نقاد وأدباء لـ 24: ليست كل رواية قابلة لأن تكون عملاً درامياً
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
أكد عدد من الأدباء والنقاد أن الدراما تقدم فرصة للكتاب والأدباء للوصول إلى جمهور أوسع من خلال وسائل الإعلام المرئية، ما يعزز الوعي الثقافي ويثري تفاعل المشاهدين مع الأدب، وأضافوا في تقرير خاص لـ24 "أن ليست كل رواية قابلة لأن تكون فيلماً سينمائياً أو مسلسلاً تلفزيونياً، فالموضوع يلعب دوراً وطبيعة الكاتب وأسلوبه يلعب دوراً، وبيئة العمل الزمانية والمكانية، تلعب دوراً أيضاً".
نجيب محفوظ رفض تماماً كتابة سيناريو لأي عمل من أعماله الروائية
يقول الأديب والناقد الدكتور شعبان بدير: "علاقة الدراما بالأدب علاقة قديمة، سواء كان على المستوى السينمائي أو التلفزيوني، فكم من أعمال روائية نجحت الدراما في تجسيدها وتقديمها إلى المشاهد بطريقة مشوقة جذبت الجمهور العربي، وجعلته يبحث عنها في أصولها الورقية لقراءتها والاستمتاع بها مثلما استمتعوا بمشاهدتها، وأبرز هذه الأعمال روايات الكاتب نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الأداب، وكذلك الأديب الروائي محمد عبدالحليم عبدالله الذي تحولت معظم رواياته إلى أفلام ومسلسلات، لما تميزت به من ثراء فى الأحداث والشخصيات والبيئة المحيطة بها، مثل "شجرة اللبلاب – لقيطة - للزمن بقية – غصن الزيتون".
جمهور أوسعويتابع بدير: "الدراما تقدم فرصة للكتاب والأدباء للوصول إلى جمهور أوسع من خلال وسائل الإعلام المرئية، ما يعزز الوعي الثقافي، ويثري تفاعل المشاهدين مع الأدب، وليس أدل على ذلك من مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" الذي قدم في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وأخذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب الروائي إحسان عبد القدوس، فعلى الرغم من الأحداث المضافة إلى المسلسل التي لم توجد في الرواية، إلا أن العمل نجح نجاحاً كبيراً... وما يزال يعلق في ذهن المشاهد العربي، ما وجه المشاهدين لقراءة الرواية والمقارنة بين الأحداث".
يضيف الأديب والناقد "كما قدمت الدراما منصة لمناقشة القضايا المعقدة التي تتناولها الأعمال الأدبية، ولفتت نظر النقاد والمثقفين لإعادة تحليلها ودراستها ومقارنتها بين النص المكتوب والأعمال المرئية على الشاشتين الكبيرة والصغيرة، وإعادة تفسير أحداثها بصورة مبتكرة، وهذه المنصات النقدية يمكن أن تكون مصدر إلهام للكتّاب والمبدعين الجدد، وفي المقابل أثرت الأعمال الروائية السينما والدراما التلفزيونية، بفضل نجاح بعض هذه الأعمال، ما ساهم في تحسين صناعة السينما والتلفزيون العربي وأصبحا أكثر تطوراً واحترافاً، ما عزز من إمكانية إنتاج المزيد من الأعمال الدرامية عالية الجودة، ونذكر هنا رواية "الفيل الأزرق" للكاتب أحمد مراد التي تحولت إلى فيلم بنفس الاسم، ولاقى رواجاً كبيراً، فنجاح الدراما في تجسيد الأعمال الروائية يعتمد في الأساس على اختيار الرواية المناسبة ذات القصة القوية والموضوع الملهم والشخصيات المثيرة للتحويل إلى مسلسل أو فيلم، وبالتالي فريق العمل المحترف المبدع من الممثلين والمخرجين، الذين يعيدون إنتاج القصة بشكل مشوق وجذاب، ويعتمد ذلك كله على السيناريست الذي يكتب أحداث العمل، وحواراته ويحرك شخصياته بتقنياته المختلفة، ولذلك كان الكاتب نجيب محفوظ يرفض كتابة السيناريو لرواياته التي حولت إلى أفلام، لأنه أراد أن يكتسب العمل خبرة السيناريست ويستفيد من التقنيات التي يعتمد عليها في صناعة الحبكة الفنية".
ويختم الدكتور بدير: "لكن على الرغم من الأمثلة العديدة الناجحة في تجسيد الروايات العربية في الدراما، إلا أن هناك أيضاً أمثلة لأعمال لم تحقق النجاح نفسه، بل ربما اتهمت بالفشل، ولم تلق الاستحسان من الجمهور، بل ربما شوهت العمل الروائي، والأمثلة عديدة، ويرجع ذلك إلى الاختيار غير الموفق للرواية المختارة للتجسيد، وعدم القدرة على كتابة السيناريو المناسب لأحداثها، حيث ينقل السيناريو من الرواية كما هي، بل ربما غير في أحداثها وشخصياتها، مثلما حدث في مسلسل "لا تطفئ الشمس" الذي أخذ عن رواية للكاتب إحسان عبد القدوس".
تضافر تقنيات الصناعةوتقول عضو لجنة تحكيم "أمير الشعراء" الناقدة الدكتورة أماني فؤاد: "لا يمكننا أن نطلق حكماً بأن كل الأعمال الدرامية العربية من مسلسلات أو أفلام نجحت في نقل روح ومضامين وفنيات الأعمال الأدبية الروائية أو القصصية، أو فشلت في تحويلها لدراما قائمة على الصورة والمشاهدة، الفن من طبيعته الفرادة، ويتعين الحكم على كل حالة منفردة، كما أن النجاح أو الفشل يتم بدرجات متفاوتة من حالة إلى أخرى، وبنسب مئوية مختلفة، ويتوقف على عمل كاتب السيناريو والمخرج معاً، وأيضاً تضافر كل تقنيات صناعة الصورة والدراما، فعلى سبيل المثال رواية الأديب الكبير الراحل "بهاء طاهر" التي حازت على جائزة أول بوكر عربية "واحة الغروب" تحولت إلى مسلسل تلفزيوني، عُرض في رمضان منذ عدة سنوات، هذا العمل استطاع أن ينقل روح العمل الأدبي وأجواءه، وطقسه المكاني والتاريخي، كما استطاع أبطاله تجسيد أزمات الأبطال الإشكاليين في النص الأصلي، وأحسب أن العمل الدرامي نجح إلى حد كبير في تجسيد روح العمل الأدبي".
وتضيف: "في مجال تحويل الروايات لسينما نجحت بعض الأفلام الحديثة التي تحولت عن روايات أحمد مراد وإبراهيم عيسى في تجسيد نصوصهم الروائية بنسب عالية، وتفاوت نجاح بعض الأفلام الأخرى التي عالجت نصوص روائية أخرى، وللسينما المصرية تاريخ عريق في هذا، فكلنا لن ننسى فيلم "دعاء الكروان" لرواية طه حسين بنفس العنوان، وأيضاً فيلم "الكرنك" لنجيب محفوظ أو الطريق أو قلب الليل، أو الشحاذ، وفي رمضان العام الماضي حوّل المخرج خالد يوسف قصه "سره الباتع" ليوسف إدريس إلى مسلسل تلفزيوني حشد له أكبر عدد من النجوم، وإنتاجاً ضخماً، إذ وفق المخرج في نقل روح العمل على أصعدة فنية، ولم يوفق في بعض الزوايا الفنية الأخرى، ذلك حين أضاف شخصيات كثيرة وعمد إلى التشويق، فأصاب العمل الدرامي ببعض الترهل".
وتتابع الدكتورة أماني فؤاد "في المسلسل الدرامي ذاكرة الجسد المأخوذ عن رواية أحلام مستغانمي وعلى الرغم من توفر كاتب سيناريو جيد للرواية لتحويلها إلى دراما، وأتصور أنه قيل إن الروائية شاركت في كتابة السيناريو، إلا أن المسلسل وقع في الإيقاع البطيء حيث تهاوى من المخرج ولم يستطع أن ينقل فلسفة النص الروائي ولا ما يحمله من رمز بصورة جيدة، ومؤلف العمل الروائي ليس مسؤولاً عن عمله عندما يتحول إلى دراما سينمائية أو تلفزيونية، ويصبح العمل الدرامي مسؤولية مشتركة بين كاتب السيناريو والمخرج، وفي هذا الإطار أتذكر أن نجيب محفوظ رفض تماماً كتابة سيناريو لأي عمل من أعماله الروائية، على الرغم من أنه كتب سيناريو لبعض الروايات الأخرى مثل رواية أنا حرة لإحسان عبد القدوس.
آراء متباينةويقول الأديب والناقد الدكتور أحمد عقيلي: "كثرت الآراء، وتنوعت المواقف، وتباينت بين المثقفين والمتخصصين في الفنون الأدبية المتنوعة من مسرح، وقصة، ورواية، وعلاقتها بالدراما على اختلاف أنواعها وأشكالها، وخصوصاً تحويل الأعمال الروائية الناجحة إلى أفلام، أو مسلسلات، وقد أثار هذا التوجه دائرة من الاستفسارات والمواقف المتباينة، التي ترتكز في محورين، الأول: يرى أن تحويل العمل الأدبي عموماً، والروائي، على وجه الخصوص، إلى عمل درامي: مسلسل تلفزيوني، أو فيلم، أو مسرحية، سيؤدي إلى خلل في بنية العمل الروائي، ويغيّر من ملامحه الحقيقية وآثاره النفسية، نتيجة لتدخل يد المخرج والسيناريست، إضافة إلى المؤثرات الأخرى من أضواء وألوان وأصوات، ما يغير في بنية العمل الأدبي والروائي، أما الموقف الثاني: فهو مؤيد للتوظيف الروائي في العمل الدرامي، لأن الدراما تبث دفقات من الحياة الفنية في جسد العمل الروائي، وتعمّق دلالاته وتجذب القارئ والمتلقي بشكل أكبر، نتيجة للمؤثرات الكثيرة التي تحملها في طياتها، وهي مؤثرات تصوغ خطوطها وترسم ألوانها وتضبط إيقاعها، ريشة المخرج وقيثارته.
ويضيف: "إننا لنجد كثيراً من هذه التجارب والمحاولات في عالمنا العربي، لعلنا نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر، رواية " أفراح القبة" للكاتب والروائي المصري، الحائز على جائزة نوبل في الآداب نجيب محفوظ، ورواية: "دعاء الكروان"، للروائي والأديب المصري طه حسين، ورواية "ساق البامبو" للروائي الكويتي سعود السنعوسي، ورواية "ذاكرة الجسد" للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، ورواية "ذهب مع الريح"، للروائية الأمريكية: مارغريت ميتشل، وغيرها الكثير، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي الموقفين هو الصحيح؟
ويطرح الدكتور عقيلي وجهة نظره بوصفه ناقداً أدبياً، متخصصاً في النقد الأدبي الحديث: "إن الموضوع ذو وجهين، بل إنهما وجهان لعملة واحدة، فقد يبني النص الروائي مجده على حساب الدراما والإخراج الفني، حين يتحول هذا النص الروائي إلى عمل تمثيلي، سواء كان مسلسلاً في حلقات، أو فيلماً طويلاً أو مسرحية، وقد يبني العمل الدرامي نجاحاته وتأثيره الكبير في رؤية المشاهد على حساب الرواية وقوة بنائها، وحبكتها، وصراعها المتنامي، ومقولة عملها المؤثرة، وشخصياتها المدروسة بدقة وإتقان، فالأمر إذاً نسبي ومرتبط بطبيعة العمل الأدبي من جهة، والفن الدرامي الذي يصاغ العمل الأدبي في قالبه، ومدى إتقان هذه الصياغة وإخراجها من جهة أخرى.
ويوضح "إذ ليست كل رواية قابلة لأن تكون فيلماً سينمائياً أو مسلسلاً تلفزيونياً، فالموضوع يلعب دوراً وطبيعة الكاتب وأسلوبه يلعب دوراً، وبيئة العمل الزمانية والمكانية، تلعب دوراً أيضاً، ومع هذا التوجه أو ذاك، لا بد من وجود ضوابط دقيقة لهذه العلاقة بينهما، ألا وهي الأمانة والدقة في تناول العمل الأدبي أو الروائي، فلا ينتقص المخرج من هذا العمل، أو يشوه حقائقه، أو يغيّر في شخصياته وبيئته المكانية أو الزمانية أو التاريخية".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: غزة وإسرائيل زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الرواية العربية أعمال درامية على الرغم من نجیب محفوظ یلعب دورا فی تجسید أن تکون
إقرأ أيضاً:
ضيوف معرض جدة للكتاب 2024 يحذرون من تأثير الذكاء الاصطناعي على الإبداع الأدبي
المناطق_جدة
حذَّر ضيوف البرنامج الثقافي بمعرض جدة للكتاب 2024 من تأثير الذكاء الاصطناعي على الإبداع، وذلك خلال ندوة فكرية استثنائية حملت عنوانًا مثيراً للتأمل: “الذكاء الاصطناعي ومستقبل الكتاب”، تحدث خلالها الدكتور أنس الغامدي، وأدارها الأستاذ محمد باسلامة.
أخبار قد تهمك هيئة الأدب والنشر والترجمة تطلق معرض جدة للكتاب 2024 12 ديسمبر 2024 - 4:28 مساءً
افتتح باسلامة الندوة بإثارة تساؤلات عميقة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على صناعة الكتاب، بقوله: هل سيكون الذكاء الاصطناعي شريكاً يعزز الإبداع أم منافساً يهدد القيم الإنسانية للنصوص الأدبية؟ مشيراً إلى المحاور الرئيسية للندوة التي تضمنت: دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الكتابة والنشر، وتأثيره على الإبداع الأدبي والقيمة الإنسانية للكتب، فضلاً عن التحديات الأخلاقية والقانونية المتعلقة بملكية النصوص المنتجة، بجانب استخدام الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة لتعزيز الابتكار بدلاً من منافسته.
التحدي بين الإبداع الإنساني والذكاء الاصطناعي
وأكد الدكتور أنس الغامدي، أن الذكاء الاصطناعي بات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية في المجالات الفنية، والأدبية، والثقافية، محذرًا: “إن لم نستخدمه، فسيستخدمه غيرنا”. لكنه تساءل: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يبلغ مستوى الأصالة والإبداع الإنساني؟ مجيبًا بأن ذلك غير ممكن بسبب افتقار الآلة للتجارب الإنسانية التي تغذي العمل الإبداعي.
التكنولوجيا وصناعة الكتاب
تطرق الغامدي لدور الذكاء الاصطناعي في تعزيز أعمال دور النشر من خلال تحسين التسويق، والإنتاج، والبيع. لكنه شدد على أن ترجمة النصوص بواسطة الآلة لا تزال تعاني من فجوات عاطفية، قائلاً: “عندما تقرأ نصاً مترجماً بواسطة الآلة، تشعر بإحساس المترجم لا الكاتب”.
بين التكنولوجيا والإبداع
ركزت الندوة على استكشاف كيف يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تعيد تشكيل تجربة الكتابة والنشر، مع تأكيد ضرورة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة داعمة للإبداع البشري. كما ناقشت التحديات الأخلاقية والمهنية المتعلقة بملكية النصوص المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، مع طرح رؤى مبتكرة لتوظيف هذه التقنية في تحقيق مستقبل مستدام يجمع بين الإبداع الإنساني والابتكار التكنولوجي.
في الختام، حملت الندوة رسالة محورية مفادها أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للإبداع الإنساني، لكنه أداة يمكنها إثراء هذا الإبداع إذا أحسن استخدامها.
يُشار إلى أن معرض جدة للكتاب 2024 يستقبل زواره يومياً من الساعة 11 صباحاً حتى 12 منتصف الليل، باستثناء يوم الجمعة حيث تبدأ الزيارة من الساعة 2 ظهرًا، ويستمر حتى 21 ديسمبر الجاري.