بوابة الوفد:
2024-09-18@23:46:39 GMT

ثقافة المدن الجديدة

تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT

عاش الناس فى مصرنا تاريخيًّا على الزراعة كعنصر رئيس للحياة بصفة عامة والاقتصاد بصفة خاصة، وكانت الرقعة الزراعية آنذاك كافية فى ضوء عدد السكان، وعلى الزراعة قامت حضارة وادى النيل، ومع الوقت شيئًا فشيئًا اتسع العمران وتقلصت الرقعة الزراعية، وكان ارتباط الناس بالقرية أو بالأرض ليس ارتباطًا أسريًّا فحسب، بل كان ارتباط عمل وإنتاج وسبيل حياة، ثم ضاقت فرص العمل بالقرى والنجوع نتيجة الاعتداءات المتكررة على الرقعة الزراعية، وتآكل الكثير منها، وأصبحنا بحاجة إلى وعى ثقافى واقتصادى بالتوسع فى المدن والمجتمعات العمرانية والزراعية الجديدة، وحتمية الانتقال إليها وفق الرؤية الاستراتيجية للدولة المصرية، فى زمن أصبحت فرص العمل هى المبتغى الرئيس لكل جاد فى البحث عن العمل والحياة الكريمة، كما أصبحنا فى حاجة ملحة إلى وعى رشيد بمخاطر التعدى على الأراضى الزراعية.

 

وإذا كان بعض الشباب يفكر أو يبحث عن فرصة عمل فى أى مكان فى العالم يوفر له فرصة عمل حقيقية فمن باب أولى أن نتلقف فرص العمل المتاحة فى المدن الصناعية الجديدة والمجتمعات الزراعية والعمرانية الجديدة أينما وجدت، ولا سيما أن الدولة إنما تنشئ فى ظل جمهوريتنا الجديدة مجتمعات متكاملة صالحة للحياة الكريمة.

ومن ثمة تأتى أهمية هذه المدن كملاذ حضارى لا محيص عنه ولا بديل له، فإلى جانب ما وفرته وتوفره المدن الجديدة والتجمعات العمرانية الجديدة زراعية وصناعية وتجارية ولوجستية من فرص عمل حقيقية، فإن هذه المدن الجديدة قد أسهمت فى توفير سكن آدمى وإنسانى، والقضاء على العشوائيات والمناطق الخطرة والمناطق شديدة الخطورة التى أصبحت جزءًا من الماضى، ويجب أن نحرص جميعًا على عدم الوقوع فى براثنه مرة أخرى، وهو ما ينم عن الرؤية الحكيمة للقيادة السياسية التى حرصت وأصرت وتابعت بدقة تنفيذ هذه المدن الجديدة التى تليق بمصر والمصريين، مع اهتمام بالغ بالقرية المصرية وحقها فى الحياة الكريمة من خلال مشروعات البنية التحتية، ومشروع «حياة كريمة» الذى يعمل على توفير الاحتياجات الأساسية للقرية المصرية والارتقاء بحياة قاطنيها.

ورحم الله الإمام الشافعى حيث يقول: 

سافِر تَجِد عِوَضاً عَمَّن تُفارِقُهُ

وَاِنصَب فَإِنَّ لَذيذَ العَيشِ فى النَصَبِ

وقد أمرنا ديننا الحنيف بالسعى طلبًا للرزق، حيث يقول الحق سبحانه: «هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ ذَلُولا فَامشُوا فِی مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزقِهِ وَإِلَیهِ النُّشُورُ» (الملك: ١٥).

وزير الأوقاف

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الزراعة والاقتصاد الرقعة الزراعية العمران المدن الجدیدة

إقرأ أيضاً:

ثقافة الأصداء

نشأنا على مصدرين أساسيين منهما كنَّا نُحصِّلُ ما نشتاقه من معارف وثقافة، المصدر الأوّل هو مكتبات الجهات العامّة، أو مكتبات الولايات، والمصدر الثاني هو المكتبة الوطنيّة في العاصمة، فجيلي هو جيلٌ ورقيٌّ، تعوّد على ملمس الأوراق والكتب، وشمِّ روائحها وتقليب صفحاتها، ولحدِّ اليوم، رغم هذا المدّ في سيادة الثقافة الرقميّة، ما زلنا نتطعَّم روائح الكتب القديمة، ونسعد للملمس الكتب، وتقليب صفحاتها.

ثقافتان تتعايشان اليوم، ثقافة الأعماق وثقافة الأصداء، ثقافةٌ آمنَّا بها، وما زلنا نؤمن بها، (ولعلِّي أجعلها ثقافة عمقٍ لأنّي أنتسب إليها، وقد يعتبرها غيري من جيل الثقافة الرقميّة، محض أوهام، وحنين رُكامٍ من البشر)، وهي الثقافةُ الكُتبيّة التي أعتبرها عميقة ومؤسِّسة وباعثةً لعقولٍ مُفكِّرة، ما زلنا نحتاج جهودها وعمق فكرها، وثقافةٌ رقميّة هامّةٌ ولها أدوارها وتيسير أدواتها، ولكنّها تبقى حمّالة أهواء، قد تفضي إلى معرفةٍ سطحيّة، وثقافةٍ شكليّة، ووعيٍ زائف، وحظُّ التزييف والتسطيح والوهم فيها وسيعٌ رحبٌ. أكتب هذا الأمر، وأنا على وعيٍ تامٍّ بضرورة مواكبة الثقافة الرقميّة، وإعمالها في شتّى المجالات والميادين، وأنا أيضا على درايةٍ بأنّها ضرورة تاريخيّة، وحتميّة اقتضاها الواقع، وهي حتميَّةٌ يُمكن أن تكون ناجعةً ومنتجةً، غير أنّنا نرى بعض الظواهِر الرقميّة المؤثّرة في أجيالٍ صاعدةٍ، قد تَعْدم مستقبلاً الصلة بالكتاب، وهو الأمر الجلل، والفعل الخَطر. أوّلا هنالك ظاهرةٌ صارت سائدة في مجتمعاتنا العربيّة، ولا قُدرة لنا أحيانًا على مجابهتها، ولا آليَّة لنا للوقوف ضدّها، ولا أدوات لنا لكشْفها وبيانها، وهي السَّرقات، والسّرق فعلٌ مذموم أخلاقيًّا، وأصْبَح داءً عُضَالاً علميًّا وثقافيًّا، ويسّرته الرقميّات بشكلٍ عجيب، واختلقت له من الأدوات ما يُخفيه وما يُجلِّيه، ما يكتُمه وما يفضحه، فسادت رسائل جامعيّة في مختلف المستويّات مسروقة، وعمّت بحوث ومقالات منقولة، والرقيبُ في حيرةٍ، قد تتجاوزه الرقمنة وقد يُحسن السّارق إخفاء مسروقه، فتُسند شهادات ورُتب علميّة لغير أهلها، ولأناس لا يستحقّون الحبر الذي كُتِبت به. وقد يعترض معترضٌ، ويحتجُّ محتجٌّ قائلا: إنَّ السّرق فعلٌ قديمٌ، وسلوكٌ عتيق، وقد ذمَّه الأقدمون وعابوه، ولا علاقة له بالرقمنة ولا بسيادتها، وهو قولٌ حقٌّ في جانبٍ، ففعل السّرقة قديم، ولكن وسائط التواصل ومواقع الويب ومختلف أشكال التطوّر الافتراضي للعالم، ورقمنة الكتب والمقالات والبحوث يسّرت أمر الأخذ وشجّعت على الإغارة والسّلب، فهل هذا ذنب التطوّر؟ حتمًا لا، وهو ذنب من لم يُحدث لهذه الذنوب حزمة من شديد العقوبات، وقوانين زجريّة، وثقافة في احترام الملكيّة الفكريّة، وتكوين الناشئة على تجريم الأخذ من الغير على غير وجه حقّ. الأمر الثاني الذي أراه خطرا في هذه العوالم الافتراضيّة، وهذه المساحات الكبرى من ثقافة الويب والنت ومختلف أشكالها ومظاهرها، هو بزوغ نجومٍ من ورقٍ، بلا عقولٍ ولا أفئدة، نجوم يستقطبون شبابًا ويستلبون الأضواء في المناسبات والمعارض، حتّى معارض الكتب والفنون، وهم الأوهن، والأضعف، لا منزلة لهم، سوى جمهور وسيع يُتابعهم لعلَّةٍ من العلل، حُسن طالعٍ، أو قدرة على المزاح والسخريّة، أو جرأة ومخالفة للمعهود، أو أحيانا بلا علّة ولا سبب.

عدد المتابعين على صفحات التواصل الاجتماعيّ صار قياسا، لا يعنيني إن صار قياسًا للشهرة، فدومًا كانت الشهرة متأتيّة من مسالك سطحيّة وساذجة، ولكن الذي يعنيني أنّ عدد المتابعين صار قياسًا للمقروئيّة، فخذ مثالاً على ذلك الكاتبة التونسية فاتن الفازع التي تكتب باللهجة التونسيّة التي صارت رقمًا في النشر، وتُصرّح -وهي فعلا كذلك- بأنّها أكثر كاتب تونسيّ باع كتبا، والكاتبة الجزائريّة سارة ريفنس التي حقّقت رقما تاريخيّا في مبيعات كتبها، لم يحققه أي كاتب جزائري، ولكنّ الأخطر من كلّ هذا، وما لم أستسغه، ولن أقبله، أن يُدعى وُجهاءُ منصة أكس أو انستغرام أو التيك توك إلى معارض الكتاب، وأن يُصبحوا نجوم تلك المعارض، فهذا لعمري اعتداءٌ صارخ يئنُّ منه الكتاب ويألم.

وهذا فعلٌ يُمكن أن نتعقّله لو كان الفاعل في مواقع التواصل الاجتماعيّ محفِّزًا على قراءة الكتب، عاملاً على تنشيط أذهان متابعيه، غير أنّ العكس هو القائمُ، إذ إنَّ الفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي، أجير عند شركات كبرى، تستعمله، بسببٍ من أرقام متابعيه للترويج لسلعها، ومن النكد النكود أنّه أصبح من وُجهاء الثقافة، هذه الثقافة التي طالما طمست وجوه مثقّفيها الأصليين. يُمكن أن أفهم حركةً مثل «بوك توك» وعميق أثرها على الفعل القرائيّ، وأنّها ساهمت في جعل الشباب يكتشفون «ميلهم الدفين إلى القراءة»، بالرغم من الآثار السلبيّة لهذه الحركة على جودة الكتب وعمق الكتاب، إذ أنشأت كُتّابًا على المقاس التيك توكي، ولكن ما هو دافعٌ إلى الخزي والعار، أن يدعو معرض للكتاب بائع سوائل تجميل، أو عارضة أكلاتِ مطاعم، أو كاشف حياته الأسريّة ليصير نجمًا في الكُتب. الكتابُ له رائحة الورق، له عبقُ التاريخ، له حميميّة لا يعرفها إلاَّ من سهر الليالي يتمعّن الصفحات، ويخطُّ الأسطر ويمحوها، ويتمثّل أبعادها وأورادها، ولم يكن الكتاب يوما في حاجة إلى لاعب كرةٍ أو عارضة أزياء، أو صاحب صوتٍ رنّان. الكتاب أصلٌ لا يفنى من بعد فناء أبطالِ الورق ودُعاة الأصداء.

محمد زرّوق ناقد وأكاديمي تونسي

مقالات مشابهة

  • "الإسكان": اجتماع تنسيقي لمناقشة خطط تطوير العمل بإدارات الشئون القانونية بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزتها
  • وزير الإسكان يتابع تطوير المدن بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة
  • وزير الإسكان يتابع سير العمل بقطاع التنمية وتطوير المدن بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة
  • ثقافة الأصداء
  • تنفيذا لتوجيهات معالي وزير العدل د.خالد شواني .. وزارة العدل تعلن افتتاح دائرة كاتب عدل الحرية الصباحي في بنايتها الجديدة
  • انتظام العمل بكامل طاقة محطات وروافع مياه الشرب في القاهرة الجديدة
  • وزير العمل يلتقي السفير اليوناني بالقاهرة.. ويؤكد: تنفيذ اتفاقية العمالة الموسمية الزراعية
  • مجلس النواب يصوت على مشروع قانون إيجار الأراضي الزراعية
  • «حياة كريمة» تطلق معسكر «جول» لكرة القدم في العاصمة الإدارية الجديدة 
  • المدن الجديدة تظهر في منهج العلوم المتكاملة لأولى ثانوي