فكرة اشتراكية...كيبوتس البيت المشترك للآلاف من الإسرائليين
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
إعداد: بوعلام غبشي إعلان اقرأ المزيد
طفا اسم الكيبوتس بقوة على سطح الأحداث الجارية في إسرائيل عقب هجوم حركة حماس غير المسبوق على الكيان العبري، مخلفا نحو 1300 قتيل، بينما أدت غارات إسرائيل على غزة حتى الآن إلى مقتل أكثر من 1400 فلسطيني.
والكيبوتس فكرة يسارية في الأصل، كانت تثير إعجاب وفضول أعداد من الشباب الأوروبي غير اليهود خلال فترة السبعينيات، حيث كانوا يزورن البلاد للتعرف أكثر على أسلوب الحياة بها.
وهي كلمة تعني بالعبرية تجمع. وينظر إليها مراقبون بأنها كانت وسيلة فعالة للحركة الصهيونية في جلب الآلاف من اليهود منذ 1909، خاصة من أوروبا الشرقية، إلى المنطقة التي كانت تخضع للحكم العثماني، في إطار سياسة استيطانية استعين بها قبل الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في 1948.
ويوجد 250 كيبوتس في إسرائيل لكن عدد قاطنيهم تنازل مقارنة مع السنوات السابقة. ويسكنها اليوم، حسب أرقام نشرها موقع فرانس أنفو الفرنسي، 125 ألف شخص ما يشكل 2 بالمئة من مجموع سكان إسرائيل.
توزيع المداخيليعتمد المقيمون في الكيبوتس على العمل المشترك في الإنتاج وتوزيع المداخيل بشكل يراعي عدد أفراد الأسرة، وليس الفئة المهنية التي ينتمي إليها الشخص. فليس هناك فرق بين المهندس والفلاح في الراتب، فالكل سواسية في الأجور التي لا تختلف قيمتها إلا بناء على المسؤولية الأسرية لكل فرد.
وفي تصريح لفرانس24، تشرح ساندرين المسؤولة بكيبوتس معجان ميخائيل المحاذي لقرية جسر الزرقاء العربية أن هذا التجمع السكاني مثلا "مقسم إلى مناطق، كل منها مختص في نشاط معين"، ما يغني قاطنيه عموما عن الخروج منه لقضاء حاجة من حاجيات الحياة الضرورية.
ويتكفل الكيبوتس برعاية أطفال المقيمين فيه وكذا المسنين. كما يقدم خدمات مجانية لهم كغسل الملابس وكيها، ويقدم الطعام في مطاعم مشتركة. ومع مرور السنوات تطورت هذه الخدمات بشكل تغبط الأجيال القديمة نظيرتها الجديدة عليه.
هايا متقاعدة وإحدى سكان كيبوتس معجان ميخائيل، تقول في تصريح سابق لفرانس24: "اليوم تبدو الأوضاع المعيشية جميلة ورائعة، البداية كانت صعبة ولم يكن هناك شيء يذكر، لم يكن لدينا مال وكنا ننام في الخيم والأكواخ الخشبية دون كهرباء ودون أي شيء من متطلبات الحياة"، تقول هايا التي وصلت إلى المخيم في 1949 وهي في 23 عاما.
"أفضل مكان في العالم"ومع نجاح الفكرة، تزايدت أعداد الكيبوتسات على الأراضي الفلسطينية التي كانت تحت الحكم العثماني قبل أن تنتقل للانتداب البريطاني في العشرينيات من القرن الماضي، وتوسع نشاطها الاقتصادي إلى قطاعات صناعية حيوية، لتصبح أحد أبرز دعامات الدولة العبرية عند قيامها عام 1948.
لكن في آواخر السبعينيات، وبعد فوز حزب يميني -الليكود- في الانتخابات عام 1977 لأول مرة، بدأت أهمية الكيبوتسات تتراجع. لكنها ظلت دائما أحد الأماكن التي يعتز المقيمون بها بالانتماء إليها. فهي "أفضل مكان في العالم" بالنسبة لساندرين، وهي أم لثلاثة أطفال، التي وصلت إلى كيبوتس معجان ميخائيل قبل نحو ثلاثين عاما.
"فرغم مرور عقود من الزمن على إنشاء هذه التجمعات إلا أنها حافظت على فكرتها الاشتراكية"، حسب تصريح للأمين العام للكيبوتس المذكور نير براخا، "وإن كان الناس يميلون أكثر إلى اتخاذ قرارات بأنفسهم وهكذا أصبح الكيبوتس رأسماليا شيئا فشيئا، لكن مقارنة مع بقية العالم نحن اشتراكيون جدا جدا. من الجيد أن يكون لديك المال عندما تكون اشتراكيا، لكن من الصعب أن تكون كذلك من دونه".
نحو الخصخصةلكن هذا الفهم الاشتراكي للعيش في الكيبوتس لم يعد بنفس القوة التي كان عليها قبل عقود لعدة أسباب، بينها أنه "تحول إلى مجتمع يعتمد على المساعدة. خارج الكيبوتس يتم الكفاح للحصول على لقمة العيش، بينما داخله تجدها جاهزة على الطاولة. لسنا بحاجة للعمل للحصول عليها. لم تعد للمجتمع إرادة في العطاء، ولن يتمكن الكيبوتس من الصمود طويلا. أرى قدوم تغيرات كبيرة خلال السنوات المقبلة"، تحذر ساندرين من المخاطر الاجتماعية التي تهدد هذه التجمعات السكنية الإسرائيلية.
وفي محاولة لتفادي هذه المخاطر، تتجه هذه المؤسسات نحو الخصخصة. ولم تعد كل الخدمات بها مجانية على غرار التطبيب، التعليم، والطعام. وهي نتيجة حتمية بالنسبة لبعض المراقبين بحكم تزايد عدد سكانها في وقت لم يعد بإمكان هذه المؤسسات تلبية حاجيات جميع قاطنيها، وهو الطريق الذي اختاره كيبوتس معجان ميخائيل على غرار نظيره دغانيا أول تجمع سكني يهودي أنشئ في المنطقة.
ورغم ما قد يشوب هذه المؤسسات من عيوب إلا أنها أغرت المتدينين اليهود أيضا للمضي في مشاريع مماثلة، علما أنها كانت في الأصل فكرة علمانية جاء بها اليسار الإسرائيلي. ويتجاوز عدد الكيبوتسات الدينية اليوم العشرين. وهي محصنة بسياج وتتوفر على ملجأ خاص في حالة التعرض لعمليات قصف. وتوجد بها عادة، يفيد موقع فرانس أنفو، "أسلحة إلا أن ذلك لم يكن كافيا للحماية من هجوم حماس".
بوعلام غبشي
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: هجوم حماس على إسرائيل الحرب في أوكرانيا ريبورتاج حماس الحرب بين حماس وإسرائيل إسرائيل فلسطين غزة الغارات على غزة للمزيد
إقرأ أيضاً:
البيت الفلسطيني.. ماذا يحدث بين حماس وفتح؟
يُعد الوضع السياسي الفلسطيني في الوقت الراهن أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، إذ يواصل الانقسام بين حركتي "حماس" و"فتح" التفاقم، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي دخلت شهرها الثامن عشر. فقد أودت الحرب بحياة أكثر من 50 ألف فلسطيني، وأدت إلى إصابة أكثر من 113 ألف آخرين. وتستمر الحركتان في تبادل الاتهامات والتصريحات الحادة، مما يعمق الانقسام، ويؤثر على وحدة "البيت الفلسطيني".
تستمر الحركتان في تبادل الاتهامات والتصريحات الحادة، مما يعمق الانقسام، ويؤثر على وحدة "البيت الفلسطيني".جذور وأسباب الانقسامالتوتر بين حركتي "حماس" و"فتح" ليس جديدًا، بل هو نتاج تاريخ طويل من الاختلافات السياسية والإيديولوجية. وقد أرجع منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي لحركة فتح، السبب الأساسي للانقسام إلى "فكر حركة حماس الذي نشأ بهدف مناكفة منظمة التحرير الفلسطينية"، مؤكدًا أن هذا الفكر "مبني على الاختلاف في البرامج". وأشار الجاغوب إلى أن حماس قد رفضت السلام مع إسرائيل منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، بينما سعت باقي الفصائل الفلسطينية إلى السلام.
من ناحية أخرى، ترى حماس أن حركة فتح "تستمر في تجاهل تطلعات الشعب الفلسطيني"، معتبرة أن الضغط الخارجي، وخاصة من الولايات المتحدة، هو من يقف وراء عرقلة أي اتفاق بين الحركتين.
هل نحن أقرب إلى الوحدة أم إلى الخلاف؟ووفقًا للجاغوب، فإن الفجوة بين حماس وفتح تتسع، مشيرًا إلى أن العالم بأسره يدعو لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، لكن حماس وإسرائيل ترفضان هذا الحل، مما يعمق الهوة بين الطرفين. ويؤكد الجاغوب أن هجوم السابع من أكتوبر 2023 قد دمر الوضع الفلسطيني، ونقل المواجهة إلى الضفة الغربية.
من جانبها، أكدت حماس أنها تسعى لترتيب البيت الفلسطيني، مشيرة إلى ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل جميع الفصائل، وهو ما يقابل بتشكيك من قبل رئيس منتدى العلاقات الدولية شرحبيل الغريب، الذي يرى أن الوحدة الفلسطينية غير واردة في الوقت الحالي.
كيف تؤثر الوحدة الفلسطينية على الصراع مع إسرائيل؟يرى شرحبيل الغريب أن وجود استراتيجية فلسطينية موحدة كان من شأنه أن يغير المعادلة السياسية والحقوقية، ويمنح الموقف الفلسطيني قوة أكبر في مواجهة إسرائيل. وفي هذه المرحلة الحرجة، يصبح من المهم جدًا أن يتوحد الفلسطينيون في مواجهة محاولات تصفية قضيتهم.
نشأة الحركتين: حماس وفتحتأسست حركة فتح في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وركزت على النضال المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، بينما ظهرت حركة حماس في عام 1987 بالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وعلى الرغم من أن حماس لم تكن منضوية في منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنها كانت تسعى دائمًا إلى تمثيل الفلسطينيين، معلنةً أن مرجعيتها في العمل السياسي هي الإسلام.
الاختلافات الإيديولوجيةبينما تعتمد حركة حماس على فكر المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، تعتبر حركة فتح أن الحل السياسي هو السبيل لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ففي الوقت الذي تقر حركة فتح بمشروع السلام مع إسرائيل، ترفض حماس التنازل عن "فلسطين التاريخية"، متمسكة بحقها في المقاومة بكل أشكالها.
التنافس على تمثيل الشعب الفلسطينيمنذ تأسيسها، حملت حركة فتح شعار "التحرير الوطني"، في حين اعتمدت حماس على المقاومة المسلحة، مما أدى إلى توتر كبير بين الحركتين. في عام 1993، بعد توقيع اتفاق أوسلو، بدأت الخلافات تتسارع، حيث رفضت حماس الاتفاق واعتبرت أنه يقدم تنازلات غير مقبولة. ومع تصاعد التوتر بين الطرفين، شهدت غزة اشتباكات بين أنصار الحركتين في عام 1994.
وفي عام 2006، فازت حماس بالأغلبية في الانتخابات التشريعية، مما دفع فتح إلى رفض الانضمام للحكومة الجديدة، وهو ما أدى إلى تصاعد العنف بين الحركتين. وفي 2007، سيطرت حماس على غزة، بينما استمرت فتح في السيطرة على الضفة الغربية، مما أدى إلى حدوث انقسام سياسي عميق.
محاولات المصالحةحاولت العديد من الأطراف العربية والدولية التوسط بين الحركتين لإنهاء الانقسام، لكن محاولات المصالحة باءت بالفشل. ففي عام 2011، وقع اتفاق في القاهرة بين الحركتين لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق. وفي عام 2014، تم تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة رامي الحمد الله، لكن الاتفاقات كانت عرضة للفشل بسبب الاتهامات المتبادلة.
في عام 2017، تم توقيع اتفاق آخر بين الحركتين، ولكنه انهار مجددًا بسبب توترات أمنية بين السلطة الفلسطينية وحماس في قطاع غزة. كما استمرت الاتهامات المتبادلة بشأن الانتهاكات الأمنية والتنسيق مع إسرائيل.
الواقع الحالي والتحدياتفي الوقت الراهن، يبقى التوتر بين حماس وفتح على أشده، خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، حيث اتهمت حركة فتح حماس بمسؤوليتها عن تفاقم الوضع، فيما ردت حماس بتوجيه اللوم إلى السلطة الفلسطينية على مواقفها.
وفي يوليو 2024، تم الإعلان عن وثيقة جديدة تهدف إلى تحقيق وحدة وطنية شاملة، والمعروفة باتفاق "بكين"، لكن جددت المواجهات بين الطرفين، بما في ذلك العمليات الأمنية في مخيم جنين، التي كانت لها تأثيرات كبيرة على محاولات المصالحة.
الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس ما يزال يُعيق تحقيق الوحدة الوطنية، وهو أمر يعقد من قدرة الفلسطينيين على مواجهة التحديات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي. في الوقت نفسه، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية التوصل إلى حلول فعلية لهذه القضية التي تستمر في التسبب في معاناة كبيرة للشعب الفلسطيني.