكام الشرعية، ليس عندهم ما يستطيعون أن يميزوا به السحر من غيره ولا ما يتمكنون به من تمحيص مثل هذه الأحوال فما أحراه إن كان جاهلا أن يسأل أحدا من أهل العلم وأن يبعد عن نفسه هذه الأوهام والوساوس والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی هذه الحالة هذه الخدمة هذا العقد هو الذی علیه أن

إقرأ أيضاً:

كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم "كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسؤولٌ عنْ رعِيَّتِهِ" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كثيرٌ من المشاهدات الحياتية تمر علينا خلال اليوم الواحد ولعلنا لا نلقي بالًا لكثير من هذه المواقف ولا نتمعن فيها باعتبارها مواقف مكررة أصبحت مألوفة في وقتنا الحاضر، ومع تسارع رتم الحياة نجدنا في كثير من الأحيان غير مبالين حتى لمجرد بذل محاولة في فهم السلوك البشري الذي اختلف كليًا عن السابق مع طغيان المدنية وسيطرتها على حياتنا بشكل شبه كامل جعلتنا أقرب للآلات منَّا للبشر الذين يشعرون ويعانون ويتعاطفون ويلقون بالهم للآخرين.

ترى شابًا يخرج للتنزه في مكان عام مرتديًا السروال القصير، وترى فتيات تتعالى ضحكاتهن في أحد الأماكن العامة المكتظة بالناس دون الشعور بالحرج، وآخر يرتدي سلسال في رقبته وأسورة في معصمه، وشاب عند مدخل أحد الجوامع يتقدم في الدخول كبار السن دون أن يُفسِح لهم، ومجموعة أخرى في سيارة يصدر منها صوت أغنية غربية بصوت عالٍ يسمعه كل من في الشارع، وآخرون في وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء ومُعرَّفات مختلفة يُطلقون العنان لأنفسهم ويكتبون عبارات مُسيئة وردود خارج سياق الذوق العام والقيم، وكثير من المشاهد التي انتشرت وأصبحت تؤذي العين والمشاعر في نفس الوقت وتقودنا للتساؤل هل هذا المجتمع يشبه مجتمعنا.

إنَّ ما نراه يُعطي مؤشرات تجعلنا مجبرين للوقوف عليها طويلًا وتجبرنا على مراجعة أنفسنا وطرح عديد الأسئلة في محاولة لفهم أسباب ما يحدث، هل قمنا بدورنا في تنشئة الأجيال الجديدة وفق سياق القيم والأخلاق التي كانت سائدة في مجتمعنا قبل أن تغزو التكنولوجيا الرقمية بيوتنا؟ كم من الوقت نقضيه في محاولة نقل هذه القيم لأبنائنا؟ هل وضعنا محددات للسلوك العام الذي لا يمكن التنازل عنه في تعاملنا معهم؟ هل قمنا بتحديد الخطوط العريضة والحمراء التي لا يجب الاقتراب منها؟

على كل مسلم إدراك أن دوره في الحياة أكبر من فكرة التكاثر؛ بل هي تتعدى ذلك لتصل إلى عمارة الأرض ونشر القيم الحميدة ومكارم الأخلاق وترسيخ مبادئ الإسلام السمحة وإخراج أجيال صالحة تحمل الرسالة وتنقلها للأجيال القادمة، وأن الحفاظ على استمرار الحياة وفق منهج الله تعالى وسننه المثلى لا يتأتى إلا من خلال تحقيق التربية الصحيحة التي تحفظ الأخلاق الفاضلة وتحافظ على القيم والمبادئ وتعظم دور الإنسان في هذا الشأن. دون إغفال ودون تهاون وتخاذل يدفع بالمجتمع لهاوية السقوط القيمي والأخلاقي كما سقطت أمم سابقة واندثرت حضارات كانت في يوم من الأيام رائدة.

كلكم راعٍ.. أوكل الله سبحانه وتعالى إليه مهمة عظيمة عليه أن يؤديها وفق ما شرع الله تعالى وإلا سوف يكون ذلك وبالا عليه يوم القيامة، وسوف يسأل عن رعيته من أسرة أو جماعة أو عاملين أو ممن جعل الله تعالى له عليهم سبيلًا، وأناط إليه مسؤوليتهم في كل جانب من جوانب الحياة، وعلى الإنسان أن يدرك إنما ذلك فضل الله عليه إذا أحسن كان له أجر عظيم وثواب جزيل، وهذا أمر ليس بصعب على من يعرف دوره بشكل سليم ويقوم به على نحو صحيح مستعينا بالله تعالى راجيًا أداء أمانته بكل إخلاص وصدق.

لقد ابتُليت المجتمعات بكثرة الموثرات التي يمكن أن تشكل تحديًا في سبيل الحفاظ على القيم والمبادئ والعادات والتقاليد الاجتماعية الصحيحة، وهذه المؤثرات تتعقد يومًا بعد يوم وتتطور بشكل متسارع، فلم تكن وسائل التواصل الاجتماعي موجودة قبل عشرون عامًا ولكنها اليوم تؤدي دورًا رئيسيًا في التأثير على المجتمعات وأحد مصادر تشتيت الأجيال وتقويض مساعي التربية القويمة والحفاظ على قيم المجتمع، وفي القريب سوف تضاف تقنيات أكثر صعوبة في الضبط وسوف تصبح هذه التقنيات أهم منابع السلوكيات الخاطئة التي تؤثر على أفراد المجتمع فتجعلهم جاهزين للتأثر واستقبال ما تحمله من أفكار وسلوكيات.

إنَّ مسؤولية الرعاية لا تنحصر في المنزل والعائلة وإنما تشمل كل فرد جعل أمره بين يدي الإنسان من مسؤولية وظيفية أو مسؤولية مجتمعية أيًا كان شكلها، وفي مجال الأسرة يشدد المتخصصون على أهمية معرفة أساليب التربية والتنشئة الصحيحة والإلمام بمبادئ السلوك البشري وكيفية حل مشكلاته وعلى رب الأسرة أن يقضي وقتاً أطول مع أبنائه وأن يكون النموذج الذي يحتذون به فلا يوجد أسلوب للتربية أنجع من التربية بالمُثل والنمذجة والقدوة الحسنة التي ينتقل من خلالها السلوك بكل سلاسة من الآباء إلى الأبناء.

علينا أن نحرص على القيام بدورنا؛ فهذه مسؤولية وأمانة وتأثير عدم القيام بها يتخطى الفرد ليضر المجتمع والوطن والمواطن الذي لا ذنب له سوى أن أحدهم قصر في أداء دوره وترك الحبل على الغارب لينتشر السلوك السيئ في المجتمع.

مقالات مشابهة

  • المفتي سوسان: ما أقدم عليه العدو هو قمة الإجرام وهو اعتداء على كل لبنان
  • حدود التعامل بين الرجل والمرأة وضوابطه
  • ما مصير حسن نصر الله بعد انفجارات البيجر.. مسؤول يجيب
  • هل يجوز الدفع إلى المنصات والجمعيات الخيرية عن العقيقة الثانية؟.. الشيخ المنيع يجيب.. فيديو
  • تنفيذ حُكم القتل قصاصاً بمواطن قتل زوجته في مكة المكرمة
  • الفتوى الإلكترونية: كان للرسول 120 ألف صحابيّ
  • ” الثورة نت” ينشر خِطَابُ قائد الثورة اِلسَّيِّدِ عَبْدِالمَلِكِ بِنْ بَدْرِ الدِّينِ الحُوثِي بمناسبة ذكرى المولد النبوي
  • كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته
  • مسجد المفتي يحتفل بذكرى المولد النبوي
  • في ذكرى مولده.. تعرف على أمهات المؤمنين