ما لم يقله بايدن في خطابه
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
أكتوبر 12, 2023آخر تحديث: أكتوبر 12, 2023
د.عماد عبد اللطيف
ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن مساء الثلاثاء خطابًا بشأن معركة طوفان الأقصى. تكوَّن الخطاب من أربعة أجزاء. أولها مقدمة عاطفية تصف ضحايا المعارك من الإسرائيليين، وتصف قوات المقاومة الفلسطينية بأنها إرهابية وشريرة. وثانيها تأكيد أن أمريكا تدعم إسرائيل دعمًا كليًا شاملا وتفصل أوجه هذا الدعم.
ما قاله بايدن في خطابه مهم، لكني أظن أن ما لم يقله هو الأكثر أهمية، وأن هذا الخطاب سيظل حاضرًا في الذاكرة الإنسانية لزمن طويل؛ بسبب ما لم يقله تحديدًا.
أول ما لم يذكره الرئيس بايدن في خطابه هو جرائم الاحتلال في فلسطين. فهو لم يشر نهائيًا إلى سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها إسرائيل في قصف غزة. ولم يندد باستهداف الطيران الإسرائيلي للمدارس، والمستشفيات، وعربات الإسعاف، والمساجد، ومنازل المدنيين. وفي حين استفاض بايدن في ذكر عدد القتلى الإسرائيليين، ووصف مشاعر عائلاتهم، وتقديم التعازي الحارة لهم، لم يذكر حرفًا عن الضحايا المدنيين الفلسطينيين ممن قتلهم الاحتلال الإسرائيلي بالقصف دون سابق إنذار حتى لحظة إلقاء خطابه، ولا مشاعر أسرهم وعائلاتهم.
ما يقوله غياب الضحايا الفلسطينيين عن الخطاب كثير. نستبعد أولا أن بايدن لم يكن يعلم أن إسرائيل قتلت أكثر من 700 مدني فلسطيني، وجَرَحت أكثر من أربعة آلاف، منهم 140 طفلا قتلهم الاحتلال طوال الأيام الأربعة السابقة على خطابه. فمن غير المعقول أن يجهل الرئيس الأمريكي هذه المعلومات أو ينساها إلا إذا كان هناك خلل خطير فيما يصله من معلومات أو في ذاكرته. المنطقي، إذن، أن بايدن تعمد عدم الإشارة إلى الضحايا الفلسطينيين. وهو تعمُّد يُمكن تفسيره بأن بايدن تبنى الأفكار العنصرية الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي لا ترى الفلسطينيين “بشرًا”، لهم حقوق البشر، وإنسانيتهم. وهي أفكار أصبحت تشكل جزءًا من الخطاب الرسمي لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة خلال السنوات الأخيرة. ولعل أصدق تعبير عنها هو تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس عن الحصار المتوقع على غزة، والذي قال فيه: “لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كل شيء سيكون مغلقاً. نحن نحارب حيوانات بشرية”. إن تجاهل بايدن لذكر الضحايا الفلسطينيين هو تصريح واضح عن أنه لا يتعامل مع الفلسطينيين على أنهم بشر متساوون مع غيرهم من البشر، وهذا هو المبدأ البسيط الذي تقوم عليه جميع حقوق الإنسان.
إن النظرة العنصرية التي يدعمها خطاب بايدن تُوقع ضررًا كبيرًا بصورة أمريكا عامة وبصورة بايدن نفسه خصوصًا. فقد اعتادت الولايات المتحدة الترويج لسياساتها تحت ستار حقوق الإنسان، والديمقراطية، وغيرها من الشعارات. ويمزق خطاب بايدن هذا الستار عن طريق تبنيه لتوجهات عنصرية في حق الفلسطينيين، بما يقوض أية مصداقية للخطاب السياسي بشأن القضية الفلسطينية. من ناحية أخرى فإن صورة بايدن العامة ستتضرر كثيرًا في المستقبل بسبب هذا الخطاب، وأتوقع أن يكون هذا الخطاب مادة ثرية لدارسي الخطاب في تحليلهم للخطاب العنصري في السنوات المقبلة.
الأمر الثاني الذي لم يذكره بايدن هو الخلفية التاريخية للأحداث. لم يُشر بايدن نهائيًا إلى أن المعارك التي خاضتها المقاومة الفلسطينية وقعت في الأراضي المحتلة بعد 1967، وأن المستوطنات التي هاجمتها المقاومة هي مستوطنات غير شرعية، بنتها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة وفرضتها رغم أنف المجتمع الدولي، ورغم أنف أمريكا نفسها التي نددت – على استحياء- أحيانًا بتوسيع هذه المستوطنات. لم يشر بايدن إلى الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين على مدار سنوات قبل هذه الأحداث. لم يشر إلى الانتهاكات المستمرة للمسجد الأقصى وقتل المصلين فيه، أو الاعتقالات المستمرة للشباب الفلسطيني، الذين يبلغ عددهم أكثر من 5000 معتقل. لم ينتقد بايدن ممارسات اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي ينادي قادته بـ”الموت للعرب”، ويصفون شعبًا كاملا بأنه “حيوانات بشرية”، ويتركون القرى العربية العزلاء مسرحًا لجرائم المستوطنين الذين يقتلون الفلسطينيين دون عقاب. ولم يذكر حرفًا واحدًا عن الحصار اللإنساني المفروض على غزة منذ عام 2007.
يبدو خطاب بايدن مزيجًا من خطاب رئيسين أمريكيين سابقين هما ريتشارد نيكسون وجورج دبليو بوش. فقد اعتاد نيكسون وصف الفلاحين الفيتناميين المقاومين للاحتلال الأمريكي لبلادهم بأنهم “إرهابيين”، “أشرار”، “أعداء الديمقراطية والعالم الحر”. في حين كان يصف الجنود الأمريكيين الذين قصفوا القرى الفيتنامية العزلاء بالنابالم، وأبادوا قرى بأكملها بأنهم الأبطال المحررون المدافعون عن الإنسانية والحرية والديمقراطية وقيم العالم الحر. وبالمثل فإن بايدن لا يصف إسرائيل بأنها دولة احتلال تمارس فصلا عنصريًا، بل بأنها واحة الديمقراطية. أما المقاومة الفلسطينية التي تستمد شرعيتها من القانون الدولي نفسه فيصفها بأنها “إرهاب شرير”. لكن بايدن لا يستدعي لغة نيكسون وحده، بل يحاكي خطابًا آخر هو خطاب بوش بشأن الغزو الأمريكي للعراق. لقد اعتمد بوش على الأكاذيب في تبرير الغزو، مدعيًا وجود أسلحة دمار شامل في العراق حينها. وعلى نحو مشابه اعتمد بايدن في تبريره للجرائم الإسرئيلية على الشعب الفلسطيني على أكاذيب صريحة مثل تصريحه بأن الفلسطينيين يعادون اليهود، وأن إسرائيل هي واحة الديمقراطية في المنطقة. فالفلسطينيون لم يُعادوا اليهود أبدًا، بل دافعوا عن أراضيهم ضد المحتلين. ولآلاف السنين عاش المسلمون والمسيحيون واليهود في فلسطين جنبًا إلى جنب دون أية نزاعات أو مشكلات. أما إسرائيل فكيف يُعقل وصفها بأنها بلد ديمقراطي في حين أنها تمارس تمييزًا وعنصرية مؤسسين تجاه ما يقرب من ثلث سكانها من فلسطيني الداخل، الذين تُطلِق عليهم متعمدة اسم “عرب إسرائيل”.
يكشف خطاب بايدن عن افتقاد تام للمصداقية والنزاهة، ويقدم نموذجًا سيئًا للخطابات المضللة. لكن أخطر ما يفعله أنه يحرض على مزيد من سفك دماء الأبرياء، ويعزز مشاعر الكراهية، ولا أستبعد أن يصبح هذا الخطاب في المستقبل القريب النموذج المشين للخطابات العنصرية التي تسحق الإنسانية وتدعم الإرهاب.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة هذا الخطاب خطاب بایدن بایدن فی خطاب ا
إقرأ أيضاً:
أردوغان: إسرائيل ستنسحب من الأراضي السورية التي احتلتها
أكد رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي، اليوم الاثنين، أن "رسائل الإدارة السورية الجديدة مطمئنة وتبعث على التفاؤل".
أردوغان: تركيا لن تسمح بأي تهديدات تمس سيادة سوريا سفير تركيا بالقاهرة : مجموعة الثمانية هي مجموعة تمت بمبادرة كفكرة ومشروع من قبل رئيس وزرائنا الأسبق أربكان
وبحسب"سبوتنيك"، قال أردوغان، في كلمة له، إن "تركيا كانت الدولة الأفضل في التعامل وفهم ما يجري في سوريا"، مؤكدا أن "استقرار سوريا سينعكس على باقي دول المنطقة"، حسب وكالة "الأناضول" التركية.
وبشأن إسرائيل، قال الرئيس التركي، إن "إسرائيل ستنسحب من الأراضي التي احتلتها في سوريا، عاجلا أم آجلا، وستكون مجبرة على ذلك"، متابعا: "لا يوجد أي مكان للتنظيمات الإرهابية في مستقبل سوريا والمنطقة.
يشار إلى أن الجيش الإسرائيلي، ومنذ الثامن من الشهر الحالي، بدأ باستهداف مواقع عسكرية في كافة المحافظات السورية، عبر سلاح الطيران، حيث رصدت أكثر من 500 غارة جوية، بالإضافة لصواريخ أطلقت من بوارج إسرائيلية، متمركزة بالقرب من السواحل السورية.
وفي 8 ديسمبر الجاري، سيطرت مجموعة من المسلحين المنتمين إلى "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا) على مبنى التلفزيون السوري الرسمي في العاصمة دمشق، وأعلنوا سيطرتهم على البلاد، وسقوط حكم الرئيس السابق بشار الأسد.