حيروت – متابعات

لم يكن محمد الزواري شخصاً عادياً في كتائب القسام؛ ففي بيانٍ حول “طوفان الأقصى”، كشفت كتائب القسام -الجناح العسكري لـ”حماس”- عن دور الطائرات المسيّرة، في العملية التي استهدفت عمق الاحتلال الإسرائيلي بالصواريخ وعمليات التسلل.

 

وذكرت الكتائب أن “سلاح الجو شارك في اللحظات الأولى لمعركة طوفان الأقصى بالانقضاض على مواقع العدو وأهدافه، بـ35 مسيّرة انتحارية من طراز الزواري، في جميع محاور القتال”.

 

وهذه ليست المرة الأولى التي تختار فيها “حماس” اسم محمد الزواري لإطلاقه على أسلحتها الجديدة. ففي مايو/أيار عام 2021، أعلنت الحركة عن غواصةٍ ذاتية القيادة وطائرة مسيّرة تحملان اسم الزواري.

 

فمن هو محمد الزواري، ما علاقته بـ”حماس”، وما هي مواصفات الطائرات المسيّرة التي أُطلق اسمه عليها؟ هذا ما سنتعرّف إليه في هذا التقرير.

 

من هو محمد الزواري؟

 

وُلد محمد الزواري في مدينة صفاقس التونسية أواخر شهر يناير/كانون الثاني 1967، في عائلةٍ ملتزمة دينياً. انضمّ في شبابه إلى حركة النهضة، التي كانت معروفة باسم “الجماعة الإسلامية”، وتتبع فكر الإخوان المسلمين.

 

درس الهندسة الميكانيكية في المدرسة الوطنية للمهندسين، لكنه لم يستطع التخرج رسمياً حتى العام 2013. فقد تم تجميد نشاطه واعتقاله مرات عدة، بسبب نشاطه الطلابي في قيادة الاتحاد العام التونسي للطلبة بمدينة صفاقس.

 

حدث ذلك خلال فترة حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، إلى أن قرر الخروج من تونس، فعاش سنواتٍ طويلة متنقلاً بين دولٍ عربية مختلفة.

 

ففي العام 1991 فرّ إلى ليبيا، حيث عاش 6 أشهر، قبل أن ينتقل إلى سوريا ويُمضي فيها الفترة نفسها تقريباً. لجأ بعد ذلك إلى السودان التي منحته جنسيتها وأقام فيها 6 سنوات، حتى انتقل إلى السعودية، ثم عاد إلى سوريا حيث استقرّ وعمل وتزوّج من سيدة سورية.

 

مسيرات الزواري مهدت لدخول القسام إلى مستوطنات غلاف غزة

 

عاد محمد الزواري إلى تونس بعد سقوط نظام بن علي إثر الثورة التونسية عام 2011، فأكمل دراسته وتخرج من المدرسة الوطنية للمهندسين في صفاقس عام 2013، من خلال مشروع تخرّجٍ عن اختراع طائرة من دون طيار.

 

بعدها، عمل أستاذاً جامعياً في المدرسة الوطنية للمهندسين التي تخرّج منها، وأسّس أول جمعية للطيران في صفاقس مع بعض الطيارين المتقاعدين، وقد أطلق عليها اسم “نادي طيران الجنوب”.

 

انضمّ محمد الزواري سراً إلى كتائب عز الدين القسام عام 2006، وانتظم في صفوف الوحدة الخاصة للطائرات المسيّرة، قبل أن يرأسها ويُحدث نقلةً نوعيةً فيها ويضطلع بدورٍ بارز في تطويرها.

 

ووفقاً لموقع BBC، فقد بدأ الزواري العمل على مشروع صناعة طائرة من دون طيار، بالتعاون مع ضابط كبير في الجيش العراقي، وقد أطلقا على الطائرة اسم “إس إم”، نسبةً إلى الرئيس العراقي السابق صدام حسين واسم الضابط العراقي نفسه.

 

بحلول العام 2008، وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة، كان قد أنجز 30 طائرة من دون طيار بالتعاون مع فريقٍ متخصص من كتائب القسام.

 

بين عامَي 2012 و2013، أمضى محمد الزواري 9 أشهر في قطاع غزة، حيث أشرف على إطلاق طائرة “أبابيل 1” التي استخدمتها الكتائب وأحدثت فارقاً مهماً في عملية “العصف المأكول” عام 2014.

 

ركز بعد ذلك على صناعة نماذج غواصات ذاتية القيادة، التي شكلت موضوع أطروحة الدكتوراه التي كان يعدّها، لكن اغتياله حال دون مناقشتها. ففي 15 ديسمبر/كانون الأول 2016، أُطلقت على سيارته 20 رصاصة، وقتلته على الفور (في صفاقس‎، التونسية).

 

إثر إعلان اغتياله، وفي بيان نعي أصدرته في 17 ديسمبر/كانون الأول 2016، أكدت كتائب القسام أن الزواري التحق بصفوفها وعمل فيها قبل 10 سنوات، وأنه كان “أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية”، مؤكدةً أن دماءه لن تذهب سدى، ومتهمة في الوقت نفسه الموساد بالوقوف وراء اغتياله.

 

عرض برنامج “ما خفي أعظم” عبر قناة الجزيرة تسجيلاً مصوّراً لـ”أبو محمد”، من الوحدة الخاصة للطائرات المسيّرة، قال خلاله إن التحاق الزواري بكتائب القسام كان مكسباً كبيراً.

 

وقال: “حين التحق محمد بكتائب القسام، كان فريق العمل يُجري تجاربه الأولى على نماذج بدائية صغيرة للطائرات بدون طيار، لكن التحاق محمد بهذه الوحدة الخاصة شكّل دفعةً كبيرة ونقلةً نوعية للمشروع”.

 

ما هي مسيرات الزواري؟

 

تُعتبر مسيرات الزواري أحدث جيل من الطائرات المسيرة لكتائب القسام، وقد أُطلقت للمرة الأولى عام 2014 في معركة “العصف المأكول”، رداً على عدوان “الجرف الصامد” الذي كانت بدأته قوات الاحتلال الإسرائيلي.

 

بعدها بعام، أطلقت “حماس” سرباً من طائرات الزواري الاستطلاعية في سماء غزة، خلال احتفالها بالذكرى السنوية الـ28 لتأسيسها. وقبل مهماتها القتالية، أطلقتها حماس فوق مبنى وزارة دفاع الاحتلال الإسرائيلي، لاستطلاع أهداف ومواقع محتملة.

 

كان لهذه الطائرات ظهور قتالي آخر في العام 2021، خلال عملية “سيف القدس” التي أطلقتها كتائب القسام، رداً على عدوان “حارس الأسوار” الإسرائيلي.

 

تتميز مسيرات الزواري بأنها تحمل على ظهرها صواريخ قتالية صغيرة، قادرة على إصابة أهدافٍ محدّدة عن بُعد، وبدقة كبيرة. كما أن خفة وزنها تجعلها ممتازة لأي عمليات مناورة، نظراً إلى سهولة نشرها والتحرك بها.

 

ويُمكن القول إن مسيرات الزواري تلبّي حاجة المقاومة الفلسطينية لأنها لا تحتاج إلى مدرج، بل مقلاع بسيط يمكن إطلاقه من أي منطقة قريبة من قوات الاحتلال. كذلك، فإن بصمتها الحرارية القليلة تساعدها في الاقتراب من هدفها دون اكتشافها.

 

وهذا ما حصل في معركة طوفان الأقصى الأخيرة، التي انطلقت فجر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين شاركت مسيرات الزواري في التمهيد الناري لعبور عناصر القسّام إلى مستوطنات غلاف غزة.

المصدر: موقع حيروت الإخباري

إقرأ أيضاً:

الصوت الذي لا يموت.. كيف أصبح محمد رفعت أيقونة التلاوة القرآنية؟

مع حلول شهر رمضان المبارك، تتزين الأجواء بنفحات روحانية خاصة، وتصبح الأصوات التي تعود عليها المسلمون جزءاً لا يتجزأ من ذكريات الشهر الفضيل. وبين تلك الأصوات، يبقى صوت الشيخ محمد رفعت حاضراً في وجدان الملايين، فهو الصوت الذي ارتبط بقدوم رمضان لعقود طويلة، وما زالت تلاوته تملأ البيوت والمساجد، حتى بعد أكثر من سبعين عاماً على رحيله.

البدايات والنشأة

في حي المغربلين بالعاصمة المصرية القاهرة، وتحديداً عام 1882، وُلد الشيخ محمد رفعت، ذلك الصوت الذي شقّ طريقه إلى القلوب قبل الآذان، فأبهر المستمعين بتلاوته العذبة التي امتزجت بالخشوع والجمال. إذ لم يكن مجرد قارئ للقرآن، بل كان حالة روحانية فريدة، تجاوزت أصداء صوته الحدود واللغات، حتى أصبح صوته رمزاً خالداً في سماء التلاوة.

في صغره، وُصف بأنه طفل جميل ذو عيون جذابة، لكن قيل إن سوء الحظ طاله بعد أن أصيب بعين الحسد، مما أدى إلى إصابته بداء في عينيه. وبعد محاولات علاجية لم تُجدِ نفعاً، خضع لعملية جراحية فقد على إثرها بصره تماماً وهو في الخامسة من عمره.
وكما كانت العادة في ذلك الوقت، وجّه والده وجهته نحو حفظ القرآن الكريم، فألحقه بكُتَّاب مسجد مصطفى فاضل باشا في السيدة زينب، وأظهر محمد رفعت موهبة استثنائية في التلاوة، إذ حفظ القرآن كاملًا وهو في العاشرة من عمره، قبل أن يُبحر في علوم التجويد والتفسير والمقامات الصوتية، التي أصبحت فيما بعد علامة مميزة لتلاوته.
ولم يكن فقدانه للبصر هو المحنة الوحيدة في حياته، إذ فقد والده وهو في التاسعة من عمره، ليجد نفسه فجأة مسؤولًا عن إعالة أسرته المكونة من والدته، وخالته، وأشقائه. وبإرادة صلبة، بدأ في إحياء الليالي القرآنية في المآتم، ليكسب قوت يومه ويؤمّن احتياجات عائلته.

صوت من السماء

لم يكن صوت الشيخ رفعت مجرد تلاوة عادية، بل كان يتغلغل في النفوس ويأسر القلوب، حتى بدأ الناس يطلبونه في مختلف أنحاء القاهرة، وأصبح اسمه يتردد في الأقاليم. وعندما بلغ الخامسة عشرة، تم تعيينه قارئاً ليوم الجمعة في مسجد فاضل باشا، حيث ازداد الإقبال على سماعه، لدرجة أن المصلين كانوا يتزاحمون في المسجد لسماع تلاوته.
وكانت أول مكافأة حصل عليها في حياته 25 قرشاً، بعدما قرأ في إحدى المناسبات، وكان هذا المبلغ يمثل له الكثير آنذاك، لكن مع مرور السنوات، ازداد الطلب عليه من قِبل الأثرياء والمحبين، ورغم ذلك، كان زاهداً في المال؛ ففي إحدى المرات، عندما قرأ في منزل أحد الأثرياء، أخطأ المضيف وأعطاه مليماً بدلًا من الجنيه الذهبي، لكنه لم يهتم بذلك، وحين جاء الرجل ليعتذر منه، أجابه بكل رضا: "هذا رزق ربي، والحمد لله على ما رزقني".

ثقافة موسيقية واسعة

لم يكن الشيخ رفعت مجرد قارئ للقرآن، بل كان مثقفاً واسع الاطلاع، إذ درس علوم التجويد والتفسير، إلى جانب دراسته الموسيقى والمقامات الصوتية، حيث تأثر بموسيقى بيتهوفن، موتزارت، وفاجنر. وكان يمتلك مكتبة تضم أشهر السيمفونيات العالمية.
كما كان يعقد صالونات ثقافية يحضرها كبار المثقفين والفنانين، مثل أحمد رامي، كامل الشناوي، صالح عبد الحي، زكريا أحمد، ومحمد عبد الوهاب، وحتى الفنانة ليلى مراد قبل إسلامها.

المحطة الفاصلة في حياته

في عام 1934، حقق الشيخ محمد رفعت نقلة نوعية عندما أصبح أول صوت يُفتتح به بث الإذاعة المصرية، حيث اختير لتلاوة سورة الفتح في افتتاح البث الرسمي، فكان مطلعها: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا".
ورغم شهرته الكبيرة، كان الشيخ في البداية متردداً في تلاوة القرآن عبر الإذاعة، خوفاً من عرضها للأغاني والموسيقى التي قد يراها البعض غير لائقة، لكنه استفتى شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري، الذي طمأنه بأن ذلك لا يتعارض مع قدسية القرآن، مما دفعه إلى قبول العرض، ليصبح صوته مرافقاً للشهر الفضيل وأذان الفجر في الإذاعة المصرية، وهو الصوت الذي لا يزال يُسمع حتى اليوم في رمضان.

سنوات المرض والاعتزال القسري

بعد مسيرة عامرة بالإنجازات، أصيب الشيخ رفعت بعدة أمراض أضعفت صوته، لكنه كان يعود للقراءة بين الحين والآخر حتى اشتد عليه المرض. وفي السنوات الثماني الأخيرة من حياته، أصيب بورم في الأحبال الصوتية، مما منعه من تلاوة القرآن نهائياً.
ورغم ظروفه الصعبة، رفض الشيخ رفعت أي مساعدة مالية، حتى عندما جمع محبوه مبلغ 50 ألف جنيه لعلاجه، رفض قائلاً: "الدنيا عرض زائل.. وقارئ القرآن لا يُهان ولا يُدان.. أراد الله أن يمنعني، ولا راد لقضائه.. فالحمد لله".
وفي نفس يوم ميلاده، الموافق عام 1950، رحل الشيخ محمد رفعت عن عمر ناهز 68 عاماً، تاركاً خلفه إرثاً خالداً من التلاوات العذبة، التي لا تزال تسكن قلوب المستمعين حتى اليوم. 

وعندما نعته الإذاعة المصرية، خاطبت المستمعين قائلة: "أيها المسلمون، فقدنا اليوم علماً من أعلام الإسلام"، كما نعتته إذاعة دمشق بقولها: "لقد مات المقرئ الذي وهب صوته للإسلام"... وحتى الآن لا يزال صوته رمزاً خالداً للتلاوة القرآنية، ويظل اسمه مرتبطاً بشهر رمضان في وجدان المسلمين حول العالم.



مقالات مشابهة

  • ملياردير “مرشح ترامب” الذي سيدير غزة في اليوم التالي للحرب؟ .. من هو؟
  • من هو الملياردير “رجل ترامب” الذي سيدير غزة في اليوم التالي للحرب؟ (صور)
  • الصوت الذي لا يموت.. كيف أصبح محمد رفعت أيقونة التلاوة القرآنية؟
  • عمرو محمود ياسين: اسمي الحقيقي محمد.. وعندما اكتشفته أصابتني أزمة نفسية
  • محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
  • “مدرسة جميلة” ومربيٍ فاضل هو (ابن) سرحتها الذي غنى بها
  • قبل اكتمال الصيانة.. مسيرات الدعم السريع تستهدف سد ستيت
  • من هو مقداد فتيحة الذي ارتبط اسمه في إشعال الساحل السوري؟!
  • الثورة الفلسطينية الكبرى.. يوم قام القسام ضد الإنجليز والمنظمات الصهيونية
  • ما تفاصيل “الاجتماع المتفجر” الذي شهد صداما بين مسؤولي ترامب وماسك؟