فيلم الكونت.. كوميديا سوداء عن تاريخ الرعب الدموي في تشيلي
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
خلال فعاليات مهرجان فينيسيا السينمائي عُرض بالمسابقة الرسمية الفيلم التشيلي "الكونت" (El Conde)، من إخراج "بابلو لاراين" وتأليفه بالاشتراك مع "غييرمو كالديرون"، وينتمي لنوعي الرعب والكوميديا السوداء.
ويقدم الفيلم رؤية خيالية للجنرال التشيلي "أوغستو بينوشيه"، الذي حكم بلاده بالحديد والنار لأكثر من عقد من الزمان، مخلفا وراءه خيطا طويلا من الدماء و300 تهمة جنائية.
حصل الفيلم على جائزة أفضل سيناريو من المهرجان، قبل عرضه على منصة نتفليكس الإلكترونية مضيفا لمسة من الفنية على محتواها الغني بالأفلام التجارية والترفيهية، ولكن ذلك لا يعني أنه عمل لا يصلح للمشاهدة غير النخبوية، بل هو فيلم للجميع، ويضيف إلى الرؤية السياسية مسحة من الكوميديا والتسلية.
فانتازيا الرعب والسياسةيأخذ فيلم "الكونت" الشخصية المثيرة للجدل "بينوشيه" إلى عالم فيلمي مختلف بعيدا عن الواقعية، ولكن في الوقت ذاته أقرب ما يكون لها. يفتتح بإخبار المشاهدين أن الجنرال الشهير "ليس سوى مصاص دماء"، يعيش منذ عصر الثورة الفرنسية، وقد اعتاد على "مص دماء ضحاياه لضمان استمرارية شبابه"، ولكن هدفه الأسمى كان "القضاء على كل من يعتقد أنه يدعو للعدالة".
انتقل الجنرال عبر البلاد حتى وصل إلى تشيلي التي وجدها مكانا مناسبا لقضاء الباقي من عمره، وترقى في المناصب حتى وصل إلى قائد الجيش، قبل انقلابه على الرئيس الأول "سلفادور أليندي" وقتله في منزله، وتبوؤ مكانه لسنوات طويلة، ثم تم عزله، فقرر الانتحار.
تبدأ الحبكة الرئيسية عندما ينتقل الكونت -كما يُحب أن ينادى من المقربين- إلى منزل ناء مع زوجته وخادمه، ويزوره أولاده العديدون محاولين معرفة مكان إخفائه أمواله للاستمتاع بها، مصطحبين معهم محاسبة جميلة وشابة، ولكنها في الحقيقة راهبة تحاول تخليص العالم من شرور الجنرال فيما يشبه عمليات التطهير من الأرواح الشريرة.
اشتهر المخرج "بابلو لاراين" بأفلام السيرة مثل "جاكي" (Jackie) و"سبنسر" (Spencer)، وكلاهما تناول لحظة حساسة من حياة امرأة شديدة الشهرة، الأولى جاكلين كينيدي في الساعات القليلة بعد مقتل زوجها بين ذراعيها، والثانية الليدي ديانا سبنسر في عشاء عيد الميلاد الأخير مع العائلة المالكة، وهي تجارب ناجحة حققت له النجاح وترشيحات لعدة جوائز.
وفي أحدث أفلامه "الكونت" يتخلى "بابلو لاراين" عن منطقة الأمان الخاصة به، وينطلق إلى أنواع سينمائية مختلفة، ولكن أيضا تتقاطع مع السيرة الشخصية.
اختار الكاتب والمخرج لحظة فارقة أيضا في حياة شخصيته الرئيسية -حتى لو كانت لحظة متخيلة- وتتمثل في يأس بينوشيه بعدما تم اتهامه بالفساد المالي، واختلاس أموال وقوت شعبه وتنحيه عن منصبه باستفتاء جماهيري، فيتقبل "الكونت" بنفس راضية اعتباره قاتلا للآلاف من أبناء شعبه، بل يعتبر ذلك جزءا من إنجازاته، ولكن فقدانه احترامه ومهابته كان ثقيلا نفسيا لدرجة دفعته لاعتزال العالم.
ينحو الفيلم منحى فانتازيا باستخدام الرعب -الذي يظهر في المشاهد الدموية لانتزاع قلوب الضحايا وشرب دمائهم- فهو فيلم بالفعل يحمل سمات نوع الرعب السينمائي، ولكن ينظر إلى ما وراء النوع.
المجاز والواقعلا يتعامل بابلو لاراين، في هذا الفيلم، مع شخصيته الرئيسية بالتعاطف كما فعل مع أبطاله السابقين، بل يضع عيوبها تحت المجهر، فيجعلها أكبر وأكثر ضخامة.
فقد قدم الجنرال بينوشيه -الذي لم يبال في الحقيقة بدم مواطنيه الذي يريقه رجاله بلا حساب- بوصفه "مصاص دماء حقيقيا"، يتقزز من دماء العمال لأنها ليست شهية.
على الرغم من بساطة مجاز "مصاص الدماء"، فإنها أفلح كأداة للسخرية من "الجنرال الدكتاتور"، وقد أعاد لاراين بناء الفيلم حول تفاصيل أفلام مصاصي الدماء المستقاة بصورة كبيرة من رواية برام ستوكر الشهيرة "دراكولا"، ولكن غيّر فيها قليلا فخرج بها عن التقليدية.
تبعا لكارول أل فراي في كتابه "الجذور البدائية لسينما الرعب"، فإن "في جميع أفلام مصاصي الدماء المبكرة، كان الخطر المحدق بامرأة بوصفها حاملة مستقبلنا الجيني من العناصر المركزية للرعب".
ومن وجهة نظر فراي وغيره من منظري السينما، فإن أهمية المرأة كضحية في أفلام الرعب أنها تمثل رمز "الأم" في الخيال الجمعي الإنساني، الوعاء الجيني لنوعنا بالأساس، لذلك الخطر نفسه يصبح أكثر أهمية إن كانت المعرضة له سيدة.
في فيلم "الكونت"، يحيق الخطر بامرأة، هي "كارمن"، التي تخشى غواية الكونت، الذي يجتذب الجانب الشرير من نفسها، وهنا الخطر لا يهددها وحدها، ولكنه يهدد البشرية بالكامل عبرها.
وهذه الشخصية هي مفتاح الكوميديا السوداء، ففي فيلم رعب تقليدي على الأغلب سيتم إنقاذ هذه المرأة، ولكن هذا النوع الفرعي -الكوميديا السوداء- غالبا ما يمد الخطوط والفرضيات حتى أقصاها، فبدلا من إنقاذها يستكشف نتائج تحالف الخير مع الشر بشكل ذكي.
ينتهي الفيلم بظهور "مصاصة دماء" أخرى، الأمر الذي يقوي مجاز الربط بين مصاصي الدماء والرموز السياسية الشهيرة بشكل كوميدي، ويوحي للمشاهد باستعادة أشهر المستبدين في التاريخ وافتراض "طبيعتهم الماورائية"، ففي النهاية الفيلم لا يهدف فقط إلى السخرية من دكتاتور شهير بقدر ما يطرح رؤية مغايرة لسردية تاريخية معروفة.
يمثل فيلم "الكونت" خطوة جديدة في مسيرة مخرجه، الذي يخرج فيه عن المألوف منه، ويجعل كلا من المشاهدين والنقاد في انتظار تجاربه المقبلة في استكشاف السير الخاصة بأشهر الشخصيات التاريخية ولكن بعدسته الخاصة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
جابر نغموش: «الباء تحته نقطة» كوميديا هادفة على «قناة الإمارات»
تامر عبد الحميد (أبوظبي)
أخبار ذات صلةالأعمال الدرامية المشتركة، تثري المشهد والحركة الفنية بإنتاجات ذات مضمون مختلف وأفكار مغايرة، هذا ما أكده الممثل جابر نغموش الذي يطل في السباق الدرامي الرمضاني لهذا العام بمسلسل «الباء تحته نقطة» الذي يعرض على شاشة «قناة الإمارات»، في تجربة فريدة تجمع بين الكوميديا الهادفة والمشاركة الفنية الإماراتية والعربية المثمرة.
توليفة غنية
أعرب بطل «الباء تحته نقطة» عن سعادته بالتعاون مع نخبة من نجوم الدراما المحلية والعربية في هذا المسلسل، وقال: يجمع العمل توليفة غنية من الممثلين المتميزين مثل فاطمة الحوسني وموسى البقيشي وسعيد السعدي والممثلة المصرية سوسن بدر، والممثلة السورية شكران مرتجى، تحت إدارة المخرجة المبدعة هبة الصياغ، لتقديم قصص واقعية في إطار كوميدي، من أيام مدارس محو الأمية.
مدارس فنية
واعتبر نغموش أن الأعمال الدرامية المشتركة تسهم في تبادل الخبرات والثقافات، واكتساب مهارات وأدوات مختلفة من مدارس فنية متنوعة، وقال: تحرص «أبوظبي للإعلام» في المواسم الرمضانية على دعم الدراما المحلية من جهة، ومن ناحية أخرى الاهتمام بالإنتاجات الإماراتية والعربية المشتركة التي تثري المشهد الدرامي، وتتصدر عناوينها «ماراثون رمضان» كل عام.
قضايا حياتية
ولفت نغموش إلى أن العمل يروي قصة 3 صديقات إماراتيات في بداية الثمانينيات، اتخذن قراراً حاسماً بإكمال دراستهن في مدارس محو الأمية، ليكتشفن حقيقة أنفسهن من خلال هذه التجربة، وقال: ألعب في المسلسل دور «عتيق» زوج ميثة التي تلعب دورها فاطمة الحوسني الذي يسعى لإفشال خطتها في الاستقلال عنه، وتركيزها على دراستها في المدرسة، بعدما وجد نفسه مضطراً إلى القيام بالكثير من الأعمال التي كانت تقوم بها زوجته، لكن في كل مرة تفشل محاولاته مع إصرار زوجته على الاستمرار في التعلم والدراسة.
وتابع: تدور أحداث المسلسل في قالب كوميدي بين البيت والمدرسة في أحداث يومية أبطالها 3 عائلات وفريق المدرسة، من مديرة ومدرسات وطاقم مساعد، ويعتبر المسلسل إضافة مميزة للدراما الرمضانية، حيث يجمع بين الكوميديا والدراما الاجتماعية بأسلوب واقعي وممتع، مسلطاً الضوء على قضايا إنسانية وحياتية تلامس قلوب المشاهدين.
لمسات خاصة
وأكد نغموش أنه يحب التنوع في أدواره بين عمل وآخر، وقال: لكل شخصية أجسدها لها خصوصيتها وطبيعتها الكوميدية بحسب القصة والمضمون، حيث لا أقبل أن أجسد شخصية بها ملامح وصفات ولو بسيطة قدمتها في السابق، فالتغير عندي من الأشياء المهمة، مع وضع لمساتي الخاصة في تقديم الكوميديا البسيطة والخفيفة، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون هادفة وتحمل رسالة مجتمعية.
ارتفاع معدل الإنتاج
أشاد الممثل جابر نغموش بالتطور والمستوى الفني المتقدم الذي وصلت إليه الدراما الإماراتية، من حيث تنوع القصص، والمضمون الجيد والهادف، وارتفاع معدل الإنتاج سنوياً، بدعم القنوات المحلية وخصوصاً القائمين على قنوات تلفزيون أبوظبي، الذين يهتمون بالحضور القوي للدراما المحلية في السباق الرمضاني، مشيداً أيضاً بدعمها للمواهب الشابة، خصوصاً أن هناك العديد من الطاقات الفنية التي تنتظر فرصة لإثبات جدارتها في عالم التمثيل.