موقف مصر ثابت.. لا تهاون ولا تفريط على مر التاريخ
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
على مدار عقود زمنية طويلة بدأت من عام 1917 مع إصدار وعد بلفور بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، ومصر تتحمل الأعباء الكاملة لنصرة القضية الفلسطينية، وحتى كتابة هذه السطور. لم تقصر مصر على مدار التاريخ الطويل فى دعم فلسطين والوقوف إلى جوارها، وقدمت مصر على مدار ما يزيد على قرن من الزمان الغالى والنفيس من أجل نصرة فلسطين، ولا أحد على الإطلاق ينكر هذا أبداً، وخاضت مصر حروباً من أجل ذلك، لأن فلسطين جزء من الأمة العربية، ولا يمكن بأى حالٍ من الأحوال أن تتخلى عن هذا الدور الكبير الذى تقوم به.
إن العدوان البشع الذى تقوم به إسرائيل حالياً على الأراضى الفلسطينية المحتلة وخاصة قطاع غزة، لا يمكن أن يمر مرور الكرام فى هذا التوقيت الحالى، ولا بد من إمعان النظر فيه، لأن مخاطره كارثية ليس على الشعب الفلسطينى وحده، إنما على المنطقة بأسرها بلا استثناء، وويلاته ستطال الجميع ولا بد من وقفة حاسمة، لأن الأمور تقود دول المنطقة إلى مصير غير معلوم وعواقبه وخيمة جداً على كل شعوب المنطقة عربياً وإقليمياً، وتجر الجميع إلى ما لا يحمد عقباه. ولقد آن الأوان لوقف هذه المهزلة الإسرائيلية التى تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا، وما يحدث لا يمكن بأى حالٍ أن تقبله مصر وترفضه جملة وتفصيلاً.. ولذلك وجدنا الرئيس عبدالفتاح السيسى، والدولة المصرية تقوم باتصالات مكثفة كعهدها لوقف هذا العدوان، وتجنيب الجميع ويلات هذه الحرب، وحقناً لدماء الشعب الفلسطينى وحماية المدنيين من الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى. وأكد الرئيس السيسى على موقف القاهرة الثابت فى هذا الشأن، وهو حل الدولتين القائم على السلام الشامل والعادل لتحقيق الأمن الحقيقى والمستدام للشعب الإسرائيلى، ومن هذا المنطلق لا يمكن لمصر أن تتخلى عن التزامها تجاه القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
كما أن مصر لا تسمح أبداً بأى حل على حساب أطراف أخرى، وهذا يقودنا بالتبعية إلى ما يزعمون أنه «صفقة القرن»، وكلمة صفقة تعنى أن هناك اتفاقاً بين طرفين أو أطراف، وهذا محض خيال سواء ممن يردده أو ينشره أو حتى من يحلم به. فلا يمكن أبداً أن تتنازل مصر عن شبر واحد من أراضيها، والذين يظنون ذلك مخابيل، وقادة مصر الوطنيون على مر التاريخ لم يفرطوا أبداً فى حق مصرى، وبالتالى لن يستطيع أحد أن يفرض على مصر شيئاً مستحيل التحقيق، فالمصريون الموت لديهم أشرف من التفريط فى أى شبر من الأرض المصرية. وفى هذا الصدد جاءت رسالة الرئيس السيسى واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وهى أن أمن مصر مسئوليته الأولى كما هى مسئولية كل المصريين بلا استثناء ولا تهاون أو تفريط فيه تحت أى ظرف. وهنا كعادة الرئيس نبه المصريين إلى ضرورة التسلح بالوعى، وعدم الانسياق وراء الشائعات وخلافه، وصحيح أن الموقف كله تعقيدات وأن حجم التهديد لا يستهان به، إلا أن مصر وشعبها العظيم على مر التاريخ لا يمكن أن تخون نفسها أو تفرط فى أى حق من الحقوق المصرية.
فعلاً التصعيد بين حماس وإسرائيل غير مسبوق، وعلى الجميع ضبط النفس والحذر من كل التداعيات الإنسانية والأمنية الكارثية، وهنا لا بد من تحرك عاجل وفاعل لوقف آلة الحرب العسكرية لحماية أمن المنطقة واستقرارها من خطر العنف الذى سيدفع ثمنه الجميع. كما أن العمليات الانتقامية التى تمارسها إسرائيل ستدخل المنطقة فى المزيد من العنف وإسالة الدماء.
وهذا ما يجعل القاهرة تقود تحركات واسعة على مستوى العالم لوقف هذه الحرب، وتفعيل حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ومن هذا المنطلق لدىّ القناعة الكاملة أن الفلسطينيين أنفسهم لا يرضون أبداً أن يكون لهم وطن بديل للأراضى الفلسطينية، فهذا محال تحقيقه، ولا يرضى به أى أحد.
إن الأمن القومى المصرى خط أحمر ولا يمكن تجاوزه، وإن كل شبر من الأرض المصرية مقدس ولا يمكن أبداً التفريط فيه، ومن يتصور غير ذلك إما مجنون أو مجنون، فلا حاكم ولا محكوم فى مصر يفرط فى ذرة رمل مصرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وجدى زين الدين موقف مصر ثابت على مر التاريخ فلسطين لا یمکن
إقرأ أيضاً:
الأكراد بين فخ التاريخ وبؤس الجغرافيا
جغرافيا سياسية بائسة حولت الأكراد عبر التاريخ إلى أدوات بين القوى الإقليمية والدولية وكبش فداء في الوقت نفسه، وما شهده الأكراد في سوريا منذ عام 2011 آخر الشواهد التاريخية على بؤس الجغرافيا وخيانة التاريخ.
خلفيات تاريخية
بدأت المسألة الكردية منذ القرن السادس عشر نتيجة الصراع بين الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية في معركة جالديران عام 1514، كان من نتائجها الاتفاق على عدم إقامة كيان كردي مستقل، ثم الاتفاق عام 1555 على تقسيم منطقة كردستان بين الإمبراطوريتين.
استمر الوضع على ما هو عليه حتى مطلع القرن العشرين مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، فاستغل الأكراد اتفاقية سايكس بيكو الموقعة عام 1916، الخاصة بتقسيم التركة العثمانية، للحصول على كيان مستقل.
نجح الأكراد في وضع قضيتهم على بساط المجتمع الدولي والحصول على دعم دولي عبرت عنه اتفاقية سيفر عام 1920 التي ألزمت الدولة العثمانية بالتخلي عن الأراضي التي يقطنها غير الناطقين بالتركية، وحل المشكلة الكردية على مراحل تنتهي بالاستقلال.
مع قلة الخيارات الكردية، تجد "الإدارة الذاتية الكردية" و"قوات سوريا الديمقراطية" أنفسهم بين أفخاخ التاريخ وبؤس الجغرافيا، لكن هذه المرة يبدو من الخطاب الكردي أن ثمة وعي بحقائق التاريخ وواقع الجغرافيا.لكن المعاهدة بقيت حبرا على ورق مع وصول مصطفى كمال أتاتورك إلى رئاسة تركيا وتأسيسه لما عرف بتركيا الحديثة ذات الحدود القومية الواضحة، وبسبب موقع تركيا الجيوسياسي، واستعاد الدولة لتواجدها، تغاضى المجتمع الدولي عن العهود التي منحها للأكراد.
تكرر الأمر نفسه في العراق، فقد استغلت لندن ظلمهم من أجل تحريضهم ضد الدولة العراقية مطلع عشرينيات القرن الماضي، لكن التحرك الكردي أخذ بعدا آخر في ستينيات القرن الماضي، فنظموا أول تمرد عسكري عام 1961 ضد حكومة بغداد بدعم من تركيا وإيران وإسرائيل بسبب عداوتهم لبغداد، لكن هذه الدول الثلاثة تخلت أخيرا عن الأكراد وتركتهم لمصيرهم مع الدولة العراقية بعيد توقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران عام 1975.
مع الغزو الأميركي للعراق عام 1991، بدأ ما يمكن تسميته الربيع الكردي، فقد حصلوا على دعم سياسي وعسكري أميركي مكنهم من إقامة حكما ذاتيا (إقليم كردستان العراق).
في عام 2017، وبسبب الخلاف مع بغداد على عوائد النفط، نظم إقليم كردستان استفتاءً للانفصال، حصل على تأييد أكثر من 90 % من أصوات الأكراد، لكن خذلان الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والقوى الإقليمية وتعنت بغداد، أحبط المشروع الانفصالي.
ظروف الحرب السورية
استغل الأكراد انسحاب قوات النظام السوري من مناطقهم منذ عام 2012 لتشكيل قوة عسكرية سرعان ما حصلت على دعم عسكري أميركي مع نشوء "تنظيم الدولة" وتوسعه في سوريا.
نشأ لدى أكراد سوريا فورة قومية ناجمة عن قوة عسكرية ودعم من الولايات المتحدة، فوسعوا سيطرتهم في سوريا، ثم بدأوا بترتيب بيتهم السياسي على أمل استغلال اللحظة التاريخية التي تمنحهم إما حقوقا كاملة ضمن دولة سورية موحدة، أو كيانا ذاتيا على غرار إقليم كردستان العراق.
لكن الخذلان الإقليمي والدولي كان حاضرا دائما، وكان الأكراد عام ألفين وستة عشر على موعد مع بدء تركيا أولى عملياتها العسكرية في سوريا (درع الفرات)، ثم أعقبت عام 2018 بعملية عسكرية أخرى (غصن الزيتون) ثم بعملية ثالثة عام 2019 (نبع السلام)، لم تلق اعتراضا أميركيا.
أدت هذه العمليات العسكرية الثلاثة إلى قضم أراضي كانت تحت هيمنة "قوات سوريا الديمقراطية"، وجعلتهم بين فكي كماشة: قوات المعارضة السورية والجيش التركي في الشمال والشمال الغربي، وبين قوات النظام السوري في الشرق والجنوب الغربي.
واقع جديد
مع سقوط نظام الأسد وسيطرة المعارضة المسلحة على الحكم في سوريا، نشأ واقع جديد، ونشأت معه مقاربات إقليمية ودولية جديدة حيال سوريا، عنوانها الرئيس وحدة الأراضي السورية.
تغير أدركه الاكراد سريعا، فرفعوا علم سوريا على مقراتهم بدلا من علم الإدارة الذاتية، في إشارة إلى تأييد وحدة الأراضي السورية، لكن الأكراد الواعين أيضا للحظة التاريخية الفارقة ولقوتهم وتماسكهم في آن معا، أعلنوا أنهم لن يكونوا جزءا من مشروع الدولة الجديدة إلا بعد مفاوضات مع المعارضة على تفاصيل الدستور الجديد وتشكيل الإدارة الجديدة وضمان حقوق جميع المكونات السورية.
إذا كانت الحقوق الكردية قد تحولت خلال السنوات الماضية إلى مسألة وطنية يُجمع عليها كل السوريين، فإن عملية الوصول إلى هذه الأهداف قد تؤدي إلى تفجر الوضع: الأكراد يطالبون أولا بمفاوضات حول حقوقهم وطبيعة النظام السياسي المقبل، في حين تُولي فصائل المعارضة وتركيا الأولوية إلى ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية في ساحة سورية ليست مستقر ومُهددة.خطاب متناقض في الظاهر، في أحد وجوهه ليونة تعكس تراجع الوفرة القومية التي نشأت خلال السنوات الماضية في الوعي لصالح مشروع وطني جامع لكل السوريين، وفي وجهه الآخر تشدد يعكس وعي فائض بالقوة العسكرية.
وإذا كانت الحقوق الكردية قد تحولت خلال السنوات الماضية إلى مسألة وطنية يُجمع عليها كل السوريين، فإن عملية الوصول إلى هذه الأهداف قد تؤدي إلى تفجر الوضع: الأكراد يطالبون أولا بمفاوضات حول حقوقهم وطبيعة النظام السياسي المقبل، في حين تُولي فصائل المعارضة وتركيا الأولوية إلى ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية في ساحة سورية ليست مستقر ومُهددة.
هنا، يجد الأكراد أنفسهم في عنق الزجاجة، فلا واقع ميداني متناقض يمكن اللعب عليه الآن بعد سقوط النظام السوري وخروج روسيا وإيران من المعادلة، وتوجه أميركي جديد داعم لوحدة سوريا، ولا مرونة لدى حكام سوريا الجدد المدعومون من تركيا، العدو اللدود للإدارة الذاتية الكردية.
وليس معروفا حتى الآن في ظل تطورات الأوضاع في سوريا من جهة، والخذلان الأميركي للأكراد من جهة أخرى، ما إذا كانت المسألة ستحل بقوة السلاح أم بتنازل كردي عسكري.
ومع قلة الخيارات الكردية، تجد "الإدارة الذاتية الكردية" و"قوات سوريا الديمقراطية" أنفسهم بين أفخاخ التاريخ وبؤس الجغرافيا، لكن هذه المرة يبدو من الخطاب الكردي أن ثمة وعي بحقائق التاريخ وواقع الجغرافيا.