دواهي الإفلات من العقاب: مجزرة فض الاعتصام نموذجاً
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
خالد فضل
جريمة المجزرة التي حدثت تفاصيلها المرعبة أمام بوابات القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في قلب العاصمة الخرطوم، لم تك بحاجة إلى إثباتات كثيرة، ولا أتصور أنها من التعقيد القانوني بحيث تأخذ أكثر من أربع سنوات دون الكشف عن مرتكبيها. فهي قد وقعت في مقر أعتى قوة مسلحة – افتراضا- وضحاياها آلاف المدنيين من فئة الشباب في الغالب ومن النوعين ذكور وإناث مورست ضدهم أقسى أنواع الانتهاكات لحقوق الإنسا ؛ وكان الحصاد قتل وجرح واغتصاب وفقد وذهول.
تزامنت الجريمة مع ممارسات مماثلة في مقار عدد من الحاميات العسكرية بمدن سودانية مختلفة والضحايا دوما هم ذات الفئة التي كانت تعتصم أمام مقار تلك القوات العسكرية تطالب بتنحي المجلس العسكري الذي سيطر على الحكم عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير في يوم 11أبريل 2019م وتسليم السلطة الإنتقالية للمدنيين فورا باعتبار أنّ الثورة الشعبية المدنية السلمية هي التي أجبرت البشير على التنحي. صحيح كان هناك دور مهم للقوات العسكرية في عملية الإطاحة ولكن هذا الدور لا يمنح تلك القوات أي حق في الحكم، فهو، أي الحكم شأن مدني بحت، فيما للجيوش مهام أخرى عديدة وكبيرة ومهمة لكن ليس من ضمنها أبدا تولي حكم البلاد.
ضمن الوثيقة الدستورية الموقعة لاحقا بين القيادة السياسية للثورة وهي القوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير؛ وشملت معظم القوى الثورية في البلادوبين المجلس العسكري (المكون العسكري) تم النص على تكوين لجنة تحقيق مستقلة أسندت رئاستها للأستاذ المحامي نبيل أديب عبدالله وشرعت في عملها منذ تكوينها في نهاية العام 2019 ولم تنجز مهمتها حتى الآن لم تقدم تقريرها بعد، وفي عدة مرات شكا رئيسها من تأخر الإجراءات لأسباب فنية أو لوجستية.
كانت الجريمة واضحة وبشعة استجلبت إدانة كل أصحاب الضمائر اليقظة من البشر في أصقاع المعمورة المختلفة، بيد أنّ السادة الكرام في المجلس العسكري كانوا أبعد ما يكون عن أجواء الفجيعة خرج متحدثهم إلى الإعلام ليخبر الناس عن قرار فض منطقة كولومبيا لأن بعض جنده (يسكرون) فيها، ولكن انحرفت القوات المشتركة والمكونة من كل الفصائل العسكرية والأمنية المعروفة وبعد مشاورة النائب العام (تبرأ من مشاركته في إتخاذ قرار فض الإعتصام واستقال من موقعه أو أُقيل)، المهم كان سبب المجزرة هو انحراف القوات المشتركة عن كولومبيا ودخولها ساحة الإعتصام التي كانت محددة المواقع ومحاطة بحراسات شبابية ثورية بهيجة، كانت هذه إفادة أحد أعمدة المجلس العسكري، هو الفريق الكباشي، فيما قال آخر؛ قائد الدعم السريع في أول تعليق له على المذبحة (إنها فخ تم نصبه لقواته) وكانت تلك إشارة إلى ولوغ عساكره في ارتكاب المجزرة. أما رئيس المجلس نفسه، قائد الجيش، فقد نفى مشاركة أي عضو في مجلسه في قرار ارتكاب المجزرة، روايات متناقضة في بعض أجزائها ومتناغمة في بعضها. فمن التناغم أن هناك قوات عسكرية مشتركة لتنظيف كولومبيا ومن ضمنها الدعم السريع بطبيعة الشمول لكل القوات وباعتراف حميدتي بالفخ، فيما رئيسهم ينكر كل ذلك فهم لا يعرفون.
الآن بعد أنّ انفض سامر صداقة المصالح وشراكة الدم، بعد أنّ تباعدت الخطوات بين الرحم الولود والابن الشقي، كما كان قائد الجيش ينعت الدعم السريع بأنه مولود من رحم الجيش، وبعد أن نشبت الحرب الضروس التي قضت على بقة الأمل في سودان جديد ظل يحلم به شهداء الثورة السودانية وشهيداتها ويغنون له يرسمون ويلونون الفضاء بإبداعاتهم ومواهبهم، الآن ومنذ صبيحة 15 أبريل صار البرهان/حميدتي أعداء يتقاتلون بمختلف أنواع الأسلحة المادية منها والمعنوية، صار رأس البرهان مطلوبا للدعامة ورأس حميدتي هدفا للدياشة كما تقول عاميتنا في الجزيرة للجيش (ديش).
عاد البرهان بعد ستة أشهر من الحرب ليعلن أنّ قوات الدعم السريع عدو الديمقراطية والحرية وأنها هي التي فضت اعتصام القيادة في 3 يونيو 2019م. يا له من اكتشاف فطير وقول بئيس من رئيس ضرورة، اليوم فقط وبعد الصراع والقتال والحرب والدمار يعدّل البرهان من كل ما ساقه سابقا، لابد أن صحوة ضمير قد انتابته بعد طول سبات، أو فجة موت قد واتته فيريد أن يريح باله المهموم بضحايا عهده الكثر، أولئك الذين قال ذات مرّة إنّ طرفا ثالثا يقتلهم في الشوارع، وأنّ لجان التحقيق تفشل لأن الجميع لا يتعاون معها، وأنّ وأنّ وأنّ إلخ.
الإفلات من العقاب الذي هو ديدن الممارسة الملتوية للحكومات العسكرية المتعاقبة والتي شغلت بضع وخمسين سنة من سنوات ما بعد (رفع العلم) هو العنصر الأهم والسبب الأبرز في ما نحن فيه من دواهي ساحق وماحق وبلا متلاحق، أي بناء جديد لسودان ممكن لا يقوم إلا على أساس المساءلة والمحاسبة، العدالة وسيادة حكم القانون، أي بناء مجاف للديمقراطية عدو للحرية مطية للعسكر والمليشيات هو بناء على جرف هار ,لن تقوم له قائمة البندقية لن تحل قضية، العسكرية مهنة الفشل الذريع إما أن تنضبط أوتغرغر دواء الإصلاح المر غصبا عنها (كالطفل العنيد) وإلاّ فالتغرب غير مأسوف عليها، شبابنا الغر الشهداء/ات ليس فيهم عسكري واحد. الحياة الحرة الكريمة والمستقبل للعقل لا للعضل،أوقفوا الحرب اليوم، ولابد من العدالة للشهداء وسيأتي البرهان وحميدتي وغيرهما إلى ساحة المحكمة ليقول قائلهم ما يقول، الإتهامات للدعم السريع بفض الإعتصام لن تعفي سيادة البرهان من شبهة ولوغه في الجريمة وسكوته كل هذه السنوات دليل تواطؤ إن لم تك المشاركة الأوفى في المجزرة.
الوسومالبرهان الجيش السوداني السودان الكباشي حميدتي فض اعتصام الفيادة العامة قوات الدعم السريعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البرهان الجيش السوداني السودان الكباشي حميدتي قوات الدعم السريع المجلس العسکری الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
٢٩ رمضان الذكرى السادسة لمجزرة فض الاعتصام
١
تمر الذكري السادسة لمجزرة فض الاعتصام في ٢٩ رمضان في ظروف الحرب اللعينة التي كانت امتدادا ابشع وأمر للمجزرة، وهي جريمة لن تسقط بالتقادم، ولابد من القصاص وان طال السفر، سمح الافلات من العقاب بارتكاب المزيد من الجرائم، كما في الحرب الجارية التي دمرت البنية التحتية، وتمت الابادة الجماعية والعنف الجنسي، وتشريد ١٢ مليون داخل وخارج البلاد، اضافة للماساة الانسانية، وتدهور الأوضاع المعيشية والصحية والتعليمية، وتدمير المصانع ومواقع الإنتاج الزراعى و الخدمي. الخ.
٢
لقد كانت مجزرة فض الاعتصام كما كشفت الصور والفيديوهات وشهادات الحاضرين من أبشع الجرائم في تاريخ السودان الحديث، التي تمّ التخطيط لها والتنفيذ من المجلس العسكري حسب إفادة الفريق الكباشي في المؤتمر الصحفي بتاريخ 13 /6/ 2019، بل كانت انقلابا دمويا ، كما أكد بيان البرهان بعد المجزرة بإلغاء الاتفاق مع ق.ح.ت، وقيام انتخابات خلال 9 شهور، ومهدت دعاية فلول النظام المبادة لها من إطلاق الأكاذيب حول الاعتصام والتحريض علي فضه ، والهجوم والأكاذيب حول قوى التغيير وتجمع المهنيين، واشتركت في المجزرة، كما أوضحت الصور والفيديوهات، كل الجهات الأمنية والعسكرية، جهاز الأمن للعمليات، الدعم السريع، الشرطة، كتائب الظل ، ومليشيات الإخوان الإرهابية ، وتجريد الجيش من أسلحته ، واغلاق القيادة العامة أمام المعتصمين وهم يحصدهم الرصاص !!، وتم فيها اطلاق الرصاص على الشباب العزل بوحشية أدت لمقتل الميات غير الجرحى والمفقودين ، وحرق الخيام ومن بداخلها من معتصمين وهم صيام ونيام، والقمع الوحشي بالهراوات والغاز المسيل للدموع والاغتصاب ، ورمي الشباب أحياء أو أموات في النيل وهم مثقلين بكتل اسمنتية، واستباحة العاصمة والمدن لمدة ثلاثة أيام، دون أن يحرك المجلس العسكري وقيادة الجيش ساكنا لحماية المواطنين الأبرياء العُزل.
٣
مجزرة القيادة العامة امتداد للمجازر التي ارتكبها نظام الإنقاذ من إبادة وحرق القرى في دارفور التي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف مواطن ، ونزوح أكثر من 2 مليون مواطن وفي الجنوب حتى تم فصله، وحروب الابادة في جبال النوبا وجنوب النيل الأزرق والشرق، ومجازر نظام الإنقاذ منذ انقلاب 1989 الدموي كما في التعذيب حتى الموت للمعتقلين السياسيين وتشريد الآلاف من المدنيين والعسكريين، واطلاق الرصاص علي المواكب السلمية مثل :شهداء 28 رمضان، البجا في بورتسودان.
إضافة للتعذيب حتى الموت للمعتقلين السياسيين وتشريد الآلاف من المدنيين والعسكريين، واطلاق الرصاص علي المواكب السلمية مثل : شهداء 28 رمضان، البجا في بورتسودان، كجبار، استشهاد الطلاب وأبناء دارفور في الجامعات والمعاهد العليا، العيلفون، مجزرة سبتمبر 2013، شهداء ثورة ديسمبر 2018 . اوغيرها من الانتهاكات التي ما زالت تنتظر المحاسبة.
٤
كما اشرنا سابقا أن تأخير القصاص للشهداء ومتابعة المفقودين في مجزرة فض الاعتصام ، لا يمكن عزله عن انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد في 11 أبريل 2019 الذي جاء لقطع الطريق أمام الثورة ، وفرض " الهبوط الناعم" الذي يعيد إنتاج سياسات النظام البائد القمعية والاقتصادية وتحالفاته العسكرية الخارجية والتفريط في سيادة البلاد وأراضيها وثرواتها الزراعية والحيوانية والغابية والمعدنية، وايجاد المخرج الآمن لرموز النظام البائد من المحاسبة والإبقاء على المصالح الطبقية و الثروات والأصول التي تُقدر بعشرات مليارات الدولارات، والعودة للسلطة باشكال جديدة، ومن ضمن المخطط كان مجزرة الاعتصام التي تجمعت فيها كل القوى العسكرية ومليشيات النظام البائد لإخماد واقتلاع الثورة.
كان من تأثير ذلك التوقيع علي "وثيقة دستورية" كرّست هيمنة المكون العسكرية والمالية والإعلامية، وحتى "الوثيقة الدستورية" لم يتم الالتزام بها كما يتضح من : البطء في القصاص للشهداء ومتابعة المفقودين في جريمة مجزرة الاعتصام، وعدم محاكمة رموز النظام البائد علي الجرائم الواضحة، وعدم تحقيق السلام وتعقيده بالمسارات والحلول الجزئية، بدلا عن الحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة، وخرق الوثيقة الدستورية بتكوين مجلس السلام بدلا عن مفوضية السلام،والبطء في إصلاح القوات المسلحة وتعديل "الوثيقة الدستورية" لحل المليشيات وبناء جيش قومي مهنى وفق الترتيبات الأمنية، وإعادة هيكلة الأمن وإلغاء قانون 2010 ليصبح الأمن لجمع المعلومات، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإلغاء قانون النقابات لعام 2010، واستبداله بقانون ديمقراطي، وتأخير تكوين التشريعي وتعيين الولاة المدتيين، وتكوين المفوضيات، وإعادة هيكلة الشرطة لتقوية فعاليتها في حفظ الأمن، وإصلاح النظام القانوني والعدلي والقضائي، والبطء في إعادة المفصولين من المدنيين والعسكريين، بل تمّ فصل العسكريين الذي تضامنوا مع ثورة ديسمبر
والبطء في تفكيك التمكين واستعادة الأموال المنهوبة، ولجم تجارة العملة وتحكم بنك السودان في تحديد قيمتها، وحسب تصريح لجنة التمكين أن ما تمّ استعادته يمثل الظاهر من جبل الجليد، وعدم تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي تدهورت كثيرا بعد الثورة، وحتى زيادة الأجور لم يواكبها تركيز الأسعار وضبط السوق، وسيطرة الدولة علي استيراد السلع الأساسية للتحكم في اسعارها، و علي الذهب والبترول والمحاصيل النقدية، وتغيير العملة ،وضم شركات القوات النظامية وضمها للمالية وتفرغها لحماية الوطن، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي لتقوية الجنية السوداني، وتوفير العمل للعاطلين.
وأخيرا، تم الانقلاب علي الوثيقة الدستورية في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ الذي وجد مقاومة جماهيرية كبيرة، وفشل حتى في تكوين حكومة، بعدها تم التدخل الخارجي لفرض الاتفاق الإطاري الذي أعاد الشراكة وكرس الدعم السريع واتفاق جوبا، وقاد الخلاف حول دمج الدعم السريع في الجيش الي الحرب الحالية، التي وضح هدفها تصفية الثورة، وتمكين المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب لنهب ثروات وأراضي البلاد وإيجاد موطئ قدم لها على ساحل البحر الأحمر.
٥
في الذكرى السادسة لمجزرة ٢٩ رمضان، فليتواصل قيام اوسع تحالف قاعدي جماهيري لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة ، ومحاسبة مجرمي فض الاعتصام والحرب وعدم الإفلات من العقاب، وحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد، والتمسك بوحدة السودان برفض الحكومة الموازية، وخروج العسكر والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، والوقوف سدا منيعا للشراكة مع العسكر والدعم السريع، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وغير من مهام وأهداف الثورة.
المجد والخلود لشهداء مجزرة فض الاعتصام والحرب، وعاجل الشفاء للجرحى، وعودا حميدا للمفقودين.
alsirbabo@yahoo.co.uk