أول رائدة فضاء من أصل إفريقي لـ "البوابة نيوز": حلمي قادني إلى النجوم
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
نظمت السفارة الأمريكية بالقاهرة جلسة نقاشية لعدد من الصحفيين، من بينهم "البوابة نيوز"، مع "عائشة بو"، عالمة صواريخ سابقة في وكالة ناسا، ومتحدثة تحفيزية عالمية، والمؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة متخصصة في تحليل البيانات وتحديث تكنولوجيا المعلومات، وهي واحدة من أسرع الشركات نموًا في أمريكا. حيث تزور عائشة القاهرة ضمن مقابلات وعروض تقديمية حول العالم، كجزء من برنامج "المتحدث الأمريكي" الذي تقوم عليه وزارة الخارجية.
حصلت عائشة على درجة البكالوريوس في هندسة الطيران والماجستير في الهندسة، والدكتوراه في هندسة أنظمة الفضاء من جامعة ميشيجان. بفضل عملها في وكالة ناسا، حققت عائشة بالفعل مجموعة من الإنجازات المتعلقة باستكشاف الفضاء. ومع ذلك، في عام 2023، من المقرر أن تصبح رائدة فضاء بنفسها، وستكون جزءًا من أول طاقم رحلة فضائية على الإطلاق يتكون بالكامل من نساء أمريكيات من أصل أفريقي وهي مهمة "بلو أوريجن".
عالمة الصواريخ ورائدة الفضاء الأمريكية عائشة بوبين الحلم والنجاح"لا أستطيع أن أصدق أنني سأذهب إلى الفضاء! باعتباري شخصًا كرس حياته لكسر الحدود، ستكون هذه أعظم مغامرة لي على الإطلاق. أريد أن أظهر للعالم ما يمكن تحقيقه عندما نحلم جميعًا ونصل إلى النجوم".
تصف عائشة رحلة نجاحاتها قائلة: الحياة ليست ثابتة. لقد كان الأمر أشبه بالموجات التي ترتفع وتنخفض بمرور الوقت. تفشل، ولكنك تعيد التقييم، ثم تنجح. وما تلبث وأن تعود إلى الفشل، وبعدها تنجح، وهكذا.
تضيف: اعتقدت أنني سأكون سعيدًة عندما أتخرج من الكلية وأبدأ العمل. لكن، أدركت أن ذلك لم يكن بالضبط ما أردته، كانت هناك أشياء في وظيفتي أعجبتني حقًا، وأخرى لم أستمتع بها كثيرًا. في كثير من الأحيان يخجل الناس من تصور خيبة الأمل. ولكن، هذه هي الأوقات التي تتعلم فيها أكثر عن نفسك، وإذا كان بإمكانك وضع غرورك جانبًا.
تؤكد أنها ترحب بالتغيير "أرحب بالانزعاج الذي يأتي مع التغيير، وأعتقد أنني أتبع فكرة اتخاذ القرارات التي تمنح المزيد من الخيارات. لأنني تعلمت -في وقت مبكر- أنه كان من المستحيل بالنسبة لي أن أختار شيئًا واحدًا فقط، وأظل أقوم بذلك الشيء.
تضرب مثالا على قيامها المستمر بالتغيير، تقول: في كل عام أقوم بإعداد قائمة تتضمن ما أريد أن أكون عليه في ذلك العام. هذا العام، سأكون رائدة فضاء. في العام الماضي، ضاعفت من أعمالي كرئيس تنفيذي وصاحبة عمل. وقبل ذلك، أردت أن أكون أكثر إيثارًا في المجتمع.
وتوضح: الأمر هو أنني عندما ادخل أمر ما يكون لدي أقصى قدر من الخيارات.
تابعت: يجب على الناس الخروج من مسارهم الثابت واستكشاف كيف تبدو طريقة حياتهم الأفضل. عندما أخبرت أمي أنني سأصبح مهندسة طيران، أصيبت بالصدمة. وعندما أخبرتها أنني سأترك وظيفتي الحكومية لدراسة هندسة الصواريخ اعتقدت أن هذه فكرة سيئة.
نفس الأمر بالنسبة لعملي الاستثماري، أمي لم تر أبدًا أي شخص ينجح في إدارة شركة، وهي بالتأكيد لم تر أي امرأة تقوم بذلك. لذا -وفق رأيها وآخرين- لم يكن من الممكن أن أفعل ذلك. وعندما قررت أنني سأبدأ طريق الذهاب إلى الفضاء اعتقدوا أيضًا أن ذلك لن يحدث.
وأكدت: لكن كل هذه الأشياء حدثت. وأنا هنا في القاهرة، كما كنت في أماكن أخرى، أتحدث عن هذا. فماذا يعني ذلك بالنسبة للأحلام؟ أن الأحلام الصحيحة هي الأحلام التي تصير حقائق.
الطريق إلى الفضاء
عندما ذهبت عائشة إلى مدرسة الطيران التابعة لوكالة ناسا، رأت رواد الفضاء، لكنها لم تكن في البداية تظن أنها قادرة على هذا الأمر "الانضمام إلى فيلق رواد الفضاء التابع لناسا -كان ولا يزال- شيئًا مميزًا. هذا أمر صعب للغاية، وأنا ربما كنت خائفًة بعض الشيء أيضًا لأن الفضاء يبدو مخيفًا نوعًا ما".
تضيف: دعونا نكون صادقين. لقد كنت خائفًة قليلًا من ذلك، ولكنني كنت أرى نفسي دائمًا ربما أدعم شخصًا ذهب إلى الفضاء. لكن لم أرى نفسي أبدًا في الفضاء الفعلي. لكن اليوم، نشاهد مواطنين عاديين يغيرون العالم. ليس فقط المليارديرات، بل الأشخاص من المثابرين مثلي، صارت لدينا الفرصة لفعل أشياء لم يكن من الممكن تصورها في السابق.
وأوضحت: هذه هي القصة التي أريد أن أقدمها للعالم. ليس عليك أن تعرف ما تريد القيام به منذ سن مبكرة لكي تكون ناجحاً، ليس عليك أن تكون مثالياً. لكن يجب أن تكون واثقاً، ويجب أن تكون مثابراً، ويجب أن تتحرك بهدف. هناك بالفعل ناس يمكن أن يلهموا العالم.
عندما تطرق الحديث إلى عمل المرأة في الفضاء، بدأت عائشة تحكي عن "حمّام" غرفة في أحد الفنادق التي سكنتها في إحدى رحلاتها إلى جنوب إفريقيا. تقول: كنت مدعوة من حكومة الولايات المتحدة للقيام بجولة نقاشية. كنت في جنوب أفريقيا لمدة أسبوعين، وكنت في فندق جديد تمامًا.
أضافت: أخذت أغراضي وذهبت إلى غرفة الفندق. عرفت على الفور أنها صممت من قبل رجل. كيف؟ لم تكن هناك مرآة فوق حوض الحمام. لم يكن هناك منفذ في الحمام لشحن أي شيء. المنفذ الوحيد الذي تمكنت من الوصول إليه كان بالقرب من النافذة بجوار غلاية الشاي!
أوضحت وجهة نظرها: هناك من لا يفكرون في التصميم لإيجاد حل يلبي احتياجات الجميع بدلاً من القلة. ماذا لو كانت هناك احتياجات أخرى في الغرفة. ماذا لو كانت هناك امرأة ولديها طفل صغير وتريد قص شعره؟ وأنها ترغب في القيام بذلك في الحمام وليس في منتصف الغرفة. لم يكن هناك مكان للقيام بذلك.
لكن، أن تجلس في صاروخ، إنه أمر مخيف نوعًا ما، أليس كذلك؟!
تقول عائشة: أنا متحمسة للذهاب، ولكن، أنا إنسانة، وفي اللحظة التي أسمع فيها تلك المحركات الصاروخية، أنا متأكدة من أنني سأبدأ بالتعرق. لكنني أعلم أن هناك شخصًا في الفريق الهندسي سيقوم بالقياس مرتين صنعت لها مكانًا في هذا المجال الذي يهيمن عليه الذكور في مجال الطيران والهندسة. وهي تقف بثبات في ذلك المكان. اسمها كلير لوس.
في الوقت نفسه، تلفت إلى أن النساء يشغلن مناصب قيادية في عدد كبير من المنظمات. تضرب مثالا بالمؤسسة التي تديرها "فريق قيادتي متوازن إلى حد ما، نحن ما يقرب من 50-50% بين الرجال والنساء. والأمر الجميل في ذلك هو أن لدينا منظور الذكور ولدينا منظور الإناث وعندما يجتمعان معًا أحصل على منظور بأكمله".
حول إلهام شخص آخر تحكي عائشة عن فترة عملها كمهندسة لصواريخ الفضاء في وكالة ناسا "ذهبت إلى لقاء نقاشي في عرض جوي. قابلت فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا تدعى كلير، والتي جاءت وقالت لي: أعتقد أنني أريد أن أصبح مهندسة طيران في يوم من الأيام. قلت: حسنًا، ها هي بطاقتي. إذا كنت ترغبين في القدوم إلى العمل ورؤية ما أفعله، أرسلي لي رسالة".
تابعت: بعد بضعة أسابيع، تلقيت بريد إلكتروني لطيف جدًا. كانت كلير تقول لي: أحب أن آتي للعمل معك ليوم واحد. بالفعل جاءت ولديها ملصقات ناسا. كانت متحمسة، ولديها كل أسئلتها.
أتذكر ذلك اليوم وأنا أفكر في نفسي أنني لا أرى نفسي قدوة، ولكنني بالتأكيد أريد أن أكون داعمة. قلت لها: في أي وقت تعتقدي أنك ربما ترغبين في العودة، فإننا نعقد ندوات ويمكنني أن أدعوك.
في النهاية، أصبحت كلير متدربة في وكالة ناسا، ودرست هندسة الطيران في جامعة كال بولي سان لويس، وكتبت لها عائشة إحدى رسائل التوصية. اليوم، تعمل كلير على محركات الصواريخ في قاعدة بلو أوريجون. لم تقابل عائشة إلا في العاصمة، عندما تم اختيارها للسفر إلى الفضاء. هكذا صار الإلهام متبادلا بينهما.
لا تتوقفوا عن الاستكشاف!
تلفت عائشة إلى أن التكنولوجيا أتاحت أنه "ليس عليك التخرج بشهادة جامعية لكي تدير مشروعًا تجاريًا أو تصبح مليونيرًا. في الولايات المتحدة الآن مع جهاز كمبيوتر وواي فاي، يقوم الأشخاص بإنشاء كيانات عالمية. ما نتحدث عنه حقًا هو محو الأمية التكنولوجية وإتاحة القدرة على التفكير".
وتضيف: أنا أدير عملاً ناجحًا. لدي 50 موظفًا، ولدي 65 موظفًا. ما أملكه هو القدرة على التعلم بسرعة وعدم الشعور بالهزيمة لأنني شعرت بالهزيمة في وقت مبكر جدًا من حياتي. أنا أعرف كيف يبدو ذلك، ما يعنيه أن تكون مفلساً. أنا أعرف ما يعنيه أن تكون جائعا، أعرف كيف يكون الشعور بالخوف.
كل تلك الأشياء التي أشعر بها كل يوم في عملي. لذا فأنا آخذ ذلك وأطبقه على المشكلة، وهي كيف أنمو وكيف أقوم برفع مستوى موظفي واجعل المكان رائع للعمل
تنصح عائشة الفتيات وذويهن أن يدفعوهن منذ سن صغيرة إلى مواصلة التعلم والاستكشاف "أود أن أشجع الفتيات وآبائهن إلى عدم التوقف عن الاستكشاف أبدًا".
تضيف: أعز أصدقائي من الصف السادس والدتها تقاعدت من تدريس اللغة الإنجليزية. كانت لديها مهنة ثابتة لمدة 20 عامًا في المدارس. لكنها عادت إلى المنزل ذات يوم، وقررت أنها ستصبح رسامة. هي الآن حائزة على جوائز.
وتشير عائشة إلى أن أغلب حياة هذه المرأة كانت رتيبة "لم تكن تعلم أنها تستطيع الرسم لأن وظيفتها الأساسية كانت أن تكون أمًا. وبمجرد أن أتيحت لها الوقت، أدركت أنها لا تستطيع القيام بذلك فقط. لقد كانت جيدة في ذلك، ولكن كان عليها أن تتحلى بالشجاعة للمحاولة بشكل صحيح.
تضرب مثالا آخر: أنا لست طبيبة. لا أحب رؤية الدم. لم أتمكن من تشريح الأغنام عندما كنت في الصف الثامن. كنت قلقًة جدًا من أنني سأصاب بخيبة أمل لأن والدي أرادني أن أصبح طبيبة. اليوم أنا سعيدة جدًا. إن عدم القدرة على القيام بأمر ما ليس سيئا، فقط اخترت طريقًا أفضل بالنسبة لي.
وأضافت: إذا نظرنا إلى الوراء، لم أخطط لأن أصبح مهندسة طيران. بل قررت أن أعيش حياة أحببتها، والأهم من ذلك، لم أرغب في العيش مع والدي إلى الأبد، أردت أن أتمكن من الخروج. أردت أن أكون قادرًة على الاعتناء بنفسي، أريد أن أكون قادرًة على التمتع بالحرية في حياتي واختياراتي.
وتؤكد: أعتقد أن هناك الكثير الذي سأتعلمه في العام القادم. أنا أتعلم وأتدرب لأنه يجب عليّ اتباع نظام غذائي، والاستعداد لتدريبات قوة الجاذبية العالية وبعض الحرمان الحسي، وكذلك الأشياء التي تجعلني أشعر بالتوتر. في هذا، اعتمدت على أن أكون منفتحًا وأتفهم أنني قد أشعر بعدم الارتياح وقد أشعر بالخوف وهذا كله جزء من العملية.
لا أعرف كيف ستبدو النهاية، لكن ستكون هناك مجموعة من التجارب التي سأخوضها قبل الرحلة، التي ستأتي بينما آمل أن أكون قد تدربت بشكل كافٍ وأن أكون مستعدًة لذلك، لكنني لا أعرف حقًا. ولذا كل ما يمكنني فعله هو الاسترخاء، وبذل قصارى جهدي، وأن أكون منفتحًة على الحياة، وأن أكون منفتحًة على التجارب، وأن أكون منفتحة على الناس على طول الطريق.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: رائدة فضاء عائشة بو السفارة الأمريكية بالقاهرة وكالة ناسا فی وکالة ناسا إلى الفضاء أن تکون أرید أن أن أکون کنت فی فی ذلک لم یکن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي: ثورة عقلانية في فضاء التقنية الحديثة
في خضم التحولات التقنية الكبرى التي يشهدها العالم، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أهم الابتكارات العلمية التي تمثل نقطة تحول في تاريخ البشرية. فقد تجاوز الذكاء الاصطناعي كونه تقنية جديدة إلى كونه مجالًا فلسفيًا وعلميًا يسعى إلى فك ألغاز العقل البشري ومحاكاته بأسلوب يثير إعجاب العلماء والمفكرين على حد سواء. ومع تعاظم تطبيقاته في مختلف الميادين، يغدو الذكاء الاصطناعي قاطرة تقود العالم نحو أفق جديد من الفرص غير المسبوقة، وكذلك التحديات التي تلامس جوهر وجود الإنسان.
تعريف الذكاء الاصطناعي وأبعاده المتعددة
الذكاء الاصطناعي هو مجال من مجالات علوم الحوسبة يهدف إلى تطوير أنظمة قادرة على محاكاة القدرات العقلية للبشر، مثل التفكير المنطقي، التعلم من التجارب، اتخاذ القرارات، وحل المشكلات. لكن ما يميز الذكاء الاصطناعي ليس فقط قدرته على تنفيذ المهام، بل أيضًا قدرته على التعلم والتكيف مع التغيرات، مما يجعله يشبه، وإن لم يكن يطابق، عمليات التفكير البشري.
هذا التعريف العلمي يغفل البعد الفلسفي العميق الذي يحمله الذكاء الاصطناعي، فهو يمثل محاولة لتفسير الذكاء البشري بآليات رياضية وبرمجية، ما يثير تساؤلات عميقة حول ماهية العقل ذاته. هل يمكن ترجمة المشاعر، الإبداع، والتفكير الأخلاقي إلى رموز خوارزمية؟ أم أن الذكاء الاصطناعي سيظل في جوهره تقنيًا لا روح فيه؟
الأثر الاقتصادي للذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي لا يُعدّ فقط ثورة في مجال التكنولوجيا، بل إنه إعادة تعريف لمفهوم الاقتصاد والإنتاجية. فقد أصبح أداة مركزية في تحقيق الكفاءة الاقتصادية من خلال تسريع العمليات، تقليل الأخطاء البشرية، وتقديم حلول مبتكرة. في القطاعات الصناعية، على سبيل المثال، تساهم الروبوتات الذكية في تحسين الإنتاج وخفض التكاليف. كما أظهرت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الخدمات، مثل الطب والرعاية الصحية، إمكانيات هائلة في التشخيص المبكر للأمراض، وتخصيص خطط علاجية موجهة تعتمد على البيانات.
علاوة على ذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي محركًا أساسيًا للاقتصاد الرقمي. فالشركات التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي تشهد نموًا كبيرًا في الإيرادات، لا سيما مع تطور مجالات مثل تحليل البيانات الضخمة، تقنيات التعلم العميق، والشبكات العصبية الاصطناعية. وتشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية عالمية تتجاوز تريليونات الدولارات خلال العقد المقبل .
الأثر الاجتماعي والثقافي
على المستوى الاجتماعي، يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل العلاقات بين الأفراد والمؤسسات. فقد ظهرت أنماط جديدة من التفاعل الإنساني بفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التعليم، حيث أصبحت منصات التعلم الإلكتروني تعتمد على تقنيات تحليل البيانات لتوفير تجربة تعليمية مخصصة لكل طالب. كما يتيح الذكاء الاصطناعي فرصًا لدمج الفئات المهمشة في المجتمع من خلال توفير أدوات تعزز من قدرتهم على التواصل والإنتاج.
لكن في الوقت ذاته، يثير الذكاء الاصطناعي قلقًا عميقًا حول تأثيره على القيم الإنسانية. إذ إن الأتمتة الواسعة قد تؤدي إلى تقليل فرص العمل التقليدية، ما يفاقم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. كما أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع المهارات البشرية التقليدية، ويثير تساؤلات حول فقدان الإنسان لسيطرته على قرارات حيوية.
التحديات الأخلاقية والقانونية
لا يمكن الحديث عن الذكاء الاصطناعي دون التطرق إلى التحديات الأخلاقية التي يطرحها. فالقدرة على معالجة كميات هائلة من البيانات وتحليلها بأسلوب يفوق القدرات البشرية يثير مخاوف حول الخصوصية وسوء الاستخدام. على سبيل المثال، تعتمد الشركات الكبرى على خوارزميات ذكاء اصطناعي لجمع وتحليل بيانات المستخدمين، ما يثير تساؤلات حول حدود استخدام هذه البيانات ومدى احترامها لحقوق الأفراد.
من ناحية أخرى، يواجه المشرعون صعوبة في تطوير أطر قانونية قادرة على مواكبة التطورات السريعة للذكاء الاصطناعي. كيف يمكن تحديد المسؤولية القانونية إذا اتخذ نظام ذكاء اصطناعي قرارًا تسبب في ضرر؟ وهل يمكن محاسبة الشركات أو الأفراد الذين صمموا هذه الأنظمة؟ هذه الأسئلة تعكس حاجة ملحة إلى وضع أطر تشريعية توازن بين الابتكار وحماية الحقوق.
الإبداع والذكاء الاصطناعي
من بين أكثر الجوانب إثارة للجدل هو تأثير الذكاء الاصطناعي على الإبداع. هل يمكن لنظام ذكاء اصطناعي أن يكون مبدعًا؟ الإجابة ليست بسيطة. فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يولّد أعمالًا فنية، يؤلف الموسيقى، ويكتب النصوص، فإنه يفتقر إلى الحس الإنساني الذي يمنح الإبداع معناه العميق. فالذكاء الاصطناعي يعتمد على تحليل الأنماط والبيانات السابقة، مما يجعله “مقلدًا ذكيًا” أكثر من كونه مبدعًا حقيقيًا.
مستقبل الذكاء الاصطناعي
لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيواصل تطوره ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للبشرية. لكن السؤال الذي يظل قائمًا هو: كيف يمكن للبشرية أن تضمن استخدام هذه التقنية بطريقة تخدم مصالحها وتُعزز من قيمها الأخلاقية؟ الإجابة تكمن في بناء شراكة بين الإنسان والآلة، شراكة تستند إلى التفاهم العميق للحدود والقدرات، وإلى رؤية واضحة لمستقبل يشكل فيه الذكاء الاصطناعي وسيلة للارتقاء، وليس أداة للهيمنة.
الذكاء في خدمة الإنسانية
في نهاية المطاف، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإعادة تعريف معاني التقدم والإبداع. لكنه يحمل في طياته مسؤولية كبيرة تتطلب من البشرية تبني نهج شامل ومتزن، يوازن بين الطموح التكنولوجي واحترام القيم الإنسانية. ولعل أعظم درس يمكن أن نتعلمه من هذه الثورة التقنية هو أن الذكاء، سواء كان طبيعيًا أو اصطناعيًا، لا يكتمل إلا إذا اقترن بالحكمة.