أكتوبر 12, 2023آخر تحديث: أكتوبر 12, 2023

رامي الشاعر

في يناير من عام 2020، دعا الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسه بيني عازر، دون أن يتم دعوة أي مسؤولين فلسطينيين إلى واشنطن لإطلاق ما سمي بـ “خطة سلام” أطلق عليها اصطلاحا “صفقة القرن”.

نصت “صفقة القرن” على إقامة دولة فلسطينية “رمزية” بلا جيش، ولا أدوات مستدامة للبقاء، مع الاعتراف بسيطرة كاملة لإسرائيل على “القدس الموحدة”، وضم أكثر من 100 مستوطنة إسرائيلية بهدف منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي فلسطين المحتلة.

وفيما يخص قطاع غزة، فسوف تقوم مصر، وفقا لهذه الخطة العجيبة بمنح “أراض إضافية” للفلسطينيين، من أجل إنشاء “مطار” و”مصانع” بغرض “التبادل التجاري” و”الزراعة”، ولكن دون السماح للفلسطينيين بالإقامة الدائمة! على أن يتم الاتفاق على حجم وثمن ومواقع الأراضي في وقت لاحق، وسيتم إنشاء جسر معلق يربط بين غزة والضفة لـ “تسهيل الحركة”.

لن نكرر القصة المعروفة من التقسيم وحرب 1948، ثم حرب 1967، وما تلاها لتصبح المساحة التي تشغلها الدولة الإسرائيلية التي ينص قرار التقسيم على مساحتها (15 ألف كيلومتر مربع)، أي ما يمثل 57.7% من فلسطين، تقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش (إيلات حاليا)، إلى 78% من الأراضي من مساحة فلسطين الكلية، مع تهجير 85% من السكان الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون على أراضيهم.

في الوقت نفسه، تعيش غزة، التي تعد المنطقة الأكثر كثافة سكانية في العالم، حصارا ممتدا منذ عام 2006، تسبب في تدهور في الأوضاع الإنسانية، وأثر على مختلف القطاعات الإنشائية والصناعية والزراعية ومرافق المياه والكهرباء والتعليم والصحة، فيما تسيطر إسرائيل على البر والبحر والجو وتحكم سيطرة الدخول والخروج لمنع الصادرات والواردات وخنق القطاع.

اليوم، وفي اليوم الخامس للتصعيد، وبدء عدوان إسرائيل الغاشم على القطاع، تخطت حصيلة القتلى 1100 وقت كتابة هذا المقال، مع نزوح أكثر من ربع مليون مدني من ساكني القطاع من منازلهم إلى مدارس الأونروا”.

كذلك فإن ما تقوم به إسرائيل من عقاب جماعي لسكان القطاع (أكثر من مليوني إنسان) بمنع المياه والكهرباء عن غزة يرقى إلى جريمة حرب متكاملة الأركان، وتنتهك القانون الدولي على نحو صارخ.

لذلك فإن كل ما تردده أبواق الإعلام الغربي من كليشيهات بشأن الهجوم المسلح من قبل حماس، وبشأن القتلى من الجانب الإسرائيلي، وأسر المدنيين وخلافه، وهو ما قد يصدق بعضه من تجاوزات فردية، إلا أن اجتزاء تلك العملية من سياق القضية الفلسطينية، واقتطاع لقطة واحدة مدتها بضع ساعات من قضية عمرها 75 عاماً، ليس سوى تدليس وتضليل وكذب فاضح من قبل الصحفيين والإعلاميين الذين يشاركون في الجريمة الإسرائيلية ضد شعبنا الفلسطيني.

لقد تمكنت الأمم المتحدة، قبل خمسين عاما في 1973، بالتعاون مع بعض الدول بالتوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار بين مصر وسوريا وإسرائيل، بعد أن شارك في الحرب بشكل مباشر سلاح الجو الأمريكي. وكان أحد بنود اتفاق الهدنة حل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال الحوار، واستنادا إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني في التمتع بدولته الفلسطينية المستقلة، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى المناطق التي هجّروا منها سنة 1947.

خمسة وسبعون عاماً وشعبنا الفلسطيني محروم من حقه في التمتع بدولته الفلسطينية التي يفترض أن تعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل، إلا أن المحتل نفسه، والمغتصب للأرض نفسه لا يرضى سوى بمزيد من قضم الأراضي، ومزيد من التنكيل والتهجير والقمع والقتل والعنف المنهجي.

وحينما ينتفض أبناء شعبنا، تجري الكاميرات من كل حدب وصوب لتلتقط الصور والفيديوهات وتنشرها على أوسع نطاق ممكن، تحت عنوان “الإرهاب” و”داعش غزة” وغيرها من العناوين المضللة التي تختصر القضية الفلسطينية في أكتوبر 2023، بينما يعلم القاصي والداني أن القضية أعقد بكثير من الأيام الأخيرة.

بل إن نتيجة فشل السياسات الغربية وعدم حيادية الوسيط الأمريكي، وعرقلة الغرب لعمل الرباعية الدولية لتسوية القضية الفلسطينية التي تتكون من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، والاستعاضة بما يسمى بـ “صفقة القرن” عن الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، والالتزام بقرارات الأمم المتحدة، والعودة إلى حدود 4 يونيو 1967، نتيجة هذا كله هو ما نراه الآن من دماء تسيل على جانبي الصراع، بعد أن تصورت إسرائيل أن بإمكانها وحدها احتكار العنف والقوة للأبد، وفرض رؤيتها وحدها لحسم الصراع لصالحها، وإلقاء الفتات للشعب الفلسطيني.

إن من يستمع إلى الإعلام الغربي اليوم يخرج بانطباع بأن إسرائيل هي “الضحية” وفلسطين هي “الجلاد”، ومهما بدا ذلك الطرح هزلياً، بالنظر إلى موازين القوة والضعف، إلا أن اجتزاء الحقيقة، وعدم شرح السياق العام للقضية، يجعل الأمر يشبه تماما ما يطرحه الإعلام الغربي كذلك عن قضية أوكرانيا، بوصف “الغزو” الروسي لأوكرانيا، وكأنه بدأ بلا سبب، لمجرد أن الرئيس بوتين استيقظ ذات يوم في فبراير 2022، وطرأت في رأسه فكرة هذا “العدوان”. دون أن يشرح أحد أسباب العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، والحرب التي استمرت 8 سنوات على أهالي دونباس، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف، وقبل ذلك تمدد “الناتو” الذي وصل إلى أوكرانيا، وغيرها من الأسباب الموضوعية والمنطقية للغاية، التي اضطرت روسيا اضطرارا للجوء إلى الحل العسكري بعدما استنفدت جميع الحلول الدبلوماسية والسياسية الأخرى.

يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأضم صوتي إليه تماماً، إن حل القضية الفلسطينية سيكون فقط بإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وحل كافة المشكلات المتعلقة بإقامة الدولة استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

إن ما يجري اليوم هو حرب بين فلسطين وإسرائيل، وليس بين حماس وحدها وإسرائيل، فاليوم كلنا حماس، وكلنا شعب غزة، وهي حرب يخوضها الشعب الفلسطيني بأسره، والذي توجهت ضده مؤخراً حاملة الطائرات الأمريكية معززة بأسطول كامل، فيما يبدو أنه استقواء على الضعيف بعدما تكبدت الولايات المتحدة هزيمة نكراء في أوكرانيا، وتود صرف الأنظار عن تلك الهزيمة.

أرى أن حاملة الطائرات لن تجرؤ بالمشاركة في أي عمليات عسكرية سواء في فلسطين أو لبنان أو سوريا، وقد لا أبالغ بالقول إن الوضع اليوم اختلف نهائياً عما حدث قبل خمسين عاماً، وأتصور إن إمكانية تدمير حاملة الطائرات، حال مشاركتها في أي أعمال قتالية واردة، وضبط النفس الذي يمارسه جنوب لبنان وغيرها من المناطق الحدودية مع فلسطين له حدود، ويمكن أن تحدث مفاجأة بأن الردع النووي التكتيكي الذي تعتمد عليه إسرائيل، إذا ما توسعت جبهات المعركة، لا قدر الله، يمكن أن يواجه بردع نووي تكتيكي من الجهة المقابلة.

يجب على الولايات المتحدة، كما يقولون هناك، أن تستيقظ وتشمّ القهوة، وتدرك أن الخروج الآمن اليوم هو بالقبول بشروط روسيا لإنهاء الأزمة الأوكرانية، وقبول قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وإرغام طفلها المدلل إسرائيل على الرضوخ لذلك.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة حاملة الطائرات

إقرأ أيضاً:

مؤرخ إسرائيلي يطالب بشن هجوم نووي على إيران.. العالم سيتفهم ذلك

دعا المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، دولة الاحتلال إلى شن حرب على إيران بالسلاح غير التقليدي (النووي) إن لزم الأمر، وذلك من أجل القضاء على مشروعها النووي قبل اكتماله، منتقدا ما وصفه بتساهل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في التعامل مع طهران، التي تعرب دائما عن نيتها تدمير "إسرائيل".

وقال موريس في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، إنه "لا توجد لحظة أفضل من هذه اللحظة من أجل توجيه ضربة استراتيجية لإيران، بفضل ميزان القوة غير المتماثل بينها وبين إسرائيل".

وأضاف أن "تدمير المشروع النووي الإيراني واجب وجودي على إسرائيل"، مشيرا إلى أن طهران "أصبحت على شفا إطلاق تخصيب اليورانيوم بمستوى الـ90 في المئة، وراكمت بما فيه الكفاية من المواد لإنتاج ما يكفي قنبلة".


واعتبر المؤرخ الإسرائيلي أن "دول العالم ستتفهم هجوما عسكريا بالسلاح غير التقليدي ضد إيران"، مشددا على أن "بقاء إسرائيل يمكن أن يكون أكثر أهمية بالنسبة لسكان البلاد من الإدانات الدولية وحتى من العقوبات، إذا تم فرضها، وأنا أشك في أنها ستفرض".

وحذر من توصل إيران إلى السلاح النووي، مشيرا إلى أنه في حال استطاعت طهران فعل ذلك "فإن وجود مثل هذا السلاح  في يدها، حتى لو لم تستخدمه، سيجعل أي مستثمر أو أي قادم جديد محتمل يهرب (من دولة الاحتلال)، لاسيما أنها تعرب عن نيتها تدمير إسرائيل".

ولفت إلى أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيجعل الكثير من الإسرائيليين يهربون من الأراضي المحتلة، موضحا أنه على هذا المنوال "فإن إسرائيل ستذوي على خلفية الضربات المتكررة التي ستُوجه لها على غرار ما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي".

وقال موريس إنه "في حال لم يكن في وسع القدرات التقليدية لإسرائيل أن تجتث المشروع النووي الإيراني، عندها يجب عليها استخدام القدرات غير التقليدية من أجل هذا الهدف"، معتبرا أن الأوضاع "وصلت إلى لحظات الحسم، وعلى القادة الإسرائيليين أن يتخذوا القرار".


وانتقد المؤرخ الإسرائيلي الهجوم الذي شنته دولة الاحتلال الإسرائيلي على إيران ردا على الضربات التي وجهتها طهران في نيسان/ أبريل الماضي، مشيرا إلى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو "خشي من تسبب أي رد أقوى بهجوم مضاد من إيران ووكلائها في المنطقة".

وأشار إلى أن "نتنياهو اعتاد خلال 15 عاما على ضبط النفس إزاء الأضرار التي تتسبب فيها إيران لإسرائيل ولمصالحها، سواء من خلال وكلائها أو بشكل مباشر"، موضحا أن الأسوأ من ذلك هو أنه باستثناء التصريحات الهجومية، فإن نتنياهو لم يفعل ما هو مطلوب، أي منع إيران من التوصل إلى إنتاج القنبلة النووية.

واختتم المؤرخ الإسرائيلي بالتساؤل عن ما إذا كان لدى نتنياهو الذي وصفه بـ"المخادع" أي دوافع أخرى تمنعه من العمل على منع إيران من التوصل إلى إنتاج القنبلة النووية.

مقالات مشابهة

  • حزب المصريين: تبرع «المتحدة» بـ60% من أرباح مهرجان العلمين يعكس دورها الوطني
  • معهد أمريكي: غياب حاملات الطائرات في البحر الأحمر أسبوعين مثير للقلق
  • معهد أمريكي: غياب حاملات الطائرات في البحر الأحمر لمدة أسبوعين مثير للقلق
  • مصدر رفيع المستوى: مصر كثفت اتصالاتها مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية لتجاوز عقبات اتفاق وقف إطلاق النار
  • مسؤول بالأمم المتحدة: تدمير إسرائيل لقطاع غزة يعرقل أعمال الإغاثة
  • فلسطين تطلب عقد اجتماع عربي طارئ لبحث مواجهة "الجرائم" الإسرائيلية
  • خبراء مصريون: روسيا تمتلك وسائل الردع القادرة على التصدي للمسيرات الأمريكية
  • الرئاسة الفلسطينية: مساعي حكومة الاحتلال لمنع تجسيد إقامة دولة فلسطين ستفشل
  • الحراك الطلابي الأميركي وتداعياته على القضية الفلسطينية
  • مؤرخ إسرائيلي يطالب بشن هجوم نووي على إيران.. العالم سيتفهم ذلك