القصة القصيرة في فلسطين.. الواقع والتحديات
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
من معطف خليل بيدس المولود في الناصرة عام 1875 والمتوفى في بيروت عام 1949 خرجت القصة الفلسطينية القصيرة، هكذا يعتقد معظم نقاد السرد في فلسطين، بعد بيدس توالت أسماء عديدة رسّخت هذا الفن وأعطته أبعادا حداثية منهم: أميل حبييي، وغسان كنفاني، ونجاتي صدقي، وجبرا إبراهيم جبرا وسميرة عزام، ثم تلاهم جيل آخر تعمق هذا الفن على أيديهم وذهبوا به إلى اتجاهات أسلوبية جمالية مختلفة من الواقعية الجديدة للسريالية والشعرية والكابوسية، لكنها بقيت في إطار الهم الاجتماعي والسياسي الخ.
(القصة حب صغير خائف ينمو في منعطف معتم من منعطفات المدينة، منعطف لا تمر منه عربات فارهة، ولا مطاعم قربه أو مقاه، القصة سعلة أمّ مريضة، وشهقة مراهقة مترددة، برق في ليلة مستبدة، صورة يلتقطها مصور مصاب بانفصام قلب، ترفض القصة الأعباء، وتمقت الرسائل، وتركل الهم الوطني ركلا، ليس لأنها ضد الوطن، أبدا بل لأنها ضد استخدام الوطن استخداما وظيفيا، مباشرا وشعاريا..
القصة صديقة حميمة للهامس والملمح له والمشار له إشارة، هي أخت الصمت وابنة عم الفراغ، لا تستوعب التاريخ ولا تحبه، والتاريخ أيضا غير معجب بالقصة. الرواية تتحمل ذلك، بين التاريخ والرواية حالة تفاهم وحب، ومن المحتمل أنهما مارسا الحب يوما ما، وطأة التاريخ أثقل مما تتحمله القصة، القصة بنت صغيرة في الثانوية العامة، ذكية بعيون براقة، لكن، حزينة دوما، ويدين هشتين، تلك الهشاشة الذكية والناعمة، تحب بهمس، وتنتظر حبيبها الغامض بشفافية وهدوء).
هكذا يعرّف القاص المغربي الشهير أنيس الرافعي، الفائز بجائزة ملتقى القصة العربية في الكويت لعام 2022، بعد هذا التعريف التبجيلي الرومانسي للقصة القصيرة وهذا الاحتفال بالدور الوجداني والمعرفي لهذا النوع من السرد اللذيذ، وهو الفن الأقرب للتكثيف والأسلوب البرقي في الكتابة، والتي تشهد هذه الأيام رواجا وانتعاشا عالميا، تبدو القصة القصيرة في فلسطين وكأنها شقيقة مظلومة في عائلة الكتابة الفلسطينية، في معارض الكتب في فلسطين يلاحظ الناشرون ضعف الإقبال على المجموعات القصصية، ثمة دور نشر ترفض أو تتردد في نشر أعمال قصصية وتفضل عليها الرواية، في الجامعات الفلسطينية لا يفضل الأكاديميون، إدراج مجموعات قصصية في مناهج الجامعة، يذهبون إلى الرواية أو إلى دواوين الشعر، القراء من الشباب الشابات يبحثون عن الرواية التي تشبع الحواس وتبقى معنا فترة من الوقت.
الناقد تحسين يقين أبدى دهشته لتراجع زخم القصة القصيرة لصالح الرواية كون إيقاع العصر يشجع على قراءة القصة أكثر من الرواية بسبب الوقت اللازم لكليهما. من ناحية أخرى رأى يقين :( أن مضامين القصة بشكل عام لا ينسجم مع التحولات التي يعيشها المجتمع، حيث يغرق الكتاب في الذات، أما عن الجمهور القارئ فهو يرى أن النص الجيد يجد طريقه إلى القراء، ورأى يقين أن سياق القصة القصيرة في فلسطين مرتبط بالسياق الأدبي العربي من حيث إنه لم يتم ملء الفراغ بعد غياب الأسماء الكبيرة في هذا الصدد فهو يتوقع أن نهوضا في كتابة القصة سيكون خلال العقد القادم، حيث إن هناك أصواتا عشرينية وثلاثينية جادة سيكون لها حضور وهي بحاجة للدعم والكتابة عنها وكذلك ينبغي تبادل الخبرات في التدريب على كتابة القصة، وأضاف أنه يلاحظ أن كتّاب القصة آخر عقدين يعانون من محدودية النفس السردي. وأخيرا اعتبر يقين أن تراجع القصة مرتبط بتراجع الأدب بشكل عام كما هو في الشعر والرواية).
لكن للقاص المعروف محمود شقير رأيا آخر مخالفا تماما، يقول: (أنا لست متفقًا مع بعض النقاد الذين يقولون إن القصة القصيرة ماتت ولم يعد لها قراء.
وحين تجادلهم وتقول لهم: هل تنسجم مقولة الموت مع حقيقة وجود عشرات الآلاف من كاتبات وكتاب القصة في الوطن العربي والعالم؟ فيقولون لك: لا نقصد الموت الفيزيقي بل نقصد الموت الرمزي.
بمعنى أن القصة القصيرة لم يعد لها قراء ولم يعد لها حضور في المشهد الثقافي الراهن.
أنا غير موافق على ذلك، للقصة القصيرة عمومًا وللنماذج المتميزة منها قراء ولها حضور.
ثم إن شريطها اللغوي غير المفرط في الطول يتناسب وطبيعة عصرنا الراهن الذي يتسم بالسرعة، كما يتناسب مع مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والمجلات الإلكترونية التي تتخذ من القول المأثور التالي دليلا هاديا، وخير الكلام ما قل ودل.
أنا أعي أن الرواية التي تحظى باهتمام النقاد ومانحي الجوائز ووسائل الإعلام قد استولت على اهتمام أعداد من القراء الذين انحازوا إلى الرواية وانفضوا في الوقت ذاته من حول القصة، مثلما انفض من حولها نقاد كثيرون.
برغم ذلك كله ستظل القصة القصيرة مقروءة في العالم وفي الوطن العربي وخصوصًا في فلسطين.
ولا بد في هذه الحالة من إيلائها الاهتمام ذاته الذي تحظى به الرواية لكي تواصل حضورها في المشهد الثقافي الراهن، وهي جديرة بذلك بكل تأكيد).
ويعترف القاص والروائي المقدسي جميل سلحوت أن الشعر يبقى ديوانا للعرب ويعدد أسماء رموز القصة في فلسطين محتفيا بهم:
(يجدر التّذكير أنّ القصّة القصيرة في فلسطين بعد احتلال حرب عام 1967 قد حظيت ببقاء قاصّين محترفين على أرض الوطن منهم: محمود شقير، وصبحي الشّحروري، وجمال بنّورة وخليل السواحري. يضاف إليهم القاصّون من الدّاخل ومنهم محمّد علي طه، وإميل حبيبي، ومحمّد نفّاع، وطه محمد علي ومصطفى مرار..
وبقي الشّعر ديوان العرب بشكل عام والفلسطينيّين بشكل خاصّ بوجود شعراء متميّزين مثل المرحومين محمود درويش، وسميح القاسم، ومعين بسيسو، وعبد الكريم الكرمي «أبو سلمى»، ووليد سيف، وعزالدين المناصرة وتوفيق زيّاد وغيرهم من الشّعراء الفلسطينيّين والعرب. لكن وفي ظاهرة جديدة منذ بداية تسعينيات القرن العشرين بدأت الرّواية تأخذ حيّزا واسعا في السّاحة الأدبيّة، حتّى أنّ القاصّ المتميّز محمود شقير صدرت له ثلاث روايات في العقد الثّاني من القرن الحادي والعشرين، مع أنّه لم يتخلّ عن القصّة القصيرة والقصّة الومضة).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القصة القصیرة
إقرأ أيضاً:
«القومي لثقافة الطفل» يعلن القائمة القصيرة لجائزة التأليف المسرحي
أعلن المركز القومي لثقافة الطفل برئاسة الباحث أحمد عبدالعليم عن القائمة القصيرة لجائزة التأليف المسرحي، في دورتها الأولى التي أعلن عنها المركز في شهر سبتمبر 2024.
القائمة القصيرة لجائزة التأليف المسرحيوقال المركز القومي لثقافة الطفل في بيان: «وتضم القائمة القصيرة الكتاب الآتي أسماؤهم مرتبين ترتيبًا أبجديًا إبراهيم الحسيني محمد علي عن مسرحية (متلازمة آدم)، وأشرف حسن عبد الرحمن الشربيني عن مسرحية (الفئران قادمون)، وحنان إسماعيل محمد عن مسرحية (دموع البطة كاك) عبد الهادي محمد عبد الهادي عن مسرحية «ثمن الظلال»، ومنتصر ثابت تادرس عيد عن مسرحية (المقاتل)، وهاني مصطفى محمد قدري عن مسرحية (محكمة الحواديت)».
وتابع: «قريبًا سيعلن المركز عن الفائزين الثلاثة الأوائل حيث يفوز المركزين الأول والثاني بجوائز مادية بجانب طباعة المسرحيات الفائزة في المراكز الثلاثة الأولى».