ستراتفور: هكذا ستؤثر حرب غزة على السياسة المصرية
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
"وسط تصاعد العنف بالقرب من الحدود بين مصر وغزة، من المرجح أن تواجه مصر ردة فعل داخلية عنيفة بسبب علاقاتها مع إسرائيل، وتواجه احتمال حدوث ردة فعل عنيفة إضافية في حالة تدفق اللاجئين الفلسطينيين إليها".
هكذا قدم مركز "ستراتفور" تقدير موقف لتطورات الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة، مشيرا إلى أن القاهرة مترددة في الظهور بمظهر مؤيد لإسرائيل أكثر من اللازم خوفًا من فقدان الشرعية مع شعبها والعالم العربي الأوسع، وذلك رغم علاقاتها الدبلوماسية طويلة الأمد مع إسرائيل، وفقا لما ترجمه "الخليج الجديد".
وذكر المركز أن جهود مصر لمعالجة هذه القضية ستصبح أكثر صعوبة قبل الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول، والتي سيسعى فيها الرئيس، عبدالفتاح السيسي، إلى فترة ولاية أخرى، ولذا أصدرت القاهرة بيانا محايدا، في أعقاب هجمات حماس التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول، يشجع على وقف التصعيد بالمنطقة.
لكن اعتبارًا من 11 أكتوبر/تشرين الأول، بدا التوغل البري الإسرائيلي في قطاع غزة وشيكًا بشكل متزايد، ما يهدد بإطلاق العنان لأزمة لاجئين كبيرة على الأراضي المصرية بعد أن أعلنت السلطات الإسرائيلية في 9 أكتوبر/تشرين الأول عن "حصار كامل" على غزة.
ومعبر رفح الحدودي، وهو المدخل البري الرسمي الوحيد لغزة إلى مصر، مغلق حاليًا، لكن مصر تواجه ضغوطًا لتأمين الحدود لمنع انتشار العنف وأزمة إنسانية محتملة إذا حاولت نسبة كبيرة من مواطني غزة الذين يقدر عددهم بنحو 2.3 مليون نسمة الفرار إلى مصر.
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول، ضربت الغارات الجوية الإسرائيلية معبر رفح الحدودي؛ وتم الإبلاغ عن أضرار طفيفة في البنية التحتية، ولكن لم تقع إصابات. وتم الإبلاغ عن 3 غارات جوية على الأقل بالقرب من المعبر الحدودي في الفترة من 9 إلى 10 أكتوبر/تشرين الأول.
وحذرت إسرائيل مصر من تعرض مبعوثي المساعدات الإنسانية لغاراتها بعد أن فرضت الحصار على غزة، فيما تسببت الضربات التي وقعت في 10 أكتوبر/تشرين الأول بالقرب من المعبر الحدودي في عودة مبعوث إنساني مصري.
وبالنسبة لمصر، فإن التأثير الرئيسي للتوغل الإسرائيلي في غزة سيتمثل في التدفق المحتمل للاجئين الفلسطينيين إلى الخارج، نظراً لأن معبر رفح إذا فتح، فإنه سيكون المهرب الرسمي والعملي الوحيد من القتال في غزة.
وبينما تريد القاهرة أن تبدو متعاطفة مع الفلسطينيين، فهي أيضًا غير مستعدة للتعامل مع عدد كبير من اللاجئين، الذين قد يصبح الكثير منهم مقيمين دائمين سواء باختيارهم أو في حالة رفض إسرائيل السماح لهم بالعودة إلى الأراضي الفلسطينية.
ويعاني الاقتصاد المصري بالفعل في ظل انخفاض التصنيف الائتماني، وارتفاع التضخم، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات البطالة، ونقص العملات الأجنبية، وليس هناك ما يضمن أن الجهات المانحة الدولية ستوفر التمويل الكافي لتغطية تكاليف استضافة عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين.
وفي السياق، علق المقدم الإسرائيلي، ريتشارد هيشت، في 10 أكتوبر/تشرين الأول، بأن معبر رفح الحدودي قد يكون طريقًا للاجئين لمغادرة غزة، وهو ما يُنظر إليه على أنه موافقة على دخول شبه جزيرة سيناء.
ومن بين المسؤولين الإسرائيليين الآخرين، أوضحت السفيرة الإسرائيلية لدى مصر، أميرة أورون، في 10 أكتوبر/تشرين الأول أن إسرائيل لم تطلب من الفلسطينيين الانتقال إلى سيناء.
وقال العديد من أعضاء البرلمان المصري إن الدعوات الخارجية للإخلاء عبر معبر رفح تنتهك السيادة المصرية.
وتتوقع القاهرة أن ينتهي الأمر بأي لاجئ فلسطيني يعبر الحدود إلى شبه جزيرة سيناء مثل اللاجئين الفلسطينيين الذين تواجدوا منذ فترة طويلة في الأردن ولبنان. ولتجنب هذه النتيجة، طلبت القاهرة من إسرائيل فتح ممرات إنسانية أخرى للاجئين لا تؤدي إلى مصر.
لكن تقدير "ستراتفور" يشير إلى ضرورة حرص مصر على تجنب إثارة غضب إسرائيل أكثر من اللازم نظرا لأنها تتلقى إمدادات مهمة من الغاز الطبيعي من الدولة العبرية، وقد زادت أحجام هذه الإمدادات في أغسطس/آب 2023 قبل أن تغلق إسرائيل حقل غاز تمار الذي يزود واردات مصر من الغاز بعد بدء الصراع في غزة. وحتى لو أعيد فتح الحقل، يمكن لإسرائيل تحويل الغاز الطبيعي لاستخدامات أخرى.
وقد تكون فوائد أخرى للعلاقات الطيبة مع إسرائيل معرضة للخطر أيضا، مثل التوسع الأخير في التجارة الثنائية المصرية الإسرائيلية، والتي تهدف وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية إلى وصولها إلى 700 مليون دولار بحلول عام 2025.
كما تتعاون مصر وإسرائيل بشكل وثيق في مجال الأمن، وخاصة فيما يتعلق بتهديدات "المتطرفين الإسلاميين" بحسب تعبير "ستراتفور"، مشيرا إلى أن القاهرة ستشعر بالإحباط تجاه إسرائيل بسبب الآثار غير المباشرة للصراع في غزة، وستسمح ببعض مظاهر المعارضة ضد إسرائيل قبل الانتخابات الرئاسية المصرية في ديسمبر/كانون الأول القادم.
لكن في حين أن العديد من المصريين دعموا في السابق القضية الفلسطينية واحتجوا على العلاقات مع إسرائيل، فقد تجد القاهرة نفسها في مواجهة رد فعل عنيف إذا نظر إليها على أنها تقدم الكثير من مواردها العامة الضئيلة لدعم اللاجئين الفلسطينيين في سيناء.
وفي ظل وجود مسلحين من تنظيم الدولة في شبه جزيرة سيناء، والذي كافحت مصر للقضاء عليه، يمكن للمتطرفين استهداف الجهود العسكرية والإنسانية المصرية المتجمعة بالقرب من حدود غزة أو المصالح الأجنبية، بحسب "ستراتفور".
وأشار مسؤول مصري معني بالشأن الفلسطيني إلى أن مصر "تخشى أيضا حدوث كارثة إنسانية لا نعرف كيفية التعامل معها".
ومن شأن تكلفة استيعاب عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين أن تسبب ضغوطاً إضافية على موارد مصر المحدودة واقتصادها المتعثر؛ وقد تصبح هذه التكاليف دائمة إذا لم تسمح إسرائيل للاجئين بالعودة إلى القطاع.
ويرجح "ستراتفور" أن تسمح القاهرة ببعض "العروض العامة للمشاعر المعادية لإسرائيل"، بما في ذلك مستوى معين من الاحتجاجات، لكنها ستعمل على الحد من نطاق هذه الأنشطة لمنعها من النمو إلى حركة أكبر مناهضة للحكومة قبل الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول.
وقد تحتاج إدارة السيسي أيضًا إلى إظهار إعطاء الأولوية لمصالح المواطنين المصريين على مصالح اللاجئين الفلسطينيين قبل الانتخابات الرئاسية.
المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر إسرائيل فلسطين طوفان الأقصى السيسي غزة قبل الانتخابات الرئاسیة اللاجئین الفلسطینیین للاجئین الفلسطینیین مع إسرائیل بالقرب من معبر رفح فی غزة
إقرأ أيضاً:
القاعدة الأولى في السياسة: لا تعبث مع غزة
السياسة كما التاريخ، تصوغ دروسها على صخور التجارب القاسية، فعندما قدم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق هارولد ماكميلان نصيحته الشهيرة لخليفته قائلا: "ما لم تغزو أفغانستان، فأنت بخير حال"؛ كان يلخص درسا مريرا تعلمته الإمبراطورية البريطانية من محاولاتها المتكررة لإخضاع أفغانستان: هناك أماكن لا تُهزم مهما بلغت قوة الغزاة، وشعوب لا تنكسر رغم قسوة الاحتلال، لاحقا أصبحت هذه العبارة تُختصر إلى القاعدة الشهيرة: "لا تغزو أفغانستان"، قاعدة أولى في السياسة البريطانية. واليوم فإن دروس غزة التي فرضتها بدماء أبنائها وصمود شعبها وعبقرية مقاومتها، تفرض قاعدة مشابهة في السياسة الإسرائيلية: لا تعبث مع غزة، فهذه البقعة الصغيرة المحاصرة منذ عقود أثبتت أنها أكبر من أن تُكسر، وأعند من أن تُروض، أثبتت أنها ليست قطعة صغيرة من الجغرافيا بل مقبرة للخطط والأحلام الإسرائيلية، إنها ليست مجرد مدينة بل فكرة، والفكرة لا تموت.
الكابوس الذي يتوارثه القادة
منذ أن أُقيمت دولة الاحتلال الإسرائيلي ظلت غزة الكابوس الذي يقف على أبوابها بلا حل، كل جيل من القادة الإسرائيليين حمل معه وعودا بالسيطرة عليها وإنهاء مقاومتها، لكنهم جميعا خرجوا من صراعهم معها بخسائر أشد من سابقيهم، غزة الشريط الصغير المحاصر، تحولت إلى امتحان قاسٍ لكل من حكم إسرائيل، وكأنها لعنة تورثها الأجيال من بن غوريون إلى نتنياهو. فإسحاق رابين الذي قاد الجيش الإسرائيلي في مراحل حساسة من تاريخ الاحتلال لم يجد أمامه سوى أن يتمنى غرق غزة في البحر، واصفا إياها بأنها عبء لا يمكن احتماله. وحتى أرئيل شارون، أقسى القادة الإسرائيليين وأكثرهم دموية والذي خاض كل حروب إسرائيل الكبرى، وقف عاجزا أمام غزة بعد أن أنهكته الانتفاضات المتلاحقة والمقاومة المسلحة، وقرر الانسحاب من القطاع عام 2005 متخليا عن كل أوهام السيطرة والتوسع. منذ أن أُقيمت دولة الاحتلال الإسرائيلي ظلت غزة الكابوس الذي يقف على أبوابها بلا حل، كل جيل من القادة الإسرائيليين حمل معه وعودا بالسيطرة عليها وإنهاء مقاومتها، لكنهم جميعا خرجوا من صراعهم معها بخسائر أشد من سابقيهملم يكن انسحابه رغبة في السلام، بل لأنه أدرك أن السيطرة على غزة تعني استنزافا دائما للموارد والجنود، شارون الذي كانت قبضته الحديدية تضرب في كل مكان اختار أن يختبئ من غزة خلف أسوار فاصلة، وكأنما يريد الهروب من مواجهة يعلم أنها لن تنتهي بانتصار، لكن الأسوار والجدران لم تحمِ إسرائيل من غزة، بل جعلتها تعيش في قلق دائم.
نتنياهو ومواجهة الكابوس ذاته
جاء بنيامين نتنياهو، أطول رؤساء الوزراء حكما في تاريخ إسرائيل، ليواجه الكابوس ذاته، حاول أن يطوق غزة بالحصار، أن يقتل روحها بسياسات التجويع والضغط، وأن ينهيها سياسيا عبر "صفقة القرن"، لكنه اصطدم بحقيقة أن غزة ليست مجرد أرض، بل هي فكرة، فكرة أن الشعوب الحرة لا تُهزم. وفي السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 استيقظ على حدث سيغير مسار تاريخه: عملية "طوفان الأقصى"، كانت المقاومة في غزة تعد لهذه اللحظة كضربة قاصمة، ليس فقط للجيش الإسرائيلي، بل لنظام بأكمله اعتقد أنه يمتلك التفوق المطلق. بدأ الهجوم بإطلاق أكثر من 5000 صاروخ في ساعات قليلة، ما أدى إلى شلل كامل في مستوطنات غلاف غزة، تلته عمليات برية وبحرية وجوية نفذتها المقاومة بجرأة غير مسبوقة.
في ذلك اليوم أظهرت غزة للعالم مرة أخرى كيف يمكن لمعجزة عسكرية أن تحدث، فمقاوموها بأسلحة متواضعة اخترقوا تحصينات الاحتلال ومعدات التجسس والاستشعار الأكثر تقدما في العالم، والهجوم الذي استهدف عمق المستوطنات الإسرائيلية أدى إلى مقتل نحو 1200 مستوطن وجندي، وجرح الآلاف، وأسر نحو 240 إسرائيليا. أما الاقتصاد الإسرائيلي فقد تلقى ضربة قاسية مع خسائر بمليارات الدولارات نتيجة توقف الأنشطة التجارية وهروب المستثمرين.
كان "طوفان الأقصى" الضربة التي حطمت كل أوهام نتنياهو، فطيلة سنوات حكمه حاول التخلص من غزة عبر الحصار والتجويع وصفقة القرن، لكنه وجد نفسه أمام مقاومة استطاعت أن تدير المعركة بكفاءة عسكرية وعبقرية تخطيطية قلبت موازين القوة، ثم لم تنجح حرب الإبادة التي شنها نتنياهو على القطاع في تحقيق أي من أهدافه، سواء القضاء على المقاومة وإنهاء حكم حماس، أو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، أو استرداد الأسرى بالقوة العسكرية، أو استعادة الردع العسكري، أو تعزيز مكانته السياسية المترنحة، بل خرج من المعركة كمجرم حرب تطارده المحاكم الدولية، وصور المجازر الإسرائيلية التي استهدفت المدنيين ودمرت المستشفيات والمدارس والمساجد جعلت العالم الذي كان يصفق لإسرائيل بوصفها "واحة الديمقراطية"؛ ربما يجلس بنيامين نتنياهو الآن وحيدا في مكتبه، محاطا بأعباء الفشل الذي ألقى بظلاله على مسيرته السياسية، هو القائد الذي حاول كسر غزة بكل ما أوتي من قوة، لكنه خرج من الصراع وهو مطارد بلعنات الضحايا وملاحقات العدالة الدوليةيرى إسرائيل بوجهها الحقيقي: دولة احتلال تتعمد ارتكاب الإبادة الجماعية، ونتنياهو الذي وقف في الكونغرس الأمريكي قائلا إن الحرب مع غزة هي صراع بين الحضارة والبربرية، أصبح اليوم رمزا للبربرية وعدم التحضر، في المقابل خرجت المقاومة أكثر قوة، وأصبح قائدها يحيى السنوار كجيفارا، رمزا عالميا للنضال وأيقونة للصمود، يتغنى به الأحرار في كل مكان.
مذكرات نتنياهو
ربما يجلس بنيامين نتنياهو الآن وحيدا في مكتبه، محاطا بأعباء الفشل الذي ألقى بظلاله على مسيرته السياسية، هو القائد الذي حاول كسر غزة بكل ما أوتي من قوة، لكنه خرج من الصراع وهو مطارد بلعنات الضحايا وملاحقات العدالة الدولية. وفي لحظة تأمل عميق قد يعود نتنياهو بذاكرته إلى القصة التي ذكرها في كتابه "مكان تحت الشمس" عن العجوز الفلسطيني من مخيم جباليا الذي سأله نتنياهو: "من أين أنت؟" فأجاب العجوز: "من المجدل"، استفسر نتنياهو مجددا: "هل تعتقد أنك ستعود إليها؟" فرد العجوز بثقة هادئة: "إن شاء الله يحل السلام ونعود إلى المجدل"، حينها رد نتنياهو بنبرة استعلائية قائلا: "إن شاء الله يحل السلام، ونحن نزور جباليا وأنتم تزورون المجدل"، لكن رد العجوز جاء حاسما: "نحن نعود إلى المجدل، وأنتم تعودون إلى بولندا".. ربما الآن وهو يسترجع هذا الحوار يدرك أن كلمات العجوز لم تكن مجرد أمنيات أو أحلام، بل كانت تعبيرا عن ثقة الفلسطينيين بحتمية العودة وعدالة قضيتهم وصلابة نفوسهم، الآن وهو يكتب خاتمة مسيرته السياسية ربما يضيف هذه القصة إلى دفتره كجزء من إرثه، لكنها هذه المرة تأتي مصحوبة بحكمة استخلصها من نار الفشل، كاتبا لمن يليه: "القاعدة الأولى في السياسة: لا تعبث مع غزة".