التعامل مع الناس كالتعامل مع البنوك
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
نصادف خلال رحلتنا للحياة العديد من الأشخاص سواء جمعتنا بهم علاقة عمل أم علاقة ارتباط أم علاقة مصالح مؤقتة أو جمعنا بهم القدر باسم الصدفة، ويختلف تعامل كل شخص عن الآخر، فهناك من يتعامل باسم المصلحة الوقتية وباللغة العامية مصلحة قصاد مصلحة! وهؤلاء منظورهم ضيق وقد يخسرون فى كثير من الأحيان، وهناك من يتعامل باسم قضاء مصالح العباد بغض النظر عما يحصد جراء ذلك فى وقتها بل لديه نظرة مستقبلية وهؤلاء يربحون دائما ويتعاملون مع الناس كتعامل البنوك مع الأشخاص، فالشخص قد يفتح حسابا لدى البنك ويضع به مقدارا من المال؛ وهذا أشبه بمن يبدأ بالتعامل مع الآخرين ويبدأ بقضاء مصالحهم دون مقابل فهو بمثابة رصيد لدى الآخرين، هذا الرصيد يجعله دائما دائنا لهم وهم فى حكم المدين، وقد يبدأ الطرف الآخر بالسحب من ذلك الرصيد إلى أن ينفد الرصيد، وهنا أشبه بالشخص الذى يقدم مصلحة نظير مصلحة أى خدمة قصاد خدمة، وقد يقدم البنك قرضا للأشخاص بفوائد، كالشخص الذى يقدم مصالح للآخرين مقدما دون مقابل أيضا ولكن تلك المصالح أتت فى وقتها كطوق نجاة فأصبحت كالقروض التى إن أراد الشخص سدادها تكون بفوائد، وقد يمنح البنك بطاقة ائتمان بها مبلغ من المال يستخدمه الشخص متى شاء ويسدده لاحقاً، وهنا كالشخص الذى يقدم مصالح مقدماً وعلى الطرف الآخر سدادها لاحقًا.
ما أعنيه من تلك المقدمة أن التعامل مع الأشخاص خلال رحلة حياتنا ولقائنا بالأشخاص ليس عبثيا، بل قدر مقدر من الله سبحانه وتعالى، فقد يرسل الله لك الأشخاص لقضاء حاجتك دون مقابل، لأن المقابل قد تم دفعه سابقا من قضاء حوائج الناس دون انتظار المقابل، فالله سبحانه وتعالى قال «ما تفعلوا من خير فإن الله به عليم»، فيكفى أن يعلم الله بالخير الذى تقوم به والمقابل الذى يأتى من الله أفضل من المقابل الذى يأتى من البشر، فهناك مقولة إن حوائج الناس مقضية بإذن الله ولكن الله جعل قضاء تلك الحاجة على يديك كاختبار لك ماذا تفعل؟ ورغبته فى منح الثواب لك، أو جعلك سببا فى قضاء الحوائج ليقضى الله لك حاجتك، فالخير الذى تقدمه لأحدهم لا تنتظره من بشر بل من رب البشر لأن الله وحده من يعلم كيف يقضى حوائجك التى لن يستطيع أحد أن يقضيها غير الله، ففك كرب إنسان وإدخال السرور فى قلبه وإنقاذه من موقف صعب ونجاته من الظالمين ومن يكيدوا لك لن يستطيع أن ينجيك منها غير الله، فما عند الله باقٍ وما عند البشر زائل، فعند تعاملك مع البشر احذر من سماع جملة قد نفد رصيدكم!
عضو مجلس النواب
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: عضو مجلس النواب مسافة السكة علاقة مصالح
إقرأ أيضاً:
لماذا يصعق الناس من الشيخ عندما يضل الطريق؟!
بين الحين والآخر يطالعنا شيخ أو داعية أو ما يأخذ صورة رجل الدين؛ بفتوى أو رأي أو تصريح يفاجئ الناس بخلاف ما يتوقّع منه، وقد يكون برأيه الشاذّ خادما لأعداء الشعوب المقهورة أو الاحتلال من حيث يحتسب أو لا يحتسب، منها مثلا تلك التي تهاجم المقاومة بجرأة فائقة وسليطة وغير معهودة بينما تقف عاجزة مهادنة لفظائع ومنكرات تستحقّ هذا اللسان لا المقاومة وبسالتها وتضحياتها الجسام. وأخصّ ذلك الفريق الذي يغض الطرف عن منكرات يغرق حكامهم وشعوبهم فيها وليس له إلا المقاومة حيث يتربّص بها وينطلق مما قصر فهمه عن إدراكها أو سبر أغوارها من تحالف أو تعاون يرى فيه ضربا من الابتداع وخروجا عن الدين.
يرى مثلا التعاون مع إيران منكرا فظيعا، بينما الاستحواذ الأمريكي على دولته تعاونا محمودا جميلا. ويقع في مقولة الاحتلال "ذراع لإيران" أو ارتماء في الحضن الإيراني، رغم أن هذا التوصيف إسرائيلي بامتياز، ويتجاوز كل الاعتبارات الشرعية والأصول الصحيحة التي انطلقت منها المقاومة، مجسدة بذلك روح تعاونية تفتقدها الدول فاقدة الاستقلال والسيادة على شئونها السياسية وعقد تحالفاتها على أصول شرعية.
إجابة سؤال العنوان: لأن الشيخ ببساطة يختلف عن غيره.. السياسي يغرف من معين معرفته السياسية، والإعلامي من معين خبراته الإعلامية والمثقف من معين مخزونه الثقافي.. بينما الشيخ ينطلق من المقدس الديني.. ويضفي على أقواله هالة من القداسة بما يصل للناس أن الدين هو الذي يتكلم على لسان الشيخ، ونادرا ما نجد من يقول للناس هذا رأيي الذي يصيب ويخطئ، هذا ما فهمته من الدين وليس الدين. وورد في الأثر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عجّل كاتبه وكتب: هذا ما أرى الله لأمير المؤمنين، فقال له عمر امح ما كتبت واكتب هذا ما رأى عمر، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي. اليوم قلّ من نرى من الدعاة أن ينسب الرأي لنفسه بهذه الطريقة بل المعتاد أن يقولوا (إلا ما رحم الله) هذا هو حكم الله من فوق سبع سماوات.
ثمّة ملاحظة أنه ليس كل خطيب أو متكلّم مفوّه هو عالم في الدين، ومع هذا يخرجون للناس بصفة العلماء. فالشيخ من المفترض فيه أن يكون في مقدمة الصفوف.. ليس فقط أن يحافظ على قول الحق بل أن يكون مع أهل الحق، خاصة إذا كان هذا الحق هو ذروة سنام الإسلام ويقوم بهذه الفريضة أناس قاموا بها في زمن أصبحت فريضة غائبة وتقاعست عنها الأمة بأغلبية ساحقة.
فالناس يتوقعونه هناك وإذا به يفاجئهم بأنه في موقع أقرب إلى مقولة الأعداء ويصب قوله في خدمتهم، فأية مصيبة أوقعها على رؤوس الناس بأقوال تأتيهم كالشهب الصاعقة. فهو لم يكتف بالنزول عن الجبل لتحقيق مغانم زائلة وهزيمة ساحقة، بل صب قوله ليخدم بها الأعداء منطلقا من قداسته الدينية التي بناها في قلوب الناس سنوات وسنوات.
وهو كذلك ينطلق من منبر عال وبروح أستاذية عالية ويصدر خطابا متعاليا ومتنمرا! من هو مُنعّم في بيته بعيد كل البعد عن غبار المعركة قائم على سنّة السواك وعطر الجمعة وآداب المسجد المكيّف؛ لا يمكن أن يكون أقدر من استنباط الأحكام من الذي في معمعان القصف في نفق تحت الأرض وتحت الطيران التجسسي العالمي ومكر كل قوى الشر في العالم..
هناك العلماء العاملون المجاهدون الذين قدموا حياتهم وأرواحهم في سبيل الله.. وهم بالمناسبة أمرهم شورى بينهم ويصلون إلى الموقف المطلوب بصورة جماعية شورية، بينما من يضلوا الطريق بعيدا لا يستشيرون أحدا ولا يعتبرونه رأيا قد يصيب ويخطئ، بل هو الدين نفسه الذي لا يأتيه الباطل وهو الوكيل الشرعي والوحيد لهذا الدين.. لا يفرقون بين الدين وفهمهم له بل يعتبرون فهمهم هو الدين نفسه!